المشاركات

Featured Post

رحلات باشو

صورة
"تسافر الشهور والأيّام عبر الأبدية. وكالرحّالة، تأتي السنوات وتمضي". كان الشاعر الياباني ماتسو باشو (1694-1644) يشعر أحيانا بالملل من الحياة، فيقوم برحلات طويلة مشياً على الأقدام أو على ظهور الخيل بحثاً عن الإلهام، متأمّلا الطبيعة والمواقع الأثرية المشهورة. كان التجوال بالنسبة له نوعا من التطهير الروحي. ومن المرجّح أنه كان يرغب في خوض تجارب نفسية وروحية أثناء رحلاته في أنحاء البلاد كحاجّ. وباشو يُعتبر بإجماع كافّة النقّاد ومؤرّخي الأدب تقريبا أهمّ شاعر ياباني في جميع العصور، وإليه تُنسب أشهر قصيدة هايكو على الإطلاق والتي يقول فيها: "بركة قديمة ضفدع يقفز رذاذ الماء". وقد عُرف عن باشو تأثّره الكبير بالشعراء الصينيين الكلاسيكيين، كشاعرَي سلالة تانغ الشهيرين "لي باي" و "دو فو" اللذين كان معجبا بهما كثيرا. وكان الشعر الصيني الكلاسيكي يحمل مُثلا عُليا يُتوقّع من الشعراء أن يلتزموا بها، كالحاجة إلى فقدان الثقة بالنفس، وعدم تقبّل ما يُنظر إليه كابتذال اجتماعي، واستعداد الشاعر لمغادرة المجتمع كلّما رأى ذلك ضروريا، والتجوال بحثا عن التواصل مع م...

نصوص مترجمة

صورة
○ ذات أمسية صيفية دافئة، جلست على سطح بيتنا أستمتع بغروب الشمس الهادئ. كان هذا الصيف الأشدّ حرارة في حياتي وكانت الشمس لا تطاق. وكنت قد قرّرت سابقا عدم استخدام مكيّف الهواء هذا الصيف، لكن الحرارة أثّرت عليّ بشدة، وبدا العيش بدون مكيّف مستحيلا. كان تأثير تغيّر المناخ والاحتباس الحراريّ ملموسا أكثر من أيّ وقت مضى. كانت الشمس قد شقّت طريقها بسرعة نحو الأفق، واكتست السماء باللون الأحمر، وهبط كوكب المشترى منخفضا في السماء نحو الغسق. وهبّت نسمات عليلة داعبت شعري وتسلّلت حمامة جَذِلة إلى المكان. قبل عشرين عاما، عندما كنت صغيرا، كانت سماء المساء تمتلئ بأسراب الطيور العائدة إلى أعشاشها بعد يوم عمل شاقّ. ولو عدت بالزمن للوراء، لوجدت أن عددا لا يُحصى من الحمام والببّغاوات واليمام وغيرها كانت تزيّن تلك الأمسيات. كانت السماء تضجّ بسيمفونيات النعيق والهديل والصفير والتغريد. أما الآن، فقد أصبحت تلك الأسراب نادرة. الأمسيات الخلابة صارت صامتة تماما. كأن الكون يريدنا أن نتأمّل عواقب أفعالنا. وبينما كنت أتأمّل الجانب الآخر من الأفق، اكتست السماء بلون رماديّ غامق وتحوّل الشفق إلى درجات من الأرجو...

خواطر في الأدب والفن

صورة
بفضل حالتها الجيّدة وتصميمها المعقّد والسلس وتأثيرها البصري القويّ، يمكن اعتبار سجّادة ترينيتاريس واحدة من الكنوز الفنّية العظيمة في متحف فيكتوريا، وأصلا ثقافيا كبيرا لأستراليا وجزءا مهمّا من تراث السجّاد العالمي. عندما اشترى السجّادة متحف فيكتوريا في ملبورن عام 1958، كان يُظنّ أنها من أصل فارسي يعود إلى القرن السادس عشر أو السابع عشر. لكن تأكّد الآن أنها نُسجت في الهند في القرن السابع عشر. والمعروف أن الذوق الفارسي ظلّ مفضّلا طوال العصر المغولي، على الرغم من إنتاج سجّاد بتصاميم مغولية نموذجية في الهند. لكن الاستخدام الفنّي لثلاثة أزواج من النسيج يُعدّ دليلا قويّا على أصلها الهندي. أسلوب السجّادة وألوانها وتصميمها وتاريخها الإسباني يرجّح فعلا أن تكون هندية المنشأ في القرن السابع عشر. وربّما تكون قد صُنعت في شمال الهند في منتصف القرن السابع عشر، خلال عهدي الإمبراطورين المغوليين جهانغير وابنه شاه جهان. ويُحتمل أيضا أن تكون قد صُنعت في مدينة لاهور، لأن زخارف عناقيد الزهور الشبيهة بزهرة الويستاريا تُعدّ سمة معروفة في نسج لاهور التاريخي. ويُرجّح أن الحالة الممتازة لسجّادة ترينيتا...

