والكثير من لوحاته رسمها خدمةً للملوك والثوريين الراديكاليين والإمبراطور. ورغم تبدّل ولاءات داڤيد السياسية، الا أنه ظلّ وفيّا لمبادئ الكلاسيكية الجديدة التي نقلها إلى جيل من الطلاب، أشهرهم فرانسوا جيرار وأنطوان جان غروس وجان أوغست آنغر.
من أشهر لوحات داڤيد تتويج ناپوليون التي كلّفه بوناپرت برسمها بمناسبة تتويجه إمبراطورا على الفرنسيين في الثاني من ديسمبر ١٨٠٤. وتعكس اللوحة ترسيخ سلطة ناپوليون والانتقال من فترة الثورة إلى الإمبراطورية. وقد استغرق العمل على اللوحة حوالي ثلاث سنوات واكتملت عام ١٨٠٧ .
مراسم التتويج تجري في كاتدرائية نوتردام في باريس بحضور زوجة ناپوليون الإمبراطورة جوزيفين وعدد من الشخصيات البارزة، بينهم رجال دين وأفراد من عائلة الامبراطور، بالإضافة الى البابا. غير أن البابا لم يكن حاضرا فعلا ولم يتوّج ناپوليون بنفسه كما يُفترض، وذلك للتأكيد على الطابع العلماني للحكم.
وقد ملأ الرسّام الصورة بأكثر من 140 شخصية. الحجم الضخم للعمل أتاح للفنّان فرصة رسم سمات مميّزة لكلّ شخص. ولم يغفل عن تفاصيل الأزياء والجواهر والمنسوجات الفاخرة التي تزيّن كلّ شيء، من الزوّار إلى جدران كاتدرائية نوتردام في باريس ذات الهندسة المعمارية الرائعة.
أنظار الحضور تتّجه نحو ناپوليون الذي يحتلّ وسط اللوحة. وهو يقف مرتديا ثياب تتويج شبيهة بملابس أباطرة الرومان، ويحمل التاج بيديه تمهيدا لوضعه فوق رأسه، بينما تجثو امامه زوجته جوزيفين التي ترتدي ثوبا حريريا وتبدو راكعة في وضع خضوع، كما ينصّ على ذلك القانون المدني الفرنسي.
وهناك شخصية محورية أخرى هي ماريا والدة ناپوليون التي تجلس على كرسيها الصغير في وسط خلفية اللوحة، في مكان أرفع من مكان البابا الذي يقف حانياً رأسه خلف ناپوليون. لكن والدة الإمبراطور في الواقع تجاهلت هذا الحدث ولم تحضره بسبب خلاف ناپوليون مع شقيقيه.
ومن الملاحظ أن داڤيد رسم جوزيفين زوجة الامبراطور بحيث تبدو أصغر من عمرها الحقيقي البالغ 41 عاما آنذاك. كما أضاف للصورة بعض الشخصيات الأخرى مثل السفير التركي "المعمّم"، والواقف في الخلفية، رغم أنه لم يحضر المناسبة أصلا ولم يُسمح له بدخول الكاتدرائية لأنه مسلم.
المفروشات والسجّاد والستائر والملابس توصل إحساسا بالعرض الدرامي الذي يمنح الناظر مقعدا في الصفّ الأمامي. ووفقا للروايات التاريخية، زُيّنت الكاتدرائية بمفروشات مزخرفة صُنعت خصّيصا لهذه المناسبة وفي وقت قياسي.
ويقال إن ناپوليون عندما رأى اللوحة مكتملةً في ورشة داڤيد، انبهر بها وعبّر عن امتنانه للرسّام الذي "نجح في نقل تقديره لزوجته التي شاركته أعباء منصبه". ولهذا السبب قيل ان موضوع اللوحة هو في الحقيقة تتويج جوزيفين وليس ناپوليون.
هذا العمل يجسّد قيم الكلاسيكية الحديثة بتركيزه على الوضوح والنظام والعظمة، وإظهاره التفاعل بين الفنّ والسياسة خلال فترة تاريخية شهدت تحوّلات كبرى في فرنسا. وقد استخدم الرسّام تباينات قويّة بين الضوء والظل لخلق عمق، وركّز على الشخصيات الرئيسية وأولى اهتماما خاصّا بتفاصيل الأزياء والمعمار وتعبيرات الوجوه.
لم يكن داڤيد مراقبا سلبيّا للأحداث، بل كان مؤيّدا صريحا لما سُمّي "عهد الإرهاب"، قبل أن يصبح رسّاما أوّل لناپوليون. وعندما كان ما يزال شابّا، رفض أسلوب الرسم الريفي واختار الفنّ الكلاسيكي الحديث والمستوحى من العصور الرومانية القديمة.
