الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.
- الإمام علي
من الأشياء الغريبة التي تتّصف بها الأحلام أننا لا نعرف أننا نحلم إلا إذا استيقظنا. فداخل الحلم، ذاكرتنا محدودة. لذا قد نظنّ أن ما نراه في حلم أمر حقيقي.
وقدرة الحلم على أن يبدو واقعيّا هي التي دفعت الفيلسوف الفرنسي ديكارت لأن يتساءل ما إذا كان العالم الذي نعرفه ونحن في حالة يقظة قد يكون هو نفسه حلما.
إذا كان الحلم يبدو أحيانا مثل الواقع، فكيف نتأكّد أننا الآن وفي هذه الحياة لا نعيش في حلم قد نصحو منه ذات يوم؟
هذا هو السؤال الذي شغل العديد من الفلاسفة والشعراء والروحانيين وعلماء النفس منذ القدم وعلى مرّ قرون.
والسؤال له علاقة بأنواع التجارب المتاحة للعقل الإنساني وبفحص الطبيعة الحقيقية للعالم الذي نعيش فيه.
فهناك تجارب مرّ بها أشخاص عاشوا حالات غير عادية من الوعي، مثل الذين عادوا إلى الحياة بعد أن قاربوا الموت، أو الذين استخدموا عقاقير نقلتهم إلى حالات ذهنية معدّلة، أو ما يقال عن الوسطاء الروحانيين الذين يصِلون الأحياء بأقاربهم الذين غادروا هذه الحياة.
لكن هناك من العلماء من يفرّقون بين حالتي الحلم والواقع ويجادلون بأن عالمنا الواعي متماسك، وهو ما يفتقده الحلم. غير أن ديمومة الأشياء وعناصر البيئة التي نراها في عالم الواقع ليست ضمانة على أن هذا العالم واقعيّ حقّا.
من جهة أخرى، فإن الفيزياء تعلّمنا بأن الأشياء التي ننظر إليها على أنها صلبة هي مكوّنة بالكامل من فضاءات فارغة. وتجارب الكوانتم تَعتبر انه في ظلّ ظروف معيّنة فإن كتل المباني لا تتصرّف كجزيئات وإنّما كموجات من الاحتمالات.
وبناءً عليه، هل يأتي يوم نصحو فيه من حلم فنرى عالما أكثر تماسكا وواقعية ونمرّ بمستويات غير مسبوقة من المعرفة والذاكرة وغيرها من الوظائف الادراكية تتجاوز تلك التي نعرفها في حياتنا العادية.
أهل التبت يعتقدون أن الإنسان عندما يغادر هذه الحياة يدخل في حالة شبيهة بالحلم بانتظار ولادته من جديد.
ومعنى أن "الحياة حلم" عندهم هو أن كل شيء هو ثمرة عقل الإنسان. فجسدك يتحلّل كل يوم، وهو يتغيّر باستمرار. ومن خلال التأمّل يمكنك أن توقف شعورك بجسدك أو أن لك جسدا. وفي فهمهم أن هذا العالم ليس حقيقيا لأنه نتيجة ما تتصوّره عقولنا القاصرة والمحدودة عنه.
في هذا العالم، كلّ شيء مركّب. خذ السيّارة مثلا. ما الذي يتبقّى منها إن جرّدتها من الزجاج والأنوار والماكينة والمقاعد؟! في الحقيقة لا يبقى شيء بعدها يمكن أن يُسمّى سيّارة.
إن وجودنا في هذا العالم العائم يشبه قطرة ندى صغيرة، أو فقاعة طافية فوق جدول، أو ومضة ضوء في غمامة صيف، أو شمعة واهنة في مهبّ الريح. انه وجود حالم بل وهشّ أيضا.
كان تلاميذ بوذا يسألونه: هل أنت قدّيس أم إله أم زاهد متصوّف؟ وكان يجيب: أنا شخص إستيقظ". لذا سُمّي "بوذا"، أي الشخص الذي تمّ إيقاظه. وهو للحقيقة لم يقل إن الحياة حلم، بل قال إنها معاناة، وأحيانا وهم.
إن حياة الإنسان تتلاشى مثل ندى الصباح. فكّر في ماضيك وكيف أن الأشياء لم تدُم. هل تتذكّر شخصا رأيته وهو يلفظ الأنفاس الأخيرة من حياته؟ كلّ شيء ينتهي في لحظة خاطفة.
