قبل إتمام دراسته الجامعية، طاف الفرنسي سيلفان تيسون العالم على درّاجة ناريّة لمدّة عامين مع صديق. ثم عبرا معا جبال الهمالايا على الأقدام، وقطعا مسافة خمسة آلاف كم في خمسة أشهر من بوتان إلى طاجيكستان.
ثم عبَر تيسون بصحبة مصوّرة صحفية سهوب آسيا الوسطى، من كازاخستان إلى أوزبكستان، على ظهور الخيل. وقد سلكا نفس الطريق الذي سلكه من قبل سلومير راويتش في هروبه من سجن الغولاغ والذي وثّقه في كتابه "الرحلة الطويلة".
وفي عام 2010، قرّر تيسون أن يذهب إلى سيبيريا ويعيش هناك في عزلة لمدّة ستّة أشهر. وقد وصل إلى وجهته في ذروة فصل الشتاء واختار لسكناه كوخا قديما يقع على ضفاف بحيرة بايكال.
في الكتاب الذي ألّفه عن تجربته في العيش في سيبيريا وهو بعنوان "السُّلوان في الغابة: وحيدا في كوخ بسيبيريا"، يتحدّث تيسون عن الأسباب التي دعته للذهاب إلى هناك فيقول: في فرنسا اعتدت على أن أتحدّث كثيرا وأصبحت بحاجة للصمت".
ويضيف: كنت منشغلا بأناس كثيرين، ومع الأيّام أصبحت مهام العمل عبئا كبيرا. وصرت اكره الهاتف وكثرة الحركة والضجيج. وأحيانا كنت أغار من روبنسون كروزو، ولطالما أردت أن أجرّب نوعية الحياة التي عاشها وحيدا في غابة. كنت أريد مكانا استطيع أن اصرخ فيه على راحتي وأن أتخفّف من ملابسي دون أن يثير هذا حفيظة احد".
في كوخه السيبيري، لم يكن تيسون وحيدا تماما، بل كان معه عدد من الأصدقاء الجيّدين، مثل نيتشه وشوبنهاور وكازانوفا وبايرون ود. هـ. لورانس ويوكو ميشيما والرواقيين. كما اخذ معه بودلير ليغذّي تأمّلاته ويعيد اكتشاف معنى الحياة.
"الكتب أفضل كثيرا من كتابات التحليل النفسي، إنها تقول أشياء أكثر ممّا تقوله الحياة. وعندما تعيش في كوخ منعزل فإن الكتب توفّر لك أصحابا مثاليين يخفّفون عنك الحزن والسأم".
كلّ هؤلاء وغيرهم وجدوا طريقهم إلى خزانة الكتب التي أخذها معه تيسون إلى كوخه السيبيري. "كنت استمع إلى شوبيرت وأنا أراقب الثلج، وأقرأ ماركوس اوريليوس بعد أن أفرغ من تقطيع الخشب، وأدخّن الهافانا لأحتفل بصيد السمك في المساء".
ويضيف: اوريليوس ساعدني، وجيوفاني أراني الرجل الذي كان عليّ أن أكونه، وتشيس اظهرَ حقيقتي كما أنا".
ولم ينسَ المؤلّف أن يجلب معه أشياء مهمّة من عالم الأدب، عبارة عن مجموعة صغيرة من الكتب عن الحياة في الغابات: دانيال ديفو للأساطير، وألدو ليوبالد للأخلاق، وثورو للفلسفة، وكتاب "أوراق العشب" لوالت ويتمان.
"كنت قد قرأت الكتاب الأخير قبل شروعي في الرحلة، ولم يدر بخلدي أبدا أن قراءته ستقودني إلى السكن في كوخ. حقّا كم هو خطير أحيانا أن تفتح كتابا!"
ثم عبَر تيسون بصحبة مصوّرة صحفية سهوب آسيا الوسطى، من كازاخستان إلى أوزبكستان، على ظهور الخيل. وقد سلكا نفس الطريق الذي سلكه من قبل سلومير راويتش في هروبه من سجن الغولاغ والذي وثّقه في كتابه "الرحلة الطويلة".
وفي عام 2010، قرّر تيسون أن يذهب إلى سيبيريا ويعيش هناك في عزلة لمدّة ستّة أشهر. وقد وصل إلى وجهته في ذروة فصل الشتاء واختار لسكناه كوخا قديما يقع على ضفاف بحيرة بايكال.
في الكتاب الذي ألّفه عن تجربته في العيش في سيبيريا وهو بعنوان "السُّلوان في الغابة: وحيدا في كوخ بسيبيريا"، يتحدّث تيسون عن الأسباب التي دعته للذهاب إلى هناك فيقول: في فرنسا اعتدت على أن أتحدّث كثيرا وأصبحت بحاجة للصمت".
