:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، يونيو 25، 2005

صورة العرب في الأدب الإيراني الحديث


صدر مؤخّرا كتاب عنوانه "صورة العرب في الأدب الإيراني الحديث" للكاتبة الإيرانية المقيمة في الولايات المتحدة جويا سعد. والكتاب فريد في بابه ومادّته. وقد عالجت فيه المؤلّفة الكيفية التي ينظر بها بعض الأدباء الإيرانيين المعاصرين إلى العرب كأمّة وكحضارة في إطار العلاقة الثقافية بين الذات والآخر من منظور العرق واللغة والدين والتاريخ.
ومعروف أن الأعمال الأدبية تُعتبر انعكاسا للخطاب الأيديولوجي، والأهم من ذلك أنها جزء لا يتجزّأ من ذلك الخطاب.
وتستعرض الكاتبة مفهوم الهويّة الإيرانية وتؤكّد على تباين تعريفات تلك الهويّة من كاتب لآخر. فـ شروق مسكوب مثلا يرى بأن الأمّة الإيرانية يمكن تعريفها من منظور اللغة الفارسية وتاريخ ما قبل الإسلام. فيما يرى مانوشهر درّاج أن الإسلام الشيعي هو جزء أساسي من مكوّنات الأمّة الإيرانية ويضعها في مواجهة الآخر غير المسلم، الذي هو الغرب.
ويرى محمد على جمال زاده أن الإيرانية والفارسية لفظتان مترادفتان من حيث المدلول، تماما كمدلول لفظة العرب أو الفرنسيين أو الاذاريين.
ويعتبر جمال زاده أن الإسلام جزء لا يتجزّأ من مكوّنات الهوية الوطنية الإيرانية، في حين انه يعترض على التفسير المتخلف للإسلام. كما يربط بين الآخر العربي وبين الخرافة والتخلّف الديني، ويعرّف الذات الإيرانية بحسبانها فارسية وإسلامية في نفس الوقت.
وفي أعماله الأدبية مثل "ابتغاء الكمال" و "بروين الفتاة الساسانية"، يعتبر صادق هدايت أن الإسلام هو دين عربي في الأساس، ويصوّر العرب على أنهم "قوم سُمْر البشرة قساة وقحون ومرضى وشيطانيون"! كما ينظر إلى المسلمين الإيرانيين المعاصرين باعتبارهم فاسدين ومنافقين. فقط إيرانيّوه الساسانيون هم الذين يتمتعون بالجاذبية والشجاعة والذكاء والثقافة والفضيلة.
ويمتدح هدايت في أعماله الروائية ماضي إيران الزرادشتي قبل الإسلام ويصفه بأنه العصر الذهبي لإيران. كما يرى أن هويّة إيران الثقافية الحقيقية التي تشترك معها فيها الهند الآريّة تمّ تدميرها على أيدي الغزاة العرب المسلمين الذين استبدلوا الحضارة الإيرانية المتفوّقة بثقافة متوحّشة ومتعطّشة للدماء وبدين جاؤا به من عند أنفسهم! وباختصار، يعتقد هدايت أن الإيرانيين الآريين هم اكثر تفوّقا، عرقيا، من العرب الساميين.
أما صادق شوبك فلا يكاد يختلف كثيرا مع هدايت. ففي أعماله الروائية يعتبر أن عزلة إيران وكونها بلا جذور يعود في الأساس إلى أسباب تاريخية. فالعرب المسلمون دمّروا الحضارة الإيرانية العظيمة ولم يستطيعوا تأسيس حضارة بديلة عنها. والإيرانيون على المستوى الفردي والجماعي عانوا نتيجة ذلك بعد أن ُفصلوا عن تاريخهم وأدبهم وثقافتهم الخاصّة.
