فالقطط لا ترى العالم كما نراه. فعيونها معدّة لأوقات الغسق والفجر، أي الساعات السحرية التي تصطاد فيها. وفي حين أن البشر لديهم رؤية ثلاثية الألوان، أي أننا نستطيع رؤية مجموعة واسعة من الألوان، بما في ذلك الأحمر والأزرق والأخضر، فإن القطط ترى الألوان الزرقاء والخضراء جيّدا، بينما تتلاشى الألوان الحمراء والوردية إلى درجات باهتة وغير واضحة. وقد تعجبك الألوان الحمراء الزاهية لسترة أو قميص، لكنها بالنسبة لقطّتك مجرّد بقعة رمادية.
ويشير الكاتب الى أنه على العكس من الكلاب، لا تتعرّف القطط على الأشخاص من وجوههم، بل من أصواتهم. لذا قد تمرّ قطّتك من أمامك مباشرة دون أن تعرف من أنت، ولكن في اللحظة التي تفتح فيها الثلاجة في وقت الوجبة المعتاد، تجدها هناك بانتظارك. لذا من الناحية البصرية البحتة، أنت بالنسبة لقطّتك شكل طويل وغامض نوعا ما يتحرّك بطريقة معينة، وهذا عنصر أكثر من كافٍ لبدء بناء علاقة.
إذا لم تتعرّف عليك القطّة من وجهك ولم تدرك الألوان أو التفاصيل الدقيقة، فكيف تعرفك؟! الإجابة، بحسب المقال، تكمن في السلوك. فالقطط بارعة في الذاكرة البيئية، فهي لا تحفظ الأماكن فحسب، بل تحفظ الأنماط، أوقات الطعام، إيقاع خطواتك، طريقة كلامك، حركة يدك، رمشة عينك وطاقتك العاطفية.
إذن القطّة لا تحدّد هويّتك من مظهرك، بل من التفاعل معك. وهي لا تألفك لأنك تبدو بمظهر معيّن، بل لأنك تتصرّف بطريقة مألوفة ومريحة. وأنت لست إنسانا في أذهان القطط، أنت مجرّد وجود فريد في خريطتها الاجتماعية. وهي لا ترى كائنا طويل القامة يمشي على قدمين، بل ترى نمطا من السلوك يُشعرها بالأمان: أفعالك، نبرة صوتك، طاقتك الخ. لذا قد تُربكها التغييرات المفاجئة في سلوكك، لأنها تعتبرك ركيزتها ونقطة مرجعيّتها وبوصلتها العاطفية.
وأكثر من هذا، عندما تفرك قطّتك ساقيك أو تتجعّد أو تقوّس ظهرها أو تقف بجانبك أو تضرب ذقنك برفق أو تداعب وجهك، فهذه ليست مجرّد إيماءات عشوائية، بل إشارات اجتماعية تُستخدم بين القطط، وهي تفعلها معك لأنها تعتقد أنك واحد منها.
ومن المعلومات المثيرة والمثبتة علميّا عن القطط أنها تشعر بك عندما تكون حزينا أو متوتّرا وعندما تكون سعيدا. وردّ فعلها على تلك التغييرات يقول كلّ شيء، فإذا كانت قطّتك تتكوّر بجانبك وتطيل النظر إليك، فلأنها تعرف أنك لست على ما يرام.
والمنطقة هي كلّ شيء بالنسبة للقطط، فهي تُعرّف العالم مكانيّا وليس فقط اجتماعيّا، وأنت عنصر أساسي في خريطتها المكانية. والمنزل ليس مجرّد مساحة مشتركة معك، بل هو ملكها أيضا. وكلّ جزء في الغرفة يحمل علامات الرائحة والروتين والقواعد يصبح وجودك فيه جزءا لا يتجزأ من عالم القطّة ومجالها الحيوي.
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
○ في براغ عاصمة التشيك يوجد برج استثنائي، مصنوع بالكامل من الكتب! بينما كنت واقفاً هناك أحدّق في هذا البرج، أدركت حقيقة عميقة. المعرفة حبّ، لكنها أيضا ألم كبير لأنها تذكّرنا بحدود إمكانياتنا وعجزنا. طوال حياتي، قضيت وقتا طويلا منغمسا في الكتب، حتى بلغت حدّا ظننتُ فيه أنني صرت مكتفيا، وأنني قرأت ما يكفي وعرفت أناسا بما يكفي. لكن بينما كنت أواجه أكداس البرج الضخمة من الكتب المليئة بالمعرفة والحكمة والتجارب المختلفة، لم أستطع إلا أن أشعر بضآلتي ونقصي.