ويضيف: كنت منشغلا بأناس كثيرين، ومع الأيّام أصبحت مهام العمل عبئا كبيرا. وصرت اكره الهاتف وكثرة الحركة والضجيج. وأحيانا كنت أغار من روبنسون كروزو، ولطالما أردت أن أجرّب نوعية الحياة التي عاشها وحيدا في غابة. كنت أريد مكانا استطيع أن اصرخ فيه على راحتي وأن أتخفّف من ملابسي دون أن يثير هذا حفيظة احد".
في كوخه السيبيري، لم يكن تيسون وحيدا تماما، بل كان معه عدد من الأصدقاء الجيّدين، مثل نيتشه وشوبنهاور وكازانوفا وبايرون ود. هـ. لورانس ويوكو ميشيما والرواقيين. كما اخذ معه بودلير ليغذّي تأمّلاته ويعيد اكتشاف معنى الحياة.
"الكتب أفضل كثيرا من كتابات التحليل النفسي، إنها تقول أشياء أكثر ممّا تقوله الحياة. وعندما تعيش في كوخ منعزل فإن الكتب توفّر لك أصحابا مثاليين يخفّفون عنك الحزن والسأم".
كلّ هؤلاء وغيرهم وجدوا طريقهم إلى خزانة الكتب التي أخذها معه تيسون إلى كوخه السيبيري. "كنت استمع إلى شوبيرت وأنا أراقب الثلج، وأقرأ ماركوس اوريليوس بعد أن أفرغ من تقطيع الخشب، وأدخّن الهافانا لأحتفل بصيد السمك في المساء".
ويضيف: اوريليوس ساعدني، وجيوفاني أراني الرجل الذي كان عليّ أن أكونه، وتشيس اظهرَ حقيقتي كما أنا".
ولم ينسَ المؤلّف أن يجلب معه أشياء مهمّة من عالم الأدب، عبارة عن مجموعة صغيرة من الكتب عن الحياة في الغابات: دانيال ديفو للأساطير، وألدو ليوبالد للأخلاق، وثورو للفلسفة، وكتاب "أوراق العشب" لوالت ويتمان.
"كنت قد قرأت الكتاب الأخير قبل شروعي في الرحلة، ولم يدر بخلدي أبدا أن قراءته ستقودني إلى السكن في كوخ. حقّا كم هو خطير أحيانا أن تفتح كتابا!"
وفي جزء آخر من الكتاب يقول: تذكّرت مقطعا من كتاب "رثائيات تيبولوس" يقول فيه: كم هو جميل أن تتمدّد في سريرك لتستمع إلى عويل الرياح في الخارج. كانت الرياح تزمجر خارج الكوخ في بعض الليالي، بينما كنت اقرأ قصائد الشاعر الروماني".
كانت غاية المؤلّف من رحلته كما قال هي الهرب من فوضى الحياة الحديثة وإعادة اكتشاف نعمة العزلة. وهو يعبّر عن تقديره العميق لأرض سيبيريا القاسية، لكن الجميلة، وللرجال والنساء الذين يقطنونها وللتاريخ الغريب والمأساوي الذي منح هذه البرّية الفسيحة والمثلجة مكانا أسطوريّا في مخيّلة الكثيرين.
والكتاب غنيّ بالملاحظات والتأمّلات العميقة في الفلسفة والعلاقات الإنسانية والأدب والطبيعة. وهو يطرح سؤالا مهمّا: لو أتيحت لك الحرّية المطلقة في امتلاك وقتك، فما الذي ستفعله؟
ولأن الكاتب قاصّ موهوب، فإن تجربته في العزلة تحوّلت إلى مغامرة غير عادية يستمتع بها الجميع. كان يسجّل انطباعاته في حضور الصمت، ويناضل في بيئة غرائبية، ويعبّر عن آماله وشكوكه وعن لحظات السعادة النقيّة في اجتماعه مع الطبيعة.
"كنت أمضي ساعتين يوميّا وكأنّني د. غاشيه جالسا في حضرة فان غوخ، اجلس ساكنا وأنا اتأمّل سربا من الطيور أو قطيعا من الدببة أو الذئاب. وفي بعض الأحيان كنت أفكّر في الروح الروسية والسلافية. الروس امّة غريبة، إنهم يرسلون الصواريخ إلى الفضاء بينما يقتلون الذئاب بالحجارة".
ورغم الثلج والبرودة القاسية، ينجح تيسون في رسم صورة لمكان صامت ومنعزل على ضفاف اكبر بحيرة في العالم. "البرد والصمت والعزلة ستكون في السنوات القادمة أغلى من الذهب، لذا علينا أن نتمتّع بهذه الأشياء الآن ما دامت متاحة ورخيصة نسبيّا".