كما تكشف شخصيات شوبك عن تفكير عنصريّ وقدر غير يسير من المشاعر المعادية للعرب. فالعرب ، كما الهنود، منافقون وقساة وقبيحون، بينما هُزمت الذات الإيرانية وتمّ سحقها وإفسادها بفعل النفاق السامي المتمثّل في الإسلام. ولا يرى شوبك في الإسلام الشيعي في إيران أكثر من كونه أداة للقمع والإخضاع.
لكنه بنفس الوقت يرفض الشوفينية الإيرانية ولا يرى في الزارادشتية وتاريخ ملوك إيران القدامى ما يستحقّ الاهتمام. بل يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يساوي بين الإسلام والزارادشتية ويرفض كليهما.
لكن رفضه للإسلام يأتي على مستويين: لأنه دين لا يقدّم إجابات حسب رأيه، والثاني لأنه دين عربي.
والحياة بالنسبة للكاتب لا معنى لها والعزلة واليأس الوجودي ظاهرتان كونيتان وذاتا خصائص تاريخية وثقافية. وهما تعلّمان المرء أفضل بكثير من مجرّد التمسّك بفكرة الإيرانية أو العروبة.
ومثل هدايت، يلوم مهدي اخاوان "الغزاة العرب المسلمين" على تدمير هويّة إيران الثقافية الحقيقية، ويتوق إلى العودة إلى عظمة الثقافة الزارادشتية التي كانت سائدة قبل الإسلام. وفي كتابه "نهاية الشاهنامة" فإن نهاية الثقافة الإيرانية الزرادشتية وهزيمة الإمبراطورية الساسانية ومجيء الإسلام لم تجلب سوى الدمار والخراب. ولا يمكن بنظره التغلّب على هذه المعضلة سوى بالعودة إلى عصر إيران الذهبي ما قبل الإسلام.
كما يعتبر أن الروح الإيرانية كانت نقيّة ومضيئة وجميلة، لكنها اُفسدت على يد الثقافة العربية التي تتّسم بالظلامية والزيف والشرّ.
كما يحتجّ اخاوان على التأثير السامي والعربي والإسلامي على "ميراث أسلافنا الآريين" في ما يبدو وكأنه صدى لما يقوله هدايت عن اختلاف وتباين العرقين العربي والآري ما بين متفوّق ووضيع.


أما نادر نادربور فيرفض العرب والإسلام باعتبارهما عنصرين غريبين ويتعارضان مع الثقافة والقيم الإيرانية من حيث المبدأ. وفي روايته "هنا وهناك" يعيد إلى الأذهان صورة العرب الموجودة في كتابات هدايت واخاوان. فهم غزاة همج وغرباء دمّروا الحضارة الإيرانية المتفوّقة. ويقدّم الكاتب الذات الإيرانية باعتبارها صاحبة حضارة مستنيرة كما يرمز لها بالنار الزارادشتية والشمس وفصل الربيع "النوروز".
وينظر نادربور إلى الإسلام ليس باعتباره خطأ في حدّ ذاته وإنما لأنه عربي. ولأنه كذلك، فهو متخلّف وقاس!
وفي روايته السابقة يقارن بين تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين الفتح العربي الإسلامي للإمبراطورية الساسانية. فيؤكّد على أن الأولى ليست في الحقيقة أكثر من استمرار لنفس الهزيمة التي مُنيت بها الثقافة الإيرانية على أيدي العرب الجهلة المتعصّبين.
ومن وجهة نظر نادربور، أن تكون مسلما تقيّا أو مؤيّدا للجمهورية الإسلامية في إيران فهذا يعني انك عربيّ، ومن ثمّ غير إيراني، وبالطبع اقلّ من إنسان! ومثل هدايت وشوبك واخاوان، فإن نادربور لا يخفي عداءه الصريح للعرب وللإسلام.
