حلمتُ بفارسَين، احدهما عارٍ تماما والآخر كذلك. كانا على وشك الدخول إلى شارعين متماثلين. يرفع حصاناهما القدم ذاتها ويدخلان الشارعين على التوالي. احد الشارعين يفيض بنور شديد بينما الآخر شفّاف كما في لوحة رافائيل زواج العذراء. وعلى البعد يوجد كثير من البلّلورات. وفجأة امتلأ احد الشارعين بضباب متحرّك بدأ يتكاثف بالتدريج حتى كوّن لجّة رصاصية لا يمكن اختراقها.
كلا الفارسين كان سلفادور دالي. احدهما حبيب غالا، والآخر لا يعرفها.
- سلفادور دالي، رسام اسباني
في سنوات مراهقتي، سنوات الدهشة والاندفاع، أمضيت الشهور وسهرت الليالي محاولا أن ارسم صورتها. كانت جارة ثم زميلة دراسة في ما بعد. متألّقة كشبابها، مشتعلة كحماسها، ورقيقة كحنانها. وحين أتممت اللوحة هرولت لأقدّمها لها وأنا ارقبها في فرح وقلق. غير أنها أعطتني إياها وعيناها تهمسان: ليست صورتي يا سيّدي.
فرجعت أتعثّر في خجل واثقا أني لم أخطئ المكان. حتى إذا ما عدت أتأمّل لوحتي اكتشفت أنني رسمت صورتي!
- يوسف الشاروني، أديب مصري
بالنسبة إليّ، لا يمكنني التيقّن من أيّ شيء. غير أن منظر النجوم في السماء يجعلني أحلم.
في غالب الأحيان، أفكّر أن الليل أكثر حيوية وأشدّ غنى بالألوان من النهار.
قد تكون هناك نار كبيرة تضطرم في أرواحنا. غير أن أحدا لا يحاول تدفئة نفسه بها. والمارّون يرون فقط خيطا صغيرا من دخان.
احلم بالرسم ثم ارسم حلمي.
أمرّ أحيانا بفترات من الصفاء المخيف، خاصّة في تلك اللحظات التي تكتسي فيها الطبيعة بأجمل حُللها. حينها لا أعود متأكّدا من نفسي، واللوحة تبدو كما لو أنني أراها في حلم.
ليس هناك لون ازرق بدون الأصفر والبرتقالي.
ما يدهشني أحيانا، وهو أمر غريب حقّا، انه عندما أرى صورة لا يمكن وصفها ولا التعبير عنها بالكلمات عن وحشة وفقر وبؤس الإنسان، سرعان ما استذكر في عقلي فكرة الله.
- فنسنت فان غوخ، رسّام هولندي
الحقد شيء مقدّس. انه التعبير عن رفض القلوب القويّة والقادرة. الكره يعني الحبّ. انه الإحساس بحرارة الروح وكرمها. الحقد يخفّف القلق ويصنع العدالة ويجعل الإنسان اكبر من الأشياء التافهة والحقيرة.
لقد جعلت الحقد والعنفوان رفيقين لي. أحببت العزلة وأحببت في العزلة كيف أكره كلّ ما يجرح الحقّ والصواب.
وإذا كنت أساوي شيئا اليوم فإن ذلك تحقّق لأنني وحيد ولأنني أكره!
- محمّد اسياخم، رسّام جزائري
لست عذريا أبدا. أنا أنكرت الشعراء العذريين. ليس هناك شاعر عذري. هناك محروم. هذا محروم يشتهي "ليلى" ولا يجدها. لو كان عذريا لماذا يركض وراءها إذن ويلهث حتى يُغمى عليه؟ ما الذي يريده منها؟
- سلطان العويس، شاعر ورجل أعمال إماراتي
خيالنا يطير. ونحن ظلّه على الأرض.
- فلاديمير نابوكوف، روائي روسي
أفكّر في العشرين سنة الماضية. عندما كنت امشي إلى البيت بهدوء. كلّ الناس في دير كوتشينغ كانوا يقولون: "هان شان" شخص أبله. وكنت أتساءل: هل أنا فعلا شخص أبله؟! لكنّ تساؤلاتي فشلت في الإجابة عن السؤال: فأنا لا اعرف ما هي النفس، ولا كيف يمكن للآخرين أن يعرفوا من أنا.
- هان شان، شاعر صيني
داخل كل إنسان متشائم، يوجد مثاليّ محبط.
هناك ليال تكون فيها الذئاب صامتة والقمر فقط هو الذي يعوي.
أنا مع فصل الدين عن الدولة. فكرتي هي أن كلا من هاتين المؤسّستين تقمعنا بمفردها. وبناءً عليه فكلاهما، مجتمعتين، موت محقّق.
فقط لأنك تمكّنت من إزاحة القرد من على ظهرك، لا يعني بأن السيرك قد غادر المدينة.
- جورج كارلين، كاتب وممثّل أمريكي
سيأتي على الناس زمن لن يصدّقوا فيه أن شخصا من لحم ودم مثل غاندي مشى على هذه الأرض.
- البيرت اينشتاين، فيزيائي أمريكي
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .
السبت، أكتوبر 17، 2009
أفق الكلمات
الأربعاء، أكتوبر 14، 2009
فنّ البورتريه: صورة المبدع
الهدف المشترك للكاتب والرسّام والموسيقي هو التقاط المَشاهد أو الحالات الانفعالية والمزاجية وتصويرها ومحاولة إبراز الرؤى المنفردة على الورق أو رقعة الرسم أو من خلال النغم.
الكتّاب يكتبون غالبا عن الفنّانين والموسيقيين في الروايات والمقالات والسير الذاتية. بينما الرسّامون يصوّرون الكتّاب والموسيقيين الذين عرفوهم وأولئك الذين يجدون في حياتهم ما يدفعهم الفضول لرسمه.
وكثيرا ما يرسم الرسّامون بوتريهات للكتّاب أو الموسيقيين لكي تراهم الأجيال القادمة. لكن أفضل اللوحات هي التي تأتي من تصوّر واضح أو علاقة خاصّة بالموضوع.
