من المؤلم أن نرى أحيانا مدى القسوة التي يبديها الناس تجاه بعضهم البعض. فقد ابتكر البشر العديد من السبل لإيذاء غيرهم من البشر، جسدياً ونفسياً. ذات مرّة نُظّم في إيطاليا معرض ضخم لأدوات التعذيب التي كانت تُستخدم في العصور الوسطى. وما تضمّنه ذلك المعرض من أدوات كان فظيعاً حقّا. فالأشياء التي كان البشر يفعلونها ببعضهم البعض باسم الله أو باسم الدولة تجعلك تشعر وكأنك تعرّضت أنت نفسك للشرّ أو أنك رأيت شيئاً ما كان ينبغي أن تراه لأنه لم يكن ينبغي له أن يوجد أصلا.
هناك من يزعم أننا جميعاً نحمل قدرا من القسوة في دواخلنا وأننا كلّنا نملك القدرة على ممارسة البشاعة، وأنه متى أتيحت لنا الفرصة فإننا سنرى مدى القسوة التي يمكن أن نمارسها ضدّ غيرنا من البشر. يقول الروائي هاروكي موراكامي: على الرغم من حسن النوايا، يمكن أن يكون الانسان أنانيّا وقاسيا وقادرا على ارتكاب الشرّ. وباستخدام بعض الأعذار المعقولة، يمكن له أن يُلحق بشخص ما جرحا لا يندمل أبدا".
وبعض العلماء يقولون إن تعامل الإنسان مع الحيوانات قد يكون مؤشّرا إمّا على إنسانيته أو على طبيعته الشرّيرة. وعن هذه الجزئية يقول شوبنهاور: إن التعاطف مع الحيوانات يرتبط ارتباطا وثيقا بحسن الخلق. ويمكننا أن نؤكّد بثقة أن أولئك الذين يعاملون الحيوانات بقسوة لا يمكن أبدا أن يكونوا أفرادا طيّبين".
غير أن الطبيعة القاسية لبعض البشر لها أسباب وعوامل مختلفة، كالشعور بالخوف وعدم الرضا عن الذّات وعدم القدرة على الحبّ وانعدام الثقة وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين والشعور بالوحدة وما إلى ذلك. وانعدام الرحمة عند بعض الناس هي علامة على وجود اعتلال روحي وعاطفي. ومن المستحيل معالجتها بمعزل عن الظروف التي أوجدتها.
والقسوة قد تكون علامة على أن الشخص يعيش حياة بائسة وأنه غير راضٍ عن نفسه وعاجز عن التعامل مع تجارب الحياة. وأحيانا يكون من الصعب فهم الطبيعة القاسية لبعض الناس المؤذين، ناهيك عن مسامحتهم. ولكن لا يجب أن ننسى أنهم في النهاية بشر.
القسّ الإفريقي ديزموند توتو تحدث ذات مرّة، بطريقة متفائلة، عن توحّش الإنسان فقال: لقد سمعت ورأيت العديد من الأمثلة على القسوة التي يمكن أن نُلحقها ببعضنا البعض كبشر. لكنّني أيضا رأيت قدراً لا يُصدّق من التسامح والرحمة. إن كلّ واحد منّا لديه القدرة على ارتكاب أعظم الشرور. ولكن مقابل كلّ فعل شرّير، هناك عشرات الأفعال الطيّبة في عالمنا والتي تمرّ دون أن يلاحظها أحد".
❉ ❉ ❉
وكان جامع التحف الروسي سيرغي شتشوكين قد اقتنى هذه اللوحة مباشرة من الفنّان في باريس. كان شتشوكين قد جمع في بداية القرن العشرين أعمال فنّانين غير معروفين آنذاك وكثيراً ما كانوا محلّ سخرية الجمهور والنقّاد، مثل ماتيس وغوغان ومونيه وسيزان وفان غوخ ودونيه وديغا ورينوار وغيرهم.
وقد تعرّض شتشوكين للتوبيخ والسخرية عندما علّق بعض قطع الفنّ الطليعي في قصره ودعا مجتمع موسكو لمشاهدتها. ولكنه كان رجلاً يتمتّع بالذكاء وبعد النظر. واستمرّ في شراء أعمال أخرى كان يتفاعل معها ويحبّها رغم أنها لم تكن تروق للذوق السائد آنذاك. وتضخّمت مجموعته الفنيّة مع مرور الأيّام وأصبح يمتلك 38 لوحة لماتيس و50 لبيكاسو بالإضافة الى العديد من الأعمال الرمزية.
