بيني وبين غابرييل غارسيا ماركيز بعض الاشياء المشتركة. فقد اكتشف كلانا كافكا اثناء الدراسة في بوغوتا. وعرفنا معا أننا نريد ان نكتب الى الابد بعد ان استعرنا وقرأنا نسختين من رواية "المسخ". وأثبتت قراءتنا لتلك الرواية الصغيرة التي تعد مثالا على الامكانيات التي لا تنتهي للرواية الخيالية، اثبتت انها كانت نقطة تحوّل مركزية في مسارنا معا.
في مقابلة أجراها عام 1981 مع صحيفة باريسية قال ماركيز: كاد السطر الاول من رواية كافكا ان يطيح بي من فوق السرير. لم أكن اعرف انه مسموح لأي شخص بكتابه اشياء مثل تلك. ولو كنت اعرف هذا لكنت بدأت الكتابة منذ وقت طويل".
وفي عام 1982 نال ماركيز جائزه نوبل للأدب. ورغم كل الأوسمة والجوائز التي نالها، إلا أنه لم يركن الى الراحة، بل عمل بجدّ أكبر وكتب المزيد.
وعلى الرغم من انه قد يكون من السهل ان نركّز معظم المديح على روايته "مائة عام من العزلة"، وهي بلا شك اهم كتبه، دعونا ألا ننسى رواياته وقصصه القصيرة، وألا نخدع أنفسنا إذ نعتقد بأن الكتب الكبيرة هي وحدها ما يستحقّ الحديث والمدح.
والتفكير ينصبّ هنا وبشكل خاص على روايته "ليس للكولونيل من يكاتبه"، ثاني كتاب له. هذه الرواية القصيرة، التي تتحدّث عن ضابط سيّء الحظ ينتظر كل نهاية شهر وبفارغ الصبر معاشه التقاعدي، بعيدة كل البعد عن الواقعية السحرية التي اشتهر بها ماركيز. اذ لا يوجد بها اشباح ولا غجر، ولن تجد فيها اي ذكر للسجّاد الطائر وأطفال التماسيح. ومع ذلك فهي تلفت انتباهنا الى براعة ماركيز المعتادة في منح السرد عمقا وجمالا.
في هذه الرواية يتعمّق ماركيز في موضوعات الفساد والرقابة بروح الصحفي الذي كانه. كما يتعامل مع الحياة اليومية للكولونيل بتفاصيل دقيقة تشبه عمل الرسّام، وكل ضربه فرشاه تمنح قوّة لكامل السرد. ومشاهد الكولونيل وهو يعدّ القهوة ويتفقّد البريد، الى غير ذلك من الاعمال الروتينية، هي تذكير مفجع بالشيخوخة وبذكريات الامس الذي لن يعود.
وهناك قصّة أخرى قصيرة بعنوان "في أحد تلك الأيّام"، ورغم انها تتمدّد على صفحات معدودة، الا انها شبه مثاليه في بنائها. وتتحدث عن طبيب اسنان فقير وغير مرخّص اسمه اوريليو اسكوفار يستدعيه عمدة القرية لخلع سنّ مصاب. في البداية يرفض الطبيب، لكنه يذعن بمجرّد تهديده بالعنف. ويخبر اسكوفار العمدة بأن السنّ يجب خلعه باستخدام ملقط ساخن ودون تخدير. ثم يدور حديث قصير بين الرجلين يُفهم منه دور التلاعب والابتزاز في مجتمع فاسد. والجمل القليلة التي يتبادلانها هي أكثر من مجرد كلام.
ولماركيز أيضا رواية قصيرة أخرى بعنوان "أجمل غارق في العالم"، وهي من بواكير اعماله. وتُظهِر ماركيز وهو يضع جنبا الى جنب الاعتيادي مع الفانتازي. وتتعلق القصة، كما يوحي العنوان، برجل ضخم يغرق ثم تجرف الامواج جثّته الى شاطئ قرية صغيرة. ويتعاطف الناس معه ويتعاملون مع جثّته بكل تكريم واحترام. وبسبب افتتانهن بوزنه الضخم وجماله، تقرّر نساء القرية ان يصنعن له بعض السراويل من قطعة كبيرة من القماش. ولقاؤهن بالرجل الميّت يغيّرهن بشكل جذري.