ومثلما أن للموسيقى والرسم علاقة مشتركة باللون والنغم والشكل والإيقاع، فإن تصوير الملحّنين والموسيقيين يتطلب مهارة محدّدة لإيصال الموسيقى داخل روح الموضوع.
غوته أديب وعالم وفيلسوف ألماني من زعماء حركة العاصفة والاندفاع الأدبية. تطوّر فنّه وزادت خبرته بعد زيارته لايطاليا وتأثّره بالثورة الفرنسية.
في العام 1786 سافر غوته إلى ايطاليا. ومن هناك كتب إلى أصدقائه في ألمانيا يخبرهم بانطباعاته ومشاهداته عمّا أصبح يُعرف في ما بعد بالرحلة الايطالية.
كان غوته مدفوعا بدراسة السمات الطبيعية لبيئة البحر المتوسّط وجيولوجيا مناطق جنوب أوربّا. وكان مهتمّا على وجه الخصوص ببقايا الآثار الكلاسيكية وبالفنّ المعاصر. وأثناء زيارته الايطالية زار المعابد القديمة واطلع على بعض جداريات الرسّام المشهور غيوتو، كما أبدى إعجابه بأسلوب حياة الايطاليين. وعندما وصل غوته إلى روما قادما من فينيسيا قابل عددا من الرسّامين الألمان الذين كانوا يقيمون في ايطاليا آنذاك. وكان من بين هؤلاء يوهان هاينريش تيشبين الذي اصطحب غوته إلى نابولي ورسم له احد أشهر بورتريهاته. واليوم لا يتذكّر احد هذا الرسّام إلا بسبب هذا البورتريه بالذات. وفيه يجلس غوته في منطقة أثرية في وسط ايطاليا محاطا بقلاع وأعمدة وبقايا من مبان قديمة. وعلى مقربة منه يقوم جدار اثري نُحتت عليه صور لرجال ونساء.
كتب غوته في الفلسفة والشعر كما تناول المفاهيم الكلاسيكية للجمال وملامح العمارة الجيّدة. والعديد من قصائده وجدت في ما بعد طريقها إلى موسيقى كبار المؤلفين الموسيقيين مثل فرانز شوبيرت وغيره. ومن مؤلفاته "مأساة فاوست" و"نظرية الألوان".
كان جيوسيبي فيردي احد أشهر من ألّفوا الموسيقى الاوبرالية. وقد كان فيردي صديقا لمواطنه الرسّام الايطالي جيوفاني بولديني. وتوطدت علاقتهما أكثر أثناء إقامة الاثنين في باريس. في ذلك الوقت، رسم بولديني لـ فيردي بورتريها كتذكار صداقة وإعجاب. وقد ذيّله بعبارة قال فيها: إلى المايسترو من صديقه المعجب بولديني". غير أن البورتريه لم يرق كثيرا لـ فيردي، الأمر الذي اضطرّ الفنان لرسم بورتريه آخر للموسيقي في العام 1886م.
هذا البورتريه هو الذي أصبح مشهورا في ما بعد. وفيه يظهر فيردي مرتديا سترة سوداء ووشاحا ابيض وواضعا على رأسه قبّعة سوداء اسطوانية الشكل. وقد ذهب فيردي إلى محترف بولديني على مضض وجلس أمام الفنان ساعتين لكي يرسمه.
فيردي كان سعيدا بالنتيجة هذه المرّة. وقد احتفظ بولديني بالبورتريه لسنوات وكان يطوف به على المعارض الفنية لكي يراه الناس. وقد رفض أن يبيعه حتى عندما عرض عليه أمير ويلز مبلغا مغريا نظير اقتنائه. في ما بعد أهدى بولديني البورتريه إلى متحف الفنّ الحديث في روما حيث ظلّ فيه إلى اليوم.
من أشهر أعمال فيردي التي يتذكّرها الناس أوبرا عايدة. لكنه اشتهر أكثر بلحن لا دونا موبيليه La Donna Mobile الذي وضعه لأوبرا ريغوليتو والذي أصبح رمزا لايطاليا وللثقافة الايطالية.
"سرّ الإنسان ليس في أن يحيا فقط، بل أن يكون هناك ما يحيا لأجله".
عُرف فيودور دستويفسكي برواياته السيكولوجية التي تناول فيها ما يطرأ على نفس الإنسان من حالات وانفعالات متناقضة وطرح فيها الكثير من الأسئلة الأخلاقية والفلسفية.
كما عالج في أعماله مسائل الخير والشرّ والإلحاد والحرّية والسعادة والشقاء والحبّ والكراهية.
وقد سبق برواياته أفكار الكثيرين ممّن جاءوا بعده مثل نيتشه وفرويد.
كان دستويفسكي يعوّل على التحوّلات الروحية للفرد كوسيلة لإحداث التغيير بأكثر مما يمكن أن تجلبه الثورات الاجتماعية. كان معاصرا لـ تولستوي ومعارضا لـ تورغينيف وكتاباته ذات الطابع التغريبي.
رسم فاسيلي بيروف هذا البورتريه لـ دستويفسكي بعد أن فرغ الأخير من كتابة روايته المشهورة "الجريمة والعقاب". وقد رسمه بتكليف من بافيل تريتيكوف الذي كان حريصا على أن يتضمّن متحفه صورا لأهم الشخصيّات الروسية.
في البورتريه يبدو دستويفسكي في حالة تأمّل عميق تعزّزه نظراته المفكّرة ولباسه ذو الألوان الداكنة وكذلك الخلفية السوداء. المعروف أن دستويفسكي كان يعاني طوال حياته من نوبات الصرع كما كان واقعا تحت هاجس ما أشيع من انه تسبّب في مقتل والده. من جهتهم، كان الروس يعتبرونه نبيّا ومصلحا فيما كان البعض الآخر يرون فيه ضمير الطبقات الفقيرة والمسحوقة.
من أشهر رواياته "الأبله" و"بيت الموتى" و"الإخوة كارامازوف".
