:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، أغسطس 15، 2024

خواطر في الأدب والفن

  • الفيلسوف الهنديّ جيدو كريشنامورتي (1895-1986) سافر في جميع أنحاء العالم طوال 50 عاما، متحدّثا ومعلّما. وذات مرّة فاجأ جمهوره بقوله إنه سيكشف أهم سرّ في حياته. وكان الجميع يريدون سماع سرّ حكمته ويتطلّعون لأن يكشف عن السبب الذي جعله يعيش حياة واعية وكاملة ويجد الهدوء والتوازن الدائمين في حياته.
    وقال: هذا هو سرّي. لا أهتمّ أبدا بما يحدث!". قال هذه الجملة فقط ولم يسهب في التفاصيل. وعلى الرغم من أن ما قاله يبدو بسيطا جدّا، إلا أنه عميق للغاية. أنت عندما لا تكترث بما يحدث، فمعنى هذا أنك من الداخل منسجم مع كلّ شيء.
    لا يهمّ ما تحمله هذه اللحظة، سواءً كانت ممتعة أو غير ذلك. فالتوافق مع ما يحدث يعني أن تكون في علاقة داخلية متصالحة معه، ويعني عدم توصيف ما يحدث عقليّا على أنه جيّد أو سيّئ، بل تركه كما هو.
    هل يعني هذا أنك لم تعد قادرا على اتخاذ أيّ إجراء لإحداث تغيير في حياتك؟ الإجابة لا. فعندما يكون أساس أفعالك هو التوافق الداخلي مع اللحظة الحالية، فإن أفعالك تصبح مدعومة بذكاء الحياة نفسها.
    عندما نكون في انسجام مع اللحظة الحالية، مهما كانت، ودون أيّ مقاومة أو تجنّب، يذوب الخوف والقلق ونشعر بالسلام العميق في أعماقنا بينما نلعب دور المراقب.
    إن ما يتحدّث عنه كريشنامورتي في الواقع هو قبول ما يحدث وكأننا اخترناه. وهذا لا يعني أننا نحبّه أو نوافق عليه، بل يعني أننا نعلم أنه موجود بالفعل ومن غير المجدي مقاومته.
    هل يعني هذا أننا يجب ألا نحاول حلّ المشكلة؟ لا، بالطبع. يجب أن نغيّر كلّ ما في وسعنا. ولكن يمكننا أيضا أن نرى ما يحدث كبذرة لنموّنا ونضجنا الذاتي. والأمر المهم هو أننا لا نضيف إلى الصراع. فبدلا من إضافة غيوم من صنعنا قد تعمل على إقفال أدمغتنا، فإننا نعمل على تنقية السماء في أذهاننا، حتى نتمكّن من رؤية كل ما يحدث بوضوح أكبر. وهذا جزء من فنّ الحياة ورحلتها المذهلة.

    ❉ ❉ ❉

  • بعض الأعمال الفنّية تقول أشياء كثيرة، أحيانا بالتلميح الذي يُغني عن التصريح. هذه المنمنمة من القرن التاسع عشر، مثلا، مقسومة إلى جزأين: سفلي ويظهر فيه دارا ابن إمبراطور الهند المغولي شاه جهان، وعلوي ويظهر فيه اورانغزيب الابن الآخر للامبراطور.
    والتفاصيل في كل جزء تعطي لمحة عن شخصية كلّ من الرجلين.
    دارا كان شخصا متفتّحا ومتسامحا وكان يحيط نفسه، كما يظهر في الصورة، بعلماء وفلاسفة وبممثّلين لكلّ الأديان. وكان أيضا محبّا للآداب وراعيا للفنون.
    أما اورانغزيب فعلى العكس من أخيه، كان شخصا متعصّبا وضيّق الأفق وكارها للفنون. وهو يظهر في أقصى يسار الجزء العلوي من الصورة معطيا أوامره بهدم معبد يخصّ غير المسلمين.
    وبسبب هذا الاختلاف في الأمزجة والافكار، نشب صراع دامٍ على السلطة بين الأخوين استقوى فيه اورانغزيب برجال دين متطرّفين وأمرهم بإصدار فتوى بهدر دم دارا بتهمة الزندقة والارتداد عن الإسلام.
    وكان له ما أراد.