في تلك اللحظة، أدركت أن المعرفة التي يحملها هذا العالم لا حدود لها، كمحيط ينتظر من يستكشفه. وهناك آلاف القصص وملايين الأرواح، كلّ منها مكتوب بأسلوب فريد. وتساءلت في داخلي: هل يمكننا أن نكتفي بما راكمناه من معرفة وأن نقول حقّا أننا حصلنا على ما يكفينا؟ والجواب: لا. لا ينبغي لنا أن نعيش في وهم أننا وصلنا إلى تلك النقطة النهائية، ولا أن ندع هذا الجوع للمعرفة في أنفسنا ينتهي، ولا أن نترك تلك الشعلة التي تحفّز فينا الرغبة في المعرفة والاستكشاف تذبل أو تموت. باتال اجرول
○ إذا نظرتَ إلى أعمال فرويد، فستجد أن شكسبير حاضر فيها جميعا. وقد أطلق فرويد على الشاعر الإنغليزي لقب "أعظم الشعراء". والذين يبدو أنهم لا يحبّون أعمال شكسبير مذهولون من موقف فرويد منه. وهناك مثقفون بارزون وكثر لا يروق لهم شكسبير كثيرا. ليو تولستوي مثلا نُقل عنه قوله ذات مرّة: أتذكّر الدهشة التي انتابتني عندما قرأت شكسبير لأوّل مرّة. توقّعت أن أحظى بمتعة جمالية غامرة. ولكن بعد أن قرأت كتبه، واحدا تلو الآخر، من "الملك لير" الى "روميو وجولييت" و"هاملت" و"ماكبث"، لم أشعر بأيّ متعة، بل شعرت بنفور وملل لا يُوصفان".
ورغم أن تولستوي صرّح علنا بكراهيته لأعمال شكسبير، إلا أنه قال مرّة: أكره مسرحياته، لكنني لا أستطيع التوقّف عن قراءتها!". فهل هذا موقف منطقي من تولستوي؟ ولماذا أصرّ على إعادة قراءة المسرحيات مرارا طالما أنه لم يجد فيها أيّ قيمة؟ هل كان ذلك لدعم رأيه القائل بألا قيمة لكتابات شكسبير، أم أنه كان يتعلّم الكثير عن الحياة البشرية من تلك المسرحيات، برغم كلّ ما فيها من "ملل" كما قال؟! ديبس باركر
○ عندما تتأمّل في العدد اللامتناهي من الصُدف التي اجتمعت لتنتجك، ستدرك حينها كم أنت إنسان فريد وثمين. ومهمّتك هي تنمية تلك الطبيعة الثمينة والمقدّسة ومساعدتها على الازدهار. روبرت أيتكين
○ بعد عقود من وفاة الرسّام الاسباني فرانسيسكو دي غويا، استلهم الفنّانون في أنحاء أوروبا شيئا من واقعيته وانجذابه للعوالم الداخلية المظلمة واهتمامه بتصوير كوارث الحروب وقضايا المجتمعات واستخدامه لوسائل وتقنيات مختلفة. واعتبر بعض هؤلاء غويا نبيّا لفنّهم الجديد.
وعلى الرغم من صعوبة تأكيد ما إذا كان النرويجي إدفارد مونك قد استلهم أعماله مباشرةً من غويا، إلا أن الاثنين كان لهما اهتمامات فنيّة مشتركة رغم أن أحدهما ولد قبل الآخر بأكثر من مائة عام. دي غويا لم يُكتشف ولم يحظَ بشهرة عالمية إلا في حياة مونك. وهذا يعني أن أعمال الفنّان الإسباني كانت جزءا من المشهد الفنّي الذي عاش مونك ضمنه. وعُرضت أعمال غويا في نفس المعارض ووُصفت بمفردات مشابهة لتلك التي وُصفت بها لوحات مونك.
