لنبدأ أوّلا بمونيه. عالمه الصامت من الأضواء والتموّجات المائية وشغفه بالألوان هو علامته الفارقة. وأيضا هناك ضربات فرشاته الوصفية التي تمسك بشخصية الأشياء.
لكن أعظم إنجازاته هو فهمه العميق للعلاقة بين الضوء واللون والظل. فكرة الماء كما جسّدها مونيه في صوره بما تثيره من مشاعر وذكريات، استلهمها موسيقيّون وشعراء.
ومناظره التي تعكس حبّه للطبيعة واحتفاءه بالحياة، والتي تذوب فيها الأشياء وتنمحي الهويات، تُشبّه أحيانا بموسيقى ديبوسيه أو شوبان التي تمتلئ بالتدرّجات الصوتية والانفعالية.
تنظر إلى لوحة من لوحاته فيصعب عليك أن تعرف إلى أين يتّجه الغيم أو متى تهبّ الرياح أو ينزل المطر. ومونيه بهذا المعنى شاعر طبيعة غنائية.
أما رينوار فهو رسّام متع الحياة البسيطة، كالصحبة الطيّبة والطعام الجيّد والطبيعة الرائعة، كما تعكسها لوحاته عن حفلات القوارب فوق مياه السين.
عالمه جميل ومغسول بالشمس وباعث على السرور وأحيانا مثير للملل. ومناظره متفائلة ومليئة بالضوء والموسيقى والوجوه النضرة.
كان رينوار يحتفي بالجمال في البشر والطبيعة. وموضوعه المفضّل هو العيش في اللحظة الراهنة والإمساك بلحظات عابرة تتحوّل بعد حين إلى ذكريات وحنين إلى ماضٍ لن يعود. والرسم عنده كان وسيلة لمنح الإحساس بالسعادة وإظهار الجمال في الطبيعة والحياة.
كان رينوار يركّز على القيم الزخرفية والمتع البصرية. ومثل مونيه، لم يوظّف فنّه لخدمة السياسة أو الدعاية. وهذا مما يُحسب للإثنين ولا شكّ.
وعودا على بدء: مونيه أم رينوار أهمّ؟ والجواب مونيه طبعا. فهو مؤسّس مدرسة فنّية كبيرة (أي الانطباعية)، ثم إن أسلوبه هو النموذج الأمثل لهذه المدرسة. كما أن محاكاة أسلوبه والاهتمام بأعماله يزداد ولا ينقص مع مرور السنوات.
❉ ❉ ❉
هناك في الرواية سرد للكثير من الأحداث التي قد لا تشدّ القارئ، بل ربّما تُشعره بالملل. وفي هذه الحالة يمكنك تخطّي بعض الصفحات دون أن تشعر أنك أضعت خيط السرد أو فقدت شيئا من روح الكتاب. ومثال ذلك الحوارات المطوّلة والمعلومات المستفيضة بأكثر ممّا ينبغي عن صراعات اللاهوت والمدارس المذهبية المختلفة.
لم أشغل نفسي كثيرا بالعلامات والرموز التي تمتلئ بها الرواية، ربّما لأنني غير ملمّ بالسيميائية التي كان امبرتو ايكو متعمّقا ومتخصّصا فيها.
الشخصية التي أعجبتني أكثر من غيرها في الرواية هي شخصية غوليالمو. فبرغم انه رجل دين ويعمل في وسط متشدّد ودوغماتي وميّال للتكفير والإقصاء، إلا انه يظهر كثيرا كشخص متفتّح العقل ومتسامح ومؤمن بالاختلاف، بالإضافة إلى ذكائه وسرعة بديهته.
وأخيرا لا بدّ من الإشادة بجهد المترجم احمد الصمعي ولغته البديعة والسلسة. هناك ميزة إضافية لقراءة هذه الترجمة تتمثل في أن المترجم نقل الكتاب مباشرةً من الإيطالية إلى العربية.
