أوصى أبو العلاء المعرّي بأن يُكتب على شاهد قبره: هذا جناه ابي عليّ وما جنيت على أحد". لكن ألم يكن ابو العلاء شاعرا وحكيما وإنسانا عاقلا وناضجا؟ كيف إذن غاب عن باله ان الانسان مسئول بالكامل عن حياته؟ ولماذا علّق اخفاقاته على والده وبرّأ نفسه؟
ربّما لم يكن المعرّي يقصد والده بشخصه، وإنما أزمته الوجودية هو بما لها من مظاهر متعدّدة، مثل معاناته في الحياة وتجربته مع فقدان نعمة البصر وفقره ومرضه والفتن والمآسي التي رآها وعاصرها، وأيضا الأذى والتشهير اللذين تعرّض لهما بعد اتهامه بالزندقة بسبب بعض شعره.
لكن هناك من يرى أن المعرّي لم تكن أزمته الدِّين بل البشر، فقد كشفت له حساسيته المفرطة والصادقة عن عالم البشر مبكّرا. ولمّا لم يستطع أن ينجو منهم أو أن يشفي غليله منهم، اتّجه إلى نفسه يلومها ويؤلمها.
وهناك من يؤكّد أنه كان يقصد والده الحقيقيّ فعلا لأنه رآه سببا في أزمته الوجودية عندما أتى به إلى هذه الدنيا المرعبة. ومن المعروف أن المعرّي لم يتزوّج فينجب، ولذا قال: وما جنيتُ على أحد".
الكثير من شعر المعرّي يصحّ وصفه بأنه عابر للأزمنة والثقافات والأديان. ومن ذلك قوله:
إذا الإنسان كفّ الشرَّ عنّي : فسُقيا في الحياةِ له ورَعيا
ويدرسُ إن أرادَ كتابَ موسى : ويُضمرُ إن أحبَّ ولاءَ شَعيا
والمعنى: ليكن دينك أو معتقدك ما تشاء. المهم أن تُسالم الناس وتكفّ أذاك عنهم.
وأيضا قوله:
أتتني من الإيمانِ ستّون حجّةً : وما أمسكتْ كفّي بثني عِنانِ
ولا كان لي دارٌ ولا ربعُ منزلٍ : وما مسّني من ذاك روعُ جَنانِ
تذكرتُ أني هالكٌ وابنُ هالكٍ : فهانت عليّ الأرضُ والثقلانِ
ربّما لم يكن المعرّي يقصد والده بشخصه، وإنما أزمته الوجودية هو بما لها من مظاهر متعدّدة، مثل معاناته في الحياة وتجربته مع فقدان نعمة البصر وفقره ومرضه والفتن والمآسي التي رآها وعاصرها، وأيضا الأذى والتشهير اللذين تعرّض لهما بعد اتهامه بالزندقة بسبب بعض شعره.
لكن هناك من يرى أن المعرّي لم تكن أزمته الدِّين بل البشر، فقد كشفت له حساسيته المفرطة والصادقة عن عالم البشر مبكّرا. ولمّا لم يستطع أن ينجو منهم أو أن يشفي غليله منهم، اتّجه إلى نفسه يلومها ويؤلمها.
وهناك من يؤكّد أنه كان يقصد والده الحقيقيّ فعلا لأنه رآه سببا في أزمته الوجودية عندما أتى به إلى هذه الدنيا المرعبة. ومن المعروف أن المعرّي لم يتزوّج فينجب، ولذا قال: وما جنيتُ على أحد".
الكثير من شعر المعرّي يصحّ وصفه بأنه عابر للأزمنة والثقافات والأديان. ومن ذلك قوله:
إذا الإنسان كفّ الشرَّ عنّي : فسُقيا في الحياةِ له ورَعيا
ويدرسُ إن أرادَ كتابَ موسى : ويُضمرُ إن أحبَّ ولاءَ شَعيا
والمعنى: ليكن دينك أو معتقدك ما تشاء. المهم أن تُسالم الناس وتكفّ أذاك عنهم.
