:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، مارس 07، 2015

خواطر في الأدب والفن

فجراً.. بعد غرق سفينة


رغم أن وليام تيرنر كان يخلق لوحاته من الإدراك وليس من العاطفة، إلا أن المتلقّي يمكن أن يتفاعل مع الجوّ الذي تثيره براعة هذا الرسّام في التحكّم في الضوء واللون والتوليف، كي يضيف إليها الانفعال المطلوب اعتمادا على القصّة التي يفترضها.
عبقرية تيرنر تتجلّى في انه كان يرسم فقط ما يراه، وعندما يرى ما يوحي باللون على شاطئ مبلّل وامتزاج ألوان السماء بألوان البحر، فإنه سرعان ما يحوّل ذلك الإيحاء إلى اللوحة. ثم تأتي مهمّة المتلقّي بعد ذلك، أي أن يأخذ من تلك الرؤية ما يريده.
إحدى لوحات تيرنر التي تدلّل على نضجه الفنّي هي هذه اللوحة المسمّاة فجرًا بعد غرق سفينة ، وهي عبارة عن منظر للشاطئ والبحر والسماء، مع جسم واحد ظاهر هو الكلب الصغير الذي يبدو وهو ينبح. المكان في المنظر هو على الأغلب شاطئ مارغيت في كنت، وهو المكان الذي كان الرسّام يقضي فيه معظم وقته في أربعينات القرن التاسع عشر.
الإشارة إلى غرق سفينة في العنوان توحي بأن هذه اللوحة لها قصّة تُروى. ومع ذلك لا وجود لأيّة سفينة غارقة في المنظر. هناك فقط العناصر الثلاثة، أي الأرض والسماء والبحر، بالإضافة إلى الكلب الوحيد.
ربّما كان على المتلقّي أن يستنتج تفاصيل القصّة في مخيّلته، وقد يكتفي بشرح جون راسكين الذي كان ناقدا ورسّاما مشهورا ومعاصرا لتيرنر. يقول راسكين في تعليقه على اللوحة: سفينة صغيرة، ناقلة فحم على الأرجح، غرقت في الليل، وكلّ من كانوا على متنها أصبحوا في عداد المفقودين، وهناك كلب وحيد على الشاطئ. انه يقف منهكا وهو ينبح ويرتجف، بينما ترسل سحائب الفجر أوّل خيوطها القرمزية. ويمكن رؤية اثر واهن لبقعة دم شاحبة على الرمال".
هناك احتمال بأن يكون راسكين قد قرأ في هذه اللوحة أكثر ممّا أراد تيرنر أن يودعه فيها. لكن هذا لا يهم، لأن قصّة راسكين محتملة وممكنة، تماما مثل قصص الآخرين، ومن بينهم تيرنر نفسه.
يقال أحيانا أن تيرنر كان أوّل رسّام انطباعي. لكن هذا ليس حقيقيّا، لأن تيرنر لم يكن يرسم انطباعات، وإنّما مشاهد حقيقية. وكان على المتلقّي أن يسجّل انطباعه عمّا رآه. وهذا هو السبب في أن هناك عددا لا يُحصى من القصص التي يمكن أن تحكيها هذه اللوحة. وكلّ منها شخصيّ بالنسبة للمتلقّي، ويمكن أن تتغيّر من حالة لأخرى، تماما مثلما يتغيّر المشهد في كلّ مرّة ننظر إليه.
ولو أزلنا الكلب من اللوحة، فسيكون المنظر أشبه ما يكون بصورة التقطها مصوّر هاوٍ، وستصبح اللوحة مملّة لدرجة أن بعضنا قد يندمون على صرف وقتهم في مشاهدتها.
البحر في صورة تيرنر هذه لا يفعل شيئا استثنائيّا، وكلّ ما يمكن رؤيته هو موجة صغيرة تتكسّر على الشاطئ. السماء صفراء مع سحب منخفضة. ويمكن ملاحظة زاوية الشمس وهي تنبلج من بين الغيوم لترسل شعاعا خفيفا ينعكس على الرمال المبلّلة.
وهناك أيضا بقعة من الأحمر. راسكين توقّف عند هذه البقعة واصفا إيّاها ببقعة الدم. كان يدرك أن تيرنر كان يرى في اللون القرمزيّ الأحمر رمزا للدم والموت. وهذه البقعة في أعلى وأسفل المنظر تشكّل إطارا مع البحر في الوسط.
في اللوحة يبدو البحر الآن بريئا بما فيه الكفاية. غير انه يخبّئ سرّا قاتلا. وحده الكلب هو الذي نجا من بين جميع ركّاب السفينة المنكوبة، ورأسه وجسمه يشيران إلى الأحمر، بينما ينبح السماء كما لو انه يحكي لها قصّة المأساة التي حدثت للتوّ في البحر.
هناك في هذا المشهد الكثير ممّا يجري، أكثر ممّا يمكن لك أن تكتشفه من النظرة الأولى.

