والكلمة تشير إلى الجمال الذي لا يمكن التعبير عنه بالكلمات أو رؤيته بالعين، ولكن يمكن للإنسان أن يشعر به في أعماقه. وهو شعور لا يستمتع بجمال ما هو موجود الآن فحسب، بل يتخيّل أيضا الجمال الخفيّ للشيء والذي يُضفي عليه عمقا وعاطفة.
مثلا، عندما تنظر إلى زهرة وتعتقد أنها جميلة، فلأنها جميلة بصورتها الماثلة أمامك الآن، لكن الزهور الجميلة لها ماضٍ في مقاومة الرياح والأمطار والثلوج وما إلى ذلك. وبغضّ النظر عن مدى جمالها، فإنها سوف تذبل يوما ما. وعادةً فإن الزهور الجميلة وحدها تثير إعجابنا، لكن عندما نفكّر في الماضي والمستقبل الذي يكمن وراء مظهرها الذي هي عليه الآن، فإن جمالها يدفعنا إلى ما هو أبعد من "المظهر الحالي".
وإذا فكّرت في اليوغين على أنه عاطفة متبقية أو صدى أو إيحاء، فسيصبح فهمه أسهل قليلا. ولأن الخيال ضروري لتجربة العمق، فقد قام الفنّانون اليابانيون بتحسين كيفية جعل المتلقي يستخدم خياله. وفي عالم الرسم الياباني، تشمل الأمثلة المساحات البيضاء والتبسيط وعدم الانتظام والألوان الصامتة والتركيب واللون الذهبي.
وهناك راهب "زِن" اسمه سوزوكي، عاش في عصر الميجي، وتُعتبر كتاباته حجّة في اليوغين والتنوير. في ذلك العصر، كانت اليابان تجذب الاهتمام اليها من جميع أنحاء العالم. لكن في الوقت نفسه كان هناك الكثير من سوء الفهم. وقد أصبح كتاب ذلك الراهب بعد ترجمته الى الإنغليزية من بين الكتب الأكثر مبيعا عن ثقافة اليابان، الى جانب أعمال أخرى مثل "كتاب الشاي" لأوكاكورا و"بوشيدو او روح اليابان" لنيتوبي، وغيرهما.
❉ ❉ ❉
الطبيعة الرعوية: ومناظرها هادئة، من قبيل محاصيل الحقول والحدائق والمراعي والماشية والرعاة الخ. هذه هي الطبيعة التي روّضها الإنسان وسخّرها لتوفّر له الغذاء الذي يحتاجه والأمان والإحساس بالجمال.
الطبيعة المشهدية: وهي الطبيعة في حالتها الخام، أي التي لم يفسدها الإنسان، مثل مناظر الجبال وحيوانات الغابات ومناظر الغروب والشروق وخلافها. هذه الطبيعة لا تثير خوف الإنسان، بل تسمو بمشاعره وترتقي بوجدانه. كما أنها رمز لقدرة البشر على السيطرة على الطبيعة.
والرسّامون يصورون هذين النوعين من الطبيعة كمصدر راحة وجدانية وروحانية للإنسان. أما الطبيعة المتسامية فتشير إلى المتعة الممزوجة بالخطر والرهبة التي يشعر بها الإنسان في مواجهة طبيعة فطرية لم تُروّض قواها الجامحة كالعواصف والفيضانات والبرق والرعد الخ، وحيث يبدو الإنسان بلا حول ولا قوّة أمام عناصرها، كالأنهار الجارفة والجبال الشاهقة والوديان العميقة والحيوانات المفترسة والعواصف العنيفة وما الى ذلك.
وهذا النوع من الطبيعة سُمّي بالمتسامي لأنه يمكن، رغم خطورته، أن يسمو بالإنسان إلى حالة من الروحانية العميقة عندما يتذكّر هشاشته أمام القدرة الخارقة للخالق عزّ وجل كما تتمثّل في الطبيعة.
❉ ❉ ❉
ثم اقترب الجسم أكثر فأكثر إلى أن جرفته الأمواج واستقرّ على الشاطئ. وصاح المسافران: إنه صندوق من الذهب ضاع في حادثة غرق سفينة". ثم أسرعا إلى الشاطئ، ولكنهما لم يجدا هناك سوى جذع شجرة غارق في الماء.
الدرس المستفاد من هذه القصّة: لا تبالغ في توقّعاتك ولا تدع آمالك وتخيّلاتك تأخذك بعيدا عن الواقع.
وظنّ أن السبب أنه لا يركض بالسرعة الكافية، فركض أسرع فأسرع، وواصل ركضه دون توقّف إلى أن سقط أخيرا ميّتا من الإرهاق والتعب. لقد فشل في إدراك أنه إذا دخل إلى الظلّ فحسب فإن ظلّه سيختفي، وإذا جلس وبقي ساكنا فلن يسمع وقع أيّ خُطى.
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
وهناك أسطورة تُحكى عن قصّة غزال كان يجوب سلاسل جبال الهيمالايا في الهند، عندما شمّ ذات يوم رائحة غامضة وجميلة تضوع في الهواء. وقد انجذب الغزال بقوّة إلى ذلك العطر، لدرجة أنه كان يذهب يوميّا ولسنوات طوال متنقّلا ما بين الأدغال الكثيفة والغابات والتلال بحثا عن مصدر تلك الرائحة.
