لقد توصّلت إلى اقتناع بأن العالم كلّه لغز. وقد أصبح هذا اللغز مرعبا بسبب محاولاتنا المجنونة لتفسيره كما لو أنه حقيقة.
أومبيرتو إيكو
أومبيرتو إيكو
❉ ❉ ❉
كان أومبيرتو إيكو (1932 - 2016) شخصية رائدة في أدب ما بعد الحداثة وأحد مؤسّسي علم العلامات الحديث، وهو معروف على نطاق واسع بعمله في علم الجمال وفلسفة اللغة. كما أنه مشهور عالميّا برواياته الخيالية، وخاصّة "اسم الوردة" الصادرة عام 1980، والتي تحوّلت عام 1986 الى فيلم سينمائي بنفس الاسم من بطولة شون كونري.
وبالإضافة الى عمله كمحاضر جامعي وروائي وصحفي، كان إيكو يكتب للصحف الإيطالية مقالات مثيرة يتناول فيها مواضيع كثيرة ولا يجمع بينها شيء، مثل الهواتف المحمولة والانترنت ومقدّمي البرامج والمسلسلات التلفزيونية وجماعة فرسان الهيكل وتويتر والقراصنة والمهرجانات الأدبية والخطّ العربي وستيفن هوكينغ ومسابقات الأغاني وعيد الهالووين وسائقي سيّارات الأجرة وجيمس بوند وغير ذلك.
وباعتباره مدخّنا قديما، اعتاد إيكو تدوين ملاحظاته وأفكار مقالاته على الغطاء الداخلي لعلب الكبريت. وفيما بعد جُمعت تلك المقالات في كتاب باسم "علبة كبريت مينيرڤا" على اسم علامة تجارية قديمة. كانت المقالات مرتجلة وقاسية وحادّة، وكلّ منها ناريّ ومتفجّر مثل أعواد الثقاب المشتعلة، ما دفع المخرج السينمائي المشهور پاولو پازوليني لانتقاده بقوله: يعرف إيكو كلّ ما يمكن معرفته ويقذفه في وجهك بأكثر الطرق لامبالاة وكأنك تستمع إلى روبوت".
كان ايكو في مقالاته يكشف ببراعة عمّا يرى أنه سخيف ومتناقض في السلوك الإنساني المعاصر، كقوله: البعض ينتقدون الحجاب والشادور، بينما يعشقون السيّدة العذراء المحجّبة، ليس فقط في الكنيسة بل وفي آلاف التحف الفنّية من عصر النهضة". ومثل قوله: هناك الان هوس سياسي بالاعتذار عن الفظائع التي ارتُكبت في القرون الماضية، لكن من ينبغي له أن يطلب العفو عن حادثة الصلب؟ وبما أن المسيح قُتل تحت سلطة روما، فإنه لا مسئول عن الصلب سوى رئيس الدولة الحالي في إيطاليا (وكان آنذاك شيوعيّا).
سخرية إيكو ساحرة وذكاؤه مبهر. ومع ذلك، كان يعبّر من وقت لآخر عن بعض المشاعر غير السارّة. ففي حديثه عن الأشخاص المنغمسين في هواتفهم إلى الحدّ الذي يجعلهم يصطدمون بك في الشارع، يصف كيف أدار ذات مرّة ظهره عمداً لامرأة تقترب منه، فسمح لها بالاصطدام به، ثم هنّأ نفسه عندما ارتطم هاتفها بالرصيف. وأضاف: أتمنّى فقط أن يكون الهاتف قد انكسر، وأنصح كل من يمرّ بنفس الموقف أن يفعل ما فعلته. ثم يتساءل هل كان ليحسّ بنفس الشعور لو كانت المرأة منحنية على كتاب أثناء سيرها؟!
وبالإضافة الى عمله كمحاضر جامعي وروائي وصحفي، كان إيكو يكتب للصحف الإيطالية مقالات مثيرة يتناول فيها مواضيع كثيرة ولا يجمع بينها شيء، مثل الهواتف المحمولة والانترنت ومقدّمي البرامج والمسلسلات التلفزيونية وجماعة فرسان الهيكل وتويتر والقراصنة والمهرجانات الأدبية والخطّ العربي وستيفن هوكينغ ومسابقات الأغاني وعيد الهالووين وسائقي سيّارات الأجرة وجيمس بوند وغير ذلك.