نصوص مترجمة

صورة
○ في الأساطير اليونانية القديمة، يصوَر الأبطال كبشر يتمتّعون بقدرات خارقة وينحدرون من آلهة خالدة. كما يصوَرون كشخصيات نبيلة وفاضلة، لكنهم مع ذلك يُظهرون عيبا قاتلا يشوِّه هذا المظهر. في الإلياذة، مثلا، يصوَّر أخيل كبطل مأساوي يؤدّي عناده وكبرياؤه الزائدان إلى سقوطه في النهاية. أي أن عيب أخيل القاتل هو الغطرسة والكبرياء والثقة المفرطة. وهذا ما منعه من التصالح مع أغاممنون، ما أدّى الى سلسلة الأحداث التي انتهت بهلاك البطل. وهوميروس يشير إلى أن أخطاء أخيل هي أخطاء تقديرية، ناجمة عن جهل لا عن شرّ متعمّد. وأخيل غير قادر على إدراك عواقب أفعاله، وبالتالي يصبح أكثر إنسانيةً في نظر القارئ، لأن عيوبه تشبه عيوب البشر العاديّين. والبطل المأساوي يعاني عادةً من انقلاب في مصيره نتيجة لعيبه المميت، إذ يدفعه هذا إلى تجاوز الحدود التي رسمتها الآلهة. وفي النهاية، تعاقبه الآلهة بدفعه الى هاوية التدمير الذاتي والحتمي. المحارب عند هوميروس يمثّل تصويرا راقياً للطبيعة البشرية، حيث تشكّل قوّته الهائلة وحكمته المتزايدة أدواتٍ لإثارة الدهشة والرهبة في نفوس محبّيه. والحكايات اليونانية القديمة، مثل الإل...

شاعر الحقول

صورة
يعتَبر تاو يوان مينغ، المتوفّى عام 365، من أهمّ شعراء الطبيعة في الصين. كما أنه من بين الشعراء الأقدم والأكثر إثارةً للإعجاب. وهو يُذكر كشاعر عاش منعزلا عن العالم في مزرعة جبلية، حيث كان يستمتع بالمناظر الخلابة هناك، بينما يزرع طعامه بنفسه. إلا أن صورته لا تطابق صورة الناسك المنعزل عن العالم الخارجي، الذي لا رفيق له سوى آلهته الدينية ولا يشغله سوى التأمّل. بل على العكس، لم يتردّد الشاعر قطّ في الاعتراف بحبّه للنبيذ والرفقة الطيّبة والموسيقى. ولأن قصائده تصوّر حياة قائمة على الزراعة والشراب، لُقّب فيما بعد بـ "شاعر الحقول". وفي قصائد تاو، نجد أمثلة رائعة على حثّه جمهوره على ترك الحياة الحضرية والانتقال إلى الريف واتباع حياة قائمة على النبيذ والشعر وتجنّب مَن لا تصلح معهم الصداقة. عرف الناس لأوّل مرّة تاو وأسلوبه التعبيري المباشر والواضح عندما حقّق شهرة محليّة كناسك. وتبع ذلك تدريجيّا الاعتراف به في المختارات الشعرية الكبرى. وبحلول عهد سلالة تانغ، ارتقى تاو إلى مستوى العظمة كشاعر ملهِم، حيث أشاد به "لي باي "و"دو فو"، أشهر شاعرين في الصين. تأث...

