:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، أغسطس 09، 2024

حبّ المكان


تبدَّت لنا وسطَ الرّصافةِ نخلةٌ : تناءتْ بأرضِ الغَرب عن بلدِ النخْلِ
فقلت: شبيهي في التغرّبِ والنّوَى : وطولِ اكتئابي عن بنيَّ وعن أهلِي
نشأتِ بأرضٍ أنتِ فيها غريبةٌ : فمثلكِ في الإقصاء والمُنتأى مثلي

هل سبق أن اشتقت الى مكان ما أو الى السير في طرق تعرفها مثل راحة يدك؟
ربّما تتمنّى أن ترى شمس المساء في مسقط رأسك مرّة أخرى.
وقد تأخذك نفحة سريعة من عطر أمّك إلى الوقت الذي كانت فيه تحملك بين ذراعيها.
هذه الحوّاس المألوفة عن الأماكن هي ما يُعرف بالتوبوفيليا Topophilia أو حبّ المكان. وأصل الكلمة يوناني، ويتكوّن من توبوس بمعنى المكان وفيليا بمعنى الحبّ.
والكلمة تجسّد بشكل جميل حالة الناس وعلاقتهم بالمكان. وهي تشبه العديد من صفاتنا الإنسانية التي تعيش طالما أن غريزتنا القديمة تسمح لنا بتشكيل الأماكن ومن ثمّ تشكيل أنفسنا بها.
وقد استخدم هذا المعنى العديد من الفنّانين والكتّاب مثل "غاستون باشلار" و"أودن" و"يو فو توان". وكلّ منهم خرج بنظريّته الخاصّة. ونقيض حبّ المكان هو الخوف من المكان او التوبوفوبيا Topophobia، ومثاله المكان الذي يُلقي عليه الخوف بظلاله المظلمة ويَشعُر المرء فيه بالرهبة أو القلق.
في كتابه الصادر عام 1974، قدّم عالم الجغرافيا الأمريكي يو فو توان عرضا لكيفية اختلاف الروابط العاطفية مع البيئة المادّية من شخص لآخر. وتشمل العوامل التي تؤثّر على عمق استجابة الفرد للبيئة الخلفية الثقافية والجنس والعرق والظروف التاريخية.
ورأى توان أن التوبوفيليا او حبّ المكان قد لا تكون أقوى المشاعر الإنسانية، بل في الواقع يشعر الكثير من الناس باللامبالاة التامّة تجاه البيئات التي تصوغ حياتهم. لكن عند تفعيل تلك المشاعر فإنها تستطيع الارتقاء بمكان ما ليصبح حاملا للأحداث المشحونة عاطفيا أو النظر إليه باعتباره رمزا.
وتقدير الجمال هو إحدى الطرق التي يستجيب بها الناس للبيئة، مثل تأمّل قوس قزح ملوّن بعد أمطار غزيرة بعد الظهر أو شارع مدينة مزدحم ينبض بالتفاعل البشري.
وعندما يكون المكان موطنا، أو عندما يصبح موضعا للذكريات أو وسيلة لكسب العيش، فإنه كثيرا ما يثير مجموعة أعمق من الارتباطات من تلك التي تعتمد فقط على العناصر البصرية. فهناك استجابة أخرى للبيئة تعتمد على الحواسّ البشرية كاللمس والشم، أي الاستمتاع بملمس ورائحة الهواء والماء والأرض.
ومن ذلك قول الشاعر العربي القديم:
وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إليهمُ : مآرِبُ قضَّاها الشبابُ هُنالكا
إذا ذَكَروا أوطانَهم ذكَّرتْهمُ : عهودَ الصّبا فيها فحنُّوا لذلِكا
وقول آخر:
وأذكرُ أيّامَ الحِمى ثمّ أنثني : على كبِدي من خشيةٍ أن تَصَدّعا
فليسَت عَشيّاتُ الحِمى برَواجعٍ : عليكَ ولكنْ خَلِّ عينيكَ تدمَعا
كأنّا خُلقنا للنوى وكأنّما : حرامٌ على الأيّامِ أن نتجَمّعا
من الصعب تصميم التوبوفيليا أو قياسها. كان مفسّروها الأكثر وضوحا هم الفلاسفة، مثل هنري ديفيد ثورو الذي استحضر إحساسا معقّدا ورائعا بالمكان في والدن بوند، ومثل توان الذي وصف مطوّلا انجذابه العميق للصحراء.
أحيانا قد لا ترى أن المكان الذي تعيش فيه يكتسب أيّ أهمية بالنسبة لك، كما انه ليس أكثر جمالا بطبيعته من أيّ مكان آخر على الأرض. ما يجعل المكان مميّزا هو الطريقة التي يدخل بها الى القلب، وليس ما إذا كان مسطّحا أو وعرا، غنيّا أو متقشّفا، لطيفا أو قاسيا، دافئا أو باردا، جامحا أو مروّضا. كلّ مكان، مثل أيّ إنسان، يرتقي بالحبّ والاحترام الذي يُظهَر له وبالطريقة التي يتميّز بها.