وبدا كما لو أنه وقع في هوى شبح أو كائن لا يُرى، فلم يعد الغزال يأكل أو يشرب أو ينام. وأخيرا، ونتيجة شعوره بالجوع والإعياء، انزلق من أعلى إحدى الصخور وأصيب بجروح قاتلة. وعندما اخترق قرنه بطنه، امتلأ الهواء حوله بشذى ذلك العطر الساحر. وفي تلك اللحظة، أدرك الغزال أن العطر الذي كان يبحث عنه طوال حياته كان يأتي من داخله.
الكثيرون منّا يشبهون حال ذلك الغزال. فهم يقضون حياتهم في البحث عن شيء موجود بالفعل في داخلهم دون أن يعلموا. فنحن مثلا نبحث عن الإلهام في الآخرين وفي العالم الخارجي، متجاهلين أن المصدر الأقوى للحكمة والتغيير يكمن في نفوسنا. وفي أحيان كثيرة، نقع في فخّ الشعور بنقص الكفاءة أو عدم الجدارة. ومثل غزال المسك، نتجاهل صوتنا الداخلي وقدراتنا الثمينة لكن غير المكتشفة.
من وقت لآخر، يُفترض بنا أن نتوقّف قليلاً، ونأخذ نفسا عميقا ونعزّز انتباهنا ونفتح قلوبنا، فقد نكتشف مصدر نورنا الخاص. إن العالم مليء بأفراد قيّدوا إمكانياتهم دون علم منهم، ووضعوا سقفاً لتطلّعاتهم ورضوا بما هو أدنى مما يستحقّون، في حين أن النجاح ليس حقّا مقتصرا أو محجوزا لقلّة من الناس، بل مشهد واسع ينتظر أن يستكشفه أولئك الذين يجرؤون على المغامرة وارتياد المجهول والثقة في إمكانياتهم الكامنة وبوصلتهم الداخلية.
❉ ❉ ❉
وعندما وصلنا كان القمر في تمام اكتماله، وكان يضيء بأنواره الساطعة البيوت البيضاء، بينما كانت هناك أضواء حمراء خافتة تنبعث من المقاهي المتناثرة هنا وهناك، حيث يتسلّى العرب بأحاديث آخر الليل وبلعب الورق أو تعاطي الكيف.
ولأنني ولدت في آلاباما التي تثقب حرارة شمسها العظام، فقد شعرت في الجزائر بأنني في وطني، وذلك منذ اللحظة التي وضعت فيها قدمي على أرضها. ومنذ وصولي شعرت بالسعادة وأنا أشمّ الروائح الغريبة لمدن الشرق: العطور والمسك والتبغ وأزهار البرتقال والقهوة والحشيش. كنت اتنشّق مزيجا حارقا من كلّ هذه الروائح في الملابس وفي الحوانيت والأسواق وأينما ذهبت.
كان روّاد المقاهي يلعبون النرد أو الورق أو يراقبون ما يحدث لساعات. ولن تسمع من أحد أيّ ملاحظة عن الطقس أو ضوء الشمس أو السماء الزرقاء أو غيرها من الانطباعات التي تشغل عقول الغربيين عادةً. كما لاحظت أن العربي لا يعبّر عن تقديره للأشياء الجميلة في الطبيعة، كالبرد والحرارة والمطر أو لحظات الشروق أو الغروب، فكلّها أشياء متشابهة بالنسبة له. وقد ترى العربي وهو يلتحف بثيابه ويمشي تحت المطر المنهمر ببرود ولامبالاة.
❉ ❉ ❉
ولهذه العبارة قصّة. فقد كان كونفوشيوس يحبّ تعلّم الكثير من المعارف منذ أن كان طفلاً. وعلى الرغم من أنه قرأ العديد من القصائد والكتب عندما كان صغيرا، إلا أنه لم يكن مفضّلاً لدى الآخرين بسبب شخصيته. ولحسن الحظ، كان واسع المعرفة وذا ذاكرة قويّة. ومرّت سنوات عديدة دون أن يحقّق أهدافه. وعندما شارف على السبعين من عمره، نظر إلى حياته وتذكّر كلّ أعماله السابقة، فكتب تلك العبارة.
لكن لنتذكّر أن شخصا مشهورا مثل كونفوشيوس كان مجرّد شخص عادي عندما كان في الثلاثين من عمره. والناس في العصور القديمة كانوا يلتحقون بالمجتمع في سنّ المراهقة، بينما الآن يدخل معظم الناس الى المجتمع في العشرينات من عمرهم. فلماذا نضغط على أنفسنا ونحمّلها ما لا تطيق كي نصبح أشخاصا غير عاديين؟
طالما أننا نفهم ما نريد وما نرغب في تحقيقه ونوعية النتائج التي نسعى اليها، فهذا وحده يكفي.
Credits
the-yugen.com
frederickarthurbridgman.org
the-yugen.com
frederickarthurbridgman.org