وباعتباره مدخّنا قديما، اعتاد إيكو تدوين ملاحظاته وأفكار مقالاته على الغطاء الداخلي لعلب الكبريت. وفيما بعد جُمعت تلك المقالات في كتاب باسم "علبة كبريت مينيرڤا" على اسم علامة تجارية قديمة. كانت المقالات مرتجلة وقاسية وحادّة، وكلّ منها ناريّ ومتفجّر مثل أعواد الثقاب المشتعلة، ما دفع المخرج السينمائي المشهور پاولو پازوليني لانتقاده بقوله: يعرف إيكو كلّ ما يمكن معرفته ويقذفه في وجهك بأكثر الطرق لامبالاة وكأنك تستمع إلى روبوت".
كان ايكو في مقالاته يكشف ببراعة عمّا يرى أنه سخيف ومتناقض في السلوك الإنساني المعاصر، كقوله: البعض ينتقدون الحجاب والشادور، بينما يعشقون السيّدة العذراء المحجّبة، ليس فقط في الكنيسة بل وفي آلاف التحف الفنّية من عصر النهضة". ومثل قوله: هناك الان هوس سياسي بالاعتذار عن الفظائع التي ارتُكبت في القرون الماضية، لكن من ينبغي له أن يطلب العفو عن حادثة الصلب؟ وبما أن المسيح قُتل تحت سلطة روما، فإنه لا مسئول عن الصلب سوى رئيس الدولة الحالي في إيطاليا (وكان آنذاك شيوعيّا).
سخرية إيكو ساحرة وذكاؤه مبهر. ومع ذلك، كان يعبّر من وقت لآخر عن بعض المشاعر غير السارّة. ففي حديثه عن الأشخاص المنغمسين في هواتفهم إلى الحدّ الذي يجعلهم يصطدمون بك في الشارع، يصف كيف أدار ذات مرّة ظهره عمداً لامرأة تقترب منه، فسمح لها بالاصطدام به، ثم هنّأ نفسه عندما ارتطم هاتفها بالرصيف. وأضاف: أتمنّى فقط أن يكون الهاتف قد انكسر، وأنصح كل من يمرّ بنفس الموقف أن يفعل ما فعلته. ثم يتساءل هل كان ليحسّ بنفس الشعور لو كانت المرأة منحنية على كتاب أثناء سيرها؟!
ثم يكتب كيف أنه أثناء دراسته لتوما الإكويني في الجامعة توقّف عن الإيمان بالله وترك الكنيسة الكاثوليكية نهائيا. ويعلّق: أستطيع القول إن توما الإكويني قد شفاني من الإيمان بأعجوبة".
ويتحدّث في بعض مقالاته الأخرى عن بعض المفارقات في الحياة كقوله: نبشّر بتفوّق الكمبيوتر على القلم والورق، ثم نحوّل الكمبيوتر إلى شاشة لوحية نكتب عليها بقلم!". وأيضا: علّمني والدي ألا آخذ الأخبار على محمل الجد. فالصحف تكذب والمؤرّخون يكذبون والتلفزيون اليوم يكذب، وحتى العلم يكذب أحيانا!".
وفي مقالات أخرى يتناول إيكو مسائل لها علاقة بالأدب والرواية. فعن سبب تأخّره في كتابة الرواية قال: لا أعرف لماذا تأخّرت. لكن هناك علماء قضوا حياتهم كلّها يتمنّون أن يكونوا روائيين. خذ مثلا رولان بارت العظيم. لقد مات وهو يشعر بالمرارة لأنه لم يمارس ما يسمّيه الحمقى "الكتابة الإبداعية"، وكأن أفلاطون وأرسطو لم يكتبا بشكل إبداعي. في الواقع، كان بارت يكتب إبداعا طوال حياته. والحقيقة أن جميع مقالاتي تتمتّع بنوع من البنية السردية. لذا أقول دائما إنني كنت أمتلك دافعا سرديّا. وكنت أُشبِع جزءا من هذا الدافع بسرد القصص لأطفالي، ولكنهم الان كبروا لسوء الحظ".
ويضيف: منذ أصبحت روائيّاً توقّفت عن قراءة أعمال الكتّاب المعاصرين. لأنني لا أستطيع أن أتحمّلهم، وأشعر بالإحباط الشديد إذا كانوا يكتبون أفضل منّي. لذا أقرأ المزيد من أدب القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والكثير من الكتب التاريخية".
