:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، يوليو 07، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • كانت الآلهة عند الاغريق تشبه البشر في مظهرها، إلا أنها تفوقهم جمالا وعظمة وقوّة. وكانت تشبههم في مشاعرهم وعاداتهم، فتتزاوج وتنجب أطفالا وتحتاج إلى غذاء يومي لتجديد قوّتها وإلى نوم منعش لاستعادة طاقتها. كما أن دمها سائل أثيريّ لامع لا يسبّب الأمراض وعند إراقته ينتج حياة جديدة.
    ويذكر الكاتب ي. م. بيرنز أن الإغريق كانوا يعتقدون أن مؤهّلات آلهتهم العقلية أعلى بكثير من مؤهّلات البشر. ومع ذلك، لم يُنظر إليها على أنها معصومة من الأهواء البشرية، بل هي مدفوعة بالانتقام والخداع والغيرة. فهي دائما تعاقب المذنب وتُنزل المصائب على أيّ بَشريّ يجرؤ على إهمال عبادتها أو احتقار طقوسها. وكثيرا ما نسمع عن زيارات الآلهة للبشر ومشاركتها ضيافتهم.
    وآلهة الاغريق ترتبط بالبشر وتتزاوج معهم، ويُطلَق على ذريّة هذه الزيجات اسم أبطال أو أنصاف آلهة، ويشتهرون عادةً بقوّتهم وشجاعتهم العظيمة. ومع وجود العديد من أوجه التشابه بين الآلهة والبشر، إلا أن الآلهة تميّزت دائما بالخلود. لكنها لم تكن محصّنة من الهزيمة، فكثيرا ما سمعنا عن إصابتها بجروح وتعرّضها للعذاب.
    ولم تكن الآلهة تعرف حدودا للزمان أو المكان، فكانت قادرة على نقل نفسها لمسافات هائلة بسرعة الفكر. كما امتلكت القدرة على إخفاء نفسها وعلى اتخاذ أشكال بشر أو حيوانات بما يناسبها. كما كان لديها القدرة على تحويل البشر إلى أشجار أو أحجار أو حيوانات وغير ذلك، إمّا عقابا لهم على آثامهم أو كوسيلة لحمايتهم من خطر وشيك. وكانت ملابس الآلهة تشبه تلك التي للبشر، لكنها أفخم وأرقّ ملمساً. وكانت أسلحتها تشبه تلك التي يستخدمها البشر، فنسمع عن الرماح والدروع والأقواس والسهام وغيرها ممّا تستخدمه الآلهة.
    وكان لكلّ إلهة عربة جميلة تجرّها الخيول أو غيرها من الحيوانات السماوية، وتنقلها بسرعة عبر البرّ والبحر حسب رغبتها. وقد عاشت معظم هذه الآلهة على قمّة جبل الأوليمب، وكان لكلّ منها مسكنها الخاص، وكانت تجتمع كلّها في مناسبات احتفالية في قاعة واحدة، حيث كانت تحيي ولائمها على أنغام القيثارة. وشُيّدت معابد فخمة لتكريمها، حيث كانت تُعبد بجلال بالغ. وقُدّمت لها هدايا سخيّة، كما قُدّمت على مذابحها الحيوانات بل والبشر أحيانا.
    ويشير بيرنز الى انه في بعض الأساطير اليونانية نلتقي ببعض الظواهر العصيّة على التفسير. فنسمع مثلا عن عمالقة مخيفين يقذفون الصخور ويقلبون الجبال ويثيرون الزلازل التي تبتلع جيوشا بأكملها. ويمكن تفسير هذه الأفكار برأيه بالتشنّجات المروّعة والمفاجئة للطبيعة التي كانت تحدث في عصور ما قبل التاريخ.