العلماء يقولون إن حياة شخص واحد ليست سوى جزء من الثانية من عمر الكون. ووجود البشر على هذه الأرض نسبةً إلى الزمن الجيولوجي للكوكب ليس أكثر من بضع وخمسين ثانية.
انظر إلى السماء في ليلة مظلمة. سترى نجوما لا تُعدّ ولا تُحصى. لكن يُحتمل أن بعضها لم تعد هناك، بل ماتت مُنذ ملايين السنين. وما يصلنا هو ضوئها الذي يقطع مسافات فلكية كي يصلنا. أفلا يبدو هذا اقرب ما يكون إلى الحلم؟
إن حياة الإنسان على هذه الأرض مقارنةً بحياة الجبال والأنهار والمحيطات الهائلة قصيرة جدّا. إنها مثل حلم يدوم ثواني معدودة ثم يتلاشى في الهواء بسرعة.
ولو تذكّرت الماضي، أي قبل ٣٠ سنة أو ٢٠ أو حتى قبل أشهر، فإن كلّ ما بقي لديك هو الذكريات.
فالعيش نوم والمنيّة يقظة
والمرء بينهما خيال ساري
ذات مرّة قرأت أن الإنسان إذا حضره الموت فإنه يرى في لحظات احتضاره شريطا من صور حياته وذكرياته، تمرّ أمام عينيه وتختصر أهم المواقف والأشخاص في حياته الفانية.
"الحياة حلم" جملة يمكن أن يكون لها معنى ديني أحيانا، فإذا فكّرت في الخلود فإن الحياة على الأرض تشبه حلما. وفي هذه الحالة فإن على الإنسان أن يعمل للحياة الأخرى ويستعدّ لها بالعمل الصالح.
يقول الإمام علي عليه السلام:
إنما الدنيا كظلّ زائل
أو كضيف بات ليلا فارتحل
أو كطيف قد يراه نائم
أو كبرق لاح في دنيا الأمل
لكن سواءً كانت هذه الحياة واقعا أم حلما، فإننا يجب أن نعيشها كما ينبغي وأن يتحمّل كلّ منّا مسئوليته ليطوّر نفسه ويستثمر ما وهبه الله له من نعم وعطايا على أفضل وجه لفائدة نفسه والآخرين.
- الإمام علي
من الأشياء الغريبة التي تتّصف بها الأحلام أننا لا نعرف أننا نحلم إلا إذا استيقظنا. فداخل الحلم، ذاكرتنا محدودة. لذا قد نظنّ أن ما نراه في حلم أمر حقيقي.
وقدرة الحلم على أن يبدو واقعيّا هي التي دفعت الفيلسوف الفرنسي ديكارت لأن يتساءل ما إذا كان العالم الذي نعرفه ونحن في حالة يقظة قد يكون هو نفسه حلما.
إذا كان الحلم يبدو أحيانا مثل الواقع، فكيف نتأكّد أننا الآن وفي هذه الحياة لا نعيش في حلم قد نصحو منه ذات يوم؟
هذا هو السؤال الذي شغل العديد من الفلاسفة والشعراء والروحانيين وعلماء النفس منذ القدم وعلى مرّ قرون.
والسؤال له علاقة بأنواع التجارب المتاحة للعقل الإنساني وبفحص الطبيعة الحقيقية للعالم الذي نعيش فيه.
فهناك تجارب مرّ بها أشخاص عاشوا حالات غير عادية من الوعي، مثل الذين عادوا إلى الحياة بعد أن قاربوا الموت، أو الذين استخدموا عقاقير نقلتهم إلى حالات ذهنية معدّلة، أو ما يقال عن الوسطاء الروحانيين الذين يصِلون الأحياء بأقاربهم الذين غادروا هذه الحياة.
لكن هناك من العلماء من يفرّقون بين حالتي الحلم والواقع ويجادلون بأن عالمنا الواعي متماسك، وهو ما يفتقده الحلم. غير أن ديمومة الأشياء وعناصر البيئة التي نراها في عالم الواقع ليست ضمانة على أن هذا العالم واقعيّ حقّا.
من جهة أخرى، فإن الفيزياء تعلّمنا بأن الأشياء التي ننظر إليها على أنها صلبة هي مكوّنة بالكامل من فضاءات فارغة. وتجارب الكوانتم تَعتبر انه في ظلّ ظروف معيّنة فإن كتل المباني لا تتصرّف كجزيئات وإنّما كموجات من الاحتمالات.
