:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، نوفمبر 10، 2016

الإطار في الفنّ والحياة


الإطار الذي توضع بداخله لوحة أو صورة هو نوع من الفنّ. وهو يحقّق أكثر من غرض، إذ يوفّر حماية للأطراف الهشّة من الصورة ويضفي عليها لمسة جمال ويحافظ عليها ويجعل طريقة عرضها أسهل.
ولتوضيح أهمّية الإطار، انظر إلى صورة اعتدت أن تراها داخل إطار، ثم تخيّلها بدون الإطار الذي تعوّدت أن تراها فيه. بالتأكيد ستبدو ناقصة بطريقة ما. وأفضل من وصف أهمّية الإطار للصورة هو فان غوخ الذي قال مرّة إن لوحة بلا إطار كروح بلا جسد.
واختيار الإطار المناسب لصورة ما لا يقلّ أهمّية عن اختيار الصورة نفسها. وأحيانا لا يتعلّق الأمر بما في داخل الإطار، بل بالفراغ الذي يحيطه.
الإطارات الفنّية أجسام حقيقية ذات تاريخ فتّان من حيث الشكل والأسلوب. بعضها يمكن أن يكون غالي الثمن، وبعضها يمكن أن يكون بسيطا حتى لا يصرف الاهتمام عن ما بداخله.
ذات مرّة، أعجب نابليون بإطار باهظ الثمن رآه على لوحة، فأمر بأن يُصنع مثله لجميع اللوحات الموجودة في اللوفر والتي تصوّر أحداثا من تاريخ الإمبراطورية. وأغلى إطار فنّي ظهر حتى اليوم بيع بسبعين ألف دولار، وقد صمّمه صانع أثاث في كوريا.
الإطارات قديمة جدّا وقصّتها جزء من قصّة الفنّ نفسه. وتاريخيّا، يُعتبر المصريون القدماء أوّل من صنع إطارا لصورة. وكان ذلك في القرن الثاني الميلادي عندما اكتُشف بورتريه لمومياء داخل قبر قديم في الفيّوم. وكان البورتريه محاطا بإطار مزخرف من الخشب.
ومنذ ذلك الوقت لم تتغيّر الإطارات كثيرا إلى أن ظهر هذا الفنّ في أوربّا في القرن الثاني عشر. وقد تولّى تصميم الإطارات في البداية صنّاع الأثاث. وتطوّرت هذه الصناعة لتعكس الأذواق وتتوافق مع الأحداث التاريخية وتفضيلات الأساليب والمدارس الفنّية المختلفة.
وبعض مدارس الفنّ كانت تتّبع قواعد صارمة ودقيقة في اختيار الإطارات الفنّية. الانطباعيون كانوا يفضّلون الإطارات البسيطة. وموندريان يقال انه لم يكن يرسم شيئا غير الإطارات. وويسلر كان يصمّم إطاراته بنفسه.
وفي عصر النهضة ظهرت أنواع كثيرة من الإطارات، وكانت تتميّز ببساطتها وتعدّد ألوانها والموادّ المصنوعة منها. وقد استُخدمت في البداية للأيقونات الدينية، وكانت تتضمّن الذهب واللآليء. وكثيرا ما كانت أوراق الأشجار تُحفر على خشب الإطار لإعطائه لمحة زخرفية.