    ومثل هذه الظواهر اليومية المتكرّرة، التي نعلم اليوم أنها نتيجة لقوانين طبيعية مألوفة، كانت بالنسبة لليونانيين الأوائل موضوعا للتكهّنات الخطيرة، وكثيرا ما كانت تثير الفزع. فعندما كانوا يسمعون هدير الرعد ويرون ومضات برق قويّة مصحوبة بسحب سوداء وسيول مطرية، كانوا يعتقدون أن إله السماء العظيم غاضب فيرتجفون من غضبه. وإذا ثار البحر الهادئ فجأة وارتفعت الأمواج كالجبال العالية واصطدمت بالصخور بعنف وهدّدت البشر بالدمار، فالتفسير الوحيد لما حصل هو أن يكون إله البحر في حالة غضب عارم. وعندما كانوا يرون السماء تتوهّج بألوان النهار التالي كانوا يظنّون أن إلهة الفجر، بأصابعها الوردية، كانت تزيح حجاب الليل المظلم جانبا، لتسمح لأخيها إله الشمس، بالبدء في مسيرته الرائعة.
    ومع كلّ تجسّدات الطبيعة هذه، كانت هذه الأمّة ذات الخيال الثريّ والشاعرية الرفيعة ترى إلها في كلّ شجرة تنمو وفي كلّ جدول يتدفّق وفي أشعّة الشمس الساطعة وفي أشعّة القمر الفضّية الصافية والباردة. فمن أجل هذه الآلهة عاش الكون بأكمله وتنفّس، مأهولاً بألف شكل من أشكال النعمة والجمال.
    وهذه الآلهة كانت أكثر من مجرّد إبداع خيال شاعري. كانت على الأرجح بشرا من لحم ودم تميّزوا في حياتهم بتفوّقهم على إخوانهم البشر الآخرين في مواهب معيّنة، وبعد أن ماتوا صاروا مؤلّهين من قِبَل من عرفوهم وعاشوا بينهم. ويحتمل أن تكون الأفعال المزعومة لتلك الكائنات المؤلّهة قد تمّ إحياؤها وتضخيمها من قبل الشعراء الذين كانوا يسافرون من ولاية إلى أخرى ويحتفلون بمدحها في أغانيهم، وبالتالي أصبح من الصعب للغاية فصل الحقائق المجرّدة عن المبالغات التي تصاحب التقاليد الشفوية عادةً.
    ولتوضيح الصورة، يضرب الكاتب مثلا بأورفيوس، ابن أبوللو، المشهور بمهاراته الموسيقية الاستثنائية. ويقول: لو كان أورفيوس موجودا في عصرنا اليوم، فسنعتبره ولا شكّ من أعظم موسيقيّينا ونكرّمه على هذا الأساس. لكن الإغريق، بخيالهم الواسع وطلاقتهم الشعرية، بالغوا في تقدير مواهبه الغير عاديّة ونسبوا إلى موسيقاه تأثيرا خارقا على الطبيعة، الحيّة منها والجامدة. وهكذا سمعنا عن وحوش برّية روّضتها موسيقاه، وأنهار عاتية توقّفت عن الجرَيان وجبال تحرّكت من مكانها، متأثّرة بنغمات صوته العذب.
  • ❉ ❉ ❉


  • يتناول الفيلم الكازاخي "توميريس ملكة السهوب" قصّة الملكة الأسطورية التي اصبحت محاربة بارعة وتجاوزت مأساة مقتل عائلتها، ثم وحّدت قبائل السكيثيين تحت سلطتها. ويستند الفيلم الى قصّة المؤرّخ اليوناني هيرودوت عن مقتل الملك الفارسي كوروش الكبير خلال الحرب التي قادها ضدّ توميريس.
    كان كوروش مؤسّس الإمبراطورية الأخمينية. وفي عهده، ضمّت الإمبراطورية جميع الدول في الشرق الأدنى القديم وتوسّعت بشكل كبير. وفي النهاية غزت جزءا كبيرا من آسيا الوسطى. ومن البحر المتوسّط ومضيق الدردنيل غربا إلى نهر السند شرقا، أسّس كوروش أكبر إمبراطورية شهدها العالم حتى ذلك الحين.