وبناءً عليه، هل يأتي يوم نصحو فيه من حلم فنرى عالما أكثر تماسكا وواقعية ونمرّ بمستويات غير مسبوقة من المعرفة والذاكرة وغيرها من الوظائف الادراكية تتجاوز تلك التي نعرفها في حياتنا العادية.
أهل التبت يعتقدون أن الإنسان عندما يغادر هذه الحياة يدخل في حالة شبيهة بالحلم بانتظار ولادته من جديد.
ومعنى أن "الحياة حلم" عندهم هو أن كل شيء هو ثمرة عقل الإنسان. فجسدك يتحلّل كل يوم، وهو يتغيّر باستمرار. ومن خلال التأمّل يمكنك أن توقف شعورك بجسدك أو أن لك جسدا. وفي فهمهم أن هذا العالم ليس حقيقيا لأنه نتيجة ما تتصوّره عقولنا القاصرة والمحدودة عنه.
في هذا العالم، كلّ شيء مركّب. خذ السيّارة مثلا. ما الذي يتبقّى منها إن جرّدتها من الزجاج والأنوار والماكينة والمقاعد؟! في الحقيقة لا يبقى شيء بعدها يمكن أن يُسمّى سيّارة.
إن وجودنا في هذا العالم العائم يشبه قطرة ندى صغيرة، أو فقاعة طافية فوق جدول، أو ومضة ضوء في غمامة صيف، أو شمعة واهنة في مهبّ الريح. انه وجود حالم بل وهشّ أيضا.
كان تلاميذ بوذا يسألونه: هل أنت قدّيس أم إله أم زاهد متصوّف؟ وكان يجيب: أنا شخص إستيقظ". لذا سُمّي "بوذا"، أي الشخص الذي تمّ إيقاظه. وهو للحقيقة لم يقل إن الحياة حلم، بل قال إنها معاناة، وأحيانا وهم.
إن حياة الإنسان تتلاشى مثل ندى الصباح. فكّر في ماضيك وكيف أن الأشياء لم تدُم. هل تتذكّر شخصا رأيته وهو يلفظ الأنفاس الأخيرة من حياته؟ كلّ شيء ينتهي في لحظة خاطفة.
العلماء يقولون إن حياة شخص واحد ليست سوى جزء من الثانية من عمر الكون. ووجود البشر على هذه الأرض نسبةً إلى الزمن الجيولوجي للكوكب ليس أكثر من بضع وخمسين ثانية.
انظر إلى السماء في ليلة مظلمة. سترى نجوما لا تُعدّ ولا تُحصى. لكن يُحتمل أن بعضها لم تعد هناك، بل ماتت مُنذ ملايين السنين. وما يصلنا هو ضوئها الذي يقطع مسافات فلكية كي يصلنا. أفلا يبدو هذا اقرب ما يكون إلى الحلم؟
إن حياة الإنسان على هذه الأرض مقارنةً بحياة الجبال والأنهار والمحيطات الهائلة قصيرة جدّا. إنها مثل حلم يدوم ثواني معدودة ثم يتلاشى في الهواء بسرعة.
ولو تذكّرت الماضي، أي قبل ٣٠ سنة أو ٢٠ أو حتى قبل أشهر، فإن كلّ ما بقي لديك هو الذكريات.
فالعيش نوم والمنيّة يقظة
والمرء بينهما خيال ساري
ذات مرّة قرأت أن الإنسان إذا حضره الموت فإنه يرى في لحظات احتضاره شريطا من صور حياته وذكرياته، تمرّ أمام عينيه وتختصر أهم المواقف والأشخاص في حياته الفانية.
"الحياة حلم" جملة يمكن أن يكون لها معنى ديني أحيانا، فإذا فكّرت في الخلود فإن الحياة على الأرض تشبه حلما. وفي هذه الحالة فإن على الإنسان أن يعمل للحياة الأخرى ويستعدّ لها بالعمل الصالح.
يقول الإمام علي عليه السلام:
إنما الدنيا كظلّ زائل
أو كضيف بات ليلا فارتحل
أو كطيف قد يراه نائم
أو كبرق لاح في دنيا الأمل
لكن سواءً كانت هذه الحياة واقعا أم حلما، فإننا يجب أن نعيشها كما ينبغي وأن يتحمّل كلّ منّا مسئوليته ليطوّر نفسه ويستثمر ما وهبه الله له من نعم وعطايا على أفضل وجه لفائدة نفسه والآخرين.
Credits
psychologytoday.com
psychologytoday.com