وفي أحد المقالات كتب يقول: إن إيطاليا دولة ما تزال تؤمن بالخرافات إلى حدّ كبير. فقد تحدّث عدد من العلماء عن طقوس دينية في نابولي رافقتها "معجزة" تتمثل في تحوّل دم أحد القدّيسين الذي قُطع رأسه عام 305 إلى سائل. ووفقا للتقاليد، فإن تحوّل دماء القدّيس المحفوظة في قارورتين يحمي المدينة من الكوارث، مثل الزلازل أو ثورات جبل فيزوف". وقد انتقد إيكو على ملاحظته تلك واتُهم بمحاولة تقويض المعتقدات الدينية لأعداد متناقصة من المؤمنين، ووُصف بأنه "مُفسد للمتعة وساحر يكشف عن حِيَله".
الفكرة التي يتردّد صداها في كلّ كتابات إيكو هي أننا نعيش في عالم يشبه الى حدّ ما جحيم العصور الوسطى. وهو عالم يصعب فهمه، ولكنه في تناقضاته مفتوح دوماً على تفسيرات مختلفة. وحتى أيّامه الأخيرة، لم يتخلّ الكاتب أبدا عن دوره الفكري في محاولة فهم الظواهر الاجتماعية والثقافية المتغيّرة، مسترشداً بالفضول البشري والعقلانية والاعتدال مع قدر كبير من روح الدعابة.
ويتحدّث في بعض مقالاته الأخرى عن بعض المفارقات في الحياة كقوله: نبشّر بتفوّق الكمبيوتر على القلم والورق، ثم نحوّل الكمبيوتر إلى شاشة لوحية نكتب عليها بقلم!". وأيضا: علّمني والدي ألا آخذ الأخبار على محمل الجد. فالصحف تكذب والمؤرّخون يكذبون والتلفزيون اليوم يكذب، وحتى العلم يكذب أحيانا!".
وفي مقالات أخرى يتناول إيكو مسائل لها علاقة بالأدب والرواية. فعن سبب تأخّره في كتابة الرواية قال: لا أعرف لماذا تأخّرت. لكن هناك علماء قضوا حياتهم كلّها يتمنّون أن يكونوا روائيين. خذ مثلا رولان بارت العظيم. لقد مات وهو يشعر بالمرارة لأنه لم يمارس ما يسمّيه الحمقى "الكتابة الإبداعية"، وكأن أفلاطون وأرسطو لم يكتبا بشكل إبداعي. في الواقع، كان بارت يكتب إبداعا طوال حياته. والحقيقة أن جميع مقالاتي تتمتّع بنوع من البنية السردية. لذا أقول دائما إنني كنت أمتلك دافعا سرديّا. وكنت أُشبِع جزءا من هذا الدافع بسرد القصص لأطفالي، ولكنهم الان كبروا لسوء الحظ".
ويضيف: منذ أصبحت روائيّاً توقّفت عن قراءة أعمال الكتّاب المعاصرين. لأنني لا أستطيع أن أتحمّلهم، وأشعر بالإحباط الشديد إذا كانوا يكتبون أفضل منّي. لذا أقرأ المزيد من أدب القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والكثير من الكتب التاريخية".
وفي أحد المقالات كتب يقول: إن إيطاليا دولة ما تزال تؤمن بالخرافات إلى حدّ كبير. فقد تحدّث عدد من العلماء عن طقوس دينية في نابولي رافقتها "معجزة" تتمثل في تحوّل دم أحد القدّيسين الذي قُطع رأسه عام 305 إلى سائل. ووفقا للتقاليد، فإن تحوّل دماء القدّيس المحفوظة في قارورتين يحمي المدينة من الكوارث، مثل الزلازل أو ثورات جبل فيزوف". وقد انتقد إيكو على ملاحظته تلك واتُهم بمحاولة تقويض المعتقدات الدينية لأعداد متناقصة من المؤمنين، ووُصف بأنه "مُفسد للمتعة وساحر يكشف عن حِيَله".
الفكرة التي يتردّد صداها في كلّ كتابات إيكو هي أننا نعيش في عالم يشبه الى حدّ ما جحيم العصور الوسطى. وهو عالم يصعب فهمه، ولكنه في تناقضاته مفتوح دوماً على تفسيرات مختلفة. وحتى أيّامه الأخيرة، لم يتخلّ الكاتب أبدا عن دوره الفكري في محاولة فهم الظواهر الاجتماعية والثقافية المتغيّرة، مسترشداً بالفضول البشري والعقلانية والاعتدال مع قدر كبير من روح الدعابة.
Credits
umbertoeco.com
pierpaolopasolini.net
umbertoeco.com
pierpaolopasolini.net