    وكان السكيثيون يقطنون الأراضي الشمالية، وهم اتحاد قبائل رعوية بدوية عاشت في القرن السادس قبل الميلاد في آسيا الوسطى وشرق بحر قزوين، في أجزاء من تركمانستان وأفغانستان وغرب أوزبكستان وجنوب كازاخستان.
    بعث كوروش رسولا من عنده حمّله هدايا سخيّة الى توميريس ليقترح عليها ارسال زوجها وابنها إلى عاصمته بابل لمناقشة القضايا السياسية التي نشأت بين مملكته وقبيلتها وإبرام معاهدة سلام وتجارة بين الطرفين. وفي الحقيقة كان كوروش يريد إخضاع المرأة وقبيلتها وتحويلهم إلى تابعين له والاستعانة بفرسان القبيلة الرحّل والمعروفين ببسالتهم في الحرب لمساعدته في خطّته لغزو مصر.
    من الناحية التاريخية، لا يُعرف الكثير عن توميريس، لكن الفراغات الكثيرة في قصّتها مُلئت على ما يبدو بالكثير من الخيال والقصص الشاطحة. وبعد وفاة والدها، مارست السياسة بمهارة من أجل الحفاظ على سيطرتها على زعماء القبائل الطموحين والماكرين، بينما خاضت حروبا مع القبائل المجاورة، ومنها مملكة خوارزم.
    وفي الفيلم تصوّر توميريس على أنها زعيمة قويّة وداهية، ولكنها رحيمة، حيث أنشأت وحدة عسكرية قوية مكوّنة من آلاف النساء، ساعدت في ترجيح كفّة المعركة النهائية ضدّ الفرس.
    شخصيات الفيلم من قبيلة "الماساجيتاي" تتحدّث اللغة التركية القديمة، بينما يتحدّث الفرس اللغة الفارسية الجديدة، على الرغم من أن بعض المؤرّخين المعاصرين يعتبرون أن الماساجيتاي كانوا شعبا إيرانيا بدويّا.
    وقد راعى صنّاع الفيلم العديد من سمات ثقافة وحياة تلك القبائل، ولا سيّما قبّعاتهم المدبّبة واجتماعاتهم القبلية التي كانت تُحلّ فيها أهمّ القضايا. واختيرت ألميرا تورسين، وهي عالمة نفس، من بين 15 ألف شخص لأداء دور توميريس، بعد أن تلقّت دروسا احترافية في ركوب الخيل والرماية وتعلّمت استخدام السيوف والسكاكين. أما دور كوروش فقد اختير للعبه الممثّل السوري غسّان مسعود.
    ومن الملاحظ أن المؤرّخ الذي يظهر من وقت لآخر في الفيلم وهو يروي الاحداث ليس هيرودوت، بل مؤرّخ ذو مظهر عربي تقريبا، مع أنه ليس من المؤكّد ما إذا كان مؤرّخون عرب قد سمعوا أو كتبوا شيئا عن توميريس.
    الجدير بالذكر أن الفيلم حقّق نجاحا كبيرا عند عرضه، لدرجة أن اسم توميريس اُطلق على الكثير من الفتيات اللاتي وُلدنَ مؤخّرا في كازاخستان.
    خلال عصر النهضة، أصبحت توميريس شخصية شائعة في الفنّ والأدب الأوروبّي. وقد رسمها، من بين آخرين، روبنز وغوستاف مورو. كما ورد ذكرها في أقدم مسرحيات شكسبير، الملك هنري السادس، باعتبارها "ملكة السكيثيين".
  • ❉ ❉ ❉

  • يُوصف فريتس تاولو بأنه أهم فنّان انطباعي نرويجي. وهو ابن عمّ الرسّام ادفارد مونك وصهر بول غوغان وصديق أوغست رودان وبيير بوفي دي شافان وإميل دوران. كما كان أيضا صديقا مقرّبا لكلود مونيه. وقد شجّع تاولو مونيه على السفر معه إلى النرويج لرسم بعض مشاهدها الثلجية في عام 1895.
