:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، يوليو 29، 2024

حكمة الدبّ الواقف


أمضى لوثر ستاندنغ بير "أو الدبّ الواقف" (1868 - 1939) سنواته الأولى في العيش كما عاش أجداده، متجوّلا في التلال الخضراء الوارفة لما أصبح الآن يُعرف بولايتي داكوتا الجنوبية ونبراسكا. ثم أصبح شخصية بارزة في تاريخ الهنود الحمر وزعيما لعشيرة لاكوتا من قبائل السيو ومفكّرا ومؤلّفا وممثّلا سينمائيّا. كان ذا نفوذ قويّ وصاحب رؤية ومدافعا عن حقوق السكّان الأصليين في السهول الكبرى قبل وأثناء وصول المستوطنين الأوروبيّين وانتشارهم لاحقا.
وقد عاصرَ "الدبّ الواقف" الاضطرابات والصدامات التي تسبّبت بها حكومة الولايات المتحدة والمهاجرون الاوربيّون والإزالة القسرية للقبائل الأصلية من أراضيها، ودافع عن حقوق الأمريكيين الأصليين وسيادتهم طوال حياته، وانتقد دعم الحكومة للمبشّرين الذين قوّضوا ديانة السيو، ووظّف كتاباته إجمالا لرفع مستوى الوعي بالسياسات القمعية والظلم الذي واجهته المجتمعات الأصلية.
كما ألّف العديد من الكتب، أهمّها كتابه "أرض النسر المرقّط"، الذي وصف فيه حياة وعادات قبائل السيو وانتقد جهود المستوطنين الأوربّيين في تحويل الهنود إلى العِرق الأوربّي وتحدّث عن أهميّة تحدّي الظلم والتمييز بكافّة أشكاله.
الأسطر التالية هي بعض أقوال وحكَم "الدبّ الواقف" المبثوثة في كتبه وخُطبه، والتي يتحدّث فيها عن ثقافة وتاريخ وعادات وقيم السكّان الأصليين.
  • إن طبيعة عاطفة الهندي لا تترك مكانا في قلبه للعداء تجاه رفاقه من المخلوقات. فبالنسبة إلى شعب لاكوتا، أحد فروع شعب السيو، كانت الجبال والبحيرات والأنهار والينابيع والوديان والغابات كلّها في غاية الجمال. وكانت الرياح والأمطار والثلوج وأشعّة الشمس والنهار والليل وتغيّر الفصول رائعة إلى ما لا نهاية. وكانت الطيور والحشرات والحيوانات تملأ العالم بالمعرفة التي تتحدّى فهم الإنسان.
  • كان لاكوتا القديم حكيما. كان يعلم أن قلب الإنسان يصبح قاسياً إذا ابتعد عن الطبيعة. وكان يعلم أن عدم احترام الكائنات الحيّة سرعان ما يؤدّي إلى عدم احترام البشر أيضا. لذلك أبقى أطفاله قريبين من تأثير الطبيعة التي ترقّق قلب الإنسان.
  • كان شعب لاكوتا عالِم طبيعة حقيقياً وعاشقاً للطبيعة. لقد أحبّ الأرض وكلّ ما يتعلق بها، ونما هذا التعلّق مع مرور السنين. كما أحبّ كبار السنّ التربة وكانوا يجلسون أو يستلقون على الأرض وهم يشعرون بأنهم قريبون من قوّة الأمومة. كان من المفيد للجلد أن يلامس الأرض. وكان الكبار يحبّون خلع أحذيتهم والمشي حُفاة الأقدام على الأرض المقدّسة. كانت الطيور التي تحلّق في السماء تستقرّ في النهاية على الأرض، وكانت الأرض هي الموطن النهائي لكلّ الأشياء التي عاشت ونمت. كانت التربة مهدّئة ومقويّة ومطهّرة وشافية.
  • صحيح أن يدي ليست بلون يدك. ولكن إذا وخزتُها سأشعر بالألم. وإذا وخزتُ يدك ستشعر بالألم أيضا. الدم الذي سيسيل من يدي سيكون بنفس لون دمك. أنا إنسان كما أنت، وقد خلقنا الله معا.
