كتب جول ماسينيه Jules Massenet المعزوفة كجزء من أوبرا ثاييس التي ألفها الأديب الفرنسي اناتول فرانس، وفيها يتحدّث عن إحدى محظيّات البلاط في مصر واسمها ثاييس.
عاشت هذه المرأة في القرن الرابع الميلادي واعتنقت المسيحية على يد راهب كان يعيش في الصحراء اسمه اثاناييل.
وفي ما بعد، وعلى غرار ما يحدث في قصص مشابهة، تحوّلت المرأة إلى قدّيسة.
تقول القصّة إن الراهب كان يعرف ثاييس منذ أن كانت طفلة، وقد ساءه أن تصبح إحدى نساء البلاط. ورأى أن من واجبه أن يذهب إليها لينقذها من ذلك المكان الذي كان يعتبره مرادفا للتهتّك والرذيلة.
وبعد عدّة محاولات، استطاع الراهب إقناع المرأة بأن "تهب نفسها للربّ" وبأن تعود معه ليعيشا في ديره في الصحراء.
لكن لأن ثاييس كانت تتمتع بجمال لا يقاوم، وهو أمر فاجأ الراهب الذي رآها أخيرا وهي ترقص في إحدى حفلات القصر، فقد وجد الرجل نفسه واقعا في حبّها. وأصبح هو أيضا بحاجة إلى من ينقذه من ذلك الشعور الذي كان يدفعه لاشتهاء امرأة طالما سعى لإنقاذها وانتشالها من الخطيئة.
والقصّة تجسّد الصراع الأزلي بين عالمي الروح والجسد وتؤكّد على فكرة الضعف الإنساني الذي لا يميّز بين إنسان وآخر.
ومنذ أن ظهرت المقطوعة عام 1893 باسمها الذي عرفت به دائما Meditation from Thais وهي تحتلّ مكانة مفضّلة في قائمة الأعمال الكلاسيكية التي تعزفها فرق الاوركسترا السيمفوني العالمية بانتظام.
تبدأ المعزوفة بلحن أثيري رقيق مكتوب لآلة الكمان على خلفية من نغمات البيانو وأحيانا آلات وترية أخرى. صحيح أن الموسيقى تثير التأمّل وتتسم بمسحة صوفية واضحة، لكنها أيضا ممتلئة بالدفء والشاعرية.
وقد جرت العادة أن يقيّم أداء أي عازف للكمان من خلال مدى براعته في عزف هذه المقطوعة.
لكن كيف انتهت القصّة؟
حاول اثاناييل نسيان حبّ ثاييس فاعتكف في الدير وامتنع عن الطعام لأيّام. وكان رئيس الرهبان قد حذّره من قبل من مخاطر الاختلاط بالعامّة خوف الانزلاق في الأهواء والمهالك.
لكن، ذات ليلة، رأى الرجل المرأة في المنام وهي تموت. لذا قرّر أن يذهب إليها في الصباح كي يبثّها حبّه.
كانت المرأة في لحظات احتضارها الأخيرة وعندما جثا عند طرف سريرها نظر إليها نظرة عاشق متلهّف لكنها كانت تنظر إليه بعيني مذنبة تائبة.
وهكذا تبادل الراهب والمرأة الأدوار. هي نالت وعده لها بالخلاص بينما سقط هو من عليائه وعاش بقيّة حياته مهموما حزينا.
وموسيقى ماسينيه هي بمعنى من المعاني تأمّل عميق في طبيعة هذا التناقض بين ما يطلبه الجسد وما تتطلع إليه الروح، بين رغبات الإنسان ونزواته الأرضية وتوقه للخلاص والحياة الأبدية في الآخرة.