    ولد تاولو عام 1847 في كريستيانيا "أوسلو اليوم" لأب ثريّ كان يعمل كيميائيّا. وتلقّى تعليمه في أكاديمية الفنون في كوبنهاغن لمدّة عامين، ثم ذهب الى المانيا لدراسة الرسم حيث بقي هناك عاماً. كان دائم الترحال كما توحي لوحاته. فقد سافر بعيدا عن موطنه الإسكندينافي وتجوّل في ألمانيا وانغلترا وأمريكا وفرنسا وإيطاليا. وأمضى صيف عام ١٨٨٥ يرسم ضواحي فينيسا، وفي السنة التالية عَرض في أوسلو خمسة أعمال فينيسية لاقت استحسانا كبيرا. ومن الواضح انه انجذب الى هذه المدينة بشدّة بدليل عودته اليها مرّتين بعد ذلك.
    وقبل ذلك، أي في مستهلّ سبعينات القرن التاسع عشر، ذهب إلى باريس التي كانت وقتها مركزا للفن العالمي ومقصدا لطلاب الفنون من جميع الجنسيات. وكانت تحتضن عددا كبيرا من الفنّانين النرويجيين المغتربين. وفيها اتقن تاولو مهارة الرسم في الهواء الطلق.
    ومن الملاحظ أن أسلوبه كان أقرب إلى أسلوب الرسّامين الواقعيين الفرنسيين منه إلى أسلوب الانطباعيين، مع أنه كان مهتمّا مثلهم بالألوان والضوء. وفي باريس عرضَ بعض لوحاته عن سواحل البحر والحياة البحرية ولقيت استقبالا متباينا، لكن كانت تلك فرصته لاكتساب معرفة جيّدة بالرسم.
    لطالما كان تاولو رجلا واثقا من نفسه ومتفائلا. وكانت إحدى نقاط قوّته كرسّام قدرته الفائقة على تصوير جوهر المياه الجارية، في الأنهار أو الجداول. كما كان بارعا في رسم مشاهد الشتاء. وقد صوّر انطباعاته الشخصية عن مناظر الطبيعة النرويجية وابتكر شكلا جديدا من الرسم الانطباعي. وحظيت أعماله بتقدير كبير من الجمهور النرويجي ومن الصحافة التي أشادت ببراعته وشاعرية لوحاته.
    ولو دقّقت في صوره المائية فسيلفت انتباهك إحساسه الرائع بالحركة والتدفّق. وبحسب بعض النقّاد، كان يتمتّع بفهم عميق وفطريّ للماء وكيفية تموضعه في المشهد الطبيعي. كما كان بارعا في التلاعب بحالات وخصائص الماء المختلفة. ولهذا تبدو المياه في صوره واقعية وديناميكية.
    كان تاولو أيضا من أوائل الفنّانين الذين رسموا في مستوطنة سكاين للفنّانين في النرويج. وقد أقام هناك أشهرا مع صديقه الرسّام كريستيان كروغ. وأثناء إقامته في سكاين رسم عددا من اللوحات للصيّادين والقوارب الراسية على الشاطئ.
    ومن الغريب أن تاولو غير معروف كثيرا اليوم. ولوحاته، رغم جمالها، تباع عادةً بأسعار لا تتجاوز المائة ألف دولار أمريكي، وهو سعر لا يقارَن بما يجنيه زملاؤه الأكثر شهرةً من العصر الانطباعي.
    توفّي الرسّام عام ١٩٠٦ بسبب مضاعفات مرض السكّري عن عمر يناهز التاسعة والخمسين، وذلك أثناء رحلة له إلى هولندا لرسم المدن والمناظر الطبيعية الهولندية. وتُعرض لوحاته اليوم في أهمّ المتاحف في الولايات المتحدة وفرنسا والدول الاسكندينافية.

  • Credits
    greek.mythologyworldwide.com