❉ ❉ ❉

ريو: أنا اعزف إذن أنا موجود


كنت وما زلت من المعجبين بأسلوب اندريه ريو في ترجمة المعزوفات الكلاسيكية المشهورة وتقديمها في قالب عصريّ سهل ومفهوم.
اسم عائلة "ريو" يشي بأصولها الفرنسية. وقد هاجر أسلافه من اوفيرن في فرنسا إلى هولندا قبل أكثر من ثلاثة قرون.
أما اندريه نفسه فقد ولد في بلدة ماستريخت الهولندية التي يمتلك فيها اليوم منزلا خاصّا يليق بالملوك. والمنزل عبارة عن قلعة تاريخية تعود إلى القرون الوسطى وتتألّف من أكثر من عشرين غرفة وتطلّ على ضفّتي نهر ماس.
وعائلة ريو كلّهم تقريبا موسيقيّون. وقد سبق لوالده أن عمل كمايسترو لأوبرا ليبزيغ بألمانيا، بينما تلقّى جميع أشقّائه الستّة تدريبا موسيقيّا.
اندريه ريو ما يزال يفضّل موسيقى الفالس الراقصة على ما عداها. وربّما كان هذا النوع من الموسيقى ذات المسحة الرومانسية هو الذي فتن عشرات آلاف النساء اللاتي يبعثن له برسائل الإعجاب مع هواتفهن وصورهن. كما أنهنّ يشترين موسيقاه أوّلا بأوّل ويحضرن حفلاته وبعضهنّ يتتّبعن خطاه من مدينة لأخرى.
وهناك من النقّاد من يقولون أن ما جعل اندريه ريو مشهورا ومعروفا في كلّ مكان تقريبا هو عدوى النساء المهووسات بالحبّ.
ذات مرّة عزف ريو مقطوعة الفالس الثانية لشوستاكوفتش. وجريا على عادته، أدخل عليها بعض التعديلات. تركيزه على إظهار كم أن هذه القطعة هادئة وبنفس الوقت مؤرّقة فاجأ زملاءه الموسيقيين في هولندا وفي أوربّا الذين رأوا في طريقة توزيعه لها أمرا مثيرا للاهتمام.
يقول ريو إن من الوجوه التي لا ينساها أبدا صورة الممثّلة اوليفيا هاسي التي ظهرت في فيلم روميو وجولييت من إخراج الايطالي فرانكو زافاريللي والتي يقول إنه حمل جمالها معه إلى أحلامه. كما انه ما يزال إلى اليوم مفتونا بالمقطع المشهور في الفيلم "فوق" والذي ألّفه الموسيقيّ الايطالي نينو روتا . وفي ما بعد عزف ريو هذا المقطع وضمّنه إحدى مجموعاته.
شعار اندريه ريو هو: أنا اعزف إذن أنا موجود". وقد أصبح من عادته أن ينهي كلّ حفلة له بقوله: من يدري، ربّما نلتقي ثانية"!