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
الطائر الأوّل يُسمّى الكويتزال، ويعيش في غابات أمريكا الوسطى. وموطنه الأصلي المكسيك وغرب بنما. ويبدو في طيرانه ذا بهاء وجلال بفضل ذيله الطويل وألوانه اللامعة تحت الضوء. ولهذا الطائر الخجول حضور في أساطير الأزتك حيث اعتُبر دائما رمزا للحرّية. ويقال إنه يقتل نفسه عند أسره أو وضعه في قفص. والكويتزال هو الطائر الوطني لغواتيمالا، وتظهر صورته على علم البلاد كما سُمّيت عملتها، أي الكويتزال الغواتيمالي، على اسمه.
أما الطائر الثاني فيُعرف بالدرّاج المنشد أو دراج واليتش، نسبة لاسم عالم طيور دنمركي. ويغلب عليه اللون الرمادي مع دائرة حمراء حول عينيه وعُرف ريشي. وهو يعيش في أعالي الهمالايا وفي الهند ونيبال وباكستان. والدرّاج المنشد معروف بحذره الشديد من البشر ويُصنف من الطيور المهدّدة بالانقراض.
والطائر الثالث إسمه "العقعق التايواني الأزرق". وقد أطلق عليه هذا الإسم عالم الطيور الإنغليزي جون غولد عام 1862. وقبل ذلك كان يُسمّى "حورية الجبال الطويلة الذيل"، وهو اسم يبدو أجمل. هذا النوع من الغربان يعيش في الغابات، ولا يوجد سوى في تايوان.
أما الرابع فاسمه "الكاردينال ذو العُرف الأحمر"، وموطنه الأصلي أمريكا الجنوبية وجزر هاواي. ويُعرف هذا الطائر أيضا بالكاردينال البرازيلي. ويتغذّى غالبا على البذور والنباتات والفاكهة.
❉ ❉ ❉
من الدروس التي تعلمنا إيّاها هذه القصّة الرائعة أن الخير والشرّ مخلوقان مع الإنسان ويتعايشان بداخله جنبا إلى جنب منذ الأزل. وأن الإنسان أُعطي حرّية الاختيار في تغليب الخير أو الشرّ في أفعاله وتصرّفاته. وأن إطعام الذئب الخيّر في داخلنا من شأنه أن يعزّز شعورنا بالمحبّة والتواضع والخيرية والسلام والتراحم والإيثار والتعاطف مع الآخرين الخ.
عندما تغذّي الذئب الشرّير فإنّما تغذّي المشاعر السلبية بداخلك، كالكراهية والندم والغضب والجشع والإحساس بالذنب والحسد وما الى ذلك. نعم يجب الاعتراف بوجود تلك المشاعر، لكن لا ينبغي أن نجعلها محور اهتمامنا وتفكيرنا.
الذئب الشرّير هو ناقدك الداخلي، هو الذي يقول لك أنت فاشل وعالة ولا تنفع لشيء، ويحاول أن يحبطك ويوتّرك ويقلّل من احترامك لنفسك.
هذه القصّة الرمزية الجميلة تقول لك: جوّع الذئب العنيف والمتوحّش بداخلك، لأن قطع الطعام عنه سيجعلك توجّه أفكارك في الوجهة الصحيحة وتستثمر مشاعرك بطريقة صحّية وإيجابية.
❉ ❉ ❉
يقول العلماء انه كانت تعيش على الأرض حيوانات ضخمة megafauna ومفترسات عليا apex predators، لكن حالما يصل الإنسان إلى موطنها فإن تلك الحيوانات تنقرض بسرعة.
لذا يقال إن الإنسان أخطر حيوان على وجه الأرض، خاصّة عندما يعمل ضمن مجموعة ويملك أسلحة وأدوات. صحيح أن التغيّر المناخي له دور مهم، لكن يد الإنسان هي التي قضت على معظم الحيوانات الكبيرة.
Credits
claude-monet.com
pierre-auguste-renoir.org
claude-monet.com
pierre-auguste-renoir.org