في عام 1494، اصدر كاتب ألماني يُدعى سيباستيان برانت كتابا بعنوان "سفينة الأغبياء". كان برانت، مثل الكثيرين من معاصريه، يعتقد أن نهاية العالم وشيكة وأن عودة المسيح إلى الأرض تتطلّب من البشر أن يتوبوا وينبذوا ما يغضب الخالق.
وقد حاول في كتابه ذاك أن يشرح أسباب سلوك البشر في عالم ساقط، وعزا ذلك في الأساس إلى غباء البشر وبعدهم عن الله. أما السفينة التي يتحدّث عنها في كتابه فهي سفينة بلا ربّان، وركابها الذين يُفترض أنهم مبحرون باتجاه مكان خيالي يُسمّى ناراغونيا أو جنّة الأغبياء، فيبدون تائهين وغير مبالين بالاتجاه الذي يسلكونه.
وفي القرن التالي، أي السادس عشر، أصبح موتيف سفينة الأغبياء يُستخدم للسخرية من الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تقدّم نفسها للناس باعتبارها سفينة الخلاص.
لكن مفهوم السفينة يعود إلى زمن أقدم بكثير. ففي كتاب "الجمهورية" لأفلاطون، يناقش سقراط أساليب الحكم الرشيد ويسوق أمثولة عن سفينة قبطانها أقوى من بقيّة البحارة، لكنه أصمّ قليلا ونظره ضعيف ومعرفته بالبحر ليست كافية. لذا ينشأ بين البحّارة جدل حول المسار الذي ينبغي أن تسلكه السفينة وكلّ منهم يزعم لنفسه الحقّ في توجيه دفّتها.
ثم تتطوّر الأمور وتنشب بينهم معركة ويحدث تمرّد. ويعلّق سقراط على القصّة بقوله أن من غير الحكمة أن يسلّم أيّ مجتمع قياده لحكم الرعاع أو الدهماء وأن من الضروري أن لا يقود سفينة الأغبياء إلا ربّان بارع وحكيم . لاحظ أن سقراط يفترض أن ركّاب السفينة أغبياء بطبيعتهم، وبناءً عليه فإنهم بحاجة دائما إلى قائد ذي بصيرة يوجّههم ويرشدهم.
الرسّام الألماني هيرونيموس بوش كان معاصرا للكاتب برانت ويرجَّح انه قرأ كتابه ثم استلهم موضوع الكتاب في رسم لوحة بنفس العنوان.
وأغبياء السفينة في لوحة بوش ينتمون لفئات مختلفة من المجتمع، وهؤلاء يظهرون وهم مبحرون بلا هدف أو وجهة محدّدة. وعندما تتأمّل اللوحة ستدرك أن الركّاب فيها ليسوا جماعة من الغرباء، بل هم أنت وأنا والآخرون.
في اللوحة نرى راهبا وراهبة يجلسان عند طرفي طاولة في السفينة ويفتحان فمهما على اتّساعه. الراهبة تعزف على آلة اللوت والراهب يشاركها الغناء. وإلى اليسار نرى امرأة تمسك بجرّة وتهوي بها على رأس رجل. والرجل يبدو وقد تكوّم على نفسه محاولا تفادي هجوم المرأة. وفي الخلف أشخاص منهمكون في نقاش صاخب. وبينما الركّاب في حالة هياج وفوضى، تمضي سفينتهم نحو المجهول.
في العالم الحديث يمكن للمرء أن يتخيّل أن سفينة الأغبياء هي كناية عن سكّان العالم. إذ ليس هناك ربّان حكيم يوجّه السفينة وما من ميناء يمكن لها أن ترسو فيه في النهاية. ومثل هذه الفكرة نجد لها صدى في الكثير من أعمال الأدب الحديث مثل كتابات ميشيل فوكو وغيره.
وفي هذا العصر تبدو مقارنة السفينة بحال العالم اليوم مفهومة ومبرّرة. فالدول تنفق مبالغ فلكية على التسلّح والحروب، بينما يكفي جزء بسيط من تلك الأموال للقضاء على الفقر في العالم أو توفير الطعام والماء لملايين العطاشى والجياع.
في حكاية السفينة هناك سخرية لاذعة من بعض رجال الدين الذين يحثّون الناس على الرحمة والإيثار بينما هم لا يهتمّون في واقع الأمر سوى بمصالحهم ومتعهم الخاصّة. والواقع أن مثل هذا النوع من النقد كان سائدا أثناء حركة الإصلاح الديني في أوربّا. ووجود القسّ والراهبة المنشغلين بالغناء والأكل في مقدّمة اللوحة والغير مكترثين بما يجري هو أيضا جزء من ذلك النقد الذي طال الكنيسة ورجالها.