❉ ❉ ❉

الجبال والطقوس


فكرة الحجّ في الأديان تتضمّن شيئا أكبر وأكثر تعقيدا من مجرّد التقوى أو الرغبة في التوبة. بانفصالك عن الوطن، كما يفعل الناس في الحجّ، أنت تعترف ضمنا أن رحلتك هي محطّة على طريق وجودك. وأحيانا يكون الحجّ استعدادا للموت.
لاحظ كيف أن طقوس الحج في جميع الديانات تتضمّن شيئا من صعود الجبال: سيناء، الأوليمب، جبل الرحمة، الهمالايا.. إلى آخره. الصعود إلى فوق، إلى قمّة الجبل، هو نوع من الاقتراب من الله ومن المقدّس. وفكرة الارتفاع إلى فوق للقاء الإله مندمجة بعمق في اللغة التي نتكلّمها، ومن ثمّ في الطريقة التي نفكّر بها، سواءً عندما نتحرّك لأعلى أو ننزل لأسفل.
المعروف انه في أوربّا، وحتى وقت قريب، كان الناس ينظرون إلى الجبال كأجسام مرعبة. لكن في أواخر القرن الثامن عشر، بدءوا ينظرون إليها كأماكن للعبادة وانعكاس لعظمة الله. وهناك من الروحانيين من يعتقد بأن الجبال ليست في واقع الامر سوى بوّابات تقود إلى عوالم خفيّة ومجهولة.

❉ ❉ ❉

متحف روبنز


هذه الصورة هي لغرفة في منزل الرسّام الهولندي العظيم بيتر بول روبنز في انتويرب والذي تحوّل في ما بعد إلى متحف.
كان روبنز قد اشترى المنزل بعد عودته من ايطاليا حوالي العام 1606. وقد قام بزخرفته وحوّله إلى واحد من أكثر منازل عصر الباروك أناقة في الأراضي المنخفضة وأضاف إليه حديقة جميلة ومدخلا فخما.
في هذا البيت أبدع الرسّام أشهر وأعظم لوحاته. وقد زاره هنا رسّامون ودبلوماسيون ومحبّون للرسم وجامعو فنّ وعلماء. وكان من بين زوّاره الأمير الاسباني البيرت وزوجته ايزابيللا.
روبنز لم يكن فقط أحد أعظم الرسّامين في العالم الغربي، لكنه كان أيضا من هواة جمع اللوحات. كان شخصا يؤمن بالأفكار الإنسانية، وقد أنعم عليه كلّ من فيليب الرابع ملك اسبانيا وتشارلز الأوّل ملك انجلترا بلقب فارس.
وفي الواقع، كان روبنز مدركا لمكانته في العالم، لدرجة انه رسم نفسه ذات مرّة وفي يده سيف حتى قبل أن يُمنح تلك الرتبة.

❉ ❉ ❉

أقوال


جولة سريعة أخرى في بعض ما نُشر في مواقع التواصل وغيرها خلال الأسابيع الماضية..