  • الهندي العجوز لا يزال يجلس على الأرض ليكون قريبا من قواها الحيّة. وبالنسبة له، فإن الجلوس أو الاستلقاء على الأرض يعني القدرة على التفكير بعمق أكبر والشعور بشكل أقوى، بحيث يرى بوضوح أسرار الحياة الكبرى ويقترب من الحيوات الأخرى من حوله.
  • من الروح العظيمة جاءت قوّة حياة موحدّة وعظيمة تدفّقت في كلّ الأشياء؛ في الأزهار والسهول والرياح العاصفة والصخور والأشجار والطيور والحيوانات. وكانت تلك نفس القوّة التي نُفخت في الإنسان الأوّل. وبالتالي أصبحت كلّ الأشياء متشابهة يجمعها نفس اللغز العظيم.
  • كانت القرابة بين جميع مخلوقات الأرض والسماء والماء مبدأً حقيقيا وفعّالاً. ففي عالم الحيوان والطيور كانت هناك مشاعر أخوية تحافظ على سلامة أفراد قبيلة لاكوتا. وكان بعض أفراد القبيلة قريبين جدّا من أصدقائهم من ذوات الريش والفراء لدرجة أنهم كانوا يتحدّثون لغة مشتركة في إطار من الأخوّة الحقيقية.
  • كانت للحيوانات حقوق من أهمّها حقّ الحماية من الإنسان وحقّ الحياة وحقّ التكاثر وحقّ الحريّة. وفي إطار الاعتراف بهذه الحقوق، لم يستعبد اللاكوتا حيواناً قط، بل أبقوا على حياة كلّ الكائنات الحيّة التي لم تكن ضرورية للطعام واللباس. وفي عالم الحيوان والطيور كان هناك شعور أخويّ حافظَ على سلامة اللاكوتا بينهم. لقد كان هذا المفهوم للحياة وعلاقاتها إنسانيّا، ومنحَ القبيلة حبّا دائما وملأ أفرادها بفرحة الحياة وغموضها، ومنحهم الاحترام لكلّ أشكال الحياة وجعل لكلّ الأشياء مكانا في مخطط الوجود، مع أهميّة متساوية للجميع.


  • لم يكن المديح والإطراء والتصرّفات المبالغ فيها والكلمات الرنّانة جزءا من آداب قبيلة لاكوتا. وكان الإفراط في التصرّفات يُعتبر نقصا في الصدق، وكان المتحدّث الدائم الكلام يُعتبر وقحا ومفتقرا للّباقة.
  • كان الأطفال يتعلّمون أن الأدب الحقيقي يجب أن يتحدّد بالأفعال وليس بالأقوال. ولم يكن يُسمح لهم مطلقا بالمرور بين النار والشخص الأكبر سنّا أو الضيف، أو مقاطعة أحاديث الآخرين، أو السخرية من شخص مُقعد أو مشوّه. وإذا حاول طفل فعل ذلك دون تفكير، كان أحد الوالدين يصحّحه على الفور وبهدوء.
  • كان الصمت ذا مغزى عند شعب لاكوتا، وكان منح الإنسان نفسَه مساحة من الصمت قبل الكلام ممارسة للأدب الحقيقي ومراعاة للقاعدة التي تقول إن "الفكر يأتي قبل الكلام". وفي مناسبات الحزن أو المرض أو الموت أو المحن الأخرى، وفي حضور الأشخاص الكبار والمهمّين، كان الصمت علامة على الاحترام. وكان الالتزام الصارم بقواعد السلوك الجيّد هذه هو السبب في منح الأوربّي وصفا زائفا بأنه شخص صارم. فهو في الحقيقة شخص غبيّ وغير مبالٍ ومتبلّد المشاعر.