هذه اللوحة لا يُنظر اليها باعتبارها مجرّد تصوير تاريخي، بل أيضا تأكيد على شرعية حكم ناپوليون وعلى المزج بين الرمزية الدينية التقليدية والسلطة السياسية الحديثة وعلى الاحتفاء بالقومية الفرنسية. كما يمكن اعتبارها بيانا قويّا عن السلطة والهويّة ودور الفنّ في المجتمع.
وقد ظلّت ملكاً للرسّام حتى عام 1819، عندما نُقلت إلى المتاحف الملكية، حيث خُزِّنت هناك حتى عام 1837. ثم وضِعَت في "الغرفة المقدّسة" لمتحف قصر ڤرساي التاريخي بأمر من الملك لويس فيليب. وفي عام 1889، نُقلت اللوحة من ڤرساي إلى متحف اللوفر حيث بقيت فيه الى اليوم.
وقبل سنوات، ذكّر فيلم "ناپوليون" الملحمي للمخرج ريدلي سكوت بهذه اللوحة عندما عرضها في المشهد الذي يصوّر تتويج ناپوليون. وتضمّن الفيلم لقطة للفنّان دافيد وهو منهمك في رسم مشهد التتويج. ويبدو أن لوحة الرسّام كانت مصدر إلهام في تصوير تفاصيل ذلك الجزء من الفيلم.
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
○ ولدتُ في طبقة لا تتقن لغتها الأم، وفي مدينة تخاف من المستقبل وتدرّب أهلها على الهجرة. وأنا الآن كاتبة أمريكية ضمن التيّار الأمريكي السائد الذي أحاول توسيعه. ولا أعتبر نفسي كاتبة هندية ولا منفية ولا مغتربة. أنا مهاجرة؛ أستثمر في الواقع الأمريكي لا الهندي. استغرقَ الأمر منّي عشر سنوات مؤلمة لأُسقِط طغيان الحنين المطبق الى الوطن الأصلي.
أما النضال المتبقّي لي فهو جعل القرّاء الأمريكيين يدركون هذه الحقيقة. وكما يُظهر استقبال أفلام مثل "غاندي" و"ممرّ إلى الهند" و"الأروقة البعيدة" و"جوهرة التاج"، فإن الحنين طريق ذو اتجاهين. ويمكن للأمريكيين أن يشعروا بالحنين إلى عالم لم يعرفوه قط. يبدأ برنامجي الأدبي بالاعتراف بأن أمريكا غيّرتني. يمكنني أن أكون تشيكوفية وتولستوية برؤى حزينة وفلسفية عن انكسار القلوب وسقوط الحضارات، أو أن أكون مستوطنة جريئة وصاخبة في سهول الأدب الأمريكي المهمَلة. باراتي موكرجي
○ الغموض جزء من كلّ حياة، وربّما يكون من الأصحّ التمسّك به بدلا من قضاء العمر في البحث عن إجابات ناقصة. ومع ذلك، كبشر، نريد الحقيقة. قصصنا، حياتنا، قلقنا واكتئابنا المعاصر، كلّها عمليات بحث مفعمة بهذه الرغبة. يريد البشر الحقيقة كما يريد الماء أن يكون على مستوى سطح البحر ويتحرّك عبر القارّة نحو المحيط الأعظم. كتب الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار: الذاكرة حقل مليء بالآثار النفسية". قد يكون هذا صحيحا للبعض، لكن الذاكرة أيضا حقل للشفاء قادر على إعادة بناء العالم، ليس فقط للشخص الذي يتذكّر، بل للثقافات أيضا. عندما يقول المرء "أتذكّر"، يصبح كلّ شيء ممكنا. ليندا هوغان
○ هناك أيّام في حياتنا لا يحدث فيها شيء، وهي تمضي دون أن تترك ذكرى ولا أثرا لمرورها، كأننا لم نعشها أصلا. لنفكّر في الأمر، فمعظم الأيّام هكذا. ولكن عندما ندرك أن عدد الأيّام المتبقية محدود، نتساءل كيف سمحنا لكلّ تلك الأيّام أن تمضي دون أن ننتبه لها. لكن هكذا خُلقنا، لا نقدّر ما نملك إلا بعد فوات الأوان، ولا نفهم معنى أن نكون في الحاضر إلا عندما يصبح شيئا من الماضي. ولكن حينها يكون قد فات الأوان. تيزيانو تيرزاني
○ ليس لدى المغول مساكن ثابتة في أيّ مكان ولا يعرفون أين ستكون مدينتهم التالية. وليس لديهم أيّ "مدينة باقية" في أيّ مكان. وعندما وجدت نفسي بينهم، بدا لي وكأنني انتقلت إلى عالم آخر. ومن طعامهم ومؤنهم، علمت أنهم يأكلون جميع حيواناتهم، حتى الميّتة، ودون تمييز. ومع كلّ هذه القطعان، لا بدّ أن يموت الكثير من الحيوانات.