أحيانا تنتقل إلى مكان جديد وتشعر أنه ليس مكانك. وربّما كنت تقيم في مكان ما لسنوات، أو حتى لعقود من الزمن، لكن لم ينشأ لديك بعد شعور بالتجذّر فيه. وقد تعيش في بلدة أو مدينة، ولكنك لا تشعر بأنك تنتمي إلى مجتمع حقيقي، ولا تشعر بأنك جزء من سياق العلاقات والبيئة والثقافة فيه.
وبينما أن الشعور بالانتماء إلى البيت قد يبدو شيئا يأتي تلقائيا مع مرور الزمن، مثل كلّ شيء في الحياة، الا ان التوبوفيليا أو حبّ المكان يتطلّب قصديةً وعمدا لكي ينشأ. ومثل الوقوع في حبّ شخص آخر، فإن تطوير الانجذاب إلى مكان معيّن يتضمّن التعرّف عليه عن كثب ومعرفة كلّ التفاصيل عنه.
أحيانا نتعرّف على بعض الأشخاص الذين قد يَبدون في البداية غير جذّابين، ولكن لديهم شخصيات دافئة ومرحّبة، ويبدون أكثر جاذبية كلّما ازدادت معرفتنا بهم، وكذلك الأمر بالنسبة للأماكن الأقلّ جاذبية.
وحتى لو كنت لا تعتقد أن المكان الذي تقيم فيه حاليا هو المكان الوحيد الذي تملكه وتحتفظ به حتى يفرّق بينكما الموت، فإن الأمر يستحقّ محاولة تطوير علاقة أعمق معه.
حاول مثلا أن تخرج للمشي أو ركوب الدراجة. هذه الرحلات تساعد على رؤية الجمال الحقيقي للمكان الذي تعيش فيه على نطاق أبطأ وأصغر. ربّما تكتشف جداول صغيرة وبقعا من المروج المليئة بالزهور البرّية، أو المتنزّهات الصغيرة وملاعب الأطفال التي لم تكن لتراها بغير هذه الطريقة.
ومن الطبيعي أن تلاحظ أشياء كنت ستفوّتها لو كنت متنقّلا بالسيارة مثلا. وسيكون بمقدورك أن تنظر حولك وتُشرك جميع حواسّك. وستلقي بالتحيّة على الأشخاص الذين تقابلهم في الطريق والذين هم في الواقع جيرانك، حتى لو كنت على بعد أميال قليلة من منزلك. ثم من الممتع أن تنظر حولك أثناء المشي، الى المنازل والسماء وفي النباتات والحيوانات.
وإحدى أفضل الطرق لتطوير التوبوفيليا أو حبّ المكان هي الخروج إلى طبيعة المكان وتجربة الطقس والمناظر الطبيعية والبيئة. وهناك شيء يتعلّق بإدخال تراب التضاريس إلى أنفك والتعرّف على ملمس الهواء ورائحته عند الفجر والغسق، وهو ما يحرّك مكانا قصيّا في أدمغتنا.
ثم عليك التعرّف على الناس في المكان الذي تعيش فيه. في الواقع ليس من المهم تكوين صداقات فورية، بل إن مجرّد معرفة الوجوه في مجتمعك الصغير يوفّر بعض الشعور بالتقدير ويجعل إلقاء التحيّة أمرا أكثر دفئا. فمن الثابت علميّا أننا نحبّ الناس بسبب الألفة وحدها. صحيح أن هناك الكثير من الأشخاص في منطقتنا الذين قد لا نعتبرهم أصدقاء جيّدين، ولكن يمكن أن يفيد التعرّف عليهم في الشعور بأننا ننتمي إلى المكان.
