ولا يرجع هذا إلى كون كولومبوس هو الأوّل أو إلى كونه شخصية محبوبة. فهو لم يكن كذلك. ولكن هذا البحّار الإيطالي فعل شيئاً غير مسبوق غيّر العالم إلى الأبد، وذلك عندما أضاف قارّة بأكملها إلى العالم المعروف آنذاك.
يقول المؤرّخ فرانك جيكوبس: قبل كولومبوس، كانت الأميركتان عبارة عن نظام بيئي مكتفٍ ذاتيّا ومعزول عن بقيّة العالم بمحيطين هائلين. وبعد كولومبوس جاء الغزو والإبادة الجماعية، ولكن جاءت معهما أيضا الشعوب والأفكار والحيوانات والنباتات والأمراض الجديدة في كلا الاتجاهين.
فقد تدفّقت أشياء جديدة إلى العالم الجديد من أوروبّا وأفريقيا وآسيا، والعكس صحيح. وهذا هو ما يُعرف بـ تبادل كولومبوس The Columbian Exchange، وهو المصطلح الذي صاغه لأوّل مرّة مؤرّخ أمريكي يُدعى ألفريد كروسبي في عام 1972، وقصد به التبادل على نطاق واسع للأشخاص والثقافات والأفكار والحيوانات والنباتات بين الأميركتين وبقيّة العالم في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، نتيجة لاكتشاف كولومبوس للعالم الجديد.
وكان كولومبوس نفسه هو الذي بدأ التبادل الكولومبي. ففي رحلته الأولى، عاد معه إلى أوروبّا بعدد من سكّان الكاريبي الأصليين وبعض الطيور والنباتات. وفي رحلته الثانية، جلب معه إلى الأميركتين القمح والفجل والبطّيخ والحمّص. وقد صنع هذا التبادل العالم كما نعرفه. وقبله، لم يكن هناك أناناس في هاواي ولا شوكولاتا في سويسرا ولا قهوة في كولومبيا.
وقبل كولومبوس لم تكن أميركا معزولة بالكامل، وإلا لما قابل أيّ شعب عندما نزل الى أرضها. وكان أوّل سكّان أميركا من البشر قد عبروا من أوراسيا عبر مضيق بيرينغ قبل آلاف السنين. لكن تلك الرحلة كانت قاسية وباردة جدّا، لذا فإن "تبادل ما قبل كولومبوس" كان مقتصراً في الأساس على البشر.
ولنتخيّل لو أن الغزاة الإسبان ماتوا بعد وقت قصير من وصولهم إلى أميركا بسبب بكتيريا أميركية غير معروفة. لربّما كان تدفّق الفتوحات قد انعكس، ولكانت مدن أوروبّا اليوم تزيّنها أهرامات الأزتيك بدلاً من الكاتدرائيات المسيحية. لكن ذلك لم يحدث. فالمرض الرئيسي الوحيد الذي انتقل في الاتجاه الآخر، أي من العالم الجديد الى أوربّا، كان مرض الزُهري.
ولعلّ المساهمة الأكثر أهمية التي قدّمتها أميركا للنظام الغذائي العالمي كانت البطاطس. فقد دعمت القيمةُ الحرارية العالية لهذه الغلّة المتواضعة الأمن الغذائي للفلاحين، أولاً في أوروبّا ثم في أماكن أخرى، الأمر الذي ساعد في دعم الطفرة السكّانية.
لكن كان لهذا النجاح جانب مظلم. فعندما فشل محصول البطاطس، أعقب ذلك مجاعة. وأودت آفة البطاطس في ايرلندا في أربعينات القرن التاسع عشر بحياة مليون شخص بسبب المجاعة. وهاجر مليون أيرلندي آخر، معظمهم إلى أمريكا، الأمر الذي أدّى إلى ظهور اتجاه استمرّ حتى بضعة عقود مضت.
كان التبادل الكولومبي ولا شكّ التجربة الأولى للعالم في التعامل مع الظاهرة المسمّاة اليوم بالعولمة. وكانت بعض آثاره مفيدة، في حين كانت بعض آثاره الأخرى مدمّرة. وبهذا المعنى أصبح كولومبوس يمثّل الشخصية المثالية لهذه الظاهرة، فهو البطل والشرّير في الوقت نفسه.
لكن الموازنة بين الخير والشرّ ليست دائما ذات جدوى. فقد أصبح العالم بعد التبادل الكولومبي أشبه بعجينة لا يمكن فصل أجزائها. ثم من الذي يرغب في العودة إلى زمن ما قبل ظهور الخيول في أميركا أو الفراولة في أوروبّا أو الكاساڤا في أفريقيا أو الأناناس في هاواي؟!