وقد حاول في كتابه ذاك أن يشرح أسباب سلوك البشر في عالم ساقط، وعزا ذلك في الأساس إلى غباء البشر وبعدهم عن الله. أما السفينة التي يتحدّث عنها في كتابه فهي سفينة بلا ربّان، وركابها الذين يُفترض أنهم مبحرون باتجاه مكان خيالي يُسمّى ناراغونيا أو جنّة الأغبياء، فيبدون تائهين وغير مبالين بالاتجاه الذي يسلكونه.
وفي القرن التالي، أي السادس عشر، أصبح موتيف سفينة الأغبياء يُستخدم للسخرية من الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تقدّم نفسها للناس باعتبارها سفينة الخلاص.
لكن مفهوم السفينة يعود إلى زمن أقدم بكثير. ففي كتاب "الجمهورية" لأفلاطون، يناقش سقراط أساليب الحكم الرشيد ويسوق أمثولة عن سفينة قبطانها أقوى من بقيّة البحارة، لكنه أصمّ قليلا ونظره ضعيف ومعرفته بالبحر ليست كافية. لذا ينشأ بين البحّارة جدل حول المسار الذي ينبغي أن تسلكه السفينة وكلّ منهم يزعم لنفسه الحقّ في توجيه دفّتها.
ثم تتطوّر الأمور وتنشب بينهم معركة ويحدث تمرّد. ويعلّق سقراط على القصّة بقوله أن من غير الحكمة أن يسلّم أيّ مجتمع قياده لحكم الرعاع أو الدهماء وأن من الضروري أن لا يقود سفينة الأغبياء إلا ربّان بارع وحكيم . لاحظ أن سقراط يفترض أن ركّاب السفينة أغبياء بطبيعتهم، وبناءً عليه فإنهم بحاجة دائما إلى قائد ذي بصيرة يوجّههم ويرشدهم.
الرسّام الألماني هيرونيموس بوش كان معاصرا للكاتب برانت ويرجَّح انه قرأ كتابه ثم استلهم موضوع الكتاب في رسم لوحة بنفس العنوان.
وأغبياء السفينة في لوحة بوش ينتمون لفئات مختلفة من المجتمع، وهؤلاء يظهرون وهم مبحرون بلا هدف أو وجهة محدّدة. وعندما تتأمّل اللوحة ستدرك أن الركّاب فيها ليسوا جماعة من الغرباء، بل هم أنت وأنا والآخرون.
في اللوحة نرى راهبا وراهبة يجلسان عند طرفي طاولة في السفينة ويفتحان فمهما على اتّساعه. الراهبة تعزف على آلة اللوت والراهب يشاركها الغناء. وإلى اليسار نرى امرأة تمسك بجرّة وتهوي بها على رأس رجل. والرجل يبدو وقد تكوّم على نفسه محاولا تفادي هجوم المرأة. وفي الخلف أشخاص منهمكون في نقاش صاخب. وبينما الركّاب في حالة هياج وفوضى، تمضي سفينتهم نحو المجهول.
في العالم الحديث يمكن للمرء أن يتخيّل أن سفينة الأغبياء هي كناية عن سكّان العالم. إذ ليس هناك ربّان حكيم يوجّه السفينة وما من ميناء يمكن لها أن ترسو فيه في النهاية. ومثل هذه الفكرة نجد لها صدى في الكثير من أعمال الأدب الحديث مثل كتابات ميشيل فوكو وغيره.
وفي هذا العصر تبدو مقارنة السفينة بحال العالم اليوم مفهومة ومبرّرة. فالدول تنفق مبالغ فلكية على التسلّح والحروب، بينما يكفي جزء بسيط من تلك الأموال للقضاء على الفقر في العالم أو توفير الطعام والماء لملايين العطاشى والجياع.
في حكاية السفينة هناك سخرية لاذعة من بعض رجال الدين الذين يحثّون الناس على الرحمة والإيثار بينما هم لا يهتمّون في واقع الأمر سوى بمصالحهم ومتعهم الخاصّة. والواقع أن مثل هذا النوع من النقد كان سائدا أثناء حركة الإصلاح الديني في أوربّا. ووجود القسّ والراهبة المنشغلين بالغناء والأكل في مقدّمة اللوحة والغير مكترثين بما يجري هو أيضا جزء من ذلك النقد الذي طال الكنيسة ورجالها.
Credits
louvre.fr
louvre.fr