من العبارات المشهورة المنسوبة إلى مارسيل بروست: السعادة مفيدة للجسد، لكن الحزن هو الذي يقوّي العقل".
بروست كان احد أعظم الروائيين الفرنسيين الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر. وقد رسم له جاك بلانش هذا البورتريه القوي والمعبّر عندما كان الروائي في الحادية والعشرين من عمره.
بلانش كان احد رسّامي البورتريه الفرنسيين المعروفين في نهاية القرن التاسع عشر.
لكنه لم يكن رسّاما فحسب، بل كان بنفس الوقت كاتبا وناقدا أدبيا وموسيقيا. غير أن موهبته في الرسم طغت على ما سواها. وقد رسم بروست بعد أن قرأ كتبه وغاص في حياته الخاصّة وقرأ مذكّراته وأفكاره.
بروست، الشابّ الوسيم، يظهر هنا بوجهه البيضاوي وعينيه الواسعتين وملابسه الأنيقة.
وقد ظلّ هذا البورتريه الأكثر دقّة في تمثيل وجه وملامح صاحب الرواية المشهورة "البحث عن الزمن الضائع" التي كتبها على امتداد خمس عشرة سنة وأصبحت في ما بعد إحدى أضخم الروايات التي ظهرت في القرن العشرين.
بروست احتفظ بالبورتريه حتى وفاته في أوائل عشرينات القرن الماضي.
"كلّ شيء يمضي. كلّ شيء عابر".
يعتبر الكسندر بوشكين أشهر شاعر روسي. ويُعزى إليه الفضل في تطوير الشعر الروسي واللغة الروسية. وممّا يميّز شعره مفرداته الثريّة وأسلوبه المعبّر وصوره المبتكرة. وكان يمزج في شعره الدراما بالرومانسية والسخرية.
هذا البورتريه يعتبر أشهر صورة لـ بوشكين وقد ظهر مرارا على غلاف مجموعته الشعرية الكاملة.
رسم اوريست كيبرينسكي البورتريه عام 1827م. وهو يعتبر احد اكبر رسّامي البورتريهات الروس في بداية القرن التاسع عشر.
كانت رسومات كيبرينسكي تعبّر عن فكرة فردانية الإنسان التي روّجت لها المدرسة الرومانسية.
عندما رأى بوشكين البورتريه لأوّل مرّة قال مازحا: اشكّ الآن في أن المرآة كانت تجاملني".
وفيه يبدو الشاعر مرتديا سترة سوداء وفوقها وشاح منسدل تعلوه مربّعات حمراء وخضراء.
في البورتريه يستوقف الناظر شكل اللحية وشعر الرأس الكثيف نوعا ما وملامح الوجه ونظرات العينين التي لا تخلو من تفكير وحزن.
وفي خلفية اللوحة إلى اليمين هناك طاولة عليها منحوتة على شكل امرأة تعزف آلة وترية.
في اللوحة أيضا مسحة بطولية تنسجم مع نظرة الوطنيين الروس لشاعرهم الأعظم الذي كانوا يلقبونه بـ شمس الشعر الروسي.
في العام 1837 جرت مبارزة بالأسلحة النارية بين بوشكين وأحد خصومه أدّت إلى إصابته بجرح نافذ في صدره توفي بعده بيومين. هذا الموت الملحمي أضاف بعدا أسطوريا لشخصية بوشكين الذي أصبح في ما بعد معبّرا عن الضمير الوطني لروسيا.
من أشهر قصائده "روسلان ولودميلا" و"سجين القوقاز" و"بوريس غودونوف".
ولد المؤلف الموسيقي الفرنسي اريك ساتي في عام 1866م. كانت مؤلفاته الموسيقية متفرّدة بإيقاعاتها وأسمائها الغريبة مثل "ثلاث قطع على شكل كمّثرى" و"السمكة الحالمة".
لكن أشهر مؤلفاته هي تلك المقطوعات المعروفة بـ جيمنوبيدي وهي عبارة عن مجموعة من المعزوفات ذات الإيقاع الحزين والبطيء والتي تستمدّ صورها من الشعر.
كان ساتي على علاقة عاطفية مع الرسّامة وعارضة الأزياء سوزان فالادون التي التقاها عام 1893 في حيّ مونمارتر الباريسي.
كان المؤلف الموسيقي مفتونا كثيرا بروح سوزان الحرّة وأفكارها المتمرّدة.
لكن لسوء الحظ، كانت تلك العلاقة تعني لـ ساتي أكثر مما كانت تعني لـ فالادون.
كان يعتبر أن سوزان حبّه الحقيقي حتى بعد أن دخلت في علاقات عاطفية مع رجال آخرين.
ومع ذلك، رسمت فالادون بورتريها مثيرا لـ اريك ساتي ظلّ هو يعتزّ به كثيرا واحتفظ به في محترفه الخاصّ إلى أن توفي.
الفنان بول سينياك رسم ساتي هو أيضا.
لكن بورتريه فالادون ذو لمسة شخصية خاصّة تعكس روح العلاقة الحميمة التي كانت تربطها بالموسيقي.
"لا تخافوا الله، بل أحبّوه"!
ولد جلال الدين الرومي في إحدى قرى شمال شرق فارس قبل أكثر من 800 عام.
وعندما كان عمره 12 سنة قابل المتصوّف والشاعر الفارسي المشهور "العطّار" الذي قال لوالده: إن الكلمات الحارّة والمحمومة التي تخرج من فم ابنك ستشعل أرواح وقلوب العشّاق في هذا العالم".
كان الرومي فقيها ومعلّما وشاعرا وعارفا. وقد درج الكثيرون في فارس وأفغانستان والهند ووسط آسيا على مناداته بـ مولانا.
كان لقاؤه بـ شمس التبريزي يمثل ولادته الثانية.
"ليست كل عين ترى وليس كلّ بحر يحتوي لآليء". شعر الرومي غيبي يفتن بجماله وبكشوفاته الروحية العميقة.