وأيضا قوله:
أتتني من الإيمانِ ستّون حجّةً : وما أمسكتْ كفّي بثني عِنانِ
ولا كان لي دارٌ ولا ربعُ منزلٍ : وما مسّني من ذاك روعُ جَنانِ
تذكرتُ أني هالكٌ وابنُ هالكٍ : فهانت عليّ الأرضُ والثقلانِ
في الأبيات السابقة يعلن أبو العلاء انه زاهد في الدنيا ومتاعها عندما يتذكّر أن كلّ شيء فيها محكوم بالفناء في النهاية.
الفيلسوف الفرنسي باسكال اشتهر بمقولاته عن "حساب الاحتمالات"، وأشهرها الذي يقول فيه إن عاقبة الإيمان أفضل من عاقبة الإنكار. لكن المعرّي سبقه إلى هذه الفكرة بـ 500 عام عندما قال:
قال المنجّم والطبيب كلاهما : لا يُبعث الأموات قلتُ إليكما
إن صحّ قولكما فلست بخاسرٍ : أو صحّ قولي فالخَسار عليكما
يروي الثعالبي انه سمع يوما شخصا يقول: لقيت بمعرّة النعمان شاعرا أعمى يلعب الشطرنج والنرد ويدخل في كلّ فنّ من الجد والهزل، يُكنّى ابا العلاء. وقد سمعته يقول: أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، فقد صنع لي وأحسن بي إذ وقاني رؤية الثقلاء والبغضاء".
في حوالي عام ٣٩٨ للهجرة، وأثناء رحلته إلى بغداد، مرّ أبو العلاء بشجرة. فقال له دليله: إخفض رأسك". ففعل. وعندما عاد من تلك الرحلة بعد أكثر من عام ومرّ بذلك المكان خفضَ رأسه من تلقاء نفسه. فلما سُئل عن ذلك قال: هنا شجرة". فقال له من معه: لا يوجد هنا شيء". وعندما تفحّصوا الموضع وجدوا أصل شجرة مجتثّة.
قيل إن أبا العلاء ذهب آنذاك إلى العراق للتعريف بنفسه ومقابلة مشايخ البلاد وشعرائها. ويبدو انه عاد من هناك قبل الأوان لسبب ما. وقال شعرا يشي بحنينه الى مسقط رأسه:
فيا برقُ ليس الكرخ داري وإنّما : رماني إليه الدهر منذ ليالِ
فهل فيك من ماء المعرّة قطرةٌ : تغيثُ به ظمآنَ ليس بِسالِ
الرحّالة والشاعر الفارسي ناصر خسرو سافر في أرجاء العالم الإسلامي لسبع سنوات في القرن الحادي عشر. وقد توقّف في معرّة النعمان في سوريا، ثم كتب وصفا غريبا عن لقاء له مع المعرّي. يقول:
وكان بالمعرّة رجل كفيف يُدعى أبا العلاء. وعلمتُ أنه حاكم المدينة ويملك ثروة عظيمة وعبيدا وخدما كثيرين. لكنه سلك طريق الزهد فلبس الصوف ولزم بيته لا يبرحه. وكان قوت يومه نصف رغيف من الشعير لا يأكل غيره أبدا".
