من الأعمال الفنيّة الجميلة التي تنطبع تفاصيلها في الذهن بسهولة اللوحة التي فوق، واسمها "صلاة العصر في القاهرة"، للرسّام الفرنسي جان ليون جيروم (1824-1904). ظهرت هذه اللوحة على أغلفة العديد من الكتب وأصبحت رمزا للشرق القديم الذي طالما حلم به الشعراء والفلاسفة وهيمن على مخيّلة الأوربيّين لزمن طويل.
كان جيروم رحّالة وأستاذا جامعيا ورجل أعمال. وكان من أنصار الكلاسيكية الجديدة (Neoclassicism) والأكاديمية (Academicism)، وهما حركتان فنيّتان رئيسيتان في أوروبّا القرن التاسع عشر.
غير أن أحدا لا يتذكّره اليوم إلا بالكاد. ومع ذلك فإن صوره عن الشرق القديم ما تزال رائجة، لأنها تذكّر الناس بالماضي والسنين الخوالي.
كان الرسّام مفتونا بصلاة المسلمين وبمعمار الجوامع القديمة. وكان من عادته أن يضيف إلى رسوماته للجوامع تفاصيل من خياله لجعلها تبدو كالصروح الفخمة. لكنه في هذه اللوحة اختار أن يرسم مجموعة من الناس يؤدّون الصلاة على سطح منزل بسيط في قاهرة القرن التاسع عشر.
كلّ التفاصيل في الصورة بديعة: منظر السماء الضبابية التي تضفي على المنظر طابعا من المهابة والجلال، منارات مسجد محمّد علي ومبنى القلعة المشهورة في الخلفية، الأشخاص الذين يؤدّون الصلاة فرادى على أسطح المنازل المجاورة، الشيخ المسنّ الذي يتحامل على نفسه ليؤدّي الفريضة، والشخص الآخر الذي يصلّي متقلّدا خنجرا طويلا.
يقول أحد النقّاد إن لوحة جيروم هذه بعيدة إلى حدّ ما عن الحقيقة. فالمئذنة التي وُضعت بشكل بارز على اليسار تقع في الواقع على بعد أميال من هذا المكان. كما أن بعض المصلّين يَظهرون أيضا في لوحات أخرى لجيروم في سياقات وملابس مختلفة، مثل الرجل الساجد الى اليمين والمرتدي ثوبا أصفر، ومثل الإمام الى أقصى اليسار الذي يظهر في لوحة أخرى للرسّام اسمها " المؤذّن". لكن هذه "التلاعبات" لم تكن غير مدروسة، بل تعمّد الفنّان اختيارها لأسباب جمالية أو تجارية.
في لوحة أخرى لجيروم تتميّز بفخامة تفاصيلها وبهدوئها الرائع والغريب، يرسم أسدا وحيدا يجلس فوق صخرة مرتفعة وينظر إلى السهل الواسع والممتدّ أمامه متأمّلا منظر الغروب الأرجواني للشمس. ويُرجّح أن الرسّام رأى مثل هذا المنظر المهيب أثناء إحدى رحلاته بين مصر وشمال أفريقيا حوالي عام 1880.
وهناك لوحة معبّرة أخرى لهذا الرسّام بعنوان "عربي مع حصانه في الصحراء" من عام 1872 يصوّر فيها فارسا عربيّا وهو يحنو على فرسه المتمدّد على الأرض من شدّة الإنهاك بعد السير مسافة طويلة في صحراء شمال أفريقيا، حيث حرارة الشمس الحارقة ووعورة الطريق.
وجيروم معروف أيضا بلوحاته العديدة التي رسمها لنابليون أثناء حملته العسكرية على مصر. وفي إحداها بعنوان "بونابرت أمام أبو الهول" يظهر الجنرال الفرنسي ممتطيا حصانه وواقفا أمام تمثال أبي الهول وكأنه يتبادل معه حوارا صامتا. وفي أخرى يظهر بونابارت منعزلا عن بقيّة رجاله وواقفا أمام بعض معالم القاهرة وهو في حال من التفكير العميق.