❉ ❉ ❉
والحقيقة أن ليس هناك فنّان يمكن أن يدخل في معركة مع غويا ويخرج منها سالماً، حتى فرانسيس بيكون. ولو أقام متحف برادو الإسباني معرضاً للوحات بيكون في نفس الغرفة التي يعرض فيها لوحات غويا السوداء، لبدا بيكون نفسه مثيراً للشفقة.
وربّما يلزمك أن تكون في إسبانيا تحت حكم نابليون في أوائل القرن التاسع عشر، لترى الجثث المقطّعة الأوصال المعلّقة على الأشجار والمحتجّين المسعورين، ولترى كيف يُنتِج نوم العقل وحوشاً، ولتكتشف كيف يمكن أن يصبح الفنّ مرعباً ومروّعا ومتطرّفا كما في أعمال غويا. لكي تكون مثل غويا عليك أن تذهب إلى حافّة الهاوية!
جوناثان جونز
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
وقد ذهبوا جميعا، ولمّا عادوا وصفوا ما رأوه. قال الأوّل: رأيت شجرة قبيحة ومنحنية وملتوية .وقال الثاني: لا، بل كانت مغطّاة ببراعم خضراء ونضِرة. ولم يوافق الابن الثالث على كلام الاثنين وقال إن الشجرة بدت جميلة كثيرا ومحمّلة بالأزهار الشذيّة. ولم يوافق الابن الأخير على كلام إخوته وقال إن الشجرة كانت ناضجة وملأى بالفاكهة وبالحياة.
وعندما انتهوا من أوصافهم، أوضح لهم الأب أن كلام كلّ منهم صحيح لأنه لم يرَ سوى فصل واحد في حياة الشجرة. وأضاف: لا يمكنك الحكم على شجرة أو شخص من خلال فصل واحد فقط، وأن جوهر الحياة وما فيها من متعة وفرح وحزن وحبّ لا يمكن قياسها إلا عندما نعيش جميع الفصول. وإذا استسلم الإنسان لقسوة الشتاء، مثلا، فسيفقد وعد الربيع وجمال الصيف ومتعة الخريف.. وهكذا..
❉ ❉ ❉
وكان هوغو يستيقظ كلّ يوم عند الفجر على صوت إطلاق نار من حصن قريب من مقرّ اقامته في جزيرة بريطانية تقع قبالة ساحل نورماندي. وبعدها يتناول قهوة طازجة ويكتب حتى الساعة الحادية عشرة صباحا. وقد كتب في ذلك المكان بعضا من أهمّ رواياته.
أما هاروكي موراكامي فيلتزم بجدول زمني منتظم، إذ يستيقظ في الرابعة صباحا ويعمل ستّ ساعات متواصلة. وفي فترة ما بعد الظهر يمارس الجري أو السباحة ويقرأ ويستمع إلى الموسيقى ثم ينام في التاسعة مساء.
وموراكامي يعتقد أن القوّة البدنية ضرورية بقدر أهميّة الحساسية الفنّية. وقد انتقل للعيش في منطقة ريفية وتوقّف عن التدخين وأصبح يشرب كميّات أقلّ من الكحول ويتناول نظاما غذائيّا يتكوّن في الغالب من الخضراوات والأسماك. كما بدأ في ممارسة الجري يوميّا، وهي العادة التي ظلّ يمارسها لأكثر من ربع قرن.
أما تشارلز ديكنز فكان ملتزما في طقسه للكتابة بثلاثة شروط، أوّلها الهدوء المطلق في مكتبه، ثم أن يكون مكتبه أمام النافذة وان يكون مرتّبا بعناية. والثالث التزامه بروتين زمني صارم، فقد كان يستيقظ في السابعة صباحاً ويتناول الإفطار في الثامنة ويصل إلى مكتبه في التاسعة.
وكان يبقى هناك حتى الثانية ظهراً، ثم يأخذ استراحة قصيرة لتناول الغداء. كان ديكنز كاتبا غزير الإنتاج. كان يوميّا يكتب حوالي ألفي صفحة، وألّف ما مجموعه 15 رواية وعددا كبيرا من القصص والمقالات والرسائل والمسرحيات.
Credits
franciscodegoya.net
bigthink.com
harukimurakami.com
franciscodegoya.net
bigthink.com
harukimurakami.com