أعظم رسّامَي بورتريه في تاريخ الرسم لم يكن أيّ منهما يعرف عن وجود الآخر، رغم أنهما عاشا في عصر واحد. الأوّل رمبراندت (1599-1660) والثاني دييغو فيلاسكيز (1606-1669).
والسبب في أنهما يتصدّران قائمة رسّامي البورتريه في العالم هو أن أيّ وجه رسماه لم يُكتب له الخلود فحسب، وإنّما أيضا اكتسب سمة ميتافيزيقية وغامضة. ثمّة جاذبية فلسفية واضحة في طريقة رمبراندت وفيلاسكيز في النظر إلى البشر. ومع ذلك فإنهما - كرسّامَين - مختلفان.
رمبراندت في بورتريهاته التي رسمها لنفسه ينظر إليك بمعرفة عميقة للحياة. أما شخوص فيلاسكيز فينظرون بطريقة تخاطب المشاعر، لكنها لا توصل أيّ حكمة. ورمبراندت يؤكّد على الكرامة الإنسانية، أما فيلاسكيز فغير متأكّد. لكنه ينظر بعين محايدة ومتحرّرة من المجاملة والفانتازيا، وهي صفة طالما امتدحه عليها الايطاليون.
اطلب من أيّ فنّان أو فيلسوف أو شاعر اليوم أن يسمّي لك أعظم لوحة في العالم، والأرجح انه سيقول لك أنها وصيفات الشرف ، أكثر من عشاء ليوناردو الأخير وليلة فان غوخ المرصّعة بالنجوم ومدرسة أثينا لرافائيل.
ولو ذهبت إلى مدريد وزرت متحف برادو، فستلاحظ وجود غرفة عالية مثمّنة الأضلاع في وسط المتحف حيث تُعلّق الوصيفات. والزوّار يمرّون جيئة وذهابا من أمام اللوحة متأمّلين ودارسين.
الثقافة المعاصرة تمجّد هذه الصورة كثيرا، لأنها تجد فيها مرآة للوعي الحديث بالذات أكثر من كونها أيقونة فتنت أجيالا عديدة متعاقبة.
وصيفات الشرف لوحة ضخمة بما يكفي لأن تنافس الحياة. وهي تطلب منك أن تتأمّلها في فراغ ثلاثيّ الأبعاد. وهي تفعل هذا بخلق اتصال متوهّم بين الغرفة التي أنت فيها والغرفة التي في الصورة نفسها، كما لو انك تنظر إلى الوراء عبر الزمن؛ إلى داخل الغرفة الطويلة في قصر الكازار الاسبانيّ حيث نصب الرسّام عدّة الرسم قبل أكثر من ثلاثة قرون، وحيث ينظر إليك من زاوية في يسار اللوحة.
غير أن فيلاسكيز لا يكتفي بدعوتك للدخول في الصورة، وإنّما يعتبرك أيضا شخصية خاصّة في مسرحية. المرايا والتأثيرات البصرية تلعب دورا مهمّا في معظم لوحات فيلاسكيز المشهورة.
في فينوس أمام المرآة مثلا، تنظر ربّة الجمال إلى وجهها في مرآة، لكن انعكاسها المعتم لا يكشف شيئا عن مشاعرها.
وفي أسطورة اراكني المستمدّة من تحوّلات اوفيد، يظهر مِغزل يدور بسرعة فائقة لدرجة انك يمكن أن ترى من خلاله ما وراءه. الطريقة التي يُمسك بها فيلاسكيز بالتأثير البصريّ هي بلا شكّ لعبته المفضّلة في فنّ الرسم.
لقد رسم رمبراندت نفسه مرارا وتكرارا. لكن صورة فيلاسكيز الوحيدة هي هنا في تحفته "الوصيفات" الغامضة والمثيرة، والتي رسمها قبل أربع سنوات فقط من وفاته.
فيلاسكيز في غرفة العائلة في القصر يعمل أمام القماش بصحبة ابنة الملك وحاشيتها. وأوّل شيء يمكن ملاحظته هو أن الجميع متجمّدون، واهتمامهم مركّز على وجودٍ ما خارج الإطار. نظرة الذين يعرفون عن ذلك الحضور هي باتجاهنا، أي باتجاه الملك والملكة المنعكسة صورتهما على الجدار الخلفيّ.
