في الكوميديا الإلهية، تتحوّل بعض شخصيات الأساطير الكلاسيكية إلى أبالسة وشياطين. وهذا كان أمرا مألوفا في الثقافة المسيحية في القرون الوسطى.
ودانتي في كتابه يتصرّف كقاضٍ أعظم. ومثل ماينوس القاضي المتوحّش الواقف على بوّابة الجحيم، يقرّر دانتي مَن يذهب إلى هناك، وإلى أيّ دائرة من دوائر الجحيم التسع يجب أن ينتهي كلّ عاصٍ أو مذنب.
ماينوس الأصليّ شخصيّة نصفها تاريخيّ ونصفها الآخر أسطوريّ. والمؤرّخون متّفقون على انه كان ملكا عادلا على جزيرة كريت. ولهذا السبب أصبح بعد موته احد قضاة العالم السفليّ.
لكن طبقا للأساطير الكلاسيكية، كان ماينوس ابنا لزيوس ويوصف بأنه طاغية وقاسٍ. وقيل انه انتقم لموت ولده بإجبار الأثينيين على أن يقدّموا سبعة أولاد وسبع فتيات من أبنائهم كقرابين.
وبعض كتب التاريخ تصفه بأنه كان كاهنا ومشرّعا حكيما. وكان هوميروس قد وضعه كقاضٍ للأرواح في هيديز. وربّما لهذا السبب استلهم دانتي شخصية ماينوس ووضعه حارسا وحكما على بوّابة الجحيم.
ودانتي يعطيه مظهر وحش له ذيل أفعى ضخمة. وقد رسم ميكيل انجيلو صورة بليغة له تجسّد الفظائع التي وصفها دانتي في رحلته.
على أطراف الجحيم توجد منطقة تُعرف بالحدّ، وتمثّل الدائرة الأولى من الجحيم. وقد خصّصها دانتي للأشخاص الذين لم تُكتب لهم النجاة أو الخلاص رغم أنهم لم يرتكبوا خطايا أو ذنوبا.
والمنطقة توفّر نوعا من "المَخرج" الذي كان شائعا في التديّن المسيحيّ زمن الكاتب. وفي هذه المنطقة حشر دانتي عددا من الأشخاص الذين اسماهم "الفضلاء من غير المسيحيين" أو "الوثنيين الصالحين".
ومن بين هؤلاء قادة ومفكّرون وفلاسفة من العالم القديم ومن القرون الوسطى، مثل صلاح الدين الأيّوبي وابن سينا وابن رشد. ورغم انه يصف ابن رشد بالحكيم ويثني على تعليقه على أفكار أرسطو، إلا انه يعتبره ممّن ضلّوا سواء السبيل.
عندما كتب دانتي الكوميديا الإلهية، كان ابن رشد احد أكثر الفلاسفة شهرةً في العالم المسيحيّ خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر. لكن دانتي يسمّيه بـ "المعلّق"، في محاولة للتقليل من شأنه بالتلميح إلى أن دوره لم يتعدَّ التعليق على أفكار أرسطو.
كان ابن رشد معروفا بمحاولة التوفيق بين فلسفة أرسطو العقلانية وبين المعتقدات الإسلامية والمسيحية. وكان يرى أن الفلسفة والدين يمكن أن يتعايشا جنبا إلى جنب وأنه لا يوجد طريقان مختلفان أمام الفرد للوصول إلى الحقيقة.
وقد راج هذا الفهم وانتشر في القرن الثالث عشر. لكنه ولّد ردود فعل رافضة في الأوساط المحافظة من المسلمين والمسيحيين واليهود.
في نفس ذلك الطرف من الجحيم، أي في منطقة الحدّ أو البرزخ الذي يصفه دانتي بـ "المكان الذي يثير الرهبة أكثر من الشهرة"، حشر أيضا مجموعة أخرى من الشعراء والفلاسفة الكلاسيكيين، مثل هوميروس وأوفيد وأفلاطون وسقراط، بالإضافة إلى أرسطو الذي يسمّيه "سيّد أولئك الذين لا يعرفون".
