علاقة الفنّانين والمثقّفين بالمقاهي قديمة، وتعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. وكثيرا ما يُصوّر المقهى على انه مكان لتناول المشروبات أو تبادل الدردشات والأحاديث.
وأجواء المقاهي حاضرة في العديد من الأعمال الفنّية.
الرسّام الانطباعيّ جان بيرو ولد في روسيا ثم هاجر هو وعائلته إلى فرنسا وهو طفل. وقد درس الرسم في باريس بعد الحرب الفرنسية البروسية وربطته علاقة صداقة مع عدد من شخصيّات المجتمعين الفرنسيّ والروسيّ في المدينة.
واشتهر بيرو ببراعته في رسم مظاهر الحياة اليومية في باريس كالحفلات الخارجية ومناظر الشوارع وغيرها. كان رسّاما ناجحا، ولوحاته تمسك بروح باريس في بدايات القرن الماضي عندما كانت الحياة أكثر بساطة وأقلّ ضجيجا.
في اللوحة "فوق"، يرسم جان بيرو رجلا وامرأة يجلسان في مقهى ويركّزان نظراتهما على شيء أو شخص ما خارج الصورة. وقد حرص الفنّان على رسم تفاصيل الطاولة الرخامية والكأسين نصف المملوئين ودوائر الدخان المتصاعدة من سيجارة الرجل.
وبوضعه الرجل والمرأة كلا بمواجهة الآخر تقريبا، فإن بيرو أوجد احتمالات وسيناريوهات شتّى تتعلّق بمزاجهما في تلك اللحظة مع تساؤلات من نوع: هل هذا هو اللقاء الأول بينهما أم أنهما على وشك أن يفترقا، ولماذا ينظران إلى شيء بعيد وما هو.
الكرسيّ المائل أمام طاولتهما يمكن أن يوحي بأن الرجل تركه وانتقل كي يجلس قريبا من المرأة، أو أن شخصا ما ثالثا غادر الكرسيّ للحظات بينما تتابعه نظراتهما المحترسة والحذرة.
المعروف أن جان بيرو لم يتزوّج أبدا. كانت باريس فنّه وحبّه الوحيد. والكثيرون يتذكّرونه باعتباره احد رموز الحقبة المسمّاة بالزمن الجميل.
كانت صداقة فان غوخ وبول غوغان قد وصلت إلى نقطة تأزّم عندما تناول الأوّل موس حلاقة وقطع به أذنه في نوبة من نوبات إيذاء النفس.
وكان غوغان معه في آرل في ذلك الوقت، ثم غادر فورا بعد الحادثة. لكن قبل ذلك كان الصديقان قد قضيا عدّة أسابيع وهما يرسمان معا في البيت الأصفر. كانا يستمتعان بصحبتهما الفنّية الفريدة ويتجادلان كما هي عادة بعض الأشخاص الموهوبين جدّا والعصبيين أكثر من اللازم.
وقد اتفق الاثنان على أن يرسما، كلّ لوحده، مكانا ليليّا في آرل كموضوع. ووقع اختيارهما على احد المقاهي الشعبية هناك. وفعلا رسم كلّ منهما منظوره الخاصّ عن المكان.
في لوحة فان غوخ ، يظهر المقهى كمكان يمكن للإنسان فيه أن يدمّر نفسه أو يُجنّ أو يرتكب جريمة قتل. لكن غوغان رسم للمقهى لوحة ذات ألوان قويّة يظهر فيها وجه صاحبة المقهى وهي تقوم على رعاية الزبائن. ولوحة الأخير تبدو أكثر حميمية مع تفاصيل جذّابة مثل مكعّبات السكّر والقطّة الصغيرة أسفل الطاولة.
هناك نظرة متوهّمة عن المقاهي على أنها توفّر متنفّسا أو مهربا من الواقع. ولوحة شارب الابسنت للرسّام التشيكي فيكتور اوليفا تعطي لمحة عن زيارة السيّدة الخضراء.
والسيّدة الخضراء ليس سوى الاسم الرمزيّ للابسنت، وهو شراب شديد المرارة كان ذا شعبية كبيرة في أواخر القرن التاسع عشر. وكان يشار إليه بالجنّية الخضراء بسبب لونه الحالم وتأثيره المخدّر.
ادغار ديغا وإدوار مانيه رسما عدّة بورتريهات لشاربي ابسنت مرهقين وواهنين. لكنّ اوليفا حصر رؤيته عن الشراب داخل عالم الفانتازيا الحسّية، رغم أن الرجل في اللوحة يبدو في حالة مزاج مُعدّل وقد يكون في خطر بسبب إدمانه على حبّ الجميلة السامّة التي تنضمّ إليه في المقهى.
في ما بعد أصبح للابسنت سمعة سيّئة بسبب ما قيل عن انه يسبّب المرض العقليّ والإدمان. غير أن الدراسات الحديثة تدلّل على أن كثيرا من تلك التكهّنات مبالغ فيها.
في بعض الأحيان، تقوم المقاهي بدور المنتدى الذي يناقش فيه الناس القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية.
في لوحة للرسام غابرييل ديلوك يعود تاريخها إلى عام 1914، نرى متحدّثا مفوّها يلقي على روّاد احد المقاهي في باريس خطبة عصماء.
والمتحدّث أو الخطيب ليس سوى بينيتو موسوليني الذي يكشف للموجودين عن خططه للعودة إلى ايطاليا وإعادة أمجاد روما القديمة.
والرسّام يصوّر الكاريزما المظلمة والملامح الكالحة للديكتاتور الناشئ، وفي نفس الوقت ينقل مشاعر الشكّ والارتياب المرتسمة على وجوه الأشخاص الذين اجتمعوا لسماع خطبته.