وتقليديا وحتى اليوم، ظلّت الإطارات تُصنع من الخشب غالبا، وأحيانا من الفضّة والبرونز والألمنيوم وغيرها. ويعود الفضل لرموز عصر النهضة مثل ميكيل انجيلو في استكشاف كيف أن الإطار يُعتبر شكلا فنّيا بحدّ ذاته لارتباطه بالعمل الفنّي وبموضوع اللوحة.
لكن في كتب الفنّ، غالبا ما يكون الحديث عن اللوحة وليس الإطار. بل حتى الكتب التي تتحدّث عن تاريخ الإطارات لا يتجاوز عددها اليوم الستّة أو السبعة على أكثر تقدير.
ومن الأشياء الغريبة أن الإطارات ليست لها حقوق ملكية، أي أن بمقدور أيّ احد أن يقلّد أو يستنسخ أيّ إطار يعجبه دون أن يتعرّض للمساءلة.
وبعض الرسّامين يفضّلون صنع إطارات لوحاتهم بأنفسهم. وقد يقوم مالك العمل الفنّي بتغيير الإطار تبعا لذوقه الفنّي. لكن من شأن هذا أن يطمس تاريخ العمل ومن ثمّ يؤثّر على قيمته.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، بدأت المتاحف وأصحاب المجموعات الفنّية الخاصّة اهتمامهم بالأصالة التاريخية للأعمال الفنّية، بما في ذلك الإطارات المستخدمة لها.
ومع ظهور التصوير الفوتوغرافي في نفس تلك الفترة، أي في منتصف القرن التاسع عشر، بدأت الطبقة الوسطى في أمريكا وأوربّا تصميم إطارات مصنوعة منزليّا للأعمال الفنّية التي تملكها. وقد ارتبط ذلك ومنذ البداية بالهندسة المعمارية، أي أن الإطار يُصمّم كجزء من الديكور العام، بحيث يتوافق مع الباب والنوافذ وغيرها من التفاصيل.
ترى ما الذي يتغيّر عندما نضع لوحة أو صورة داخل إطار؟ الإطار لا يوفّر دعما وحماية للصورة فحسب، وإنّما وفي كثير من الأحيان يضيف إليها مضمونا ومعنى. صحيح أن الصورة نفسها تظلّ كما هي، لكننا نضفي عليها أهمّية خاصّة بوضعها داخل مكان مميّز وخاص.
إطارات الصور تحيلنا إلى التفكير في الإطارات المختلفة التي نستخدمها في حياتنا، والتي هي أيضا عبارة عن سلسلة من الإطارات.
ترى كيف يمكن أن تبدو حياة كل منّا لو أننا لا نفكّر بشكل مختلف تبعا لنوعية الإطار الذي نضعه حولنا؟ بيتك، ملابسك، ذوقك، طريقة كلامك، القصائد والكتب التي تحبّ قراءتها والموسيقى التي تفضّل سماعها وتعود إليها من وقت لآخر، العمل، العائلة، المكتب، البيت، الزواج، أطوار العمر المتعاقبة، كلّها إطارات تنتظم حياة كلّ منّا وهي تعني لنا أشياء كثيرة وتعلّمنا كيف نحمي أنفسنا ونزيّن عالمنا.
كيف يمكن أن تكون حياتنا لو أننا لا نضعها في سلسلة من الإطارات؟ كيف يمكن للغة أن تؤطّر التجربة، وللقصيدة أن تؤطّر المعنى، وللكتاب أن يعبّر عن زمان ومكان معيّنين؟