والسبب في أنهما يتصدّران قائمة رسّامي البورتريه في العالم هو أن أيّ وجه رسماه لم يُكتب له الخلود فحسب، وإنّما أيضا اكتسب سمة ميتافيزيقية وغامضة. ثمّة جاذبية فلسفية واضحة في طريقة رمبراندت وفيلاسكيز في النظر إلى البشر. ومع ذلك فإنهما - كرسّامَين - مختلفان.
رمبراندت في بورتريهاته التي رسمها لنفسه ينظر إليك بمعرفة عميقة للحياة. أما شخوص فيلاسكيز فينظرون بطريقة تخاطب المشاعر، لكنها لا توصل أيّ حكمة. ورمبراندت يؤكّد على الكرامة الإنسانية، أما فيلاسكيز فغير متأكّد. لكنه ينظر بعين محايدة ومتحرّرة من المجاملة والفانتازيا، وهي صفة طالما امتدحه عليها الايطاليون.
اطلب من أيّ فنّان أو فيلسوف أو شاعر اليوم أن يسمّي لك أعظم لوحة في العالم، والأرجح انه سيقول لك أنها وصيفات الشرف ، أكثر من عشاء ليوناردو الأخير وليلة فان غوخ المرصّعة بالنجوم ومدرسة أثينا لرافائيل.
ولو ذهبت إلى مدريد وزرت متحف برادو، فستلاحظ وجود غرفة عالية مثمّنة الأضلاع في وسط المتحف حيث تُعلّق الوصيفات. والزوّار يمرّون جيئة وذهابا من أمام اللوحة متأمّلين ودارسين.
الثقافة المعاصرة تمجّد هذه الصورة كثيرا، لأنها تجد فيها مرآة للوعي الحديث بالذات أكثر من كونها أيقونة فتنت أجيالا عديدة متعاقبة.
وصيفات الشرف لوحة ضخمة بما يكفي لأن تنافس الحياة. وهي تطلب منك أن تتأمّلها في فراغ ثلاثيّ الأبعاد. وهي تفعل هذا بخلق اتصال متوهّم بين الغرفة التي أنت فيها والغرفة التي في الصورة نفسها، كما لو انك تنظر إلى الوراء عبر الزمن؛ إلى داخل الغرفة الطويلة في قصر الكازار الاسبانيّ حيث نصب الرسّام عدّة الرسم قبل أكثر من ثلاثة قرون، وحيث ينظر إليك من زاوية في يسار اللوحة.
غير أن فيلاسكيز لا يكتفي بدعوتك للدخول في الصورة، وإنّما يعتبرك أيضا شخصية خاصّة في مسرحية. المرايا والتأثيرات البصرية تلعب دورا مهمّا في معظم لوحات فيلاسكيز المشهورة.
في فينوس أمام المرآة مثلا، تنظر ربّة الجمال إلى وجهها في مرآة، لكن انعكاسها المعتم لا يكشف شيئا عن مشاعرها.
وفي أسطورة اراكني المستمدّة من تحوّلات اوفيد، يظهر مِغزل يدور بسرعة فائقة لدرجة انك يمكن أن ترى من خلاله ما وراءه. الطريقة التي يُمسك بها فيلاسكيز بالتأثير البصريّ هي بلا شكّ لعبته المفضّلة في فنّ الرسم.
لقد رسم رمبراندت نفسه مرارا وتكرارا. لكن صورة فيلاسكيز الوحيدة هي هنا في تحفته "الوصيفات" الغامضة والمثيرة، والتي رسمها قبل أربع سنوات فقط من وفاته.
فيلاسكيز في غرفة العائلة في القصر يعمل أمام القماش بصحبة ابنة الملك وحاشيتها. وأوّل شيء يمكن ملاحظته هو أن الجميع متجمّدون، واهتمامهم مركّز على وجودٍ ما خارج الإطار. نظرة الذين يعرفون عن ذلك الحضور هي باتجاهنا، أي باتجاه الملك والملكة المنعكسة صورتهما على الجدار الخلفيّ.
