:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، يونيو 23، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • كان بيتهوڤن يضع على مكتبه دائما كتباً لبلوتارك وهوميروس وأوفيد وأبيكتيتوس ويقضي وقتا في قراءتها. واستمرّ يفعل هذا حتى عندما كان على فراش مرضه الأخير. في عصره، كانت ڤيينا تعيش حالة من "الحضارة اليونانية". وكان من عادته عندما يكون لوحده أن يسلّي نفسه بقراءة اليونانيين القدماء. وكان مُلِمّا بالأدب والفلسفة الإغريقية منذ صباه، كما كان على علم بالفلسفة الرواقية القديمة، وبخاصّة كتابات أبيكتيتوس. وكان هذا الأخير يرى أن الأهواء لا تنشأ إلا من عدم تحقّق رغباتنا، ما يفسح المجال للاضطرابات والأمراض النفسية ويتسبّب في حزن الإنسان وشعوره بالاستياء من الغير، وبالتالي عجزه عن الاستماع إلى العقل.
    وكان حلّ بيتهوفن لمشكلة الأهواء يشكل تحديّا. وقد أدرك أن ضبط النفس هو أحد الجوانب التي يجب عليه تحسينها. كما رفض هوس الرغبات المادّية ونأى بنفسه عن الترف والبذخ. ذات مرّة ذهب مع بعض أصدقائه لتناول الغداء في مطعم. ولما لاحظ كثرة الطعام على المائدة قال: لماذا كلّ هذه الأطباق؟ هذا طعام كثير، من سيأكله؟! إن الإنسان لا يرتقي فوق مستوى الحيوانات الأخرى إذا كانت ملذّاته الرئيسية تنحصر في الطعام والشراب فقط".
  • ❉ ❉ ❉

  • أثناء محاضرة عن الغرب الأمريكي والأمريكيين الأصليين، ذكر الأستاذ أن الأوربّيين كانوا يصفون السكّان الأصليين "بالهمج" لأساليبهم "البدائية" في القتال وسرقتهم فروة الرأس. وتساءل: كيف يكون الاوربّيون أقلّ همجية وهم قادرون على قتل إنسان بإحداث ثقب صغير في جسده وإنهاء حياته؟!" في ذلك الوقت، كان رصاص البنادق يسبّب أضرارا داخلية مروّعة وتسمّماً للجسم.
    واستعاد الأستاذ كلاما بليغا للزعيم الهندي پونتياك عندما قال عن المستعمرين الأوربيين: لقد جاؤوا ومعهم الكتاب المقدّس، فسرقوا أرضنا وسحقوا أرواحنا. والآن يقولون لنا إنه يجب علينا أن نشكر الربّ على خلاصنا!".
    وشبيه بكلام پونتياك قول الزعيم الافريقي جومو كينياتا: عندما وصل المبشّرون الاوربيون الى بلادنا، كنّا نملك الأرض وكان لدى المبشّرين الكتاب المقدّس. وقد علّمونا كيف نصلّي وأعيننا مغمضة. وعندما فتحناها، وجدناهم تركوا لنا الكتاب المقدّس وأخذوا الأرض!". وفي كلا الحالتين، كان الاوربّيون يحملون الإنجيل بيد وبالأخرى البندقية. وحيث فشل الأوّل، أثبت الثاني فعاليته.
    وما يثير الفضول حقّا هو طريقة تعامل الڤايكنغ مع السكّان الأصليين عندما وصلوا الى القارّة لأوّل مرّة. يقول بعض هنود أمريكا الشمالية الذين تواصلوا مع الڤايكنغ لأوّل مرّة أن كلّ ما فعلوه هو مقايضة الأسلحة بلُباب الخشب، ثم رحلوا بسلام. كانوا أكثر سلميةً من الأوربيين الآخرين برغم ما يقال عن توحشّهم، أما من يُفترض أنهم متحضّرون فقد كانوا الأكثر قتلا وتدميرا.
  • ❉ ❉ ❉

  • الملاك الجديد "أو أنجيلوس نوڤوس" هو اسم هذه اللوحة التي رسمها الفنّان السويسري الألماني بول كلي عام 1920. وقد اشتراها صديق الفنّان، الناقد والفيلسوف الألماني ڤالتر بنيامين. وعندما اضطرّ الأخير للفرار من ألمانيا عام ١٩٣٣، أخذ اللوحة معه إلى المنفى في باريس. وعندما غزا النازيون فرنسا، قرّر بنيامين الهرب من هناك مجدّدا وعهد باللوحة، مع أوراق مهمّة أخرى، إلى الكاتب جورج باتاي الذي أخفاها في المكتبة الوطنية في باريس حيث كان يعمل. وقد قُبض على بنيامين على الحدود الإسبانية، وانتحر في سبتمبر 1940.
    وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، سلّم باتاي الصورة طبقا لوصيّة بنيامين الأخيرة إلى باحث بارز في التصوّف اليهودي كان قد هاجر من ألمانيا إلى فلسطين عام 1923. وتُظهر اللوحة ما يُفترض أنه ملاك يحدّق بفم مفتوح في شيء مزعج محاولا الابتعاد عنه. وكان ڤالتر بنيامين قد استشهد باللوحة في مقالة فلسفية له، واصفا التاريخ باعتباره "دورة لا تتوقّف من اليأس والحطام".
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • لكلّ كاتب مسرحيّ رؤيته الخاصّة عن أوديسيوس بطل ملحمة "الأوديسّا". البعض يرونه بطلاً ذكيّاً فحسب. لكن يوريپيديس يقدّم عنه نسخة أكثر قتامة وتعقيداً ويميل إلى تصويره كشخصية ميكاڤيللية بدائية، بينما يميل سوفوكليس أكثر إلى ذكر عيوبه المأساوية.
    يبدو أن يوريپيديس كان أكثر تشكّكا في الطبيعة البشرية. وهو يرى المأساة شيئا إلهيّا تقريبا، بينما يراها سوفوكليس نتيجة ضعف بشريّ وأنظمة معيبة. سوفوكليس كتب في ذروة قوّة أثينا، بينما شهد يوريپيديس بداية انهيارها. وفي اليونان وحتى اليوم، تُدرّس الأوديسّا في الصف السابع، على يسار الكتاب النصّ الأصلي لهوميروس وعلى يمينه النسخة اليونانية الحديثة. دائما هناك شيء خالد في إعادة سرد الأساطير وإعادة صياغتها.
  • ❉ ❉ ❉