    ❉ ❉ ❉

  • ❉ ❉ ❉

  • ذات يوم، ومنذ زمن بعيد ويصعب تذكّره، تحوّلت امرأة حزينة وجميلة إلى نهر. وكان المقصود بهذا التحوّل أن يكون عقاباً لها من الآلهة لأنها لم تقدّر ما هي فيه من نعم كثيرة حقّ قدرها.
    ومع ذلك فقد اكتشفت المرأة بسرعة أنها استمتعت في الواقع بكونها نهراً. لم يكن ذلك مُملاً أبداً، فقد كانت تغنّي وتتحرّك وتتنزّه طوال النهار والليل. وكلّ ما كان عليها أن تفعله هو أن تهزّ شعرها فتحدث كلّ أنواع الأشياء المثيرة، وأحياناً ترى وجوهاً وتسمع أصواتاً بعضها يبدو مألوفاً لها من أيّامها كامرأة حزينة وجميلة. كان لديها، كنهر، تلك الهبة الرائعة: أن تكون في عدّة أماكن في نفس الوقت، وأن تسافر مراراً وتكراراً دون توقّف، أبعد من البلدة الصغيرة التي نشأت وعاشت فيها طوال حياتها.
    ولم يبدُ أن شيئاً تغيّر منذ تحوّلت إلى نهر. سمعت الضحكات السعيدة للأطفال وأصوات الصيّادين والنساء اللاتي كنّ يجتمعن في المياه الضحلة ليرمين غسيلهنّ على الصخور. بدا الجميع سعداء وأدركت أنه من المحتمل أن الناس الذين عرفتهم سابقاً قد أحبّوها كنهر بأكثر مما أحبّوها كامرأة. وهي نفسها لم تكن سعيدة كثيرا في ذلك المكان. كانت تشعر طوال الوقت أنها عالة على أمّها العجوز التي كانت حياتها الخاصّة محنة دائمة منذ حوّلت الآلهة زوجها إلى حيّة لسبّه الرياح.
    وفي كلّ يوم كانت المرأة التي استحالت نهراً تشعر بالبهجة لوجودها كماء متحرّك. لم يسبق أن كانت حرّةً هكذا كآدمية، وكثيراً ما شعرت بأنها كان يجب أن تُغضب الآلهة قبل ذلك بوقت طويل، كان انعتاقاً أن تكون بلا عظام وبلا شهية لأيّ شيء سوى التنقّل والتحوّل.
    إلا أنها أحبّت المطر وتطلّعت إلى التغيّرات الهادئة والساحرة التي يجلبها الشتاء. وبالطبع وجدت العديد من الأشياء السارّة طريقها إلى النهر، وجَمعت هذه الأشياء وحفظتها وتأمّلتها ووزّعتها كهبات ومفاجآت على زوّارها المفضّلين.
    لكن بعد زمن، تبيّن للآلهة أن عقابها استُقبل كمكافأة، وكانت استجابتها خاطفة وعديمة الرحمة. فقد أمرت بتجفيف النهر وأصبح الماء الذي كان متحرّكاً ذات مرّة أخدوداً قاحلاً، واستحالت المرأة رملاً.

    ❉ ❉ ❉

  • سمع جماعة من العميان أن حيواناً غريباً يقال له الفيل قدِم إلى بلدتهم. ولم يكن أيّ منهم قد رآه من قبل، وبالتالي لم يكونوا يعرفون شكله. فقالوا من باب الفضول: لا بدّ أن نتفحّصه ونعرفه باللمس". وذهبوا جميعا إلى حيث الفيل، ولمسه كلّ منهم.
    قال الرجل الأوّل الذي لمس ساقه: هذا عامود.
    وقال الثاني الذي لمس الذيل: إنه مثل الحبل.
    وقال الثالث الذي لمس الخرطوم: إنه مثل فرع طريّ من شجرة.
    وقال الرابع الذي لمس أذن الفيل: إنه مثل مروحة يد كبيرة.
    وقال الخامس الذي لمس بطنه: إنه مثل جدار ضخم.
    وقال السادس الذي لمس ناب الفيل: إنه مثل الأنبوب الصلب.
    ثم بدأوا يتجادلون حول ما لمسوه وأصرّ كلّ منهم أنه على حق. ومرّ رجل حكيم ورآهم على تلك الحال. وبعد أن استفسر منهم، أعلموه عن سبب خلافهم، فقال لهم: أنتم جميعا على حق. والسبب في أن كلّ واحد منكم يروي شيئا مختلفا هو أن كلا منكم لمس جزءا مختلفا من الفيل. لذا، فإن الفيل يتمتّع في الواقع بكلّ تلك الصفات التي ذكرتموها جميعا".
    الدرس المستفاد من هذه القصّة هو أن الحقيقة يمكن التعبير عنها بطرق مختلفة وأننا يجب أن نكون متسامحين مع الآخرين الذين لا نتفق مع آرائهم وتصوّراتهم وأن نحترم وجهات النظر المختلفة، لأن من شأن هذا أن يسمح لنا بالعيش في سلام ووئام مع المختلفين.
    كما تشير القصّة إلى أن تجربة المرء الذاتية يمكن أن تكون صحيحة، لكنها محدودة بطبيعتها لأنها لا تكفي لتفسير حقائق أخرى أو حقيقة كليّة.

  • Credits
    jkrishnamurti.org
    vam.ac.uk