عاش الرسّام النرويجيّ بيدر بالكا في القرن التاسع عشر وجسّد في لوحاته البعد الرمزيّ للحركة الرومانسية، مع مسحة تعبيرية لم ينافسه فيها أيّ من معاصريه من الرسّامين.
وقد صوّر بأسلوبه الخاصّ الجمال الفطريّ لبلده النرويج في لوحات دراماتيكية ترفض الفنّ الفيكتوريّ لصالح تبسيط الشكل واللون.
كان بالكا قد نُسي تماما بعد وفاته. لكن في السنوات الأخيرة أعيد اكتشافه من قبل خبراء الفنّ وجامعي الأعمال الفنّية.
كان هذا الرسّام شخصا مغامرا وأحد الفنّانين القلائل الذين غامروا بالذهاب إلى الدائرة القطبية. وقد رأى وهو شابّ الجدار الصخريّ الضخم المسمّى بالقطب الشماليّ ورسم طوال حياته المشاهد المتجمّدة في الأطراف القصيّة من النرويج.
خيال بالكا مليء بالثلج ومتجمّد في تأمّل شيء ما عند أطراف التجربة الإنسانية. والبشر نادرا ما يظهرون في صوره. فقط السفن المحطّمة والبلدات الثلجية التي ترمز لحياة الإنسان.
كان يرى في شمس منتصف الليل حاجزا صامتا وحَدّاً أخيرا للمعرفة والاستكشاف، وخلف ذلك الحدّ لا يوجد شيء. وعندما كان يقف محدّقا في الثلج، كان يشعر وكأنه واقف أمام نهاية العالم. السماء فوق الصخور خاوية بشكل مخيف، والبحر يمتدّ في فراغ لا إنسانيّ.
والرسّام يترجم أحاسيسه إلى صور موحشة تتضمّن بضعة عناصر متكرّرة: الجبال والشواطئ والسماء والبحر.
في ما بعد، عندما أصبحت ذكرى تلك المشاهد بعيدة عن ذهنه، أصبح من السهل عليه استدعاؤها وعكسها في صوره بطريقة أكثر تجريدا. فهو يرسم الجبال الثلجية الشاهقة والمنحدرة وكأنها معلقة فوق الشطآن التي تحتها، ويرسم الشمس ككرة من نار في سماء صفراء.
ومثل هذه الرؤى المزعجة تشبه تلك التي رسمها سلفه الألمانيّ كاسبار فريدريش، الرومانسيّ الذي رسم هو أيضا الطبيعة باردةً ومخيفة. وبالنسبة لهذين الرسّامين، فإن الطبيعة هي رمز سيكولوجيّ. وتماهي بالكا مع المناظر المتطرّفة يوصل شعورا بعزلة لا نهاية لها. ولهذا السبب، ربّما، لم تبع لوحاته المقفرة جيّدا عندما كان حيّا.
وقد صوّر بأسلوبه الخاصّ الجمال الفطريّ لبلده النرويج في لوحات دراماتيكية ترفض الفنّ الفيكتوريّ لصالح تبسيط الشكل واللون.
كان بالكا قد نُسي تماما بعد وفاته. لكن في السنوات الأخيرة أعيد اكتشافه من قبل خبراء الفنّ وجامعي الأعمال الفنّية.
كان هذا الرسّام شخصا مغامرا وأحد الفنّانين القلائل الذين غامروا بالذهاب إلى الدائرة القطبية. وقد رأى وهو شابّ الجدار الصخريّ الضخم المسمّى بالقطب الشماليّ ورسم طوال حياته المشاهد المتجمّدة في الأطراف القصيّة من النرويج.
خيال بالكا مليء بالثلج ومتجمّد في تأمّل شيء ما عند أطراف التجربة الإنسانية. والبشر نادرا ما يظهرون في صوره. فقط السفن المحطّمة والبلدات الثلجية التي ترمز لحياة الإنسان.
كان يرى في شمس منتصف الليل حاجزا صامتا وحَدّاً أخيرا للمعرفة والاستكشاف، وخلف ذلك الحدّ لا يوجد شيء. وعندما كان يقف محدّقا في الثلج، كان يشعر وكأنه واقف أمام نهاية العالم. السماء فوق الصخور خاوية بشكل مخيف، والبحر يمتدّ في فراغ لا إنسانيّ.
والرسّام يترجم أحاسيسه إلى صور موحشة تتضمّن بضعة عناصر متكرّرة: الجبال والشواطئ والسماء والبحر.
في ما بعد، عندما أصبحت ذكرى تلك المشاهد بعيدة عن ذهنه، أصبح من السهل عليه استدعاؤها وعكسها في صوره بطريقة أكثر تجريدا. فهو يرسم الجبال الثلجية الشاهقة والمنحدرة وكأنها معلقة فوق الشطآن التي تحتها، ويرسم الشمس ككرة من نار في سماء صفراء.
ومثل هذه الرؤى المزعجة تشبه تلك التي رسمها سلفه الألمانيّ كاسبار فريدريش، الرومانسيّ الذي رسم هو أيضا الطبيعة باردةً ومخيفة. وبالنسبة لهذين الرسّامين، فإن الطبيعة هي رمز سيكولوجيّ. وتماهي بالكا مع المناظر المتطرّفة يوصل شعورا بعزلة لا نهاية لها. ولهذا السبب، ربّما، لم تبع لوحاته المقفرة جيّدا عندما كان حيّا.
وعندما مات بالكا في نهاية القرن قبل الماضي، كان الشابّ إدفارد مونك قد بدأ يرسم لوحاته التعبيرية عن سماوات وبحار النرويج غير الحقيقية. وفي الحقيقة كان مونك يكمل الرحلة التي كان قد بدأها بالكا إلى القطب الشماليّ والتي تشبه رحلة داخلية إلى نهايات الليل.