  • إسأل نفسك الآن كم تُخفي في داخلك عن الآخرين حتى لا تُتّهم بالجنون أحيانا، أو بالغباء أحيانا، أو بمخالفة الأعراف الاجتماعية أحيانا أخرى؟
  • إذا كان السؤال محرّما فكيف تطمع في الحصول على إجابة؟ ويل لأمّة تحرّم الأسئلة! تحريم الأسئلة لا يعني العجز عن الجواب فحسب وإنّما أيضا الإجبار على الجهل!
  • يجب أن يكون الهدف الأسمى لأيّة ديانة، ليس إدخال الناس إلى الجنّة، وإنّما إدخال الجنّة إلى قلوب الناس.
  • لم أعرف في حياتي أسوأ من نساء يحتقرن أنوثة المرأة ويشكّكن في أهليتها ويقفن بالمرصاد ضدّ حقوقها ويتخندقن مع الموسوسين ضدّ بنات جنسهن.
  • الوسطي مشغول بعلاقته مع الله، والمتشدّد مشغول بعلاقة جاره مع الله!
  • جمال بن عمر لليمن. دي ميستورا لسوريا. برناردينو ليون لليبيا. يبدو أن كلّ دولة عربية سيكون لها مندوبها الأممي. إنها مندبة كبرى!
  • الله كم في الخلق من صَبّ ومن عاني
    تفنى القلوبُ ويبقى قلبكِ الجاني
    صوني جمالكِ عنّا إننا بشر
    من التراب وهذا الحسنُ روحاني!
  • خيرٌ لك أن تقضي وقتك في السعي لإدخال نفسك الجنّة، على أن تقضيه في إثبات أن غيرك سيدخل النار.
  • عندما يتصرّف الإنسان بعفوية وبحسن نيّة يقع بمشاكل لا يفهمها، لأن حجم الطيبة والنقاء الذي بداخله لا يصل إلى مستوى اللؤم والدناءة التي لدى الآخرين.
  • لو أن أدعية الداعين مستجابة، لمحق الله الكافرين ومزّق شملهم ولم يبق منهم احد منذ دهور طويلة، ولورثنا كوكبا لا تسكنه إلا الجماعات المجاهدة!
  • عندما نراجع حياتنا نجد أن أجمل ما حدث لنا كان مصادفة، وأن الخيبات الكبرى تأتي دائما على سجّاد فاخر نسجنا خيوطه بأيدينا.
  • قسوة بعض القلوب تعود إلى العجز عن تذوّق الفنون الجميلة. وغياب الترفيه اخرج لنا أجيالا إرهابية صرنا نصدّرها إلى جميع أرجاء العالم!
  • داعش لم تعد مجرّد شرذمة من المجرمين، بل أصبحت حالة فكرية يتعاطف معها كلّ متخلّف معتوه مغيّب العقل يريد العودة بأوطاننا إلى عصور الظلام.
  • هؤلاء الذين لا يقدّرون قيمة الأوطان أولى بهم أن يعيشوا في الخرائب.
  • عندما تعجز النفس عن رؤية الأحبّة، فإنها تشتاق لهم بصمت مؤلم. إيّاك أن تظنّ أن الصمت نسيان، فالأرض صامتة ولكن في جوفها ألف بركان.
  • وأنت تستعدّ لأداء الصلاة، إغسل قلبك من كلّ بغض وحقد تجاه الآخرين، نظّف روحك من كل طائفية وعنصرية، توضّأ بماء السلام والتعايش وتوكّل على الله.
  • إذا دخلت بيتا قديما رحل عنه أهله، ستسري في بدنك قشعريرة غامضة. أنت لست في العراء، فالبيوت المهجورة تنبض بأرواح الراحلين. ثمّة أصوات وآثار وخُطى.
  • التشدّد في حدّه الأدنى مماحكة وعنَت وتعطيل للحياة. وفي حدّه الأعلى إرهاب وحزّ رقاب وتفجير وتدمير للحياة.
  • مشكلة سقف الحرّية أنك لا تراه إلا عندما ترتطم به!
  • في لنا يا حبّ خيمة ع الجبل
    ناطرة تا نزورها بليلة غزل
    راكعة الغيمات عند بوابها
    وتاركة النجمات ع سطحا قُبَل
  • لا شيء يعود كالسابق. إحفظ هذه العبارة جيّداً قبل أن تكسر شيئاً جميلا.