اللافت للنظر في تجربة العالِم توان هو أنه انفصل عن الدراسات المعاصرة للإدراك البيئي، والتي تضمّنت في الغالب استخدام الأساليب النفسية. وقدّم تفسيرا للتجربة البيئية من منظور واسع لباحث إنساني وجغرافي نسَج معا أفكارا استمدّها من الشعراء واليونان الكلاسيكية ونقّاد الفن وعلماء الأنثروبولوجيا وعلم الكونيات ومدن الحدائق ونيويورك والضواحي والعصور الوسطى.
إننا عندما نفهم التوبوفيليا فإن أهميّتها تصبح واضحة، وتتجلّى في العديد من تجارب الهواء الطلق، كالتزلّج والمشي لمسافات طويلة والجلوس في الشمس. وهذه الأنشطة نختبرها عندما نسافر إلى أماكن جذّابة، منتجعات أو مدن تاريخية أو غير ذلك، لأنها ثمرة جهود المهندسين المعماريين والمخطّطين لإنشاء تصاميم جميلة من الناحية الجمالية وإعدادات متوافقة مع عمل الناس وعيشهم.
كان يو فو توان كاتبا غزير الإنتاج ومفكّرا عميقا، وكان يُعرف بأبي الجغرافيا الإنسانية التي نشأت في السبعينيات كوسيلة لمواجهة ما اعتبره الإنسانيون ميلا للتعامل مع الأماكن على أنها مجرّد مواقع، بينما يذهب الجغرافيون الإنسانيون الى أن الأماكن التي نسكنها تحتوي على العديد من الشخصيات التي تقاطعت حياتها معها، وعلى الكثير من القصص التي نرويها عن تلك الأماكن وتقول لنا الكثير عن هويّتنا وعن المكان الذي زرعنا فيه أقدامنا.
ومن عبارات توان المشهورة أن الناس يعتقدون أن الجغرافيا تتعلّق بالعواصم والتضاريس وما إلى ذلك. لكن الأمر يتعلّق أيضا بالمكان؛ بلهجته العاطفية ومعناه الاجتماعي وإمكاناته التوليدية".
ومن الأفكار التي تَناولها توان الزمن والعمر والحزن والفقد والخير والسعادة ومفهوم المنزل. وكلّها موضوعات استكشفها بإسهاب في أكثر من 20 كتابا له، منها كتابه الأشهر "الفضاء والمكان" وكذلك "الجغرافيا الإنسانية". ويُلقي كلا الكتابين نظرة على حياة المؤلّف المبكّرة في الصين وصعوده ليصبح أحد أكثر المثقّفين شهرة وابتكارا في أمريكا.
وقد ساهمت أعماله في تشكيل تفكير أجيال من طلاب الجغرافيا والأكاديميين، كما أسهم تشكيله للجغرافيا الإنسانية في إحداث تحوّلات فلسفية مهمّة في هذا المجال.
ومن خلال التركيز على البشر ككائنات تفكّر وتحلم وتتخيّل العالم وقادرة على الخير والجمال والحقيقة وكذلك على الجشع والقسوة والسيطرة، أظهر لنا توان كيف تنعكس كلّ هذه السمات على مساحاتنا وأماكننا ومناظرنا الطبيعية.

