وبينما هو معلّق هناك، لاحظ وجود نمر ثانٍ أسفل منه ينتظر سقوطه إلى سفح الهاوية ليأكله. وعندما بدأ الرجل يفقد قواه لاحظ وجود ثمرة فراولة برّية نمت بالقرب منه. فقطفها ووضعها في فمه وهو يعلم تماما أنها ستكون آخر شيء يأكله على الإطلاق. واكتشف كم كانت تلك الثمرة حلوة ولذيذة.
المذاق الحلو والمرّ لآخر حبّة فراولة في حكاية الزِن القديمة هذه هو تعبير عن الجمال الكامن في الفترة التي تفصل بين مجيء الحياة وذهابها وبين الفرح والحزن اللذين يشكّلان أقدارنا كبشر.
وأحد الدروس المستفادة من هذه الحكاية هو أنه إذا كان عقل الإنسان هادئا فيمكنه أن يُبقي نفسه بعيدا عن صخب العالم، على الرغم من أنه يعيش وسط ذلك الصخب.
وأيضا نحن لا نعرف في الواقع ما الذي سيحدث في اللحظة التالية من حياتنا، مثلما لم نعرف ما الذي انتهت اليه هذه القصّة. ظللنا مع الرجل معلّقين على حافة الجرف. ولم نعرف هل سقط فعلا؟ هل أكله السبع؟ أم حصل أمر مفاجئ أفزع النمر فهرب، وعاش الرجل بعد ذلك ليروي قصّته الرائعة؟ وسواءً أكانت تلك آخر لحظات الرجل على الأرض أم لا، فإن ما نعرفه على وجه التأكيد انه جرّب شيئا ممتعا وكان طعمه حلوا.
هذه القصّة يمكنك قراءتها على أكثر من وجه. إذ يمكن أن تكون نصيحة لتقدير اللحظة الراهنة، أو أن تكون تحذيرا لكي تنتبه إلى حواسّك وتمتنع عن التمسّك بالمتع. وأيّا ما كان تفسيرك فهو صحيح.
لكن فلاسفة الزن الذين ابتكروا هذه القصّة يرون أن الحياة معاناة وأننا يمكن أن نموت في ايّ لحظة. والرجل المتشبّث بغصن الشجرة كان يعيش اللحظة الراهنة، لذا أكل الفاكهة وتجاهل الخطر.
وهناك تفسير آخر للقصّة. فقد يكون النمر الأوّل رمزا لماضي الإنسان وما فيه من صعوبات وصدمات إن لم يتعامل معها بوعي فإنها قد تورثه القلق والمعاناة. أما النمر الآخر المنتظر أسفل السفح فيرمز إلى المستقبل والتحدّيات التي يمكن أن نواجهها في قادم الأيّام.
إنّنا عادة نركّز على "نمر" الحياة (أي مخاطرها) ونتجاهل ثمرة الفراولة التي هي حولنا في كلّ مكان، لكنّنا لا نركّز بما فيه الكفاية لنراها. هناك ثمار ممتعة كثيرة حولنا: عائلاتنا، حواسّنا، الأزهار، الهواء، المطر، الشمس، الماء الخ.
وأنت تقرأ هذه القصّة، ربّما فوجئت بتصرّف الرجل وكيف أنه في مثل ذلك الموقف العصيب والمهدّد لحياته خطر بباله أن يأكل ثمرة فاكهة ويستمتع بها. لكن موقفه ليس مستغربا كثيرا.
فبعض المرضى الذين أُبلغوا بأنهم يعانون من أمراض خطيرة ولا شفاء منها، أصبحت اصوات العصافير عندهم أجمل ومنظر الخضرة والأشجار أروع وصحبة أصدقائهم أفضل وأكثر إمتاعا، خاصّة بعد أن عرفوا أن "النمر"، أي الموت، سيأكلهم في النهاية، وهو "آكلهم" على كلّ حال سواءً بالمرض أو بدونه.
من المستحيل أن يسير سكّان عوالم مختلفة أو يجلسوا أو يقفوا على نفس الطابق، لأن لديهم مفاهيم مختلفة حول ما هو أفقي وما هو عمودي. لكن من الممكن أن يتشاركوا في استخدام نفس الدرج. على الدرج العلوي، يتحرّك شخصان جنبا إلى جنب وفي نفس الاتجاه.
ومع ذلك ينزل أحدهما إلى الطابق السفلي والآخر يصعد إلى الطابق العلوي. الاتصال بينهما غير وارد، لأنهما يعيشان في عالمين مختلفين، وبالتالي لا يمكن أن يكون لديهما معرفة عن وجود بعضهما البعض.
❉ ❉ ❉