في العصور المتقدّمة، لم يكن هناك الكثير من المتاحف ولا الغاليريهات التي يمكن للرسّام أن يعرض فيها أعماله لكي يراها الجمهور وبالتالي تحقق له نوعا من الاعتراف بموهبته. وكان على الرسّامين أن يبتكروا طريقة للتعريف بأنفسهم وبأعمالهم. ولهذا السبب ظهر نوع من اللوحات التي يصّور فيها الرسّام نفسه داخل محترفه والى جانبه بعض لوحاته. كان هذا نوعا من الدعاية والإعلان في وقت لم تكن فيه وسائل الإعلام الجماهيري بمعناها المتعارف عليه اليوم قد ظهرت وعرفها الناس.
ومن أشهر من رسموا لوحات من هذا النوع كلّ من فيرمير وفريدريك بازيل وبيتر تيليمانز وغوستاف كوربيه.
وفي بدايات القرن السابع عشر، ظهر نوع آخر من اللوحات قريب الشبه بالنوع الأوّل. إذ كان من عادة مقتني الأعمال الفنية من الأثرياء وأفراد العائلات الارستقراطية أن يوثّقوا مقتنياتهم من اللوحات والتماثيل والأشياء القيّمة الأخرى. ومن أجل هذه الغاية كانوا يكلّفون كبار الرسّامين برسم لوحات تتضمّن صورا للأعمال الفنية التي يملكونها وتكون بمثابة السجلّ الذي يحفظ تلك الأعمال ويكسبهم أمام نظرائهم من الطبقات الاجتماعية الرفيعة شيئا من "البريستيج" أو الوجاهة الاجتماعية.
اللوحة أعلاه تعتبر إحدى أشهر هذا النوع من الرسم الذي ظهر وازدهر في هولندا وبلجيكا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.
في ذلك الوقت لم يكن أمرا غير مألوف أن يتعاون رسّامان أو أكثر في رسم لوحة واحدة. ورغم شهرة كلّ من بيتر بول روبنز ويان بريغل كلّ على حدة، فإن ذلك لم يمنعهما من الاتفاق على رسم هذه اللوحة التي يمكن وصفها بأنها خزانة متخيّلة لمجموعة من الأعاجيب الفنية.
روبنز رسم الأشخاص في هذه اللوحة بالنظر إلى براعته المتناهية والمعروفة في هذا الجانب. بينما رسم بريغل المناظر الطبيعية والحياة الساكنة فيها.
كان بريغل الابن الثاني للرسّام المشهور بيتر بريغل. وكان احد انجح الرسّامين الهولنديين في زمانه. كان يُلقّب بـ "بريغل المخملي" بسبب رقّة ونعومة أسطح لوحاته.
هذه اللوحة هي واحدة من سلسلة من اللوحات الرمزية التي أنجزها الرسّامان معا بناءً على طلب الارشيدوق الاسباني البيرت وزوجته الأميرة ايزابيلا. كان بريغل رسّاما في بلاط البيرت الذي كان وقتها يمارس منصب المندوب السامي الاسباني لـ هولندا أو ما كان يُعرف آنذاك بالأراضي المنخفضة.
وقد اُطلق على هذه السلسلة لوحات الحواسّ الخمس. وخُصّصت كلّ واحدة منها كي تمثّل إحدى الحواس. اللوحة هنا تمثّل حاسّة البصر، وهي تصوّر ورشة فنية مُلئت باللوحات والأشياء الثمينة مثل الآلات الفلكية والتماثيل والسجّاد والبورسلان.
الألوان في اللوحة ساطعة والتفاصيل تبدو في منتهى الدقّة. المرأة الضخمة العارية جزئيا والجالسة إلى طاولة في أسفل يسار اللوحة هي تجسيد لحاسّة البصر. لكنها تمثّل بنفس الوقت شخصية جامع الأعمال واللوحات الفنّية.
وتظهر المرأة وهي تتفحّص لوحة يمسك بها "كيوبيد" وتصوّر المسيح وهو يشفي رجلا أعمى. وإلى أقصى اليمين تظهر لوحة كبيرة تصوّر إحدى المادونات وطفلها داخل إطار تحيط به الزهور. هذه اللوحة أيضا من اللوحات التي تعاون كل من روبنز وبريغل في رسمها. وخلف الطاولة إلى اليسار بورتريه مزدوج يصوّر الراعي الذي أمر برسم اللوحات، أي البيرت، بمعيّة زوجته.
من الأشياء التي تتضمّنها اللوحة يمكن رؤية تلسكوب واسطرلاب وكرة تمثل الأرض ومجوهرات، وباختصار كل ما يمكن أن يلاحظه الإنسان عن طريق حاسّة الإبصار.
كان تعاون كل من روبنز وبريغل يرقى لكونه ظاهرة. وكانا يحتفظان بعلاقة خاصّة ومتميّزة تتجاوز بكثير اعتبارات المنافسة والغيرة التي تحكم عادة علاقة أرباب المهنة الواحدة.
كان روبنز وبريغل رسّامين فريدين من نوعهما من حيث قدرتهما وبراعتهما الفنية العالية. وقد أنتجا معا نوعية عالية المستوى من اللوحات التي كان يتنافس على اقتنائها أفراد العائلات الملكية والنبلاء الأوربيين.
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .
الأربعاء، مايو 05، 2010
صوَر داخل صورة
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)