أما الشاعرة فوروغ فرخزاد فلا يبدو أنها مهتمّة بقضية الموازنة بين العرب والإيرانيين. وعلى مستوى ما، على الأقلّ بالنسبة لمثل هذه القضايا ذات الطابع الذكوري الصرف، يبدو أن المرأة بشكل عام قد ُاستبعدت من مناقشتها وفي نفس الوقت لا توليها أهمية تُذكر. وبخلاف الأدباء الرجال، لا تحتاج الشاعرة فرخزاد إلى تأسيس هويّة إيرانية محدّدة ولا تريد أن تفعل ذلك على حساب ثقافة أخرى.
وليس هناك عرب وإيرانيون في قصائدها. كما أنها لا تؤمن بالإسلام أصلا. وإلى جانب انتقادها للأديان فإنها تنتقد "غلطة الأم وغلطة الأب" والفكرة القومية ذاتها، وترفض أن تكون جزءا من الخطاب القومي. وربّما لهذا السبب بالذات، لا تعبّر فرخزاد عن أيّة مشاعر معادية للعرب.
وفي كتابات الشاعرة طاهرة صفرزاده يبدو الإسلام ذا طبيعة عالمية وليس مجرّد ظاهرة عربية. وهي تكتب كمسلمة أولا وكإيرانية ثانيا. ونظرتها إلى العالم ليست مرتكزة على القومية، بل على الإسلام. وفي ديوانها الموسوم "رحلة الحبّ"، تضمّن صفرزاده قصائدها عناصر فارسية وأخرى إيرانية وثالثة إسلامية. كما تعترف بإيران ذات التنوّع العرقي ولا تشير في أشعارها إلى الآخر العربي.
والشخصيات العربية في قصائد صفرزاده لا يظهرون باعتبارهم عربا فحسب، وإنما كشعب آخر مضطهد أو كإخوة في الدين، كما في ديوان "عبر ممرّات الصمت".
وأكثر ما يلفت الانتباه في أعمالها هو رؤيتها للتاريخ التي تختلف تماما عن رؤية هدايت وشوبك واخاوان ونادربور. فهي تصوّر جنود الفتح العربي، ليس باعتبارهم عربا يغزون إيران، وإنّما بحسبانهم مسلمين جاءوا معهم برسالة تبغي تحرير الإنسان وإيصال تلك الرسالة إلى شعب ينتظر قبول الدين الجديد. وتصوّر الشاعرة سلمان الفارسي على انه مثال أعلى لمسلمي فارس، تماما مثلما أن "بلال" ممثّل لمسلمي أفريقيا وصهيب ممثّل للأوروبيين.
وقوميات هؤلاء الثلاثة ليست مهمّة سوى بالقدر الذي تؤكّد فيه على عالمية الشخصية الإسلامية.
وبشكل عام، لا تعكس وجهات نظر الأديبات والشاعرات الإيرانيات الأفكار القومية أو العنصرية الغربية التي يتبنّاها بعض الأدباء من الرجال. فهنّ لا يستخدمن على الإطلاق مصطلحات من قبيل آري وسامي، كما أنهنّ يقبلن التنوّع العرقي، في حين أن "الإيراني" عند الرجال تعني "الفارسي" بالضرورة.
بقيت كلمة أخيرة لا بدّ من الإشارة إليها في ختام هذا العرض السريع لكتاب جويا سعد، وهي أن معظم هؤلاء الأدباء الذين استشهدت المؤلّفة بآرائهم وأفكارهم لا يمثّلون سوى قطاع بسيط من موزاييك الأدب الإيراني الحديث.
وبطبيعة الحال هناك عدد كبير من الكتّاب الإيرانيين المعاصرين من الرجال والنساء الذين يقبلون بالتنوّع العرقي والاثني في إيران وغيرها، ولا ينظرون إلى العرب إلا باعتبارهم جيراناً يقاسمونهم الكثير من المصالح والقيم والتطلعات والآمال المشتركة. ويمكن الإشارة في هذا المقام إلى بعض الأسماء الأدبية ذات الرؤية الحضارية المنفتحة من أمثال صمد بهرانجي وغلام سعيدي ورضا بهراني وغيرهم.

Credits
iranreview.org