الشيء المزعج هو أن دانتي لا يتردّد في وضع نفسه مكان الله كقاضٍ، وأحيانا يلعب دور الشاهد والقاضي معا. وهو لا يتساءل إن كان ما يراه أو يتخيّله هو حكم الله أم حكمه هو.
هناك أيضا شيء مخيف في جحيم دانتي، هو هذا العذاب والألم الذي يخضع له الضحايا والمعذّبون العالقون أمام أعين دانتي ودليله فرجيل. الجثث العارية والمياه القذرة والعذاب الرهيب الذي لا ينجو منه حتى المنتحرين والمزوّرين.
جحيم دانتي قطعة من العذاب الأبديّ، وكلّ الأشخاص هناك مهزومون ومقهورون كلّ على طريقته. وهو ما يدفع القارئ لأن يتساءل عن أيّ معنى للعدل أو الرحمة.
ودانتي في نصّه المستفزّ يلعب دور الواعظ، لكنه واعظ شديد القسوة وربّما الساديّة. وهو لا يصوّر الخطايا وإنّما الخطّائين. لكن يبدو أن شكل الجحيم كما يصفه ليس أكثر من انعكاس للمفاهيم اللاهوتية التي كانت سائدة في عصره.
عندما ينزل دانتي ومرافقه إلى أعماق الجحيم، تصبح ردود أفعاله عدوانية وشامتة. فهو لا يتوانى عن ركل بعض الأرواح المعذّبة بقدمه، بينما يبدي سروره وتلذّذه بالتعذيب الذي يراه يُرتكب ضدّ آخرين. غير أن هذه القسوة لا تمنعه أحيانا من إظهار بعض الشعور بالشفقة وإشراك القارئ معه في هذا الشعور.
الولوج إلى جحيم دانتي تجربة مؤلمة. لكنّها تعلّمنا كيف أن الخير والشرّ متداخلان، سواءً في أنفسنا أو في الآخرين.
وربّما أراد دانتي أن يشير إلى انه من الصعب على الإنسان أن يتوصّل إلى أيّ قدر من النقاء الأخلاقي من دون مرشد أو دليل. لكن حتى هذه الفكرة ليست نهائية، بل تحتمل الكثير من الأخذ والردّ.
ودانتي في كتابه يتصرّف كقاضٍ أعظم. ومثل ماينوس القاضي المتوحّش الواقف على بوّابة الجحيم، يقرّر دانتي مَن يذهب إلى هناك، وإلى أيّ دائرة من دوائر الجحيم التسع يجب أن ينتهي كلّ عاصٍ أو مذنب.
ماينوس الأصليّ شخصيّة نصفها تاريخيّ ونصفها الآخر أسطوريّ. والمؤرّخون متّفقون على انه كان ملكا عادلا على جزيرة كريت. ولهذا السبب أصبح بعد موته احد قضاة العالم السفليّ.
لكن طبقا للأساطير الكلاسيكية، كان ماينوس ابنا لزيوس ويوصف بأنه طاغية وقاسٍ. وقيل انه انتقم لموت ولده بإجبار الأثينيين على أن يقدّموا سبعة أولاد وسبع فتيات من أبنائهم كقرابين.
وبعض كتب التاريخ تصفه بأنه كان كاهنا ومشرّعا حكيما. وكان هوميروس قد وضعه كقاضٍ للأرواح في هيديز. وربّما لهذا السبب استلهم دانتي شخصية ماينوس ووضعه حارسا وحكما على بوّابة الجحيم.
ودانتي يعطيه مظهر وحش له ذيل أفعى ضخمة. وقد رسم ميكيل انجيلو صورة بليغة له تجسّد الفظائع التي وصفها دانتي في رحلته.
على أطراف الجحيم توجد منطقة تُعرف بالحدّ، وتمثّل الدائرة الأولى من الجحيم. وقد خصّصها دانتي للأشخاص الذين لم تُكتب لهم النجاة أو الخلاص رغم أنهم لم يرتكبوا خطايا أو ذنوبا.
والمنطقة توفّر نوعا من "المَخرج" الذي كان شائعا في التديّن المسيحيّ زمن الكاتب. وفي هذه المنطقة حشر دانتي عددا من الأشخاص الذين اسماهم "الفضلاء من غير المسيحيين" أو "الوثنيين الصالحين".