  • لم نكن نعتبر السهول المفتوحة العظيمة، والتلال الجميلة المتموّجة، والجداول المتعرّجة ذات النباتات المتشابكة براري. الأوربّي فقط كان يرى الطبيعة "برّية" مليئة بالسباع والضواري والبشر "المتوحّشين". أما بالنسبة لنا فقد كانت البراري مروّضة وكانت الأرض وفيرة وكنّا محاطين ببركات الغموض العظيم.
  • كان كلّ شيء يمتلك شخصية لا تختلف عنّا إلا في الشكل. وكانت المعرفة متأصّلة في كلّ الأشياء. وكان العالم عبارة عن مكتبة، كُتُبها الأحجار والأوراق والعشب والجداول والطيور والحيوانات التي تشاركنا العواصف وبركات الأرض. لقد تعلّمنا ألا نفعل إلا ما يتعلّمه طالب الطبيعة، أي الشعور بالجمال. لم نكن ننتقد العواصف والرياح العاتية والصقيع والثلوج القارسة. كنّا نتكيّف مع كلّ ما يحدث بمزيد من الجهد والطاقة إذا لزم الأمر، ولكن دون شكوى.
  • لقد فُرضت الحضارة الحديثة علينا، لكنها لم تُضف ذرّة واحدة إلى إحساسنا بالعدالة أو إلى احترامنا لحقوق الحياة أو إلى حبّنا للحقيقة والصدق والكرم.
  • لم يُرضِ الرجل الأوربّي أيّ شيء من اللغز العظيم الذي وُضع في أرض الهنود، ولم يَفلت أيّ شيء من يده العابثة. وأينما توجد غابات لم تُقطع، وحيثما تختبئ الحيوانات في حمايتها الآمنة، وحيثما لا تخلو الأرض من كائنات من ذوات الأربع، فهذه بالنسبة له "برّية غير منقطعة". لكن شعب لاكوتا لم يكن لديه بريّة، والطبيعة لم تكن خطرة بل مضيافة، ولم تكن متمنّعة بل ودودة. كانت فلسفة لاكوتا صحّية وخالية من الخوف والتزمّت.
  • كان إيمان الهنديّ يسعى إلى تحقيق الانسجام بين الإنسان ومحيطه، وكان إيمان المستوطن الأوربّي يسعى إلى الهيمنة على محيطه. وفي المشاركة وفي حبّ كلّ شيء، وجد أحد الشعبين نصيبه المستحق ممّا كان يسعى إليه. بينما وجد الآخر في خوفه حاجة إلى الغزو.
  • كان شعبنا يرى العالم مليئا بالجمال. أما بالنسبة للشعب الآخر، أي المهاجرين الأوربّيين، فكان العالم مكانا للخطيئة والقبح الذي يجب تحمّله، إلى أن يذهب إلى عالم آخر ليتحوّل هناك إلى مخلوق بجناحين، نصفه إنسان ونصفه الآخر طائر. ولم يكن مستغربا أن أحدنا لم يستطع فهم الآخر.
  • إن الرجل الذي يجلس على الأرض في خيمته وهو يتأمّل الحياة ومعناها ويقبل قرابة جميع المخلوقات ويعترف بالتوحّد مع عالم الأشياء، إنما يغرس في كيانه الجوهر الحقيقي للحضارة.
  • الهنود الأميركيون هم من طينة هذه الأرض، سواءً كانت منطقة غابات أو سهول أو قرى أو هضاب. إنهم متآلفون مع الطبيعة، لأن اليد التي شكّلت القارة هي التي شكّلت الإنسان أيضاً بما يتناسب مع محيطه. لقد نما الإنسان بشكل طبيعي مثل عبّاد الشمس البرّي، وهو ينتمي إلى المكان كما ينتمي الجاموس وغيره من الكائنات.
  • لا تنسَ من أنت أو من أين أتيت، تذكّر أسلافك واحترم تضحياتهم. إن أرواح أسلافنا لا تزال حيّة فينا، وقصصهم تغذّي أرواحنا. إن إرثنا لا يعرف الهزيمة بل القدرة على الصمود والبقاء، وأرواحنا لا يمكن كسرها لأنها متجذّرة في أعماق الأرض.

  • Credits
    aktalakota.stjo.org