:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، يوليو 14، 2024

موت الاسكندر


عندما حضر الاسكندر المقدوني الموت بالقرب من بابل، فكّر في فتوحاته وأمجاده وفي الثروات التي جمعها خلالها، وأدرك أن كلّ ذلك لا يساوي شيئا طالما أن الموت قدر محتّم على الانسان في النهاية.
بعد ذلك طلب رؤية أمّه فأُخبر باستحالة ذلك. ثم أوصى بثلاث وصايا: أن يحمله أطبّاؤه وحدهم إلى القبر، وأن يُفرش الممرّ الى القبر بالذهب، وأن تُترك يداه متدليّتين خارج الكفن. ووسط دهشة مساعديه وحاشيته من تلك الوصايا قال: أريد أن يحملني الأطبّاء وحدهم لكي يعرف الناس أن لا طبيب قادر على إنقاذ انسان واحد من الموت.
وأريد ان يُفرش الطريق الى القبر بالذهب لكي يعرف الناس ان الانسان لا يأخذ معه الى القبر شيئا مهما كدّس من ثروات في حياته وأن صرف الانسان عمره في جمع المال هو مضيعة للوقت والصحّة وراحة البال. وأريد أن تظلّ يداي خارج الكفن لكي يعرف الناس انني أتيت الى هذا العالم بيدين خاويتين وأرحل عنه الآن كما أتيته."
القصّة أعلاه ليس هناك ما يؤكّد أو ينفي وقوعها. لكن من المؤكّد أن الاسكندر توفّي بالقرب من بابل عام ٣٢٣ قبل الميلاد بعد إصابته بمرض غامض. في لوحة من ديوان الشاعر الآذاري نظامي، يظهر مجموعة من الرجال وهم يحملون كفن القائد اليوناني المغطّى بالحرير بينما وُضعت عمامته عند مستوى رأسه.
المؤرّخ الروماني بلوتارك يذكر حادثة غريبة قد تفسّر سبب وفاة الإسكندر. فأثناء دخوله الى بابل، رأى في السماء سربا من الغربان التي أظهرت سلوكا غير عادي ثم ماتت بعد ذلك عند قدميه. وسلوك تلك الغربان يذكّر بمرض الطيور وموتها عادةً قبل أسابيع من اكتشاف أوّل حالات إصابة البشر بفايروس يسبّب التهاب الدماغ ومن ثم الموت.
يقال إن الاسكندر كان يضع تحت مخدّته قبل أن ينام نسخة من ملحمة الإلياذة وخنجرا. كان يداوم على قراءة كتاب هوميروس بحماس وإعجاب بعد أن أهداه إيّاه أستاذه ارسطو. وقد أخذ الكتاب معه في غزواته في بلدان آسيا الصغرى. وكان معجبا كثيرا بشخصية البطل الإغريقي أخيل ولطالما اعتبره مثله الأعلى في الشجاعة.
كان غزو الاسكندر لبلاد فارس في القرن الخامس قبل الميلاد في جزء منه نوعا من الانتقام لغزو داريوش ملك الفرس لأراضي اليونان. وقد دمّر الاسكندر بيرسيبوليس عاصمة الإخمينيين الفرس بعد ليلة ماجنة. وقيل إن ذلك كان انتقاما منهم لتدميرهم الأكروبوليس الأثيني قبل ذلك بسنوات. ثم دمّر قبر كوروش العظيم، ولم يوفّر حتى معابد الزرادشتيين الذين رأى حكماؤهم في ما حدث كارثة وشؤما.
وفيما بعد تكرّست في الغرب قصّة خرافية تزعم أن الاسكندر أراد من وراء غزوه جلب الحضارة الى الشرق المتوحّش والمتخلّف. لكن يُشاع أن الاسكندر ندم قبل وفاته على عمليات التخريب التي رافقت حملته العسكرية على بلاد الفرس. وقيل انه لو عاش حياة أطول لأصلح الكثير مما خرّبه جنوده.


بعض المصادر التاريخية تذكر انه أثناء غزوه لبلاد فارس، كاد الاسكندر أن يظفر بالملك داريوش ويأسره وهو حيّ، لولا أن الأخير تمكّن من الفرار على ظهر حصان. لكن بعد أيّام قُتل داريوش على يد ابن عمّ له. وأرسل القاتل رأس الملك الى الاسكندر كلفتة مجاملة وولاء، وربّما طمعا في مال أو سلطان.
وقد صُدم القائد اليوناني من تلك الخيانة واستشار بعض حاشيته في امر الرجل فأشاروا عليه بمكافأته. فقال: وكيف نأمنه وقد غدر بأقرب الناس إليه"! ثم أمر بأن يؤتى بالرجل فيُسجن ويُعذّب كأشدّ ما يكون العذاب ثم يُقتل جزاءً له على فعلته.
الفرس من ناحيتهم تصالحوا مع فاتحهم المقدوني واستوعبوه في نسيج تاريخهم الوطني، تماما كما فعلوا مع غيره من الغزاة. في ملحمة الشاهنامه المكتوبة في القرن العاشر الميلادي، يصوَّر الاسكندر، ليس كقائد أجنبي، وإنما كأمير مولود لأب من بلاد فارس. وتلك طبعا أسطورة.
كان أرسطو قد حثّ تلميذه الاسكندر المقدوني على أن يكتسب المجد على حساب الشعوب التي تُعتبر أقلّ شأنا من الإغريق. وكان يرى العبودية أمرا طبيعيا. وقد غضب عندما سمع أن الاسكندر بدأ يرتدي الملابس الفارسية ويتصرّف كأهل فارس بعد أن هزم ملكهم واستولى على عاصمتهم. ودبّ الجفاء أكثر بينه وبين الاسكندر بعد أن علم انه و90 من قادة جيشه تزوّجوا من نساء فارسيات. كان أرسطو يؤمن بتفوّق الإغريق ويرى أن البشر ينقسمون إمّا إلى يونانيين أو برابرة.
بعد إخضاعه للإمبراطورية الفارسية، تحرّك الاسكندر غربا نحو الهند. ثم قرّر لسبب غير معروف العودة الى مسقط رأسه في مقدونيا. لكنه لم يصلها أبدا، فقد توفّي في بابل وعمره لا يتجاوز الـ 32.
كان موت الإسكندر مفاجئا وصادما، لدرجة أنه عندما وصل خبر موته إلى اليونان، لم يصدّقه الناس على الفور بل اعتبروه شائعة. ولم يكن للإسكندر وريث واضح أو شرعي، لأن ابنه ولد بعد وفاته. وبحسب مؤرّخ يوناني قديم، فإن رفاق الإسكندر سألوه وهو على فراش الموت لمن سيورّث مملكته، فأجاب: للأقوى".
كان في نيّة الاسكندر قبل وفاته أن يقيم لوالده فيليب ضريحا يكون أضخم من أهرامات مصر. وقد حالت وفاته المبكّرة دون اكمال المشروع. وتقاسم خلفاؤه من القوّاد المال الذي جمعه للضريح، فأنشأوا به جيوشا حاربوا بها بعضهم بعضا للسيطرة على بقيّة تركته. وبعد 40 عاما من الحروب والفوضى، تفكّكت إمبراطوريّته وانقسمت الى أربع دول.

Credits
greeka.com