والرسّام يستثير في جميع لوحاته لنابليون فكرة القدَر، فهو لا يرسمه مثلا وهو يقاتل في معركة أو ينجز عملا بطوليّا، بل يرسمه وهو واقف أمام التمثال وكأنه يستنطقه ويستشيره، فيواجَه بنظرة هذا الصرح الغامض القادم من وراء القرون.
كان جيروم رحّالة وأستاذا جامعيا ورجل أعمال. وكان من أنصار الكلاسيكية الجديدة (Neoclassicism) والأكاديمية (Academicism)، وهما حركتان فنيّتان رئيسيتان في أوروبّا القرن التاسع عشر.
غير أن أحدا لا يتذكّره اليوم إلا بالكاد. ومع ذلك فإن صوره عن الشرق القديم ما تزال رائجة، لأنها تذكّر الناس بالماضي والسنين الخوالي.
كان الرسّام مفتونا بصلاة المسلمين وبمعمار الجوامع القديمة. وكان من عادته أن يضيف إلى رسوماته للجوامع تفاصيل من خياله لجعلها تبدو كالصروح الفخمة. لكنه في هذه اللوحة اختار أن يرسم مجموعة من الناس يؤدّون الصلاة على سطح منزل بسيط في قاهرة القرن التاسع عشر.
كلّ التفاصيل في الصورة بديعة: منظر السماء الضبابية التي تضفي على المنظر طابعا من المهابة والجلال، منارات مسجد محمّد علي ومبنى القلعة المشهورة في الخلفية، الأشخاص الذين يؤدّون الصلاة فرادى على أسطح المنازل المجاورة، الشيخ المسنّ الذي يتحامل على نفسه ليؤدّي الفريضة، والشخص الآخر الذي يصلّي متقلّدا خنجرا طويلا.
يقول أحد النقّاد إن لوحة جيروم هذه بعيدة إلى حدّ ما عن الحقيقة. فالمئذنة التي وُضعت بشكل بارز على اليسار تقع في الواقع على بعد أميال من هذا المكان. كما أن بعض المصلّين يَظهرون أيضا في لوحات أخرى لجيروم في سياقات وملابس مختلفة، مثل الرجل الساجد الى اليمين والمرتدي ثوبا أصفر، ومثل الإمام الى أقصى اليسار الذي يظهر في لوحة أخرى للرسّام اسمها " المؤذّن". لكن هذه "التلاعبات" لم تكن غير مدروسة، بل تعمّد الفنّان اختيارها لأسباب جمالية أو تجارية.
في لوحة أخرى لجيروم تتميّز بفخامة تفاصيلها وبهدوئها الرائع والغريب، يرسم أسدا وحيدا يجلس فوق صخرة مرتفعة وينظر إلى السهل الواسع والممتدّ أمامه متأمّلا منظر الغروب الأرجواني للشمس. ويُرجّح أن الرسّام رأى مثل هذا المنظر المهيب أثناء إحدى رحلاته بين مصر وشمال أفريقيا حوالي عام 1880.
وهناك لوحة معبّرة أخرى لهذا الرسّام بعنوان "عربي مع حصانه في الصحراء" من عام 1872 يصوّر فيها فارسا عربيّا وهو يحنو على فرسه المتمدّد على الأرض من شدّة الإنهاك بعد السير مسافة طويلة في صحراء شمال أفريقيا، حيث حرارة الشمس الحارقة ووعورة الطريق.
وجيروم معروف أيضا بلوحاته العديدة التي رسمها لنابليون أثناء حملته العسكرية على مصر. وفي إحداها بعنوان "بونابرت أمام أبو الهول" يظهر الجنرال الفرنسي ممتطيا حصانه وواقفا أمام تمثال أبي الهول وكأنه يتبادل معه حوارا صامتا. وفي أخرى يظهر بونابارت منعزلا عن بقيّة رجاله وواقفا أمام بعض معالم القاهرة وهو في حال من التفكير العميق.