ومن بين هؤلاء قادة ومفكّرون وفلاسفة من العالم القديم ومن القرون الوسطى، مثل صلاح الدين الأيّوبي وابن سينا وابن رشد. ورغم انه يصف ابن رشد بالحكيم ويثني على تعليقه على أفكار أرسطو، إلا انه يعتبره ممّن ضلّوا سواء السبيل.
عندما كتب دانتي الكوميديا الإلهية، كان ابن رشد احد أكثر الفلاسفة شهرةً في العالم المسيحيّ خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر. لكن دانتي يسمّيه بـ "المعلّق"، في محاولة للتقليل من شأنه بالتلميح إلى أن دوره لم يتعدَّ التعليق على أفكار أرسطو.
كان ابن رشد معروفا بمحاولة التوفيق بين فلسفة أرسطو العقلانية وبين المعتقدات الإسلامية والمسيحية. وكان يرى أن الفلسفة والدين يمكن أن يتعايشا جنبا إلى جنب وأنه لا يوجد طريقان مختلفان أمام الفرد للوصول إلى الحقيقة.
وقد راج هذا الفهم وانتشر في القرن الثالث عشر. لكنه ولّد ردود فعل رافضة في الأوساط المحافظة من المسلمين والمسيحيين واليهود.
في نفس ذلك الطرف من الجحيم، أي في منطقة الحدّ أو البرزخ الذي يصفه دانتي بـ "المكان الذي يثير الرهبة أكثر من الشهرة"، حشر أيضا مجموعة أخرى من الشعراء والفلاسفة الكلاسيكيين، مثل هوميروس وأوفيد وأفلاطون وسقراط، بالإضافة إلى أرسطو الذي يسمّيه "سيّد أولئك الذين لا يعرفون".
الشيء المزعج هو أن دانتي لا يتردّد في وضع نفسه مكان الله كقاضٍ، وأحيانا يلعب دور الشاهد والقاضي معا. وهو لا يتساءل إن كان ما يراه أو يتخيّله هو حكم الله أم حكمه هو.
هناك أيضا شيء مخيف في جحيم دانتي، هو هذا العذاب والألم الذي يخضع له الضحايا والمعذّبون العالقون أمام أعين دانتي ودليله فرجيل. الجثث العارية والمياه القذرة والعذاب الرهيب الذي لا ينجو منه حتى المنتحرين والمزوّرين.
جحيم دانتي قطعة من العذاب الأبديّ، وكلّ الأشخاص هناك مهزومون ومقهورون كلّ على طريقته. وهو ما يدفع القارئ لأن يتساءل عن أيّ معنى للعدل أو الرحمة.
ودانتي في نصّه المستفزّ يلعب دور الواعظ، لكنه واعظ شديد القسوة وربّما الساديّة. وهو لا يصوّر الخطايا وإنّما الخطّائين. لكن يبدو أن شكل الجحيم كما يصفه ليس أكثر من انعكاس للمفاهيم اللاهوتية التي كانت سائدة في عصره.
عندما ينزل دانتي ومرافقه إلى أعماق الجحيم، تصبح ردود أفعاله عدوانية وشامتة. فهو لا يتوانى عن ركل بعض الأرواح المعذّبة بقدمه، بينما يبدي سروره وتلذّذه بالتعذيب الذي يراه يُرتكب ضدّ آخرين. غير أن هذه القسوة لا تمنعه أحيانا من إظهار بعض الشعور بالشفقة وإشراك القارئ معه في هذا الشعور.
الولوج إلى جحيم دانتي تجربة مؤلمة. لكنّها تعلّمنا كيف أن الخير والشرّ متداخلان، سواءً في أنفسنا أو في الآخرين.
وربّما أراد دانتي أن يشير إلى انه من الصعب على الإنسان أن يتوصّل إلى أيّ قدر من النقاء الأخلاقي من دون مرشد أو دليل. لكن حتى هذه الفكرة ليست نهائية، بل تحتمل الكثير من الأخذ والردّ.