  • بعض المجتمعات تعتبر تمجيد الأسلاف طقسا قبوريّاً ووثنيّاً، ومع ذلك فهي مهووسة بعلم الأنساب والأصل والفصل، ويمكن لبعض العائلات في تلك المجتمعات أن تتعقّب تاريخ أسلافها إلى ما قبل مئات الأعوام، لكنها لا تستطيع أن تخبرك أين كان أطفالها الليلة الماضية! هذه المجتمعات تنكر تكريم الموتى وتأنف من كلّ ما يذكّر بهم، وفي المقابل هناك من يرى أن تذكُّر الأسلاف عمل مشرّف وواجب، وهو ممارسة قائمة منذ فجر التاريخ. لذا عندما تضع بعض المجتمعات الأزهار على قبور موتاها، لا غرابة أنها تشعر بالارتباط، ليس بهم فحسب، بل بأجيال من البشر الذين رحلوا عن هذه الحياة وعانوا من التجاهل والنسيان. يقول حكيم صيني قديم إن نسيان الأسلاف هو بمثابة "أن تكون جدولا بلا منبع وشجرة بلا جذور".
  • ❉ ❉ ❉

  • النقطة الأساسية في رواية "المحاكمة" لكافكا هي أنه لا يوجد سبب لاعتقال بطلها جوزيف ك، ولا سبب لمحاكمته، باستثناء جعله يذعن ويعاني. والرواية نفسها تبدأ بهذه العبارة: لا بدّ أن شخصا ما كان يلفّق الأكاذيب عن جوزيف ك، لأنه -دون أن يرتكب أيّ خطأ- قُبض عليه في صباح يوم جميل".
    وفكرة الكتاب هي أنه حتى لو لم تشعر بأنك مذنب، فربّما تصبح مذنبا حتى لو ثبتت براءتك في محكمة قانونية. فهذا لا يؤكّد إدانتك فحسب، بل يؤكّد أيضا إدانة النظام القانوني الذي وجدك بريئاً! كتابات كافكا تشير إلى الطبيعة التعسّفية لإساءة استخدام السلطة. فإن كنت تشعر بأنك مضطهد من قبل سلطة تكرهك ولا يقلقها أنها شرّيرة، فأنت تنتمي إلى عالم كافكا.
  • ❉ ❉ ❉

  • يشير الكاتب الإيطالي جيانلوكا ديدينو الى أن الرومانسية المبكّرة كانت فلسفة متطرّفة قامت على تمسّك شبه متعصّب بقيم الفرد وولاء لعالمه الخاص، وهو ما كان غالبا يودي بحياة أتباعها. وقد مات العديد من الرومانسيين الأوائل في سنّ مبكّرة، أو أظهروا ميلاً لتدمير الذات لم يشاهَد في حركات ثقافية مماثلة في أوروبّا. أمّا من نجوا، فقد عاشوا حياة صعبة. حتى الحبّ، كما اعتقدَ الرومانسيون الأوائل، لا بدّ أن يكون مؤلما كي يكون حقيقيّا.
    ويضيف أنه من أجل إضفاء طابع رومانسيّ على العالم، آمن الرومانسيون بأنه يجب أن تبقى الآفاق البعيدة بعيدة إلى الأبد، والرغبات غير المشبعة كذلك إلى الأبد. ولم يكن الموت في سنّ مبكّرة مجرّد حادث أو نتيجة حياة عاشها الإنسان بسرعة وشقاء، بل كان جزءا أساسيا من المشروع الرومانسي. فقد مات كيتس وبوليدوري في الخامسة والعشرين من عمرهما، ونوڤاليس في الثامنة والعشرين، وشيلي في التاسعة والعشرين، واللورد بايرون في السادسة والثلاثين.
    كان الرومانسيون، بحسب الكاتب، يؤمنون بأنه ما من سبيل أفضل ولا أسمى من الموت عندما تفشل في تحقيق آمالك أو تطلّعاتك البعيدة. وليس من قبيل الصدفة أن يضِلّ أولئك الذين لم يموتوا في شبابهم طريقهم وينتهي بهم الأمر إلى الجنون أو الفقر أو التعصّب أو انعدام الأهمية.

  • Credits
    beethoven.de
    paulklee.net