بطل الرواية يسمّي نفسه ذئب البراري. وهو شخص مثقّف، منعزل، بلا علاقات تقريبا، ومتحفّظ في إظهار مشاعره، لا يؤمن بالكثير من افكار وقناعات مجتمعه ويساوره الحنين الى عصور سابقة.
وهو في الرواية يتحدّث عن الكثير من رموز الحزن وضحايا سوء الفهم في هذا العالم، مثل نوفاليس ودستويفسكي وأتيلا وفاوست وموزارت وهاملت واوفيليا وغيرهم.
كما يتحدّث بشغف عن ظواهر لا أشكّ انها تجذب اهتمام الكثيرين، من قبيل بعض الصور والأنغام والروائح التي تنقل الانسان الى عوالم مختلفة وتلحّ على ذهنه بين فترة وأخرى. وذئب البراري يصف عزلته بأنها "ساكنة سكون الفضاء البارد الذي تدور فيه النجوم في افلاكها".
في هذه الرواية "علم نفس" كثير، ربّما أكثر ممّا ينبغي، مثل حديث الراوي عن ثنائية الانسان والذئب، وكيف يتغلّب الذئب على الانسان او العكس. وهو يُفرد لهذا صفحات كثيرة. وقد شعرت أن الإسهاب في هذا النوع من الحديث يبطّيء من وتيرة الرواية، أيّ رواية، لدرجة انه يمكن ان يصيب القارئ بالملل.
من العبارات التي راقت لي والتي ترد على لسان البطل قوله: الانسان بَصَلة مكوّنة من مائة غلاف"، أو قوله في وصف موسيقى الجاز أن نصفها عابق بشذى العطور ونصفها الاخر همجيّ."
ذئب البراري او السهوب رواية مختلفة. ولا بدّ وأن يجد الكثيرون في أنفسهم شيئا من شخصية البطل أو بعضا من سمات شخصيّته الغريبة. وللمؤلّف هيرمان هيسّه روايات أخرى أشهرها "سيدهارتا" و"ساعة بعد منتصف الليل" وغيرهما.
استثمر هامرشوي الكثير من المعنى في هدوء الغرف الفارغة التي كان يرسمها. ولوحاته تتكوّن من تصميمات داخلية نصف ضبابية تلفت انتباهنا إلى الفوائد البسيطة للوجود، حيث نتمكن من ملاحظة المزيد، وفي الوقت نفسه نجد ضجيجنا الداخليّ ونعمل على تهدئته.
وصور الرسّام هي نقيض لصور السيلفي الحديثة. فبدلاً من أن تقول "انظر إليّ وما أفعله"، فإن هذه اللوحات ترفض ذلك الجزء من الطبيعة البشرية الذي يريد أن يهتمّ به الآخرون. وبدلاً من ذلك، فإنها تدعو الانسان للتأمّل والتواضع.
لماذا نرغب في ان ننظر الى أريكة فارغة أو نافذة مضاءة بنور القمر؟ الإجابة التي تقدّمها هذه اللوحات ضمنا هي أن بعض اللقاءات الأكثر أهميّة هي تلك التي تحدث في لحظاتنا الأكثر حميمية وخصوصية.
قال هامرشوي ذات مرّة: لطالما اعتقدت أن الغرف تحتوي على مثل هذا الجمال برغم خلوّها من أيّ أشخاص، بل ربّما وعلى وجه التحديد عندما لا يوجد بها أيّ أشخاص". لذلك فإن ما تراه في لوحات الفنّان هو رغبته في رؤية العالم كسلسلة من أوقات العزلة والتأمّل.
ولد هامرشوي في كوبنهاغن بالدنمارك عام 1864، وقضى معظم حياته في المدينة التي ولد فيها. وقد تدرّب في الأكاديمية الملكية الدنماركية للفنون الجميلة، وتلقّى دروسا على يد الفنّان نيلز كيركغارد ابن عمّ الفيلسوف المعروف سورين كيركغارد.
وقد أنجز هامرشوي العديد من لوحاته الأكثر شهرةً داخل منزله في كوبنهاغن، واختار أن تكون زوجته هي الجليسة التي تظهر في جميع لوحاته.
الشكوك التي طالما راودتك عن انعدام موهبتك واعتدتَ أن تبعدها تعود مجدّدا لتستقرّ على كتفيك وتهمس في أذنك نادبةً سوء حظك ولتخبرك أنها كانت على حقّ وأنك كنت مخطئا.
لكن قد لا تكون هذه هي المشكلة. فإذا لم يجد أحد نصوصك جمهورا يقرؤه، فليس بالضرورة لأنه سّيء، بل قد تكون هناك أسباب أخرى خارجة عن إرادتك.
هناك العديد من الكتّاب ممّن يربطون قيمة نصوصهم بعدد القراءات التي تحصدها تلك النصوص. ويشبه الأمر ربط كمّية المال بقيمة الشخص الذي يملكه، في حين أن المال لا يحدّد قيمة الانسان وعدد القراءات لا يحدّد قيمة النصّ.
وواقع الحال أنك يجب أن تعتزّ بنصوصك المنعزلة، أي تلك التي لم تُقرأ بما فيه الكفاية. قد لا تكون جيّدة بما يكفي أو ربّما تكون بحاجة إلى جمهور من نوع ما يقدّرها ويستشعر ما فيها من تفرّد وجمال.
يُحكى أن أهل قرية شربوا من ماء نهر فأصيبوا بالجنون. فقط شخصان امتنعا عن الشرب من النهر، لذا استمرّا عاقلين.
غير أن أهل القرية أصبحوا ينظرون إليهما نظرة دهشة وشفقة ظنّاً منهم انهما أصيبا بالجنون. ولكي يُبعد الرجلان شبهة الجنون عن نفسيهما، لم يجدا خلاصا سوى بالشرب من ماء النهر، فأصبحا مجنونَين!
Credits
bruun-rasmussen.dk
bruun-rasmussen.dk