Credits
yifutuan.org
thoreausociety.org

الأربعاء، أغسطس 07، 2024

معلّم لجميع العصور


على مدى قرون، كانت تقام في الصين احتفالات سنوية بذكرى ميلاد كونفوشيوس. لكن تلك الاحتفالات اُلغيت خلال القرن العشرين بسبب موقف الحزب الشيوعي الذي كان يرى أن الكونفوشية تمثّل أفكار الإقطاع الرجعي الذي كان يريد إخضاع الشعب للأرستقراطية وجعلها جزءا من النظام الثقافي للبلاد.
لذا أمر ماو وحزبه بحظر جميع الطقوس والاحتفالات التي تُحيي ذكرى كونفوشيوس وتمجّد أفكاره. لكن بعد موت ماو أعيد الاعتبار للفيلسوف الصيني وعادت الاحتفالات السنوية التي تُحيي ذكراه.
والمفارقة أن العديد من أعضاء الحزب الحاكم الذي سبق أن حاول شطب كونفوشيوس من تاريخ الصين أصبحوا يشاركون في هذه الفعاليات، بل ويؤكّدون على المكانة المركزية للرجل في الثقافة الصينية.
طبقا للسجلات التاريخية، عندما ولد كونفوشيوس كان رأسه "على قمّة الأرض"، وكانت أسنانه مكشوفة خارج شفتيه ومنخراه مواجهين للسماء وأذناه كبيرتين للغاية وعيناه جاحظتين.
ويبدو هذا الوصف غريبا جدّا، وربّما مخيفا. لكن كان من عادة القدماء في كلّ مكان أن يخلعوا على الأشخاص العظام أوصافا شاطحة ومبالغا فيها.
كان كونفوشيوس، أو المعلّم كونغ كما كان يُعرف في زمانه، معاصرا لليونيداس وكورش الكبير وداريوش وغوتاما بوذا ولاو تسو وفيثاغوراس وإسخيليوس. وفي زمانه وقعت معركتا سالاميس وثيرموبيلاي المشهورتان.
وقد اعتبر الناس كونفوشيوس قدّيسا ومفكّرا ومعلّما للأجيال. وكانت له ثلاث هويّات مختلفة: النبيّ والرجل النبيل ومعلّم الإمبراطور. وقد ضُخّمت الصفة الأخيرة من قبل حكّام من سلالات وأجيال مختلفة بحيث حَجبت الهويّتين الأخريين.
وقيل عنه إنه نبيّ، لأنه عرف المبادئ الأخلاقية الأساسية اللازمة لكي يعيش الناس معا بسلام. كان يدرك أن السماء لا تتكلّم، لذلك ثمّة حاجة للأنبياء من ذوي البصيرة الذين يحملون ولاية السماء بإرادة الله للتحدّث نيابةً عنه الى أهل الارض.
وقد تناول في أفكاره السياسة والتعليم والأخلاق، وركّز على أهمية المُسالَمة وحبّ الإنسانية وتقديس الأسلاف وضبط النفس والالتزام بالطقوس واحترام كبار السنّ. أما القاعدة الذهبية التي شدّد عليها في فلسفته فكانت: ما لا تحبّه لنفسك لا تحبّه لغيرك".
كانت وفاة كونفوشيوس عام 479 قبل الميلاد في كوفو بإقليم تشاندونغ عن 72 عاما. ووقت وفاته لم تكن أفكاره قد أثّرت بعد على الثقافة الصينية. لكنها فيما بعد أصبحت الفلسفة الرسمية للصين.
وخلافا لوصيّته بعدم تولي النساء أمور الدولة، حكمت خمس نساء الصين أثناء حكم سلالة تشنغ. وإحدى أشهرهن كانت الامبراطورة تشيجي التي حكمت البلاد وكانت مسئولة ايضا عن السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.
من الأفكار المهمّة في الكونفوشية برّ الوالدين والإحسان إليهما. ومنها انبثقت فكرة أخرى أكثر شمولا هي تقديس الأسلاف. وقد اعتقد ماو أن الأجداد هم سبب تخلّف الصين. لذا قرّر من خلال الثورة الثقافية تدمير كلّ ما يذكّر بماضي البلاد.