عاش بالكا في زمن كانت الثورات فيه تلوح في الأفق والمشاعر القومية في ازدياد وعصر الاستكشاف في ذروته. وقد أنتجت تلك البيئة المضطربة ما عُرف بفنّ التسامي، أي الخوف من قوى الطبيعة الذي يقود الإنسان إلى نسيان نفسه كليّا أمام سطوة الطبيعة وجبروتها.
كان بالكا تلميذا ليوهان دال. ومثل الفنّانين الآخرين، تبع التلميذ خطى معلّمه وأصبحت لوحاته صدى للوحات أستاذه، حيث مناظر الأشجار الداكنة والسفن المحطّمة في طبيعة ثلجية كئيبة ومتمنّعة.
كانت المناطق القطبية الخطيرة تحتلّ جزءا كبيرا من الرسم الرومانسيّ، وكانت أشبه ما تكون بالمتاهات المظلمة. وأكثرها لم يكن قد اكتُشف بعد، كما كان ارتيادها في القرن التاسع عشر يشبه ارتياد الفضاء في القرن العشرين. وقد جلب ذلك كثيرا من الإثارة والمخاوف.
في ما بعد، أصبحت رسومات بالكا مختلفة، صارت تشبه الألوان المائية الصينية بظلالها الضبابية وجبالها الطافية التي تحلّق كممالكَ في السماء. وحتى بحاره أصبحت مظلمة ومليئة بالدراما والعنف.
ويبدو أن الرسّام لم يجد صوته الخاصّ أبدا. لكن انجازاته تتمثّل في حقيقة انه لم يتوقّف مطلقا عن النظر إلى الأشياء من حوله. لكن المؤسف أن سمعته كفنّان تلاشت بعد موته دون أن يترك أثرا في بلده أو في العالم. واستمرّ هذا الحال حتى السنوات الأولى من القرن العشرين عندما عاود فنّه الظهور على الساحة العالمية.
في هذه الأيّام، يبدو العالم منشغلا كثيرا بمستقبل القطب الشماليّ. وهناك قلق كبير بسبب ذوبان الثلوج في تلك الأماكن. وفي زمن الرسّام لم يكن الناس قد سمعوا بعد بالتسخين الحراريّ، ولم يكن لديهم معلومات دقيقة عن المحيط القطبيّ.
كان بيدر بالكا إنسانا محبّا للطبيعة. ولوحاته كانت جديرة بالثناء، وحياته كانت تستحقّ الإعجاب. وعندما تقرأ مذكّراته التي كتبها قبل رحيله، لن يساورك شكّ أبدا في أنه كان إنسانا عظيما وأن معظم الناس يودّون لو عرفوه لتواضعه وشجاعته وخياله الواسع.
عاش بالكا في زمن كانت الثورات فيه تلوح في الأفق والمشاعر القومية في ازدياد وعصر الاستكشاف في ذروته. وقد أنتجت تلك البيئة المضطربة ما عُرف بفنّ التسامي، أي الخوف من قوى الطبيعة الذي يقود الإنسان إلى نسيان نفسه كليّا أمام سطوة الطبيعة وجبروتها.
كان بالكا تلميذا ليوهان دال. ومثل الفنّانين الآخرين، تبع التلميذ خطى معلّمه وأصبحت لوحاته صدى للوحات أستاذه، حيث مناظر الأشجار الداكنة والسفن المحطّمة في طبيعة ثلجية كئيبة ومتمنّعة.
كانت المناطق القطبية الخطيرة تحتلّ جزءا كبيرا من الرسم الرومانسيّ، وكانت أشبه ما تكون بالمتاهات المظلمة. وأكثرها لم يكن قد اكتُشف بعد، كما كان ارتيادها في القرن التاسع عشر يشبه ارتياد الفضاء في القرن العشرين. وقد جلب ذلك كثيرا من الإثارة والمخاوف.
في ما بعد، أصبحت رسومات بالكا مختلفة، صارت تشبه الألوان المائية الصينية بظلالها الضبابية وجبالها الطافية التي تحلّق كممالكَ في السماء. وحتى بحاره أصبحت مظلمة ومليئة بالدراما والعنف.
ويبدو أن الرسّام لم يجد صوته الخاصّ أبدا. لكن انجازاته تتمثّل في حقيقة انه لم يتوقّف مطلقا عن النظر إلى الأشياء من حوله. لكن المؤسف أن سمعته كفنّان تلاشت بعد موته دون أن يترك أثرا في بلده أو في العالم. واستمرّ هذا الحال حتى السنوات الأولى من القرن العشرين عندما عاود فنّه الظهور على الساحة العالمية.
في هذه الأيّام، يبدو العالم منشغلا كثيرا بمستقبل القطب الشماليّ. وهناك قلق كبير بسبب ذوبان الثلوج في تلك الأماكن. وفي زمن الرسّام لم يكن الناس قد سمعوا بعد بالتسخين الحراريّ، ولم يكن لديهم معلومات دقيقة عن المحيط القطبيّ.
كان بيدر بالكا إنسانا محبّا للطبيعة. ولوحاته كانت جديرة بالثناء، وحياته كانت تستحقّ الإعجاب. وعندما تقرأ مذكّراته التي كتبها قبل رحيله، لن يساورك شكّ أبدا في أنه كان إنسانا عظيما وأن معظم الناس يودّون لو عرفوه لتواضعه وشجاعته وخياله الواسع.
Credits
independent.co.uk
independent.co.uk