وبعد نشوب الثورة الروسية عام 1917، صودرت مجموعة شتشوكين، ومن بينها لوحة "المحادثة"، ثم تبرّعت بها الدولة لمتحفي بوشكين للفنون الجميلة في موسكو والإرميتاج في سانت بطرسبرغ.
"المحادثة" لوحة كبيرة الحجم، وماتيس يظهر فيها في وضع جانبي، وهو يقف الى اليسار مرتديا بيجامة مخطّطة، بينما تجلس زوجته اميلي الى اليمين. وهناك نافذة في منتصف الجدار الأزرق خلفهما تطلّ على منظر طبيعي لحديقة. بعض النقّاد لاحظوا غلبة الأزرق على اللوحة، وهو لون بارد وعاطفي ومثير بعمقه. المساحة الزرقاء الواسعة وغير العاديّة في اللوحة توحي بالإيماءات التجريدية التي ستظهر في العديد من أعمال ماتيس المستقبلية.
مؤرّخة الفن هيلاري سبيرلينغ وصفت هذه اللوحة بأنها "لقاء قاسٍ يصوّر طبيعة العلاقة المستقبلية التي اتفق عليها ماتيس وزوجته بعد لقائهما الأوّل، عندما أخبرها بأنه على الرغم من حبّه الشديد لها إلا أنه سيحبّ دائما الرسم أكثر".
وفي حين يصوّر الفنّان لحظة في الحياة الواقعية، فإنه "يلتقط المعنى الأصدق والأعمق وراءها والأكثر اتساقا مع الواقع"، كما كتب هو نفسه عن هذه اللوحة في عام 1908. البيجامة التي يرتديها كانت رائجة في فرنسا في مطلع القرن الماضي كلباس ترفيهي. وقد جاءت إلى أوروبّا من الهند حيث كان مزارعو الشاي هناك يرتدونها. ثم أصبح ماتيس يرتديها بشكل معتاد كلباس عمل في محترفه الخاص.
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
ويقول البعض أنه في منتصف عهد أسرة تانغ، زار راهب ياباني جبلا مشهورا آخر في الصين يُدعى جبل ووتاي. كان الراهب يعبد بوذا في ذلك الجبل، ثم أراد أن يحمل تمثالا بالحجم الطبيعي لإلهه إلى اليابان. وفي طريقه إلى اليابان، توقّف في جبل بوتو لأن إعصارا كبيرا كان يقترب. واستغرق الأمر ثلاثة أيّام حتى هدأ الإعصار. وفي الليلة الأخيرة، حلم أن بوذا جاء إليه في المنام وقال له: لا أريد أن أذهب معك إلى اليابان، أريد أن أبقى في هذا المكان!".
وبناءً عليه، بقي الراهب في جبل بوتو وجمع التبرّعات ورفع تمثالا ضخما لبوذا على قمّة الجبل. ومنذ ذلك الحين، كلّما أتى إعصار إلى المنطقة، كان بوذا يعيد توجيه الإعصار دائما إلى اتجاه آخر. وقد جاء العديد من العلماء من جميع أنحاء العالم لدراسة "معجزة" جبل بوتو. وتوصّلوا الى استنتاج مفاده أن حزام الضغط المرتفع شبه الاستوائي القريب هو الذي ينفخ الهواء بعيدا عن جبل بوتو، وينقذ المنطقة من أضرار الإعصار.
هل تؤمن بالأسطورة أم بالعلم؟!
❉ ❉ ❉
ولوحظ أن لدى الفئران معرفة فطرية بالكارثة الوشيكة. وإذا شوهدت وهي تهجر سفينة، فقد يكون من الحكمة اتّباعها. وقد ذكر شكسبير شيئا مثل هذا في مسرحية "العاصفة" عندما كتب: في غضون بضع دقائق، سارعوا بنا على متن مركب، وحملونا بضعة فراسخ إلى البحر، حيث أعدّوا هيكلا متحلّلا لقارب بلا أشرعة، كان على الفئران نفسها أن تتركه غريزيّا".
Credits
art-matisse.com
dostoevsky.org
art-matisse.com
dostoevsky.org