هذا البورتريه رسمه له فنان ظلّ اسمه مجهولا. وهو موجود، ضمن أشياء أخرى، في ضريحه في مدينة قونيه التركية التي عاش فيها معظم حياته.
في البورتريه يبدو الرومي شيخا بلحية وعمامة بيضاء وقبّعة طويلة صفراء. انه ينظر إلى الأرض في تأمّل عميق وعلى وجهه علامات الوقار والسكينة.
وبإمكان الإنسان أن يتخيّل أن البورتريه رُسم للرومي بينما كان يتلو إحدى قصائده.
يقال انه كان يميل برأسه يمينا وشمالا عندما كان يقرأ أشعاره. ومن هنا ولدت فكرة الطريقة المولوية التي اشتهرت برقصها الدائري الذي يقال بأنه يوفّر للراقص الصوفي منفذا للعبور من عالم الأرض إلى عالم السماء.
شعر الرومي واحة للروح إذ يمنح العزاء والراحة لأصحاب العقول القلقة والقلوب المتعبة.
والدخول إلى عالمه يقتضي من الشخص أن يتخلّى عن الكثير من أفكاره وقناعاته المسبقة.
في عالم الخفاء، يقول الرومي في إحدى قصائده، ثمّة خشب عود يحترق. وهذا الحبّ هو دخان ذلك العطر".
وهذا البورتريه يقدّم صورة لإنسان كان دائم التجوال بحثا عن الله.
كان اللورد بايرون ابرز الشعراء الانجليز الرومانسيين. كما كان أوّل شخصية مشهورة يركب موجة تقديس الجماهير التي حوّلته إلى إلهة شعرية.
كانت رسائل بايرون إلى زوجته وخليلاته وأصدقائه مثار اهتمام النقاد والمؤرّخين. وعلى عكس الاعتقاد الشائع، لم يكن بايرون ذلك الشخص المنعزل والذي لم يكن يأبه كثيرا بآراء الناس. إذ كان يحتفظ بالكثير من الرسائل التي كانت ترده من المعجبين، وخاصّة من النساء، برغم جرأتها ولغتها الفاضحة أحيانا. وكانت تلك الرسائل تظهر كم كان بايرون يستمتع بهالة التقديس التي كان الناس يحيطونه بها.
وبسبب صورة الشاعر كبطل رومانسي، كانت النساء مفتونات بمشاهدة صوره. ومن أشهرها هذا البورتريه الذي رسمه له توماس فيليبس عام 1835م والذي يظهر فيه بايرون مرتديا ملابس تقليدية البانية مطرّزة، تتكوّن من عمامة وعباءة وسترة بينما يمسك بخنجر مذهّب طويل.
ويُرجّح أن البورتريه رُسم له في أثينا حيث كان بايرون يحارب في صفوف الجيش اليوناني ضد الأتراك.
بايرون، برأي بعض المؤرّخين، كان أهمّ شخصية أوربية في النصف الأول من القرن التاسع عشر من حيث تأثيره على الفنون والأدب والموسيقى. وربّما لا يتفوّق عليه من هذه الناحية سوى نابليون.
وقد توفي بالحمّى عام 1824 أثناء مشاركته في حرب استقلال اليونان ولم يكن وقتها قد أكمل عامه السادس والثلاثين. وكان لموته المفاجئ تأثير الصدمة في أنحاء كثيرة من أوربا، كما تحوّل إلى رمز للشاعر الثائر والمقاتل في سبيل الحرّية.
من أشهر مؤلفاته "رحلة تشايلد هارولد" و"دون جوان".
ولد فريدريك شوبان في وارسو عام 1810م. كان نصف فرنسي ونصف بولندي. وقد اظهر موهبة ملحوظة في العزف على البيانو وهو صبيّ. وفي النهاية انتقل إلى باريس بعد الاضطرابات السياسية التي شهدتها بولندا آنذاك.
وبالإضافة إلى مقدرته الموسيقية العظيمة ومؤلفاته الرائعة على البيانو، كان لـ شوبان نصيبه من الرومانسية. كما كانت له متاعبه مع مرض السلّ الذي حصد حياة شقيقته وأبيه والذي سيقتل شوبان في ما بعد، أي في العام 1849م.
الرسّام اوجين ديلاكروا كان صديقا لـ شوبان ورسم له بورتريها عام 1838م. أسلوب ديلاكروا الرومانسي كان متناسبا تماما مع وجنتي شوبان الغائرتين ومظهره الأثيري. البورتريه أصبح تصويرا مشهورا للملحّن في قمّة نجاحه وشهرته. في البداية، رسم ديلاكروا بورتريها ثنائيا يجمع بين شوبان والروائية الفرنسية جورج صاند. كانت صاند امرأة متحرّرة ومغرمة بلبس بناطيل الرجال. كما كانت تدخّن علنا، وهي عادة كانت مستهجنة في ذلك الوقت.
ورغم أن علاقة الحبّ بين صاند وشوبان بدأت علاقة جسدية، فإن صاند ومع تدهور صحّة شوبان وجدت نفسها تقوم بدور الممرّضة أكثر من العشيقة.
البورتريه المشترك لـ صاند وشوبان يصوّرهما وهما جالسان جنبا إلى جنب. لكن اللوحة في النهاية قُسمت إلى نصفين. والقسم الذي يصوّر شوبان موجود اليوم في متحف اللوفر.
كان شوبان يعزو الفضل في صوغ أسلوبه الموسيقي إلى كلّ من موزارت وباخ. ومن أشهر مؤلفاته الموسيقية سلسلة البولونيز بالإضافة إلى معزوفتيه المسمّيتين فانتازي ونوكتيرن .
ليو تولستوي، مؤلف الروايات الملحمية الكبيرة مثل "الحرب والسلام" و"آنا كارينينا" و"موت ايفان ايليش"، كان موضوعا لعدد من الرسومات.
إيليا ريبين الرسّام الروسي المولود في اوكرانيا رسم للروائي الكبير عدّة بورتريهات.