أنت الملك، وأنت تقف بصبر من اجل أن يرسمك فنّان القصر الذي ينظر إليك من وراء رقعة الرسم. هذه هي الوضعية التي يتعامل بها فيلاسكيز مع الناظر إلى اللوحة. البورتريه الضخم لا يصوّر فحسب ملك وملكة اسبانيا اللذين لا يظهر منهما غير انعكاس صورتهما في المرآة، وإنّما يصوّر أيضا مشاعر التوتّر والقلق الذي تنطق به عيون الملك والملكة وبقية الجلساء في الغرفة. وفيلاسكيز بمعنى ما يرينا العالم من خلال عيني ملك.
في اللوحة، الوصيفات اللاتي يرتدين ثياب خادمات، يقمن على رعاية الفتاة الصغيرة انفانتا مارغريتا ابنة الملك الصغرى التي ترتدي ملابس نفيسة حتى وهي تلعب أمام والديها. لكنها تنظر إليهما بقلق، بينما يباشر اثنان من أقزام البلاط مهمّة الترفيه عنها.
انه عالم صغير، بارد وخطير. ولا احد في اللوحة يبدو في حالة استرخاء باستثناء المرأة التي تركل الكلب بقدمها.
المشهد لا يخلو من طابع مسرحيّ. فالجميع يرتدون ملابسهم الرسمية، وسلوكهم يبدو في غاية النظام والانضباط. لكن عند الباب في الخلفية يظهر رجل. انه يحمل الأخبار المستجدّة عن إمبراطورية اسبانيا الشاسعة والموشكة على الأفول عندما كان فيلاسكيز يرسم لوحته.
الملك الاسبانيّ فيليب الرابع كان من المفترض أن يكون سعيدا بهذا البورتريه العبقريّ والمفاهيميّ المبتكر. أما فيلاسكيز فقد أمطرت عليه السماء أوسمة ومكافآت من كلّ صوب.
غير أن هذه اللوحة تجرح نسيج الواقع ووهم الهويّة من خلال لعبة المرايا التي وظّفها الرسّام ببراعة. هل الملوك والملكات يوجدون فقط في أعين الآخرين؟ وإذا كان هذا يصدق على الملوك، فمن نكون نحن؟ أنت وأنا والآخرون؟!
فيلاسكيز ينظر إلينا من اللوحة بأدب وانضباط وبكثير من الصرامة. ذات مرّة، كتب الناقد الفرنسيّ ميشيل فوكو دراسة عن هذه اللوحة قال فيها إن النظرة الفولاذية للرسّام تحيل كلّ شيء آخر في الصورة إلى خواء.
ترى ألم يلاحظ فيليب كيف شُوّهت ملامحه؟ صورته المنعكسة مع الملكة في المرآة الخلفية تبدو متلاشية وشبحيّة. لقد كان فيلاسكيز ببساطة يمسك بمرآة ليعكس من خلالها أوقاتا عصيبة. فقد كانت اسبانيا آنذاك تمرّ بحالة انهيار في كلّ شيء، وكان فيليب يدرك هذا جيّدا.
هل يكون هذا هو السبب في أن الملك أمر بأن توضع اللوحة في غرفته الخاصّة وبعيدا عن الأنظار؟ المملكة التي كان فيليب يحكم أراضيها من بيرو إلى هولندا كانت تتضعضع شيئا فشيئا مع انعدام الأمن وتفشّي الفقر واندلاع الثورات في أطرافها. وربّما هذا هو السبب في أن وجه الملك يبدو حزينا مكفهرّا.
إنها حقيقة مذهلة عن عالم كلّ شيء فيه له وجهان، وكلّ حقيقة هي في نفس الوقت كذبة، وكلّ مرآة هي تذكير قاسٍ بتقلّبات الزمن.
عاش فيلاسكيز قريبا من الأحزان والمفارقات في القصر. وكثيرا ما تكون لوحات الرسّامين العظام شهادات على الواقع وعلى الخرائط السياسية الضائعة أو المتغيّرة. وهنا في هذه اللوحة، تتجمّع أشباح أسرة هابسبيرغ الملكية من وراء قارّة كاملة.
