:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، يوليو 31، 2024

قلب الذئب


في الثقافة الصينية، وكما هو الحال في ثقافات أخرى عديدة، لا تتمتّع الذئاب بأيّ شعبية. فيقال مثلا في الأمثال الشعبية الصينية "فلان له قلب ذئب"، في إشارة الى اتصافه بالغدر والقسوة والجشع.
لكن كتابا صدر في بيجين قبل سنوات قلب كلّ تلك الأفكار السلبية عن الذئاب رأسا على عقب. الكتاب اسمه "طوطم الذئب"، وقد احتلّ قائمة الكتب الأكثر مبيعا لعدّة أشهر. ويصف مؤلّفه الصين بأنها "أمّة من الأغنام بحاجة ماسّة إلى استعادة نشاطها الذئبي".
ويحكي المؤلّف قصّة طالب يذهب للعيش مع رعاة من ذوي الأصول المنغولية خلال الثورة الثقافية، ويصبح مفتونا بالذئاب التي تفترس مواشيهم. وتنتقد الرواية تدمير الأراضي العشبية في منغوليا الداخلية على يد مزارعين من أغلبية الهان العرقية في الصين وفشلهم في إدراك الدور الإيجابي الذي تلعبه الذئاب في الحفاظ على بيئة المنطقة.
ومع أن مؤلّف الكتاب عوقب بالسجن، إلا أن كتابه نال إعجاب المسؤولين ورجال الأعمال الذين استخدموه لتحفيز الموظفين. وأصبح الذئب ذو الإرادة القويّة والموجّه لخير القبيلة نموذجا يُحتذى به.
الحكاية التالية مختلفة بعض الشيء، مع أن بطلها ذئب وأحداثها تجري في الصين أيضا. ومؤلّفها كاتب يُدعى ما تشونغ شي، عاش في عهد أسرة مينغ (1644-1368). وهناك أكثر من مائة نسخة من القصّة منتشرة في ثقافات شتّى من العالم. في بعضها، الحيوان المنقَذ تمساح وأحيانا ثعبان أو نمر، وهكذا.
تقول القصّة إن أحد ملوك الصين كان ذاهبا ذات يوم مع حاشيته في رحلة صيد عندما صادفوا في طريقهم ذئبا. صوّب الملك المتحمّس سهمه باتجاه الذئب لكنه أخطأه واصطدم بحجر قريب. وعندما أدرك الذئب أنه في خطر هرب يائسا للنجاة بحياته. وبينما كان يشقّ طريقه في الغابة، قابل معلّما عجوزا مع حماره.
توسّل الذئب الى المعلّم لمساعدته وإنقاذه من حاشية الملك الذين يتعقّبونه، وقال انه سيموت إذا تُرك وحده. المعلّم الذي كان يؤمن بالحبّ والعطف على المخلوقات أشفق على الذئب وقّرر أن يُخفيه في أحد الأكياس المربوطة على ظهر حماره. وبعد لحظات قليلة، وصل صيّادو الملك وسألوا العجوز عن الذئب فنفى علمه بمكان وجوده.
وعندما ابتعد الصيّادون عنهما، سمح المعلّم للذئب بالخروج من الكيس. والآن طلب الذئب من المعلّم أن ينقذ حياته، هذه المرّة من الجوع. فعرض المعلّم عليه بعض المعجّنات التي كان يدّخرها لسفره، لكن الذئب ابتسم وقال: أنا لا آكل هذا الطعام، أنا أتناول اللحوم فقط". اندهش المعلّم من كلام الذئب وتساءل في حيرة ما إذا كان ينوي أكل حماره. ثم فوجئ بالذئب وهو ينقضّ عليه هو، يريد أكله.


وعندما احتجّ المعلّم على جحود الذئب ونكرانه للمعروف، ردّ الأخير: لقد أنقذت حياتي مرّة واحدة. لماذا لا تفعل ذلك مرّة أخرى؟ ثم إنني كدت أختنق عندما حشرتني بين أكياسك الصغيرة، وأنت مدين لي بذلك".
تناقش المعلّم والذئب لبعض الوقت، وعندما لم يتّفقا على حلّ مقبول قرّرا عرض قضيّتهما على ثلاثة محكّمين.
كان أوّل محكّم عرضا عليه حججهما شجرة مشمش معمّرة. روَت الشجرة لهما تجربتها الخاصّة وكيف أن بعض الأشخاص كانوا يقطفون ثمارها وهم صغار وكانت هي تطلب منهم أن يأكلوا حتى يشبعوا. والآن عندما كبروا قرّروا قطعها بفؤوسهم لاستخدامها كحطب. وبذا اتّفقت الشجرة مع منطق الذئب، ما أشعره بالبهجة والسرور.
وكان المحكّم الثاني الذي طلبا منه رأيه في القضية جاموس ماء مُسنّا. وقد روى الجاموس قصّته وكيف أنه خدم سيّده لسنوات عديدة بتزويده بالحليب وحرث حقله. والآن يريد سيّده أن يذبحه ليأكل لحمه. وبذا اتفق الجاموس أيضا مع الذئب. وابتسم الذئب وشعر بأن طلبه أكل المعلّم أصبح الآن مبرّرا أكثر.
وكان آخر المحكّمين مزارعا عجوزا وحكيما. وعندما سمع قصّتهما أبدى تشكّكه في صدق الذئب بأن الكيس الصغير يمكن أن يتّسع لجسده. وقد سخر الذئب بغرور من كلام المزارع وزحف عائداً إلى الكيس ليثبت صدق روايته. وما أن استقرّ بداخله حتى قام المزارع العجوز بسرعة بربط الكيس وبدأ يضرب الذئب بعصاه الى أن شارف على الموت. ثم فتح الكيس وسحب الذئب من ذيله إلى الخارج.
وعندما رأى المعلّم العجوز ما حدث للذئب الذي كان يتلوّى على الأرض من شدّة الألم أشفق عليه وعاتب المزارع العجوز على قسوته الزائدة. لكن في تلك اللحظة، جاءت اليهما امرأة مسرعة وهي تبكي وصرخت في وجه الذئب وروت كيف أنه بالأمس عضّ ابنها الصغير محاولا افتراسه.
وعندما سمع المعلّم كلام المرأة لم يعد يشفق على الذئب، بل التقط العصا ووجّه ضربة أخيرة وقاتلة إلى رأسه.
هذه الحكاية تتضمّن انتقادا للأشخاص الجاحدين وناكري الجميل الذين يديرون ظهورهم للمحسنين إليهم ولا يقدّرون طيبتهم ونبلهم، وبدلاً من ذلك يردّون على المعروف بالنكران والعداوة. والدرس المستفاد من القصّة هو أنك مهما كنت طيّبا ومحسنا فإن الشخص الذي يُعتبر الحقد والخسّة طبيعة متأصّلة فيه سيختار أن يؤذيك ويعاملك بوقاحة وازدراء، لأن طبيعته لن تتغيّر بإحسانك إليه. لذا لا يجب بذل المعروف في غير مكانه ولا إظهار الشفقة لمن لا يستحقّها.

Credits
chinaknowledge.de