    Credits
    thearttribune.com
    rubenshuis.be
    wsj.com
  • الثلاثاء، مارس 03، 2015

    كاندينسكي: مقاطع من حياة


    كان فاسيلي كاندينسكي، المولود في روسيا والمتوفّى في باريس، رسّاما ومنظّرا مشهورا. وبعض النقّاد يعتبرونه مؤسّس المدرسة التجريدية في الرسم. وهناك من يشبّه مكانته في الرسم بمكانة آينشتاين في الفيزياء وسترافنسكي في الموسيقى وجويس وبيكيت في الأدب والمسرح.
    وفهم فنّ كاندينسكي مهمّة قد لا تخلو من صعوبة أحيانا. وقد عاصر هذا الرسّام أحداثا جساما ومآسي شخصية عديدة. واضطرّ خلال حياته للتنقّل بين عدّة أماكن بسبب ظروف الحروب والثورات، على الرغم من أن لوحاته لا تكشف لنا عن شيء من ذلك.
    في بدايات عصر الحداثة، أي في النصف الأوّل من القرن العشرين، كان كاندينسكي منتميا لمجموعة صغيرة من الرسّامين الكبار والمؤثّرين وقتها، مثل موندريان وماكا وماليفيتش الذين كانوا مهتمّين بدراسة المؤثّرات اللونية والبصرية.
    ولد كاندينسكي في روسيا عام 1866 وقضى طفولته المبكّرة في مدينة اوديسيا. وقد تخرّج من جامعة موسكو التي درس فيها القانون والاقتصاد. وعند بلوغه الثلاثين من عمره أصبح رسّاما.
    في عام 1896، استقرّ كاندينسكي في ميونيخ ولم يعد إلى موسكو إلا عام 1914. لكن بسبب نشوب الثورة البولشفية غادر روسيا عائدا إلى ألمانيا. وعندما أتى هتلر إلى السلطة في ألمانيا انتقل إلى فرنسا حيث عاش فيها بقيّة حياته وأصبح مواطنا فرنسيا وتوفّي هناك عام 1944.
    بعد وفاة كاندينسكي بسنوات، اهتمّ الإعلام الأوربّي بخبرين، فأرملة الرسّام من زواج سرّي، واسمها غابرييلا مونتر ، وهي أيضا فنّانة وتلميذة سابقة له، منحت متحف ميونيخ هديّة ثمينة هي عبارة عن بضع مئات من أعمال كاندينسكي ورسوماته، بالإضافة إلى عشرات من مذكّراته واسكتشاته.
    وفي نفس الوقت باعت الأرملة والزوجة الأصلية للرسّام الراحل، واسمها نينا كاندينسكايا، اثنتين من لوحات زوجها بحوالي نصف مليون دولار لكي تشتري بها قلادة من الألماس من شركة كارتييه. وفي اليوم التالي ظهرت في دار للأوبرا بصحبة عشيق شابّ وهي ترتدي القلادة.
    أوّل زواج لكاندينسكي كان من ابنة عمّه آنا التي كانت تكبره ببضعة أعوام. كانت آنا تهتمّ بكاندينسكي كثيرا. وقد ذهبت معه إلى ألمانيا على الرغم من علمها بأن زوجها كان على علاقة مع غابرييلا مونتر وأنهما يعيشان معا منذ عشر سنوات في منزل اشترته غابرييلا. ومع ذلك كانت آنا تتظاهر بعدم معرفتها بتلك العلاقة.
    لكن لم يلبث كاندينسكي أن عاد إلى روسيا وطلّق آنا ثم تزوّج سرّا من فتاة في السابعة عشرة هي نينا كاندينسكايا. ومع ذلك ظلّت غابرييلا تكاتبه لأنها لم تكن على علم بما حدث.
    ثم بدأت الثورة البلشفية ولم ترد معلومات عن مصير كاندينسكي. وقد استلمت غابرييلا خطابا من محاميه يطلب فيه منها أن تعيد جميع صوره وملابسه ومقتنياته الشخصية. ولم تكن غابرييلا تعرف انه عاد مجدّدا إلى ألمانيا وأنه يعيش فيها مع زوجة جديدة.
    وقد كتبت له خطابا من أكثر من عشرين صفحة تعبّر له فيه عن استغرابها أن يصدر ذلك من شخص كانت تعتبره معلّمها وحبيبها وصديقها.