كان ريبين رسّاما موهوبا ودقيق الملاحظة.
وبورتريهاته المشهورة تصوّر الشخصيات الروسية الكبيرة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وقد رسم ريبين بورتريها رسميا لـ تولستوي.
غير انه أيضا رسم صورا أكثر حميمية للكاتب المشهور وهو يكتب فوق مكتبه، أو يستلقي على العشب وهو يقرأ، أو وهو يقف في الغابة.
لوحة ريبين التي رسمها في العام 1890 لـ تولستوي وهو حافي القدمين تلفت النظر بشكل خاص لأنها تمزج مكانة تولستوي الأدبية بارتباطه الفطري بالإنسانية وبالأرض.
الكاتبة الفرنسية كوليت اشتهرت بحياتها المتلوّنة وبمغامراتها العاطفية التي كانت تجري بموازاة أعمالها التي اتسمت بواقعيتها وحسّيتها. كانت كتاباتها تؤشّر على براعتها في تحليل مشاعر المرأة كما أبدعت في وصف الريف الذي نشأت فيه وأحبّته. ومن أشهر رواياتها "قمح وعشب" و"كلودين".
كوليت كانت أوّل امرأة أديبة تنال جائزة غونكور في زمانها. وقد رسمها الفنان جاك اومبيرت عام 1896 م. في البورتريه تبدو الأديبة في ذروة شبابها وحيويّتها. وقد رسمها الفنان وهي في سنّ الثالثة والعشرين. وتظهر في الصورة وهي تجلس بوضع جانبي بينما تزيّن شعرها بوردة حمراء. في تلك السنّ كانت كوليت متزوّجة من زوجها الأوّل هنري فيلار. كان اكبر منها سنّا وكان يحتفظ بعلاقات أدبية كثيرة. ويقال انه حبس كوليت في غرفة وأرغمها على تذييل رواياتها باسمه.
في ما بعد تمكّنت من تطليقه واستعادت حرّيتها وأصبحت اسما أدبيا معروفا وشخصية اجتماعية لامعة.
كان نيكولاي ريمسكي كورساكوف أحد أشهر الشخصيات الروسية التي رسمها الفنان ايليا ريبين قبل ثورة 1917م.
كورساكوف كان ينتمي إلى مجموعة من المؤلفين الموسيقيين الذين أثروا في المواهب الموسيقية التي ظهرت في ما بعد مثل ايغور سترافنسكي وسيرغي بروكوفييف.
أسلوب كورساكوف اللحني كان يمزج بين الفولكلور الروسي والتأثيرات الموسيقية الغربية. ومن أشهر أعماله وأكثرها رواجا موسيقى شهرزاد .
الفنان فالانتين سيروف رسم بورتريها لـ كورساكوف يظهر فيه بنظارات طبية ولحية طويلة وهو جالس إلى مكتبه بينما ينهمك في كتابة نوتة موسيقية لعمل جديد.
وعلى النقيض من هذا البورتريه الجادّ، يقدّم ايليا ريبين كورساكوف في بيئة أكثر استرخاءً.
في الصورة الأخيرة يجلس المؤلف الموسيقي على أريكة ويسند مرفقه على وسادة خضراء. ويبدو غارقا في التأمّل كأنّما يفكّر في تفاصيل معزوفة أو لحن موسيقي جديد بينما يحدّق في البعيد.
"أنا أفكر إذن أنا موجود". لا تُذكر هذه الجملة إلا ويُستدعى اسم ديكارت. اشتهر ديكارت بآرائه عن المعرفة واليقين والشكّ والعلاقة بين الجسد والعقل. وهناك إجماع على أنه مؤسّس الفلسفة الحديثة التي قادت إلى التنوير. كان عقلانيا يؤمن بأن العقل، لا التجريب، هو المصدر الأساسي للمعرفة. ومن أقواله أن الأحاسيس غامضة دائما وانه لا يمكن الوثوق بها.
في هولندا ألّف ديكارت كتابه "العالم". في تلك الأثناء كانت الكنيسة تحاكم غاليليو لتعليمه أفكار كوبرنيكوس.
رسم فرانز هولس هذا البورتريه لـ ديكارت، على الأرجح أثناء زيارة الأخير لهولندا عام 1618. وفيه يظهر الفيلسوف بشعره الطويل وقد ارتدى ملابس سوداء وياقة كبيرة بيضاء على خلفية داكنة. شارباه خفيفان وعيناه الكبيرتان تشعّان بالذكاء.
"عواطف الروح" كان آخر كتاب ألفه ديكارت وتناول فيه مسألة العلاقة بين الروح والجسد. وكان يردّ في الكتاب على تساؤلات اليزابيث أميرة بوهيميا التي كانت تحاوره في مسائل فلسفية وفكرية. والكتاب هو مزيج من علم النفس والأخلاق.
ذهب ديكارت بعد ذلك إلى السويد بناءً على دعوة من الملكة كريستينا. كان مطلوبا منه أن يصحو في الصباح الباكر لإعطاء الملكة دروسا في الفلسفة. وبسبب أجواء السويد الباردة أصيب بالالتهاب الرئوي ولم يلبث أن توفي هناك في الحادي عشر من فبراير عام 1650م.
كانت كلارا شومان طفلة عبقرية سحرت أوربّا بموهبتها الموسيقية في بداية القرن التاسع عشر. وقد امتدحها غوته وشوبان بينما أسَرَت عقل الملحّن وعازف البيانو روبرت شومان الذي تزوّجها عام 1840م.ورغم وجود الكثير من القواسم المشتركة بينهما، خاصّة شغفهما بالموسيقى، فإن روبرت كان يعاني من بعض المشاكل النفسية. فقد كانت تأتيه نوبات اكتئاب وحاول الانتحار مرارا إلى أن أودع في النهاية بإحدى دور الرعاية الطبية.
عدم استقرار حالته دفع كلارا إلى تحمّل مسئولية رعاية أطفالهما السبعة. لكنها استمرّت في تأليف الموسيقى والعزف على البيانو.