خواطر في الأدب والفن

صورة
يذكر ويليام كروغر في إحدى رواياته قصّة ضابط شرطة في بلدة تقع في براري مينيسوتا، وهو من أصول أمريكية أصلية، وتربطه علاقة وثيقة مع شامان محليّ يعلّمه الصيد بالطريقة القديمة. في الخريف التالي، اصطاد الجنديّ والشامان غزالا أبيض الذيل. وكان صيد غزال يتطلّب من الجندي أن يكون قريبا بما يكفي لسماع أنفاس الفريسة. كانت تجربة غريبة، فبعد أن اصطاد غزاله الأوّل، أدرك ضرورة أن يغنّي لروح الحيوان الذي اصطاده وأن يشرح له سبب عنفه معه، وأن يَعِد هذا المخلوقَ الجميل بأن جسده سيُطعَم لأناس سيكونون ممتنّين له كثيرا. وهذه الصلاة المغنّاة تأخذ في الغالب هذه الصيغة: شكرا لك أيّها الروح الأعظم على هذا الصيد المشرّف. سيكرِّم أهلي وأصدقائي تضحيتك بالتغذّي على لحمك. وستبقى ذكرى يومك الأخير في نفسي للأبد. عسى أن يحتضن الخالق روحك، إذ يعلم أنك قد أنجزتَ غايتك وحقّقتَ قدرك. شكرا لك يا ربّي على مشاركتي في طبيعتك الرائعة ومخلوقاتك. هب لي دائما الحكمة والاحترام في السعي واحفظني متواضعا في الحصاد. وأرجوك أن تحتضن روح هذا الحيوان وأن تبارك هذه الهبة من اللحم لعائلتي وأصدقائي. وأرجوك أن تُبقي هذه الذكرى معي ل...

خُطى الآخرين

صورة
في قصيدته "درب العِجل" (١٨٩٥)، يتحدّث الشاعر الأمريكي سام فوس عن قصّة معبّرة تتضمّن حكمة عميقة. وملخّص القصيدة/القصّة أن عِجلا سار ذات يوم عبر غابة بدائية. واستمرّ يسلك ذلك الطريق صباح كلّ يوم، ثم يعود منه في المساء الى حظيرته. ومع توالي الأشهر والسنوات، ترك العجل أثرا على شكل طريق متعرّج. وبعد أن مات، تبع أثره كلب، ثم خروف يجرّ أجراسا ويسحب بقيّة القطيع خلفه كل يوم. وسار في إثرهم العديد من الخيول والدوابّ تحت أشعة الشمس. ثم مشى عبر ذلك الطريق أناس كثيرون. وكانوا يعبّرون عن ضيقهم من تعرّجاته وانحناءاته بكلمات غاضبة. لكنهم برغم ذلك واظبوا على اتّباع مسار العجل ورأوا أن من الأسهل عليهم استخدام ذلك الطريق المعتاد بدلا من شقّ طريق جديد. ومرّت الأعوام وأصبح الطريق شارع قرية، ثم شارع مدينة مزدحما. وسرعان ما أصبح شارعا رئيسيا لمدينة مشهورة وقامت على اطرافه المتعرّجة بنايات وصروح شاهقة. واستمرّ الناس يمشون على خطى ذلك العِجل. وهكذا قاد أناساً كثيرين عجل واحد مات منذ زمن يصعب تذكّره. واستمرّوا يتبعون طريقه الملتوي دون أن يفكّروا في تغييره. وفي نهاية القصيدة، يشير الشاع...

خواطر في الأدب والفن

صورة
"وإذ أنزلُ من الجبال، يمتدّ الوادي أمامي وأسمع هدير أمواج البحر. وأتجوّل بصمت وأنا غير سعيد إلى حدّ ما. وأتساءل "إلى أين؟". هذا هو رثاء المتجوّل من أغنية لحّنها فرانز شوبيرت البالغ من العمر وقتها تسعة عشر عاما على شعر لـ ج. شميدت يقول فيه: الغريب يبحث عن موطن روحيّ في كلّ مكان، لكنه محكوم بالتجوال إلى الأبد". ألّف شوبيرت موسيقاه عام 1821. وقبل ذلك بثلاث سنوات، رسم كاسبار دافيد فريدريش لوحته المشهورة "المتجوّل فوق بحر الضباب"، والتي يمكن اعتبارها تفسيرا للحن شوبيرت. وكثيرا ما ظهرت اللوحة على أغلفة الكتب التي تتحدّث عن الرسم الرومانسي الألماني. ويظهر فيها رجل يقف على صخرة عالية، معطياً ظهره للناظر وحاملا عصا ومرتدياً معطفا. وعند قدميه نرى مشهداً طبيعيّا، إذ تنبثق السحب عن الوادي كاشفةً عن تلال صخرية. وعلى مسافة أبعد، في الأفق، تلوح سلسلة جبال يلفّها ضباب الصباح. أجزاء الضباب في الصورة لا تكشف عن التلال الخضراء والغابات الكثيفة، بل عن سفوح الجبال الكثيفة والصخور المتعرّجة. ويبدو الرجل كما لو أنه سيّد هذا المكان وفي الوقت نفسه خاضع له. المعروف ...