Credits
smithsonianmag.com

الأحد، نوفمبر 06، 2016

اللازوردي: اللون المقدّس


من الأشياء التي أصبحت معروفة وبديهية أن الدين يؤثّر في الفنّ. وأوضح مثال على ذلك هو النفوذ الذي مارسته الكنيسة الكاثوليكية خلال العصور الوسطى على الرسّامين بحيث لا يرسمون سوى ما يرضى عنه رجال الاكليروس.
لكن الاقتصاد يمكن أيضا أن يلعب دورا مهمّا في الرسم. وهناك أمثلة كثيرة على هذا. وأحدها يمكن أن نستخلصه من بعض الأعمال الفنّية التي جاءتنا من عصر النهضة الايطالي.
في ذلك الوقت كثرت وراجت اللوحات التي تصوّر المادونات. وفيها تظهر العذراء دائما وهي ترتدي وشاحا ازرق اللون.
ترى ماذا وراء اختيار هذا اللون في اللباس أو الموضة؟ في الواقع، ليس هناك أيّ دليل في المراجع الدينية أو التاريخية يشير إلى أن المادونا كانت تفضّل لوناً بعينه. والسرّ في اختيار هذا اللون بالذات يكمن في خطوط التجارة الصعبة والخطيرة إلى أفغانستان.
وبداية، هذا اللون الذي يظهر على ملابس المادونات ليس الأزرق وإنّما اللازوردي. واللازورد في الأساس حجر غالي الثمن وذو تاريخ عظيم. وهو من بين أفضل ما يمكن أن يدخل في صناعة المجوهرات.
وهو يبدو، وكيفما استُخدم، مثل السماء الليلية، أزرق غامق ولامع. وقد كان مشهورا منذ آلاف السنين في اليونان وروما ومصر وفارس وبلاد ما وراء النهرين.
وبعض الحضارات القديمة اعتبرته حجرا مقدّسا، لأنها كانت تعتقد أن له قوى سحرية وغامضة. ومن اللازورد يُستخلص اللون المسمّى بالالترامارين، وهو لون نفيس للغاية وباهظ السعر بسبب جماله ولمعانه الأخّاذ.
وأفضل أنواع اللازورد موجودة في جبال أفغانستان، والناس هناك يعرفونه منذ أكثر من خمسة آلاف عام. لكن هناك مخزونا منه في بلدان أخرى مثل روسيا وشيلي وايطاليا وباكستان.
ومن الناحية الفنّية هو ليس "كريستال"، بل حجر. ويقال أن من أسباب كونه غالي الثمن الاعتقاد الشعبيّ بأنه يكشف عن حقيقة الإنسان الداخلية ويزيد الوعي بالذات ويساعد المرء على التعبير عن ذاته ويوفّر منظورا أوضح عن الحياة.
وعلى المستوى الروحيّ، يقال انه يحسّن نوعية الأحلام ويعمّق إحساس الإنسان بالسلام والصفاء. وبالإضافة إلى جماله ومزاياه التاريخية والميتافيزيقية، فهو مفضّل لقدراته الشفائية. يقال مثلا انه ينفع في علاج التوحّد وآلام المفاصل والغدد والقصبة الهوائية والدورة الدموية والشقيقة، وذلك بعد تسخينه في حرارة الشمس.
وبعض المصادر تشير إلى أن الفرس سيطروا على تجارة اللازورد منذ القدم. وقد استخدموا الصبغة الزرقاء المستخلصة منه في رسم المنمنمات التي زيّنوا بها بعض كتبهم المشهورة مثل ليلى والمجنون ومخطوطة الشاعر نظامي.
الرسّامون في أوربا القرون الوسطى كانت لديهم القليل من الأصباغ الزرقاء الساطعة. وهذا النقص تمّت معالجته عندما بدأ اللون اللازوردي يصل إلى أوربّا من جبال آسيا.
وفقط الرسّامون المهمّون والموسرون هم الذين كان بإمكانهم أن يتحمّلوا سعره ويشتروه ويستخدموه في أعمالهم. وكثيرا ما كان رعاتهم يحرّصونهم على توظيف هذا اللون، خاصّة عندما يكون موضوع اللوحة دينيّا، والمكان المفضّل لاستخدامه كان رداء المادونا.
في ذلك العصر، أي عصر النهضة، كان اللازورد أغلى من الذهب. وقد وظّفه فنّانون مثل ميكيل انجيلو ودافنشي ورافائيل في لوحاتهم لأنه يضفي على الرسم هالة من القداسة والغموض. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، بدأ الكيميائيون استخلاص طرق عديدة لتخليق لون صناعيّ شبيه باللازورد الحقيقيّ. وقد نجحوا في ذلك إلى حدّ كبير، لكن يبقى للّون الطبيعي قيمته وجاذبيّته الخاصّة.

Credits
arthistory.net