قال لي صاحبي الذي لا يعجبه العجب ولا يتردّد في تحليل الأمور والظواهر بطريقته الخاصة والغريبة أحياناً:
اليوم رأيتُ لافتةً كبيرةً منصوبةً في زاوية بأحد الطرق الرئيسية تقول: لقد جاءوا إلى بلادنا وهم كفّار، فلماذا لا يعودوا لبلدانهم وهم مسلمون.
ويبدو أن الذين وضعوا تلك اللافتة هناك لا يدركون طبعا مدى التأثير السلبي الذي تتركه في نفس كلّ من يراها ويعرف معناها من غير المسلمين الذين يعيشون بيننا.
قلت: المشكلة أن وصم كل من يخالفنا في الدين بالكفر، هكذا وبهذه الطريقة السافرة والمستفزّة، لا يمكن إلا أن يرسّخ في أذهان الكثيرين صورة بلدنا كما ينقلها الإعلام الخارجي الذي لا يكلّ ولا يملّ هذه الأيام من الحديث عن انعدام الحريات الدينية في المملكة.
قال: أعرف زميلا آسيويا اعتنق الإسلام مؤخّرا وقد نقل عنه رفاقه انه فعل ذلك ليس عن اقتناع أو إيمان حقيقي، وانّما طمعا في أن يحظى بغرفة مستقلة وراتب وطعام افضل.
وكان له ما أراد.
قلت: أنا لا ألوم الذين يعلنون اعتناقهم للإسلام هنا طمعا في منفعة ما أو معاملة افضل، فهم أذكياء ولا شكّ وقد درسوا ثقافتنا جيّدا ورأوا مجتمعاً غارقاً حتى أذنيه في هستيريا الدروشة الجماعية وعرفوا كيف أننا نحتفي بقشور الدين دون جوهره، وأدركوا أن المسلم وإن كان خاملا كسولا افضل من غير المسلم وإن كان في غاية الجدّ والالتزام في عمله.
قال: مشكلة المسلمين لا تكمن في أن عددهم قليل، بل هم كثرة كاثرة.
قلت: ولكنّهم بمقاييس النهوض والتقدّم والحضاري في ذيل قائمة الأمم، بسبب الجهل والفقر والأميّة وغيرها من علامات التخلّف. المشكلة ليست في العدد بل في النوعية، في الكيف لا الكمّ.
قال: ومع ذلك كثيرا ما نسمع الوعّاظ يشكون إلى الله ضعف المسلمين وهوان أمرهم بالرغم من كثرتهم، في حين أن الربّ سبحانه منشغل بقضايا أهمّ وأعظم من هذه الشكاوى الساذجة، من قبيل معالجة ثقب الأوزون والحفاظ على توازن المجرّات والكواكب كي تستمرّ الحياة وتستقيم أمور الكون.
قلت: أرى انك تشتطّ كثيراً وتبتعد عن مسار الحوار. بدأت بالحديث عن اللافتة وأنت الآن تتحدّث عن الأوزون والمجرّات! ومع ذلك فأنا مع من يقول بأن التبشير لأيّ دين من الأديان هو ضرب من ضروب العبث وممارسة لا تدلّ سوى على ارتكاس في الأفهام وخواء في العقول.
قال: المشكلة أن كل فئة تمارس التبشير تزعم أن دينها هو وحده الصحيح وأنها حريصة على أن يدخل الناس كلّهم الجنّة. مع أن أحداً لا يمكنه أن يتخيّل كيف سيكون عليه حال الجنّة من فوضى وازدحام إذا اصبح الناس كلّهم مهتدين.
قلت: يخيل إليّ أحيانا أن أهداف المبشّرين من أيّ دين تتناقض مع ما أراده الله سبحانه وتعالى الذي اقتضت حكمته أن يخلق الناس مختلفين في عقائدهم وأعراقهم ودياناتهم وألزمهم - بالرغم من ذلك - بأن يتحابّوا ويتقاربوا ويتعاونوا.
قال: لو أنّ المسلمين يكفّون عن تصنيف العالم ما بين مسلمين أو كفّار لانصلحت أحوالهم ولاختفت الكثير من الظواهر السلبية في حياتهم. يجب أن يكون عنصر المفاضلة في الأساس ما بين الخير والشرّ.
قلت: بدلا من تضييع الجهود والأموال في إقناع الآخرين بدخول الإسلام، لماذا لا ينصرف العمل إلى توعية المسلمين أنفسهم بترك التعصّب والغلوّ، وان يصنع كل فرد من نفسه أنموذجا ُيقتدى به في التسامح واحترام معتقدات الآخرين كي نحبّب الغير إلى ديننا بدل أن يكرهوه وينفروا منه بسبب وساوس البعض منّا وميلهم الغريزي إلى كراهية المخالفين وإقصائهم وتكفيرهم.
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .
الثلاثاء، مايو 02، 2006
كلّ يعظم دينه
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)