لكن رحلة الكاتب لم تكن عزلة دائمة، فقد صادق العديدين ممّن قابلهم. "عندما تكون وحيدا، ستحاول أن تشغل وقتك بالقراءة والصيد والمشي والتأمّل، وستبحث عن أفضل البشر لتستمتع بصحبتهم. البحيرة متجمّدة طوال الوقت تقريبا، والناس الذين يعيشون في هذا المكان يبدون غريبي الأطوار أحيانا. احدهم كان يمجّد ستالين ويتّهم الفرنسيين بالشذوذ".
أتى تيسون إلى الغابة كي يهرب من توحّش العالم الحديث، كما قال. لكن الغابة، وبسبب كثرة الفِخاخ المنصوبة فيها للأيائل والخنازير البرّية، هي مكان موحش أيضا.
وفي نهاية الكتاب، يبدي حزنه على انه سيغادر الكوخ ويرحل عن سيبيريا. لكنه لا يترك انطباعا بأنه يريد أن يبقى هناك إلى الأبد.
كتاب سيلفان تيسون هو احتفاء جميل بالعيش البطيء وبالاستمتاع بالأشياء البسيطة والتخلّص من ملهيات الحياة الحديثة والعودة إلى أنفسنا.
ممّا يجدر ذكره أن الكتاب تحوّل مؤخّرا إلى فيلم فرنسي صُوّرت أحداثه في طبيعة سيبيريا نفسها.
كانت غاية المؤلّف من رحلته كما قال هي الهرب من فوضى الحياة الحديثة وإعادة اكتشاف نعمة العزلة. وهو يعبّر عن تقديره العميق لأرض سيبيريا القاسية، لكن الجميلة، وللرجال والنساء الذين يقطنونها وللتاريخ الغريب والمأساوي الذي منح هذه البرّية الفسيحة والمثلجة مكانا أسطوريّا في مخيّلة الكثيرين.
والكتاب غنيّ بالملاحظات والتأمّلات العميقة في الفلسفة والعلاقات الإنسانية والأدب والطبيعة. وهو يطرح سؤالا مهمّا: لو أتيحت لك الحرّية المطلقة في امتلاك وقتك، فما الذي ستفعله؟
ولأن الكاتب قاصّ موهوب، فإن تجربته في العزلة تحوّلت إلى مغامرة غير عادية يستمتع بها الجميع. كان يسجّل انطباعاته في حضور الصمت، ويناضل في بيئة غرائبية، ويعبّر عن آماله وشكوكه وعن لحظات السعادة النقيّة في اجتماعه مع الطبيعة.
"كنت أمضي ساعتين يوميّا وكأنّني د. غاشيه جالسا في حضرة فان غوخ، اجلس ساكنا وأنا اتأمّل سربا من الطيور أو قطيعا من الدببة أو الذئاب. وفي بعض الأحيان كنت أفكّر في الروح الروسية والسلافية. الروس امّة غريبة، إنهم يرسلون الصواريخ إلى الفضاء بينما يقتلون الذئاب بالحجارة".
ورغم الثلج والبرودة القاسية، ينجح تيسون في رسم صورة لمكان صامت ومنعزل على ضفاف اكبر بحيرة في العالم. "البرد والصمت والعزلة ستكون في السنوات القادمة أغلى من الذهب، لذا علينا أن نتمتّع بهذه الأشياء الآن ما دامت متاحة ورخيصة نسبيّا".
لكن رحلة الكاتب لم تكن عزلة دائمة، فقد صادق العديدين ممّن قابلهم. "عندما تكون وحيدا، ستحاول أن تشغل وقتك بالقراءة والصيد والمشي والتأمّل، وستبحث عن أفضل البشر لتستمتع بصحبتهم. البحيرة متجمّدة طوال الوقت تقريبا، والناس الذين يعيشون في هذا المكان يبدون غريبي الأطوار أحيانا. احدهم كان يمجّد ستالين ويتّهم الفرنسيين بالشذوذ".
أتى تيسون إلى الغابة كي يهرب من توحّش العالم الحديث، كما قال. لكن الغابة، وبسبب كثرة الفِخاخ المنصوبة فيها للأيائل والخنازير البرّية، هي مكان موحش أيضا.
وفي نهاية الكتاب، يبدي حزنه على انه سيغادر الكوخ ويرحل عن سيبيريا. لكنه لا يترك انطباعا بأنه يريد أن يبقى هناك إلى الأبد.
كتاب سيلفان تيسون هو احتفاء جميل بالعيش البطيء وبالاستمتاع بالأشياء البسيطة والتخلّص من ملهيات الحياة الحديثة والعودة إلى أنفسنا.
ممّا يجدر ذكره أن الكتاب تحوّل مؤخّرا إلى فيلم فرنسي صُوّرت أحداثه في طبيعة سيبيريا نفسها.
Credits
nypl.org
nypl.org