عندما كنا أطفالا، كان مشهد خيوط البرق الفضّية وهي تتراقص على صفحة السماء الليلية الملبّدة بالغيوم مشهدا يبعث في نفوسنا مشاعر متناقضة من الخوف والفرح. الخوف مما تخبّئه الطبيعة من مفاجآت، والفرح بنزول المطر وجريان السيول عبر الأودية والجبال والسهول، وهو حدث كان في كثير من الأحيان يوفّر مبرّرا كافيا لغيابنا عن المدرسة في اليوم التالي. وكان ذلك في حد ذاته باعثا لسرورنا وفرحنا.
وفي التراث العربي هناك ارتباط وثيق بين ظاهرة البرق وبين أحوال المحبّة والعشق. ويزخر الشعر والنثر العربي بإشارات تشبّه وجه الحبيبة بسنا البرق. وقد لاحظت على وجه الخصوص أن هذه السمة واضحة اكثر في الشعر الأندلسي من خلال قصائد ابن زيدون وابن خفاجة وغيرهما من كبار شعراء ذلك العصر. ولا غرابة في ذلك، فالطبيعة الأندلسية الساحرة وما اشتملت عليه من نسيم عليل وماء وفير وخضرة باسقة وحضور دائم للغيث والمطر، كل ذلك كان موردا مهمّا غرف منه شعراء ذلك الزمان ووظفوا مفردات الطبيعة الخلابة في أغراض شعرهم ومواضيع نثرهم المتنوّعة والمختلفة.
لكن في العصور القديمة كانت النظرة إلى البرق مختلفة تماما. إذ كانت هذه الظاهرة تتحكّم في حياة الناس وتؤثر على ثقافات شعوب بأسرها.
في بلاد فارس، مثلا، كان الناس ينظرون إلى البرق باعتباره مظهرا من مظاهر الغضب الإلهي، وفي اليونان القديمة استخدم كبير الآلهة "زيوس" البرق لاعلان بداية حرب طروادة.
أما الرومان فقد كانوا يعتقدون أن اله البرق، واسمه جوف، هو الذي يرسل اللهب على هيئة وميض برق ليعاقب به الأشرار والمسيئين ويحذّر من خلاله الإمبراطورية من عواقب السلوك الخاطئ.
وتشير الأساطير الاسكندينافية أيضا إلى النزعات الطقوسية للآلهة آنذاك، حيث كان الإله "تور" ذو الشعر الأحمر يرسل من وقت لاخر شواظا من ناره المقدّسة ليصبّها على رؤوس الخاطئين والمنحرفين من أهل الأرض.
وكان الناس في القرون الوسطى يعتقدون بأن شجرة السنديان تحمي من ضربات البرق وغيره من عناصر الطبيعة الخطرة، ولهذا السبب كانوا يعلقون أغصان تلك الشجرة في البيوت والكنائس طلبا للامان، لكن ثبت في ما بعد أن لا أساس علميا لهذا الاعتقاد.
واليوم، ورغم تقدّم العلم وكثرة الدراسات التي تبحث في كنه الظواهر الجوية، ما يزال البرق ظاهرة يحيطها الكثير من الغموض. وكل ما نعرفه حتى الآن هو أن البرق يحدث نتيجة تفريغ الشحنات الكهربائية بين الغيوم الممطرة أو بين السحاب الممطر والأرض. وعندما تصطدم خيوط البرق بالهواء البارد تحدث صوت ارتجاج عنيف هو ما نسميه بالرعد. ورغم أن الرعد يصدر أصواتا وفرقعات مخيفة، فإن العلماء متفقون على عدم خطورته. الخطر الحقيقي يكمن في البرق نفسه وفي العواصف التي تترافق معه والتي تحصد سنويا أرواح المئات من الناس في بعض البلدان.
وهناك الآن أناس ليس لهم من مهنة أو اهتمام سوى مطاردة العواصف الرعدية والأعاصير ومتابعة أماكن تشكلّها وخطوط سيرها. ومن هؤلاء علماء يسعون إلى معرفة المزيد من أسرار عناصر الطبيعة ومصوّرون مدجّجون بآخر تكنولوجيا التصوير الفوتوغرافي لاصطياد اللقطات المثيرة في المشهد الكوني الفريد الذي يظهر الطبيعة في أوج تمردّها وعنفوانها.
الموقع التالي يضمّ مجموعة من الصور الرائعة لظاهرة البرق التقطها بعض المصوّرين المحترفين وسجّلوا من خلالها مشاهد من سمفونية الطبيعة الهادرة عبر مشاهد اختلطت فيها الألوان والظلال والعناصر على نحو يندر أن يتكرّر..
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .
السبت، مارس 11، 2006
إلا كبرق سحابة
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)