والرسّام يستثير في جميع لوحاته لنابليون فكرة القدَر، فهو لا يرسمه مثلا وهو يقاتل في معركة أو ينجز عملا بطوليّا، بل يرسمه وهو واقف أمام التمثال وكأنه يستنطقه ويستشيره، فيواجَه بنظرة هذا الصرح الغامض القادم من وراء القرون.
وفي إحدى صور جيروم الأخرى يظهر نابليون ممتطيا ظهر جمل ومحاطا بعدد من جنوده. قيل إن هذه اللوحة تصوّر ظروف الطبيعة الصعبة التي واجهها في مصر. وهناك من رأى فيها مظهرا من مظاهر صراع الحضارات. فنابليون وجنده يرتدون ملابس غربية، لكنهم يركبون الجمال ويسافرون في الصحراء العربية التي لا يعرف سوى أهلها كيف يطوّعونها ويروّضون جموحها.
ولجيروم أيضا لوحة أخرى هي "ساحر الثعابين". وقد اشتهرت هذه اللوحة كثيرا بعد أن ظهرت على غلاف كتاب "الاستشراق" للمفكّر والأكاديمي إدوارد سعيد عام 1978، وأصبحت محفّزا لنقد الاستشراق ككل، والرسم الاستشراقي بشكل خاص، رغم أن المؤلّف لم يتحدّث عن هذه اللوحة أو يذكرها بالاسم في كتابه.
وفيها يظهر صبيّ عارٍ يقف على سجّادة في وسط غرفة جدرانها مبلّطة بالأزرق، ويحمل ثعبانا يلتفّ حول خصره وفوق كتفه، بينما يجلس رجل على يمينه وهو يعزف المزمار. أما المتفرّجون على هذا العرض فجماعة من رجال القبائل المسلّحين.
الناقد الإنغليزي جوناثان جونز يصف لوحة "ساحر الثعابين" بأنها رؤية إمبريالية رخيصة للشرق وخيال غربي خبيث واستغلاليّ عن المنطقة. ويضيف إن مضمون اللوحة يدعم فكرة كتاب إدوارد سعيد الذي يقول إن "الخبراء" الأوروبيين في القرن التاسع عشر وصفوا مجتمعات الشرق الأوسط بطرق أبهجت المخيّلة الغربية، وفي نفس الوقت قلّلت من إنسانية الشعوب التي تتغذّى عليها تلك المخيّلة.
ويضيف أن التلصّص في الصورة واضح، وأن اللوم في ذلك يتحوّل إلى الجمهور المتراجع في اللوحة. وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى البلاط الجميل في الغرفة على أنه دليل على بقاء الثقافات الأقدم والأرقى التي ذكر المستشرقون الغربيون أنهم يعرفونها ويحبّونها أكثر من "السكّان المحليين المنحلّين".
المعروف أن لوحة "ساحر الثعابين" رُسمت في إسطنبول واستكمل جيروم رسمها في محترفه في باريس. وكان الرسّام قد سافر كثيرا طوال حياته عبر أوروبا وأجزاء عديدة من الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.
كانت لوحات جيروم الاستشراقية تلبّي افتتان الجمهور الأوروبّي بالغرائبية والإثارة الموجودة في الشرق. وكان هذا التغريب للآخر، أي جعله يبدو غرائبيّا (Exoticization) ، يعكس المواقف الإمبريالية في ذلك الوقت. لكنه ساهم أيضا في ازدياد شعبية وتأثير أعمال الرسّام.
في أوائل القرن العشرين لم يعد أسلوب جيروم مفضّلا ولا مواضيعه، خاصّة مع ظهور الانطباعية وغيرها من الحركات الفنيّة الحديثة. ونتج عن ذلك تراجع اسمه لبعض الوقت.