الرسّام يوهان شرام رسم كلارا شومان وهي شابّة في السنة التي تزوّجت فيها شومان.
وجهها وقور وهادئ وملامحها واثقة. البورتريه ينطوي على مفارقة من حيث أن الزواج غيّر طريقها الإبداعي وجعلها تقدّم احتياجات زوجها على احتياجاتها هي.
المعروف أن كلارا كانت تربطها علاقة عاطفية مع الموسيقي الألماني برامز. وبعد زواجها من شومان تحوّلت تلك العلاقة إلى حبّ أفلاطوني وأصبحت تقتصر على تبادل الرسائل.
جان كوكتو شاعر وروائي وفنان وكاتب مسرحي فرنسي.
كان صديقا للأديبة كوليت بالإضافة إلى شهرته كشخصية بوهيمية.
كوكتو النحيل وذو الملامح الهادئة واليدين الجميلتين والأصابع الطويلة كان موضوعا جذّابا للرسّامين في زمانه.
الرسّام اميديو موديلياني كان صديقا لـ كوكتو وقد رسم له في العام 1916 بورتريها أصبح مشهورا في ما بعد لأنه قدّم من خلاله رؤية فريدة لـ كوكتو، الكاتب المتعدّد المواهب والاهتمامات.
كان كوكتو على الدوام مثقفا ثوريا ومشاكسا.
وقد عُرف بعلاقته الحميمة بالمغنية الفرنسية المشهورة اديث بياف كما كان معاصرا لكلّ من مارسيل بروست واندريه جيد.
كان كوكتو متعلقا كثيرا بصديقته بياف.
وعندما توفيت نزل عليه الخبر نزول الصاعقة وغلبه الحزن والفجيعة وقال لمن حوله: هذا هو يومي الأخير على هذه الأرض".
والغريب انه توفي بعد ساعات فقط من موتها، أي في الحادي عشر من أكتوبر عام 1963م عن 74 عاما.
وكان قد أمر بأن يُكتب على شاهد قبره عبارة: سأظلّ بينكم".
ومن أشهر كتب كوكتو "دم الشاعر" و"رقصة سوفوكليس" و"صوت الإنسان".
ظهر هذا الرسم لـ شكسبير لأول مرّة على غلاف كتاب يتضمّن مجموعة من أعماله ونشر في العام 1623م. وهذه الصورة له هي الأقرب إلى الصحّة والأصالة.
الطريقة التي رُسم بها البورتريه دفعت بعض المؤرّخين للاعتقاد أن شكسبير كان ينتمي إلى جماعة فلسفية غامضة تمزج التعاليم المسيحية بالسحر والأفكار الافلاطونية. وتحليل بعض أعماله يوحي بأنه لم يكن جزءا من تلك الجماعة فحسب بل شخصية محورية فيها.
وقد رسم البورتريه مارتن دروشاوت، على الأرجح بعد وفاة شكسبير عام 1616 . وهناك العديد من الصور التي يعتقد أنها لـ شكسبير، لكن لا توجد أدلّة كافية تؤكّد نسبتها إليه.
وقد عُثر مؤخّرا على بورتريه قيل انه لـ شكسبير ويظهر فيه رجل يبدو ذا مكانة اجتماعية رفيعة ويرتدي ملابس ايطالية أنيقة وباهظة الثمن تعود للقرن السابع عشر.
وفي مارس من هذه السنة توصّل بعض الباحثين إلى أن اللوحة تخصّ شكسبير فعلا، ويُرجّح أنها رُسمت له أثناء حياته.
يعتبر أبو عليّ ابن سينا احد أشهر أطبّاء وفلاسفة الإسلام. عُرف بالشيخ الرئيس وقد ولد قرب بخارى في ما يُعرف اليوم بأوزبكستان وتوفي في همذان بإيران. تعمّق ابن سينا في دراسة فلسفة أرسطو وقال بفيض العالم عن الله. له ميول صوفية عميقة برزت في كتابه "الحكمة المشرقية"، وهو عبارة عن فلسفته الشخصية. من مؤلّفاته المطبوعة "القانون في الطبّ" و"كتاب الشفاء". وله قصيدة مشهورة يقول فيها: هبطتْ إليك من المحلّ الأرفع ورقاء ذات تعزّز وتمنّع". كتب ابن سينا سيرة ذاتية لنفسه غير انه فضّل أن يتجنّب الحديث فيها عن نفسه ليركّز على أفكاره عن الوصول إلى الحقيقة المطلقة.
هذا البورتريه رسمه لابن سينا فنان يُدعى علي قاري. وباستثناء اسمه، لا يُعرف عنه أو عن حياته شيء. في البورتريه يبدو ابن سينا بملابس فارسية تقليدية تعود للقرن الحادي عشر الميلادي. ملامحه جادّة على شيء من التفكير والتأمّل الذي يعمّقه الوضع الجانبي الذي رُسمت به الشخصية. ملامح الوجه تشي بقدر من الوسامة والوقار. هذا الملمح الهادئ في الصورة يتناقض مع طبيعة العصر الذي عاش فيه ابن سينا والذي اتسم بكثرة الصراعات السياسية بين الفرس السامانيين والأتراك على مناطق النفوذ في آسيا الوسطى.
كان نيتشه وما يزال احد أكثر الفلاسفة غموضا وإثارة للجدل.
قيل انه كان عدميا. وقد راعه أن يرى عالما لا يرمز إلى شيء وليس فيه معايير أو قواعد أخلاقية ثابتة.
وقد سبّبت أفكاره صدمة للكثيرين بينما استقبلها آخرون بالكثير من الثناء والاستحسان.
هذا البورتريه رسمه له هانز اولد الذي كان مديرا لمتحف الفنون في أكاديمية فيمر الألمانية.
كان اولد احد أصدقاء نيتشه المقرّبين. وقد نشر الرسم في إحدى المجلات الألمانية آنذاك.