لقد رحل عنّا غابرييل غارسيا ماركيز. ولكن لحسن الحظ بقيت اعماله. والعديد من قصصه ورواياته القصيرة، ولكن المثيرة، يجب مقاربتها بنفس الاحترام الذي يُعطى لأعماله الطويلة والكبيرة.
في مقابلة أجراها عام 1981 مع صحيفة باريسية قال ماركيز: كاد السطر الاول من رواية كافكا ان يطيح بي من فوق السرير. لم أكن اعرف انه مسموح لأي شخص بكتابه اشياء مثل تلك. ولو كنت اعرف هذا لكنت بدأت الكتابة منذ وقت طويل".
وفي عام 1982 نال ماركيز جائزه نوبل للأدب. ورغم كل الأوسمة والجوائز التي نالها، إلا أنه لم يركن الى الراحة، بل عمل بجدّ أكبر وكتب المزيد.
وعلى الرغم من انه قد يكون من السهل ان نركّز معظم المديح على روايته "مائة عام من العزلة"، وهي بلا شك اهم كتبه، دعونا ألا ننسى رواياته وقصصه القصيرة، وألا نخدع أنفسنا إذ نعتقد بأن الكتب الكبيرة هي وحدها ما يستحقّ الحديث والمدح.
والتفكير ينصبّ هنا وبشكل خاص على روايته "ليس للكولونيل من يكاتبه"، ثاني كتاب له. هذه الرواية القصيرة، التي تتحدّث عن ضابط سيّء الحظ ينتظر كل نهاية شهر وبفارغ الصبر معاشه التقاعدي، بعيدة كل البعد عن الواقعية السحرية التي اشتهر بها ماركيز. اذ لا يوجد بها اشباح ولا غجر، ولن تجد فيها اي ذكر للسجّاد الطائر وأطفال التماسيح. ومع ذلك فهي تلفت انتباهنا الى براعة ماركيز المعتادة في منح السرد عمقا وجمالا.
في هذه الرواية يتعمّق ماركيز في موضوعات الفساد والرقابة بروح الصحفي الذي كانه. كما يتعامل مع الحياة اليومية للكولونيل بتفاصيل دقيقة تشبه عمل الرسّام، وكل ضربه فرشاه تمنح قوّة لكامل السرد. ومشاهد الكولونيل وهو يعدّ القهوة ويتفقّد البريد، الى غير ذلك من الاعمال الروتينية، هي تذكير مفجع بالشيخوخة وبذكريات الامس الذي لن يعود.
وهناك قصّة أخرى قصيرة بعنوان "في أحد تلك الأيّام"، ورغم انها تتمدّد على صفحات معدودة، الا انها شبه مثاليه في بنائها. وتتحدث عن طبيب اسنان فقير وغير مرخّص اسمه اوريليو اسكوفار يستدعيه عمدة القرية لخلع سنّ مصاب. في البداية يرفض الطبيب، لكنه يذعن بمجرّد تهديده بالعنف. ويخبر اسكوفار العمدة بأن السنّ يجب خلعه باستخدام ملقط ساخن ودون تخدير. ثم يدور حديث قصير بين الرجلين يُفهم منه دور التلاعب والابتزاز في مجتمع فاسد. والجمل القليلة التي يتبادلانها هي أكثر من مجرد كلام.
ولماركيز أيضا رواية قصيرة أخرى بعنوان "أجمل غارق في العالم"، وهي من بواكير اعماله. وتُظهِر ماركيز وهو يضع جنبا الى جنب الاعتيادي مع الفانتازي. وتتعلق القصة، كما يوحي العنوان، برجل ضخم يغرق ثم تجرف الامواج جثّته الى شاطئ قرية صغيرة. ويتعاطف الناس معه ويتعاملون مع جثّته بكل تكريم واحترام. وبسبب افتتانهن بوزنه الضخم وجماله، تقرّر نساء القرية ان يصنعن له بعض السراويل من قطعة كبيرة من القماش. ولقاؤهن بالرجل الميّت يغيّرهن بشكل جذري.
لقد رحل عنّا غابرييل غارسيا ماركيز. ولكن لحسن الحظ بقيت اعماله. والعديد من قصصه ورواياته القصيرة، ولكن المثيرة، يجب مقاربتها بنفس الاحترام الذي يُعطى لأعماله الطويلة والكبيرة.
Credits
Npr.org
Npr.org