إننا كثيرا ما نجد أشياء تجذبنا في بعض الرسّامين وفي لوحاتهم. والأكيد أن الوقت الذي نقضيه بصحبة دييغو فيلاسكيز ليس بالوقت الضائع أبدا.
في اللوحة، الوصيفات اللاتي يرتدين ثياب خادمات، يقمن على رعاية الفتاة الصغيرة انفانتا مارغريتا ابنة الملك الصغرى التي ترتدي ملابس نفيسة حتى وهي تلعب أمام والديها. لكنها تنظر إليهما بقلق، بينما يباشر اثنان من أقزام البلاط مهمّة الترفيه عنها.
انه عالم صغير، بارد وخطير. ولا احد في اللوحة يبدو في حالة استرخاء باستثناء المرأة التي تركل الكلب بقدمها.
المشهد لا يخلو من طابع مسرحيّ. فالجميع يرتدون ملابسهم الرسمية، وسلوكهم يبدو في غاية النظام والانضباط. لكن عند الباب في الخلفية يظهر رجل. انه يحمل الأخبار المستجدّة عن إمبراطورية اسبانيا الشاسعة والموشكة على الأفول عندما كان فيلاسكيز يرسم لوحته.
الملك الاسبانيّ فيليب الرابع كان من المفترض أن يكون سعيدا بهذا البورتريه العبقريّ والمفاهيميّ المبتكر. أما فيلاسكيز فقد أمطرت عليه السماء أوسمة ومكافآت من كلّ صوب.
غير أن هذه اللوحة تجرح نسيج الواقع ووهم الهويّة من خلال لعبة المرايا التي وظّفها الرسّام ببراعة. هل الملوك والملكات يوجدون فقط في أعين الآخرين؟ وإذا كان هذا يصدق على الملوك، فمن نكون نحن؟ أنت وأنا والآخرون؟!
فيلاسكيز ينظر إلينا من اللوحة بأدب وانضباط وبكثير من الصرامة. ذات مرّة، كتب الناقد الفرنسيّ ميشيل فوكو دراسة عن هذه اللوحة قال فيها إن النظرة الفولاذية للرسّام تحيل كلّ شيء آخر في الصورة إلى خواء.
ترى ألم يلاحظ فيليب كيف شُوّهت ملامحه؟ صورته المنعكسة مع الملكة في المرآة الخلفية تبدو متلاشية وشبحيّة. لقد كان فيلاسكيز ببساطة يمسك بمرآة ليعكس من خلالها أوقاتا عصيبة. فقد كانت اسبانيا آنذاك تمرّ بحالة انهيار في كلّ شيء، وكان فيليب يدرك هذا جيّدا.
هل يكون هذا هو السبب في أن الملك أمر بأن توضع اللوحة في غرفته الخاصّة وبعيدا عن الأنظار؟ المملكة التي كان فيليب يحكم أراضيها من بيرو إلى هولندا كانت تتضعضع شيئا فشيئا مع انعدام الأمن وتفشّي الفقر واندلاع الثورات في أطرافها. وربّما هذا هو السبب في أن وجه الملك يبدو حزينا مكفهرّا.
إنها حقيقة مذهلة عن عالم كلّ شيء فيه له وجهان، وكلّ حقيقة هي في نفس الوقت كذبة، وكلّ مرآة هي تذكير قاسٍ بتقلّبات الزمن.
عاش فيلاسكيز قريبا من الأحزان والمفارقات في القصر. وكثيرا ما تكون لوحات الرسّامين العظام شهادات على الواقع وعلى الخرائط السياسية الضائعة أو المتغيّرة. وهنا في هذه اللوحة، تتجمّع أشباح أسرة هابسبيرغ الملكية من وراء قارّة كاملة.
إننا كثيرا ما نجد أشياء تجذبنا في بعض الرسّامين وفي لوحاتهم. والأكيد أن الوقت الذي نقضيه بصحبة دييغو فيلاسكيز ليس بالوقت الضائع أبدا.
Credits
diegovelazquez.org
velazquezlasmeninas.com
diegovelazquez.org
velazquezlasmeninas.com