ورغم انه قطع شوطا في ذلك، إلا أن ثورته فشلت في النهاية لأسباب موضوعية، إذ لم يكن من السهل إلغاء تقاليد وأفكار تجذّرت في ذاكرة ووعي الناس لأكثر من 3 آلاف عام. كما لم يكن معظم الصينيين ينظرون بعين الرضا للنموذج البديل الذي كان ماو يبشّر به والمستند الى عبادة الشخص وتوحّش الدولة.
وبعد وفاة ماو عاد كونفوشيوس والكونفوشية بقوّة إلى الواجهة، بينما لم يعد أحد يذكر اسم ماو تسي تونغ هذه الأيّام الا بالكاد.
وبالمناسبة يقال إن أطول شجرة عائلة في العالم هي شجرة عائلة كونفوشيوس، وأن الجيل الحالي هو الـ 83 للعائلة منذ موت الفيلسوف. ويبلغ عدد أحفاده المعروفين والمسجّلين اليوم أكثر من مليوني شخص في الصين وحدها.
وفي كوريا يوجد أكثر من ثلاثين ألفا من أفراد السلالة الذين هاجروا إلى هناك بدءا من القرن الرابع عشر. كما أن العديد من أحفاد كونفوشيوس هم من المسلمين. وأوائل هؤلاء كانوا ثمرة زواج امرأة صينية مسلمة من أحد أفراد الجيل التاسع من أحفاد كونفوشيوس عام 1480. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تزوّج المزيد من أولئك الأحفاد من نساء مسلمات ينتمين غالبا إلى إقليمي غوانتسو ويونان.
ولعل أفضل ختام للموضوع هو التذكير ببعض أشهر العبارات المنسوبة إلى كونفوشيوس:
  • العقول الكبيرة تناقش الأفكار، والعقول العاديّة تناقش الأحداث، والعقول الصغيرة تناقش الأشخاص.
  • إذا كنت أذكى شخص في الغرفة، فأنت في الغرفة الخطأ.
  • لا تأسف على أن أحدا لا يعرفك، بل اعمل لأن تكون جديرا بأن تُعرف.
  • الجمال موجود في كلّ شيء، لكن ليست كلّ عين تراه.
  • الحكماء يستمتعون بالمياه والخيّرون يستمتعون بالجبال. الحكماء نشيطون والخيّرون ساكنون. الحكماء سعداء والخيّرون يعيشون طويلا.
  • الحياة بسيطة حقّا، ولكننا نصر على جعلها معقّدة!
  • المعرفة الحقيقية هي أن يعرف الإنسان مدى جهله.
  • إذا كنت تفكّر لعام، فازرع بذرة. وإذا كنت تفكّر لـ 10 أعوام، فازرع أشجارا. وإذا كنت تفكّر لـ 100 عام، فعلّم الناس.
  • لدينا حياتان. والحياة الثانية لا تبدأ إلا عندما ندرك أننا نملك حياة واحدة فقط.
  • الموسيقى تنتج نوعا من المتعة التي لا تستطيع الطبيعة البشرية الاستغناء عنها.
  • عندما يشير الرجل الحكيم إلى القمر، يتفحّص الشخص الأحمق إصبعه.
  • القصب الأخضر الذي ينحني في الرياح أقوى من شجرة السنديان العظيمة التي تنكسر في العاصفة.
  • في بلد يُدار جيّدا، يصبح الفقر أمراً مخجلاً. وفي بلد لا يُدار جيّدا، يصبح الثراء أمراً مخجلاً.
  • عندما نرى أشخاصاً ذوي قيمة، فيجب أن نفكّر كيف نصبح مثلهم. وعندما نرى أشخاصاً ذوي طباع سيّئة، فيجب أن نلتفت إلى دواخلنا ونتفحّص أنفسنا.
  • قبل أن تبدأ رحلة الانتقام إحفر قبرين!
  • من لا ينجح معه الافتراء الذي يتسرّب إلى العقل تدريجيّا، ولا الكلام الذي يفاجئنا مثل الجرح في الجسد، يمكننا أن نطلق عليه ذكيّا حقّا.
  • اختر الوظيفة التي تحبّها، ولن تضطرّ للعمل يوما واحدا في حياتك.
  • الرجل الذي يحرّك الجبل يبدأ بحمل الحجارة الصغيرة.
  • أكثر الناس مرحا هم أكثرهم حزنا.
  • الجهل هو ليل العقل، لكنه ليل بلا قمر ولا نجوم.
  • لا تأسف على أن أحدا لا يعرفك، بل اعمل لأن تكون جديرا بأن تُعرف.
  • إذا أردتم سماع اصوات الطيور، فلا تشتروا اقفاصاً بل اغرسوا اشجاراً.
  • إننا لم نعرف شيئا حتى الآن عن الحياة، فكيف نعرف شيئا عن الموت؟!
  • مهما بلغت درجة انشغالك فلا بدّ أن تجد وقتاً للقراءة. وإن لم تفعل فقد أسلمت نفسك للجهل بمحض إرادتك.

