قصّة عائلتين
عندما التقيت ماركو روث للمرّة الأولى في جامعة ييل، بدا لي وجهه مألوفا بشكل غامض. وخُيّل إليّ انه لم يأت من الولايات المتّحدة، وإنما من موسكو أو فيلنيوس أو براغ أو أيّ مكان آخر ذي تاريخ مضنٍ ومشرّب بالشعور بالذنب. وبدا لي وهو يمشي كما لو انه محبوس في فضائه الخاصّ أو في كرة شفّافة من الجليد كتلك التي تظهر في لوحة هيرونيموس بوش عن الجنّة (أم ترى هل كانت الجحيم)؟! أتذكّر لقائي مع ماركو وصديقه في احد شوارع نيوهيفن وبحثي عن شيء ما أقوله له أكثر من مجرّد التحيّة التقليدية. وبقدر ما أردت أن أبدأ معهما حديثا، لم يأت إلى ذهني شيء. كنت محرجة وكانت لغتي الإنجليزية ضعيفة. وبدا لي أن ماركو وصديقه لا يمكن الاقتراب منهما. لم يكن لديّ أيّة فكرة عن واقع حياتهما. وتذكّرت كلمة صاغتها آنا اخماتوفا: اللا لقاء. بعد مرور حوالي خمسة عشر عاما على ذلك "اللا لقاء"، قرأت في إحدى الصحف أن ماركو روث بدأ في نشر مذكّراته بعنوان "العلماء: قصّة حبّ عائلية"، والتي يصف فيها كيف، وهو ما يزال في سنّ المراهقة، كان يراقب والده، وهو خبير في أمراض الدم كان قد أصيب بعدوى الايدز إثر خطأ طبّي فادح، و...