توفّي أبو العلاء المعرّي في ربيع الأوّل سنة ٤٤٩ للهجرة، ووقف على قبره أكثر من ثمانين شاعرا يرثونه، وتُلي القرآن الكريم على مثواه لسبعة أيّام. وكان ممّن أبّنوه شاعر يُدعى أبا الفتح الحسن ابن عبدالله الذي ألقى قصيدة مشهورة يقول فيها:
العلمُ بعد أبي العلاءِ مُضيّعُ : والأرضُ خاليةُ الجوانبِ بلقعُ
جادت ثراكَ أبا العلاءِ غمامةٌ : كَنَدى يديكَ ومُزنةٌ لا تُقلِعُ
ما ضيَّعَ الباكي عليكَ دموعهُ : إِن الدموعَ على سواكَ تُضَيَّعُ
وأختم بهذه الأبيات للجواهري في مديح المعرّي:
قم بالمعرّة وامسح خدّها الترِبا : واستوحِ من طوّق الدنيا بما وهبا
واستوحِ من طبّب الدنيا بحكمته : ومن على جرحها من روحه سكبا
وسائل الحفرة المرموق جانبها : هل تبتغي مطمعا أو ترتجي طلبا
الفيلسوف الفرنسي باسكال اشتهر بمقولاته عن "حساب الاحتمالات"، وأشهرها الذي يقول فيه إن عاقبة الإيمان أفضل من عاقبة الإنكار. لكن المعرّي سبقه إلى هذه الفكرة بـ 500 عام عندما قال:
قال المنجّم والطبيب كلاهما : لا يُبعث الأموات قلتُ إليكما
إن صحّ قولكما فلست بخاسرٍ : أو صحّ قولي فالخَسار عليكما
يروي الثعالبي انه سمع يوما شخصا يقول: لقيت بمعرّة النعمان شاعرا أعمى يلعب الشطرنج والنرد ويدخل في كلّ فنّ من الجد والهزل، يُكنّى ابا العلاء. وقد سمعته يقول: أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، فقد صنع لي وأحسن بي إذ وقاني رؤية الثقلاء والبغضاء".
في حوالي عام ٣٩٨ للهجرة، وأثناء رحلته إلى بغداد، مرّ أبو العلاء بشجرة. فقال له دليله: إخفض رأسك". ففعل. وعندما عاد من تلك الرحلة بعد أكثر من عام ومرّ بذلك المكان خفضَ رأسه من تلقاء نفسه. فلما سُئل عن ذلك قال: هنا شجرة". فقال له من معه: لا يوجد هنا شيء". وعندما تفحّصوا الموضع وجدوا أصل شجرة مجتثّة.
قيل إن أبا العلاء ذهب آنذاك إلى العراق للتعريف بنفسه ومقابلة مشايخ البلاد وشعرائها. ويبدو انه عاد من هناك قبل الأوان لسبب ما. وقال شعرا يشي بحنينه الى مسقط رأسه:
فيا برقُ ليس الكرخ داري وإنّما : رماني إليه الدهر منذ ليالِ
فهل فيك من ماء المعرّة قطرةٌ : تغيثُ به ظمآنَ ليس بِسالِ
الرحّالة والشاعر الفارسي ناصر خسرو سافر في أرجاء العالم الإسلامي لسبع سنوات في القرن الحادي عشر. وقد توقّف في معرّة النعمان في سوريا، ثم كتب وصفا غريبا عن لقاء له مع المعرّي. يقول:
وكان بالمعرّة رجل كفيف يُدعى أبا العلاء. وعلمتُ أنه حاكم المدينة ويملك ثروة عظيمة وعبيدا وخدما كثيرين. لكنه سلك طريق الزهد فلبس الصوف ولزم بيته لا يبرحه. وكان قوت يومه نصف رغيف من الشعير لا يأكل غيره أبدا".
توفّي أبو العلاء المعرّي في ربيع الأوّل سنة ٤٤٩ للهجرة، ووقف على قبره أكثر من ثمانين شاعرا يرثونه، وتُلي القرآن الكريم على مثواه لسبعة أيّام. وكان ممّن أبّنوه شاعر يُدعى أبا الفتح الحسن ابن عبدالله الذي ألقى قصيدة مشهورة يقول فيها:
العلمُ بعد أبي العلاءِ مُضيّعُ : والأرضُ خاليةُ الجوانبِ بلقعُ
جادت ثراكَ أبا العلاءِ غمامةٌ : كَنَدى يديكَ ومُزنةٌ لا تُقلِعُ
ما ضيَّعَ الباكي عليكَ دموعهُ : إِن الدموعَ على سواكَ تُضَيَّعُ
وأختم بهذه الأبيات للجواهري في مديح المعرّي:
قم بالمعرّة وامسح خدّها الترِبا : واستوحِ من طوّق الدنيا بما وهبا
واستوحِ من طبّب الدنيا بحكمته : ومن على جرحها من روحه سكبا
وسائل الحفرة المرموق جانبها : هل تبتغي مطمعا أو ترتجي طلبا