  • Credits
    chinaknowledge.de

    الاثنين، أغسطس 05، 2024

    جيروم والشرق


    من الأعمال الفنيّة الجميلة التي تنطبع تفاصيلها في الذهن بسهولة اللوحة التي فوق، واسمها "صلاة العصر في القاهرة"، للرسّام الفرنسي جان ليون جيروم (1824-1904). ظهرت هذه اللوحة على أغلفة العديد من الكتب وأصبحت رمزا للشرق القديم الذي طالما حلم به الشعراء والفلاسفة وهيمن على مخيّلة الأوربيّين لزمن طويل.
    كان جيروم رحّالة وأستاذا جامعيا ورجل أعمال. وكان من أنصار الكلاسيكية الجديدة (Neoclassicism) والأكاديمية (Academicism)، وهما حركتان فنيّتان رئيسيتان في أوروبّا القرن التاسع عشر.
    غير أن أحدا لا يتذكّره اليوم إلا بالكاد. ومع ذلك فإن صوره عن الشرق القديم ما تزال رائجة، لأنها تذكّر الناس بالماضي والسنين الخوالي.
    كان الرسّام مفتونا بصلاة المسلمين وبمعمار الجوامع القديمة. وكان من عادته أن يضيف إلى رسوماته للجوامع تفاصيل من خياله لجعلها تبدو كالصروح الفخمة. لكنه في هذه اللوحة اختار أن يرسم مجموعة من الناس يؤدّون الصلاة على سطح منزل بسيط في قاهرة القرن التاسع عشر.
    كلّ التفاصيل في الصورة بديعة: منظر السماء الضبابية التي تضفي على المنظر طابعا من المهابة والجلال، منارات مسجد محمّد علي ومبنى القلعة المشهورة في الخلفية، الأشخاص الذين يؤدّون الصلاة فرادى على أسطح المنازل المجاورة، الشيخ المسنّ الذي يتحامل على نفسه ليؤدّي الفريضة، والشخص الآخر الذي يصلّي متقلّدا خنجرا طويلا.
    يقول أحد النقّاد إن لوحة جيروم هذه بعيدة إلى حدّ ما عن الحقيقة. فالمئذنة التي وُضعت بشكل بارز على اليسار تقع في الواقع على بعد أميال من هذا المكان. كما أن بعض المصلّين يَظهرون أيضا في لوحات أخرى لجيروم في سياقات وملابس مختلفة، مثل الرجل الساجد الى اليمين والمرتدي ثوبا أصفر، ومثل الإمام الى أقصى اليسار الذي يظهر في لوحة أخرى للرسّام اسمها " المؤذّن". لكن هذه "التلاعبات" لم تكن غير مدروسة، بل تعمّد الفنّان اختيارها لأسباب جمالية أو تجارية.
    في لوحة أخرى لجيروم تتميّز بفخامة تفاصيلها وبهدوئها الرائع والغريب، يرسم أسدا وحيدا يجلس فوق صخرة مرتفعة وينظر إلى السهل الواسع والممتدّ أمامه متأمّلا منظر الغروب الأرجواني للشمس. ويُرجّح أن الرسّام رأى مثل هذا المنظر المهيب أثناء إحدى رحلاته بين مصر وشمال أفريقيا حوالي عام 1880.
    وهناك لوحة معبّرة أخرى لهذا الرسّام بعنوان "عربي مع حصانه في الصحراء" من عام 1872 يصوّر فيها فارسا عربيّا وهو يحنو على فرسه المتمدّد على الأرض من شدّة الإنهاك بعد السير مسافة طويلة في صحراء شمال أفريقيا، حيث حرارة الشمس الحارقة ووعورة الطريق.
    وجيروم معروف أيضا بلوحاته العديدة التي رسمها لنابليون أثناء حملته العسكرية على مصر. وفي إحداها بعنوان "بونابرت أمام أبو الهول" يظهر الجنرال الفرنسي ممتطيا حصانه وواقفا أمام تمثال أبي الهول وكأنه يتبادل معه حوارا صامتا. وفي أخرى يظهر بونابارت منعزلا عن بقيّة رجاله وواقفا أمام بعض معالم القاهرة وهو في حال من التفكير العميق.
    والرسّام يستثير في جميع لوحاته لنابليون فكرة القدَر، فهو لا يرسمه مثلا وهو يقاتل في معركة أو ينجز عملا بطوليّا، بل يرسمه وهو واقف أمام التمثال وكأنه يستنطقه ويستشيره، فيواجَه بنظرة هذا الصرح الغامض القادم من وراء القرون.