البورتريه كاريكاتيري إلى حدّ ما. وفيه يبدو نيتشه بعينين غائرتين وحاجبين عريضين وشاربين كثيفين. نظراته الحادّة وملامحه المتمرّدة تذكّرنا بموت الإله وبإرادة القوّة وبالعداء للمسيح وبغيرها من أجزاء المنظومة الفكرية التي قامت عليها فلسفة نيتشه.
وربّما تشي ملامح نيتشه في هذا البورتريه الغريب بقرب إصابته بالخرف الدماغي الذي عانى منه وأسلمه للعزلة في نهايات حياته.
كانت هيباتيا أحد رموز الفكر والفلسفة من النساء في العالم القديم. والدها كان فيلسوفا وأديبا وعالم رياضيات. وهي عاشت زمن ازدهار مكتبة الاسكندرية التي كانت آخر من تولّى إدارتها. وقد تفوّقت على كثير من العلماء والفلاسفة في عصرها. كان أتباعها يأتون من أماكن بعيدة لسماع دروسها ومحاضراتها. وكان لـ هيباتيا حضور كبير في أوساط المفكّرين من الرجال الذين كانوا يحترمونها لسماحة أخلاقها ورصانة عقلها.
كانت تتنقّل ما بين الإسكندرية وأثينا وتعلّم فلسفة أرسطو وأفلاطون. وقد عُرف عنها أنها كانت ذات جمال باهر يزيّنه التواضع والحكمة. غير أنها كانت عصيّة دائما على خاطبي ودّها والطامعين بقلبها.
وتُروى قصص متضاربة عن الكيفية التي انتهت بها حياتها. تقول إحدى الروايات إن حشدا من المتعصّبين المسيحيين انتزعوها من عربتها ذات يوم وجرّدوها من ملابسها ثم مزّقوها إربا وجرجروها إلى الكنيسة قبل أن يضرموا في جثتها النار. كانت التهمة الترويج للوثنية على حساب المسيحية.
ومن بين من تطرّقوا لقصّة مقتلها بتلك الطريقة الهمجية والمأساوية كلّ من العالم كارل ساغان وفولتير وسواهما.
رُسم لـ هيباتيا العديد من البورتريهات المتخيّلة والتي تظهر في بعضها عارية.
لكن هذا البورتريه لها يجذب العين بأناقة خطوطه ورقّة تفاصيله. وقد ظهر لأوّل مرّة في بدايات القرن الماضي ونُشر في كتاب يضمّ رسوما إيضاحية باللونين الأبيض والأسود وضعها فنّان مجهول.
لا انفعالات محدّدة هنا عدا أن المرأة تبدو ساهمة وصامتة.
وإجمالا، فإن الملامح في البورتريه لا تبتعد كثيرا عن ملامح المرأة كما تبدو في الصور التي رُسمت لها في العصور المتقدّمة.
crystalinks.com
smithsonianmag.com
الأحد، أكتوبر 11، 2009
أفكار في الفن
لكن عندما يقترب الإنسان من سنّ الأربعين، فإن مثل هذه الأفكار تصبح أكثر حضورا. وطبعا من المستحسن، وبصرف النظر عن العمر، أن لا ندع مثل هذه الأفكار تهيمن على تفكيرنا أو تفسد علينا أوقات صفونا.
لكن قبل مائتي عام، أي عندما كان ابسط الأمراض يهدّد بوضع نهاية مبكّرة لحياة الإنسان مهما كان عمره، فإن هذه الأفكار التي تتناول هواجس الحياة والموت كانت أكثر شيوعا وانتشارا.
كان الناس وقتها يشعرون بأن لا سيطرة لهم على أمور صحّتهم وحياتهم. لذا كانوا يميلون إلى فلسفة الأمور ويناقشون مكان الحياة والموت في الخطّة الكبيرة التي وضعها الخالق للأشياء. كان كاسبار ديفيد فريدريش رسّام طبيعة ألمانيّاً عاش في بدايات القرن التاسع عشر. ويبدو، من خلال طبيعة لوحاته، انه لم يكن يفكّر في شيء آخر غير الحياة والموت.
ولد فريدريش عام 1774 لأب كان يعمل في صنع الشموع. ورغم انه ولد في بوميرانيا على ساحل بحر البلطيق، إلا انه نشأ في دريسدن بألمانيا حيث تلقّى تربية بروتستانتية صارمة أفسدتها في بواكير حياته حادثة مأساوية تمثّلت في سقوطه في إحدى البحيرات الجليدية.
ووقت الحادثة، هبّ شقيقه الأكبر لإنقاذه. غير أن الشقيق مات غرقا أثناء تلك المحاولة. وكان لموت شقيقه المفاجئ أثر عميق عليه لازمه حتى نهاية حياته. كان فريدريش شخصا مكتئبا وحزينا بعمق. وقد آثر حياة الوحدة إلى أن بلغ الأربعين من عمره عندما قرّر أن يتزوّج من فتاة تصغره باثنين وعشرين عاما حملت له في ما بعد بثلاثة أطفال.
قضى فريدريش حياته كلّها في ألمانيا ورسم فيها لوحاته عن الطبيعة ذات التفاصيل الدقيقة والمحمّلة بالرموز التي كان دافعها إدراكه العميق لحتمية الموت.
لوحته مراحل الحياة رسمها في عام 1835، أي قبل وفاته بخمس سنوات فقط. ورغم انه رسم جميع لوحاته من مخيّلته، إلا انه استند فيها على اسكتشات من مواقع فعلية.
في هذه اللوحة يرسم فريدريش شاطئ ميناء غرايفسفالد حيث ولد. وقد رسم خمس سفن تقف على مسافات مختلفة وتمثل مراحل الحياة.
ساري السفينة الوسطى التي تواجه الناظر يشكّل علامة الصليب الذي يرمز إلى الإيمان الديني العميق عند الفنّان. وعلى الشاطئ يقف رجل عجوز يتوكّأ على عصا وظهره إلينا. العجوز هو الرسام نفسه، وهو يمثل الشيخوخة. وعلى مقربة منه يقف شابّ يرتدي قبعة هو ابن أخيه الذي يمثّل مرحلة النضج.
