:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، سبتمبر 21، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • لا يُحتفى بإدفارد مونك كفنّان نرويجي بارز فحسب، بل يُعدّ أيضا شخصية فريدة تركت بصمة مهمّة في الثقافة العالمية. وما يجعله فنّانا مميّزا ومثيرا للجدل هو أن لوحاته ورسوماته ومطبوعاته تتناول مواضيع شغلت البشرية منذ القدم. ماذا يعني أن نولد، وماذا يعني أن نموت، وما هو الحب؟ ما المعنى الجوهري لهذه المفاهيم التي تشكّل تفكيرنا الجمعي كبشر والتي ورثناها من خلال الأساطير والرمزية الثقافية والتاريخ؟
    لوحة مونك هذه اسمها "العاصفة"، ويقال انه استلهم موضوعها من عاصفة عنيفة ضربت بلدة اوسغورستراند الساحلية النرويجية، حيث كان مونك يقضي صيفه غالبا.
    ويظهر فيها مجموعة من النساء اللاتي يرتدين ملابس داكنة وهنّ يغادرن مكان حفل زفاف في المنزل المضاء في الخلفية. وعبر ممرّ صخري، يأخذن طريقهنّ نحو البحر القريب.
    انحناء الشجرة الكبيرة وتغطية النساء لآذانهنّ بأيديهنّ لحجب صفير الرياح وعويل البحر يوحي بقوّة الرياح. والأشكال الضبابية والخطوط الناعمة تُضفي على المشهد غموضا بينما تبدو النساء كالأشباح. النمط المتداخل من الألوان والخطوط العريضة يعطي إحساسا، ليس فقط باضطراب الطبيعة، بل أيضا بالصراع الداخلي. كما أن نوعية التوليف تعكس الى حدّ ما انشغال مونك بمفهوم الفرد المنعزل عن مجتمع الآخرين.
    كان مونك يكشف في صوره عن هواجس وجودية مختلفة، كالحبّ والرغبة والغيرة والقلق والموت، أو عن حالات انفعالية مثل الكآبة والعاطفة والخضوع. وفي بعض اعماله، تُعتبر المباني نصف المضاءة مصدرا للخوف او الخطر، وربّما يكون هذا هو المعنى المقصود هنا.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • من أصعب الأشياء تحويل كتاب مثل "خطّ الدم" لكورماك مكارثي إلى فيلم سينمائي . لكن المخرج ريدلي سكوت حاول ذلك بأقصى ما يستطيع، رغم طول الرواية وما فيها من كمّية الوحشية والعنف. والعنصر الأهم في الكتاب الذي يصعب تصويره على الشاشة هو سحابة اليأس والعبث الكثيفة التي تتخلّله.
    و"خطّ الدم" تستند إلى أحداث موثّقة وحقيقية، وتروي قصّة عصابة من المرتزقة الأمريكيين يخوضون رحلتهم القاتلة والمتهوّرة على طول الحدود بين تكساس والمكسيك، حيث يسلخون جلود الهنود ويبيعون رؤوسهم مقابل الذهب. والهدف المعلن هو جعل المنطقة آمنة للمكسيكيين والأمريكيين. لكن الوسائل تفسد الغايات.
    ولا يقتصر الأمر على فروة الرأس الملطّخة بالدماء وجثث الأطفال الرضّع المتدلّية من الأشجار والجماجم المحروقة بأشعّة الشمس الحارقة على الحدود وغيرها من مشاهد الرواية/الفيلم الرهيبة، بل الشعور الذي ينتاب المرء بأن هذا هو الواقع فعلا وألا راحة ولا خير في هذا العالم.
    لذلك قد لا يكون "خطّ الدم" كتاباً لضعاف القلوب. فقسوته لا هوادة فيها. وأسلوب مكارثي النثريّ قويّ وواضح، وعالمه مجرّد من أيّ تظاهر بالأخلاق. فالحياة بين الولايات المتحدة والمكسيك في منتصف القرن التاسع عشر لم تكن تطاق، والوحشية والموت وانعدام الثقة منتشرة في كلّ مكان، والألم والمعاناة لا نهاية لهما.
    ورغم تكليف عصابة غلانتون بمهمّة قتل شعب الأباتشي، إلا أن أفراد العصابة لا يتردّدون في قتل أيّ شخص يصادفونه في طريقهم. وما يتكشّف ليس قصّة بقدر ما هي مسيرة في الظلام، وتصوير للبشرية في حالة طبيعة "هوبزية" .
    وفي قلب الكتاب نجد القاضي الغامض هولدن الذي يتمتّع بما يشبه الهالة الأسطورية. فهو ضخم وأصلع وماهر للغاية في كلّ شيء ويلقي خطبا سريعة عن العلم والفلسفة. وعندما قابلته عصابة غلانتون لأوّل مرّة، كان، مثل الشيطان في كتاب "الفردوس المفقود"، يصنع البارود.