    بعد انتقاله من ألمانيا إلى فرنسا، استقرّ كاندينسكي مع زوجته الثانية نينا في إحدى ضواحي باريس. وكان قد تعرّف عليها من خلال التليفون، واعترف لها في ما بعد انه وقع في حبّ صوتها أوّلا. وفي نفس ذلك اليوم رسم لوحة من وحي تلك المحادثة الهاتفية أسماها إلى الصوت المجهول .
    كان عمر كاندينسكي وقتها خمسين عاما بينما لم تكن نينا قد تجاوزت السابعة عشرة. وفي العام التالي تزوّجا وارتدت في الحفل فستانا من تصميمه. وقال بعض الناس إنها تزوّجته لأنه كان نجما مشهورا. لكنها كانت دائما تنفي ذلك قائلة انه كان زواجا عن حبّ من النظرة الأولى.
    كانت نينا زوجة مخلصة لكاندينسكي طوال الأعوام الثمانية والعشرين التالية. وفي عام 1973 نشرت مذكّراتها بعنوان "كاندينسكي وأنا".
    بعد وفاة كاندينسكي أصبح النقّاد مهتمّين بالفنّ الطليعي الروسي. أما نينا فقد كان كلّ همّها منصبّا على شراء واقتناء المجوهرات مقابل بيعها للوحات زوجها. وقد أصبحت بسرعة أرملة غنيّة جدّا مع منزل في باريس وفيللا في سويسرا وسيّارة وسائق خاص. وكانت بعض شركات المجوهرات تهدي لها قطعا من الحُليّ مقابل لوحات زوجها. كما أصبحت تتردّد على المناسبات الاجتماعية وهي تزيّن نفسها بالمجوهرات الغالية الثمن وتصطحب معها شبّانا صغارا.
    كانت نينا كاندينسكايا قد اشترت في السبعينات "شاليهاً" في منطقة جبال الألب السويسرية وانتقلت لتعيش هناك. وفي عام 1983، عُثر عليها مقتولة في حمّام منزلها. وقد قام اللصوص بسرقة كلّ مجوهراتها المقدّرة قيمتها بأكثر من سبعة ملايين دولار، بما في ذلك قلادة الألماس المشهورة من كارتييه.
    الغريب أن القتلة لم يمسّوا صور زوجها. ولم يتمّ العثور على الجناة أبدا. وفي جنازتها لم يتجاوز عدد المشاركين بضعة أفراد. وإلى اليوم لا يوجد شاهد ولا اسم يميّزان قبرها.
    وبعد خمس سنوات من مقتلها، توفّيت غابرييلا مونتر ومشى في جنازتها الآلاف، وكثير منهم كانوا من المعجبين بكاندينسكي وفنّه. وطوال عشر سنوات قبل ذلك، كانت غابرييلا تخاطر بحياتها عندما احتفظت في بيتها ببعض صور كاندينسكي على الرغم من أن السلطات النازيّة كانت تصنّف تلك اللوحات بأنها "منحلّة". كانت المرأة تعيش في ذعر خوفا من انتقام السلطة، ولم تفكّر أبدا في إتلاف لوحات الرجل الذي كانت تحبّه، بل ولم تغادر البيت حتى أثناء اشتداد القصف الجوّي لطائرات الحلفاء.
    لوحات كاندينسكي ما تزال حتى اليوم تحظى بإقبال محبّي الرسم والمتاحف وأصحاب المجموعات الفنّية الخاصّة. ففي عام 1990 بيعت في مزاد سوذبي لوحته بعنوان فيوغ "أي موسيقى مبنية على لحن معيّن يتكرّر بطريقة متواترة" مقابل 21 مليون دولار. وفي عام 2012 بيعت لوحته الأخرى بعنوان دراسة للوحة مرتجلة رقم 8 "فوق" في مزاد كريستيز بمبلغ 23 مليون دولار.

    Credits
    wassilykandinsky.net
    viola.bz