وبينما يأخذ عليه الكثيرون المنظور الاستشراقي المتأصّل في لوحاته، فإن مهارة جيروم الفنيّة واهتمامه الإثنوغرافي بالتفاصيل والنهج السردي في صوره لا يزال يُعترف به كإنجاز فنّي مهم في التصوير الاستشراقي في القرن التاسع عشر. وفي السنوات الأخيرة ظهر اهتمام متجدّد بفنّه وأقيمت معارض استعادية كبرى لأعماله في العديد من المتاحف المرموقة حول العالم.
ولجيروم أيضا لوحة أخرى هي "ساحر الثعابين". وقد اشتهرت هذه اللوحة كثيرا بعد أن ظهرت على غلاف كتاب "الاستشراق" للمفكّر والأكاديمي إدوارد سعيد عام 1978، وأصبحت محفّزا لنقد الاستشراق ككل، والرسم الاستشراقي بشكل خاص، رغم أن المؤلّف لم يتحدّث عن هذه اللوحة أو يذكرها بالاسم في كتابه.
وفيها يظهر صبيّ عارٍ يقف على سجّادة في وسط غرفة جدرانها مبلّطة بالأزرق، ويحمل ثعبانا يلتفّ حول خصره وفوق كتفه، بينما يجلس رجل على يمينه وهو يعزف المزمار. أما المتفرّجون على هذا العرض فجماعة من رجال القبائل المسلّحين.
الناقد الإنغليزي جوناثان جونز يصف لوحة "ساحر الثعابين" بأنها رؤية إمبريالية رخيصة للشرق وخيال غربي خبيث واستغلاليّ عن المنطقة. ويضيف إن مضمون اللوحة يدعم فكرة كتاب إدوارد سعيد الذي يقول إن "الخبراء" الأوروبيين في القرن التاسع عشر وصفوا مجتمعات الشرق الأوسط بطرق أبهجت المخيّلة الغربية، وفي نفس الوقت قلّلت من إنسانية الشعوب التي تتغذّى عليها تلك المخيّلة.
ويضيف أن التلصّص في الصورة واضح، وأن اللوم في ذلك يتحوّل إلى الجمهور المتراجع في اللوحة. وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى البلاط الجميل في الغرفة على أنه دليل على بقاء الثقافات الأقدم والأرقى التي ذكر المستشرقون الغربيون أنهم يعرفونها ويحبّونها أكثر من "السكّان المحليين المنحلّين".
المعروف أن لوحة "ساحر الثعابين" رُسمت في إسطنبول واستكمل جيروم رسمها في محترفه في باريس. وكان الرسّام قد سافر كثيرا طوال حياته عبر أوروبا وأجزاء عديدة من الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.
كانت لوحات جيروم الاستشراقية تلبّي افتتان الجمهور الأوروبّي بالغرائبية والإثارة الموجودة في الشرق. وكان هذا التغريب للآخر، أي جعله يبدو غرائبيّا (Exoticization) ، يعكس المواقف الإمبريالية في ذلك الوقت. لكنه ساهم أيضا في ازدياد شعبية وتأثير أعمال الرسّام.
في أوائل القرن العشرين لم يعد أسلوب جيروم مفضّلا ولا مواضيعه، خاصّة مع ظهور الانطباعية وغيرها من الحركات الفنيّة الحديثة. ونتج عن ذلك تراجع اسمه لبعض الوقت.
وبينما يأخذ عليه الكثيرون المنظور الاستشراقي المتأصّل في لوحاته، فإن مهارة جيروم الفنيّة واهتمامه الإثنوغرافي بالتفاصيل والنهج السردي في صوره لا يزال يُعترف به كإنجاز فنّي مهم في التصوير الاستشراقي في القرن التاسع عشر. وفي السنوات الأخيرة ظهر اهتمام متجدّد بفنّه وأقيمت معارض استعادية كبرى لأعماله في العديد من المتاحف المرموقة حول العالم.
Credits
musee-orsay.fr
musee-orsay.fr