وخلفهما يلهو مجموعة من الأطفال على الشاطئ بينهم فتاة شابة هي ابنته الكبرى، وتمثّل مرحلة الشباب. والى جوارها يظهر طفلان يلهوان بعلمين صغيرين هما طفلاه الأصغر سنّا، ويمثّلان مرحلة الطفولة.
اللوحة بسمائها الذهبية المضيئة والغيوم التي تأخذ لون أزهار الخزامى توفّر منظرا يثير الهدوء والسكينة. ومع ذلك، عندما تتأمّل اللوحة أكثر لا بدّ وأن يساورك شعور بالحزن وأنت تراقب السفن التي ترمز إلى الحياة وهي تبحر بعيدا باتجاه الغروب.
لوحاته التي يصوّر فيها نساءً ذوات جمال شرقي كلاسيكي يمكن اعتبارها أسلوبا جديدا في إعادة اكتشاف الواقعية المفقودة من الفنّ هذه الأيّام.
وأوّل مجموعات شي زونغ من اللوحات الزيتية اسماها "ظلال الأزهار" ورسم فيها عددا من النساء ذوات الوجوه البيضاوية والشفاه الدقيقة والذقون الرفيعة. ونساؤه يبدين دائما متأمّلات وأحيانا على شيء من الحزن والكآبة.
وبفضل مجموعته هذه حقق الرسّام شهرة واسعة داخل بلده الصين وخارجها وأصبح مدار حديث الصحافة وأوساط الفنّ.
وقد عرض شي زونغ أعماله في معارض فنّية في الصين وفي لندن. واشترى بعضها أصحاب مجموعات فنّية خاصّة في كلّ من بريطانيا وأمريكا وهونغ كونغ واندونيسيا وتايوان وغيرها.
ولد شي زونغ في مقاطعة سيشوان الصينية عام 1963 ودرس الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة فيها. وقد عُرف عنه منذ صغره بميله إلى رسم الأشخاص. لكنّه في ما بعد تلقّى دروسا في تصميم الديكور المنزلي. ويمكن اعتبار لوحاته امتدادا لأسلوب مشاهير الواقعية الصينية أمثال أي تشووان و تشين ايفي.
وسلسلة لوحات "ظلال الأشجار" توفّر فرصة للاستمتاع بجماليات الفنّ الواقعي الشرقي. وقد أعطى من خلالها الرسّام معنى أكثر عمقا لفنّ البورتريه في شكله الكلاسيكي.
وهما ليسا وحدهما هنا. هناك أيضا بمعيّتهما خادمة وساقٍ، وكلّ منهما يحمل مظلّة واقية من المطر. انعكاسات الملابس والأقدام تبدو ناعمة على الرمال المبلّلة. ومع ذلك فهذه اللوحة غامضة. تنظر إليها فتشعر كما لو أن وراءها قصّة تتكشّف فصولها تباعاً.
"الساقي المغنّي" لوحة زيتية صغيرة نسبيّا رسمها جاك فيتريانو عام 1992، وأصبحت منذ ذلك الحين لوحة معلميّة في بريطانيا. شيء ما شبيه بهذا حدث في أمريكا من قبل، عندما أصبحت لوحة "القوط الأمريكيّون" لـ غرانت وود صورة أيقونية لا يكاد يخلو منها منزل أمريكيّ.
عندما أتمّ فيتريانو رسم هذه اللوحة، تلقّى عددا من النصوص لأعمال درامية متخيّلة كتبها أصحابها من وحي اللوحة. كما استلم عددا من الرسائل بعثها إليه جنود يحكون له فيها كيف أن الصورة ساعدتهم في الخروج من ذكريات أهوال الحرب على العراق. ثم وصلته رسائل أخرى من عائلات ثكلى تشرح فيها تأثير هذه الصورة وكيف أنها وفّرت لهم نوعا من المواساة والسلوى في لحظات حزنهم.
معظم الكتّاب والنقّاد مندهشون من الجاذبية الكبيرة لهذه اللوحة ومن انتشارها الغريب. يقول مؤرّخ الفنّ كينيث سيلفر: بصراحة، أنا لا أفهم الأمر. لكن يبدو أن الصورة نجحت في استثارة الحنين إلى زمن ماضٍ، يقع على الأرجح ما بين ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، عندما كان الرجال والنساء يتصرّفون ويلبسون على نحو معيّن".
فيتريانو نفسه يقول انه رسم اللوحة لسببين: أولّهما أن امرأة أخبرته ذات مرّة انه بارع في رسم الشواطئ. والثاني أن شاطئ البحر هو المكان الذي يقصده العشّاق عادة". ولو افترضنا أن الشاطئ في اللوحة حقيقيّ، فإنه ربّما يكون جزءا من شاطئ ليفين بـ اسكتلندا، الذي كان فيتريانو يتردّد عليه عندما كان صبيّاً.
صحف التابلويد البريطانية أعلنت فيتريانو "رسّاما للشعب"، ووصفته بأنه يسيطر تماما على تهويماته ولا يمانع في أن يُشرك معه العالم فيها".
غير أن منتقدي الرسّام يتّهمونه بالانتحال ويأخذون عليه استنساخه لطريقة ووقوف شخوص لوحاته، بما فيها هذه اللوحة، من مجلات الموضة وكتب الدليل.
ويردّ فيتريانو بالقول انه لا يأبه كثيرا بما يقال، مذكّرا بعبارة بيكاسو المشهورة: الآخرون يقتبسون وأنا أسرق". ويضيف: نفس الكتب التي أستخدمها في رسم مناظري كانت موجودة في استديو فرانسيس بيكون عندما توفّي".
ومن الواضح أن "الساقي المغنّي" تمثّل خروجا على نسق لوحات جاك فيتريانو. فالرسّام، البالغ من العمر اليوم 60 عاما منجذب أكثر إلى تصوير أمزجة وحالات أشدّ قتامةً وشخصيّات أكثر إثارةً للشبهة.
en.wikipedia.org