المدهش أن موسوليني عاد فعلا إلى روما وأسّس نظامه الفاشيّ وحكم ايطاليا بقبضة من حديد، وأخيرا أقحم بلده في حرب مدمّرة بعد أن تحالف مع هتلر.
أما الرسّام غابرييل ديلوك فقد قُتل هو نفسه في الحرب العالمية الثانية بينما كان يقاتل في صفوف الجيش الفرنسيّ. وفي ما بعد أحيا ذكراه، مع غيره من قتلى تلك الحرب، الموسيقيّ الفرنسيّ موريس رافيل في إحدى مؤلّفاته الموسيقيّة بعنوان في ذكرى كوبرين .
وأجواء المقاهي حاضرة في العديد من الأعمال الفنّية.
واشتهر بيرو ببراعته في رسم مظاهر الحياة اليومية في باريس كالحفلات الخارجية ومناظر الشوارع وغيرها. كان رسّاما ناجحا، ولوحاته تمسك بروح باريس في بدايات القرن الماضي عندما كانت الحياة أكثر بساطة وأقلّ ضجيجا.
في اللوحة "فوق"، يرسم جان بيرو رجلا وامرأة يجلسان في مقهى ويركّزان نظراتهما على شيء أو شخص ما خارج الصورة. وقد حرص الفنّان على رسم تفاصيل الطاولة الرخامية والكأسين نصف المملوئين ودوائر الدخان المتصاعدة من سيجارة الرجل.
وبوضعه الرجل والمرأة كلا بمواجهة الآخر تقريبا، فإن بيرو أوجد احتمالات وسيناريوهات شتّى تتعلّق بمزاجهما في تلك اللحظة مع تساؤلات من نوع: هل هذا هو اللقاء الأول بينهما أم أنهما على وشك أن يفترقا، ولماذا ينظران إلى شيء بعيد وما هو.
الكرسيّ المائل أمام طاولتهما يمكن أن يوحي بأن الرجل تركه وانتقل كي يجلس قريبا من المرأة، أو أن شخصا ما ثالثا غادر الكرسيّ للحظات بينما تتابعه نظراتهما المحترسة والحذرة.
المعروف أن جان بيرو لم يتزوّج أبدا. كانت باريس فنّه وحبّه الوحيد. والكثيرون يتذكّرونه باعتباره احد رموز الحقبة المسمّاة بالزمن الجميل.
وكان غوغان معه في آرل في ذلك الوقت، ثم غادر فورا بعد الحادثة. لكن قبل ذلك كان الصديقان قد قضيا عدّة أسابيع وهما يرسمان معا في البيت الأصفر. كانا يستمتعان بصحبتهما الفنّية الفريدة ويتجادلان كما هي عادة بعض الأشخاص الموهوبين جدّا والعصبيين أكثر من اللازم.
وقد اتفق الاثنان على أن يرسما، كلّ لوحده، مكانا ليليّا في آرل كموضوع. ووقع اختيارهما على احد المقاهي الشعبية هناك. وفعلا رسم كلّ منهما منظوره الخاصّ عن المكان.
في لوحة فان غوخ ، يظهر المقهى كمكان يمكن للإنسان فيه أن يدمّر نفسه أو يُجنّ أو يرتكب جريمة قتل. لكن غوغان رسم للمقهى لوحة ذات ألوان قويّة يظهر فيها وجه صاحبة المقهى وهي تقوم على رعاية الزبائن. ولوحة الأخير تبدو أكثر حميمية مع تفاصيل جذّابة مثل مكعّبات السكّر والقطّة الصغيرة أسفل الطاولة.
والسيّدة الخضراء ليس سوى الاسم الرمزيّ للابسنت، وهو شراب شديد المرارة كان ذا شعبية كبيرة في أواخر القرن التاسع عشر. وكان يشار إليه بالجنّية الخضراء بسبب لونه الحالم وتأثيره المخدّر.
ادغار ديغا وإدوار مانيه رسما عدّة بورتريهات لشاربي ابسنت مرهقين وواهنين. لكنّ اوليفا حصر رؤيته عن الشراب داخل عالم الفانتازيا الحسّية، رغم أن الرجل في اللوحة يبدو في حالة مزاج مُعدّل وقد يكون في خطر بسبب إدمانه على حبّ الجميلة السامّة التي تنضمّ إليه في المقهى.
في ما بعد أصبح للابسنت سمعة سيّئة بسبب ما قيل عن انه يسبّب المرض العقليّ والإدمان. غير أن الدراسات الحديثة تدلّل على أن كثيرا من تلك التكهّنات مبالغ فيها.
والمتحدّث أو الخطيب ليس سوى بينيتو موسوليني الذي يكشف للموجودين عن خططه للعودة إلى ايطاليا وإعادة أمجاد روما القديمة.
والرسّام يصوّر الكاريزما المظلمة والملامح الكالحة للديكتاتور الناشئ، وفي نفس الوقت ينقل مشاعر الشكّ والارتياب المرتسمة على وجوه الأشخاص الذين اجتمعوا لسماع خطبته.
المدهش أن موسوليني عاد فعلا إلى روما وأسّس نظامه الفاشيّ وحكم ايطاليا بقبضة من حديد، وأخيرا أقحم بلده في حرب مدمّرة بعد أن تحالف مع هتلر.
أما الرسّام غابرييل ديلوك فقد قُتل هو نفسه في الحرب العالمية الثانية بينما كان يقاتل في صفوف الجيش الفرنسيّ. وفي ما بعد أحيا ذكراه، مع غيره من قتلى تلك الحرب، الموسيقيّ الفرنسيّ موريس رافيل في إحدى مؤلّفاته الموسيقيّة بعنوان في ذكرى كوبرين .
Credits
arthistoryresources.net
arthistoryresources.net