فإذا مات ثور أو حصان مثلا، فإنهم يجفّفون لحمه بتقطيعه إلى شرائح رفيعة وتعليقه في الشمس والريح، حيث يجفّ فورا وبلا ملح ودون أن تفوح منه رائحة. وبأمعاء الخيول، يصنعون نقانق ويأكلونها طازجة. وبجلود الثيران، يصنعون أكياسا كبيرة. وبجلد مؤخّرة الخيول، يصنعون أجمل الأحذية. ويليام روبروك
○ كان بإمكانك سماع صراخ النساء وبكاء الرضّع وصياح الرجال. بعضهم كان ينادي أبويه والبعض الآخر أبناءه أو زوجاته، محاولين التعرّف عليهم من أصواتهم. كان الناس يندبون مصيرهم أو مصير أقاربهم، وكان هناك من يدعو الموت خوفا من الموت. توسّل كثيرون إلى الآلهة لإغاثتهم، لكن أكثرهم أدركوا أنه لم تبقَ آلهة وأن الكون غرق في لجّة الظلام الأبدي. العبارة الاستهلالية لفيلم "بومبي"، 2014
○ جميعنا نميل إلى الاعتقاد بأننا أذكياء وأننا نتخذ قرارات عقلانية تعود بالنفع علينا. لكن الحقيقة هي أن البشر ليسوا بارعين في التنبّؤ بالمستقبل. فالمعلومات التي نستخدمها لاتخاذ القرارات تأتي من الماضي، والأداء السابق لا يعني بالضرورة الأداء المستقبلي. فنحن نفترض مستقبلا غير قابل للتنبّؤ بطبيعته، وتمنعنا مجموعة كبيرة من التحيّزات المعرفية من التفكير بوضوح طوال الوقت.
قد تجرّب وظيفة جديدة أو شركة جديدة، ثم تكتشف أنك تكرهها أو تفاجأ باستقالة رئيس الشركة الذي كنت متحمّسا للعمل معه. وربّما تتغيّر أولوياتك، فاهتماماتك وأنت في الخامسة والعشرين غير اهتماماتك عندما تبلغ الثلاثين. لذا من الصعب التنبّؤ بالمستقبل لأن الاهتمامات والأولويات والظروف تتغيّر باستمرار. روبرت أيتكين
○ على الرغم من أن اسمه ليس سوى كلمة لاتينية تعني "الأصلع"، إلا أن أسطورة سويسرية قاتمة تقول إن جبل بيلاتيس هو مدفن نائب الملك الروماني الذي سلّم يسوع إلى الغوغاء لقتله. وعندما انتحر، أي بيلاتيس، لم يستطع نهرا التيبر والرون، اللذان ألقيت جثّته فيهما تباعا، احتواءه. فقد أثارت الأرواح الشرّيرة عواصف شديدة، ما أدّى إلى امتدادها أبعد من ذلك. ويروي كتاب من القرن الثالث عشر أنه أُلقي به أخيرا "في بئر محاطة بالجبال". وحُدّدت هذه البقعة على أنها بركة أو مستنقع بالقرب من القمّة التي سُمّيت باسمه، أي قمّة بيلاتيس.
وطوال العصور الوسطى، كان يُعتقد أن من يُلقي حجرا في هذه البحيرة الصغيرة، ستتبعه عاصفة. كان بيلاتيس يترك البركة كلّ عام ويجلس على صخرة موشّاة بالأرجوان. وكلّ من يغامر برؤيته عيانا يموت في غضون عام. لذا أصدر سكّان لوسيرن الخائفون مرسوما يقضي بعدم اقتراب أحد من البركة إلا إذا رافقه أحدهم ليتأكّد من عدم رميه حجرا. وأخيرا، في عام ١٥٨٥، تسلّق عمدة ولاية لوسيرن الجبل مع مجموعة من أصدقائه وألقوا حجارة في الماء، متحدّين الروح الشرّيرة أن تخرج. لكن لم يحدث شيء. ومنذ ذلك اليوم، انتهت الأسطورة. هـ. ميللر
Credits
jacqueslouisdavid.org
collections.louvre.fr
jacqueslouisdavid.org
collections.louvre.fr