    وفي إحدى صور جيروم الأخرى يظهر نابليون ممتطيا ظهر جمل ومحاطا بعدد من جنوده. قيل إن هذه اللوحة تصوّر ظروف الطبيعة الصعبة التي واجهها في مصر. وهناك من رأى فيها مظهرا من مظاهر صراع الحضارات. فنابليون وجنده يرتدون ملابس غربية، لكنهم يركبون الجمال ويسافرون في الصحراء العربية التي لا يعرف سوى أهلها كيف يطوّعونها ويروّضون جموحها.
    ولجيروم أيضا لوحة أخرى هي "ساحر الثعابين". وقد اشتهرت هذه اللوحة كثيرا بعد أن ظهرت على غلاف كتاب "الاستشراق" للمفكّر والأكاديمي إدوارد سعيد عام 1978، وأصبحت محفّزا لنقد الاستشراق ككل، والرسم الاستشراقي بشكل خاص، رغم أن المؤلّف لم يتحدّث عن هذه اللوحة أو يذكرها بالاسم في كتابه.
    وفيها يظهر صبيّ عارٍ يقف على سجّادة في وسط غرفة جدرانها مبلّطة بالأزرق، ويحمل ثعبانا يلتفّ حول خصره وفوق كتفه، بينما يجلس رجل على يمينه وهو يعزف المزمار. أما المتفرّجون على هذا العرض فجماعة من رجال القبائل المسلّحين.
    الناقد الإنغليزي جوناثان جونز يصف لوحة "ساحر الثعابين" بأنها رؤية إمبريالية رخيصة للشرق وخيال غربي خبيث واستغلاليّ عن المنطقة. ويضيف إن مضمون اللوحة يدعم فكرة كتاب إدوارد سعيد الذي يقول إن "الخبراء" الأوروبيين في القرن التاسع عشر وصفوا مجتمعات الشرق الأوسط بطرق أبهجت المخيّلة الغربية، وفي نفس الوقت قلّلت من إنسانية الشعوب التي تتغذّى عليها تلك المخيّلة.
    ويضيف أن التلصّص في الصورة واضح، وأن اللوم في ذلك يتحوّل إلى الجمهور المتراجع في اللوحة. وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى البلاط الجميل في الغرفة على أنه دليل على بقاء الثقافات الأقدم والأرقى التي ذكر المستشرقون الغربيون أنهم يعرفونها ويحبّونها أكثر من "السكّان المحليين المنحلّين".
    المعروف أن لوحة "ساحر الثعابين" رُسمت في إسطنبول واستكمل جيروم رسمها في محترفه في باريس. وكان الرسّام قد سافر كثيرا طوال حياته عبر أوروبا وأجزاء عديدة من الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.
    كانت لوحات جيروم الاستشراقية تلبّي افتتان الجمهور الأوروبّي بالغرائبية والإثارة الموجودة في الشرق. وكان هذا التغريب للآخر، أي جعله يبدو غرائبيّا (Exoticization) ، يعكس المواقف الإمبريالية في ذلك الوقت. لكنه ساهم أيضا في ازدياد شعبية وتأثير أعمال الرسّام.
    في أوائل القرن العشرين لم يعد أسلوب جيروم مفضّلا ولا مواضيعه، خاصّة مع ظهور الانطباعية وغيرها من الحركات الفنيّة الحديثة. ونتج عن ذلك تراجع اسمه لبعض الوقت.
    وبينما يأخذ عليه الكثيرون المنظور الاستشراقي المتأصّل في لوحاته، فإن مهارة جيروم الفنيّة واهتمامه الإثنوغرافي بالتفاصيل والنهج السردي في صوره لا يزال يُعترف به كإنجاز فنّي مهم في التصوير الاستشراقي في القرن التاسع عشر. وفي السنوات الأخيرة ظهر اهتمام متجدّد بفنّه وأقيمت معارض استعادية كبرى لأعماله في العديد من المتاحف المرموقة حول العالم.

    Credits
    musee-orsay.fr