وقد انبهر العديد من أصدقاء مونك وجيله بخيال غويا الخصب وتجاربه اللامحدودة. ومثل مونك، يُعتبر غويا أحد أهمّ وأشهر الفنّانين في العالم. وهذه الأيّام، في ظلّ اشتعال الصراعات والحروب في أماكن مختلفة من العالم، تظهر مدى حداثة هذين الفنّانين وصلتهما الوثيقة والمستمرّة بعالمنا. توني هانسن
○ يركّز الناس على النماذج المثالية، بينما الأفضل من ذلك أن تبحث عن نماذج مضادّة، أي أشخاص لا تريد أن تشبههم عندما تكبر. نسيم طالب
○ ضمّن أنطونيو غرامشي كتابه "دفاتر السجن" قصّة قصيرة بعنوان "حكاية القندس" قال فيها: القندس، الذي يطارده الصيّادون للحصول على خصيتيه اللتين تستخدمان لاستخراج الأدوية الطبّية منهما، يقوم عادة بتمزيق خصيتيه لإنقاذ حياته". وقد ساق غرامشي القصّة كاستعارة لعجز الحزب الاشتراكي الإيطالي عن مقاومة صعود الفاشية واقتصار تكتيكاته على سلسلة من الأخطاء التي أضعفت من قدرته على التحمّل.
وقد لا تعلم أن القندس، هذا القارض الصغير واللطيف، قد عانى تاريخا طويلا من القمع والاستغلال. فبعد وصول المستعمرين الأوروبيين الى القارّة الأمريكية بفترة وجيزة، أصبح القندس، وهو مصدر مهم للِباس وغذاء السكّان الأصليين، سلعة رئيسية لتجارة الفراء المزدهرة. وقد دفع فراء القندس الإنغليز والفرنسيين إلى حرب تجارية ضارية انتهت بانقراضه تقريبا.
ومع ذلك، ظلّت قبّعات القندس لِباسا عصريا من عام ١٥٥٠ إلى عام ١٨٥٠. وقد اختار غرامشي الحديث عن القندس من بين جميع الحيوانات الأخرى لأن القنادس كنت قد انقرضت في إيطاليا منذ القرن السابع عشر نتيجةً للصيد العشوائي والمكثّف. وأسهمت حكاية غرامشي في ترسيخ فكرة أن القنادس حيوانات غبيّة وحمقاء وأنها مسئولة عن انقراضها. سينثيا أروزي
○ الحقائق التي لا ينشرها الإعلام لا وجود لها. كم من مجزرة وكم من زلزال يحدث في العالم وكم من سفينة تغرق وكم من إنسان يُضطهد ويعذّب ويُقتل! ومع ذلك، إذا لم يكن هناك من يرى أو يكتب أو يلتقط صورة، فكأن هذه الحقائق لم تحدث قط وهذه المعاناة لا أهمية لها ولا مكان في التاريخ، لأن التاريخ لا وجود له إلا عندما يُروى. تيزيانو تيرزاني
○ أحبّ بومباي، لذا أراها من منظور الشخص المحبّ. وأنا لست أعمى عن عيوبها، وأعلم أنها يمكن أن تكون المدينة الأكثر إحباطا في العالم كلّه. سيخبرك معظم سكّان المدينة مرّة واحدة على الأقل كلّ يوم أنهم يكرهونها! لكن نفس الأشخاص، بمن فيهم أنا، سيخبرونك أيضا أنهم يقولون لأنفسهم كلّ يوم "يا إلهي، أنا أحبّ هذه المدينة!"
هناك الكثير من الأشياء التي تجعل بومباي مميّزة: النسمات الباردة، الموسيقى الموجودة في كلّ مكان؛ في كلّ سيّارة ومتجر ونافذة مفتوحة كما لو كانت المدينة معطّرة بالصوت، ملصقات الأفلام التي تحلّق في الأعالي، روعة النساء حيث المدينة معبد ونساء بومباي هنّ إلهاته، مجتمع البارسي "الزارادشتيون" حيث لا يحقّ لأيّ مدينة لا يوجد بها مجتمع بارسي أن تسمّي نفسها عظيمة، وكلّ قطاع آخر في هذا المزيج المتناقض من الوجوه والأماكن: أفضل المطاعم التي تقدّم أشهى المأكولات في العالم، المودّة والصداقات الدائمة بين الناس. وخلف كلّ ألوانها وأذواقها وروائحها وملمسها، يكمن جمال بومباي الذي لا يوصف. إنها جميلة وفخورة وجريئة وجذّابة وعطوفة. غريغوري روبرتس
○ نعيش على جزيرة محاطة ببحر من الجهل. ومع اتّساع جزيرتنا المعرفية، يتّسع شاطئ جهلنا. جون ويلر