    وهذا القاضي في الرواية والفيلم يجسّد قوّة كاسرة، إذ يدفع العصابة لارتكاب فظائع متزايدة الوحشية. وهو يبرّر ذلك بخطابات مطوّلة ومتشعّبة يجادل فيها بأن الحرب ليست عيبا بشريا، بل هي أساس الوجود. "الحرب إله" و"الحرب أصدق أشكال العِرافة".
    ثم يخبرنا هذا القاضي، وهو جالس أمام نار مشتعلة وملطّخ بشحم حيوان ونخاعه، بقوله: قبل أن يوجد الإنسان، كانت الحرب تنتظره. المهنة النهائية تنتظر ممارسها النهائي. هكذا كانت وسوف تكون. هكذا لا غير". والمشهد الذي يلي كلامه يمكن مقارنته بالجحيم: عبروا جبال مالباي على ظهور خيولهم، مارّين بقاع بحيرة من الحمم البركانية، متشقّقة وسوداء مثل قِدر من الدم الجاف، ينسجون في تلك الأراضي القاحلة خيوطا من زجاج الكهرمان الداكن كبقايا فيلق خافت يشقّ طريقه من أرض ملعونة أشبه ما تكون بأرض الجحيم المحترقة."
    العنف هو جوهر السرد. والقصّة تكشف عن الرغبة البشرية في التدمير وعن رقّة القناع الحضاريّ الذي تكمن وراءه وحشيتنا الطبيعية وشغفنا بالعنف كبشر. يقول "هاري ريدهيد": إن الغياب التام للإنسانية واللاأخلاقية المفرطة في الكتاب عاملان يضفيان شعورا بأن ما يُعرض علينا هو هاوية سحيقة تدور حولها الشخصيات. وبالنسبة لمكارثي، التاريخ مكتوب بالحبر الأحمر، والموت والعنف ليسا انحرافين، بل هما متداخلان في نسيج وجودنا. كما أن الغرب لم يروَّض، بل أُغرق في الدماء".
    ومن أكثر الأشياء التي تجذب الانتباه في الرواية هو الإيحاء بعالم آخر موازٍ لعالمنا، عالمٍ من الاستعارات والأفكار مليء بالظلال وبتخيّلات لما نخشاه في أنفسنا. كما أنها تزخر بالعبارات الموحية والتي يصعب نسيانها مثل: خلف الجبل، توهّجَ خيط رفيع من البرق لفترة وجيزة" و"في الصحراء تسقط النجوم طوال الليل في أقواس مريرة" و"الذئاب تهرول بخطوات أنيقة بجانب الفرسان، وذقون السحالي مسندة الى الصخور الباردة، تدافع عن العالم بابتسامات رقيقة وعيون مثل حجارة مسنونة".
    الكاتب "ديفيد فان" يرى أنه لا يمكن لأيّ رواية أمريكية عظيمة إلا أن تكون معادية لأمريكا. ورواية "خط الدم"، مثل رواية "الحبيبة" لتوني موريسون، تركّز على أعظم عار لنا، ألا وهو إبادة شعب بريء والشغف بالحرب".
    أما المؤرّخ والكاتب ويليام دالريمبل فيُثني على قدرات مكارثي الوصفية التي "تجعله أفضل كاتب نثر في عصرنا". كما يرى أن "خطّ الدم" هي الرواية الأمريكية العظيمة حقّا. ويضيف: إنها رواية مكتوبة ببراعة، ومظلمة وكئيبة، لكنها لا تشبه أيّ رواية غربية عرفتها. ويضيف: في كتابي الأخير " عودة ملك"، اضطررت لكتابة مشاهد موغلة في عنفها، ولجأت إلى "خط الدم" لأجد طريقة لذلك. إن تعلّم عدم المبالغة في العنف فنّ رائع، ومكارثي بارع فيه. فهو يقلّل من حدّته، مستخدما أوصافا واقعية تخلو من المشاعر وتُفاقم من هوله".
    من جهته، يصف "هارولد بلوم" رواية ماكارثي بأنها أحد أهمّ الإنجازات الجمالية في هذا العصر، وطريقة كتابتها عمل محفوف بالمخاطر".
    كورماك مكارثي كاتب موهوب، وهو بلا شك من أعظم ممثّلي النثر الأمريكي، على الرغم من نفور بعض القرّاء من كتاباته بسبب إيغالها في العنف الملطّخ بالدماء. ومثل معظم الكتّاب المتشائمين، لا يبتعد مكارثي كثيرا عن نظرية الثيوديسيا theodicy أو العدالة الإلهية، وهي مسألة فلسفية ولاهوتية تسعى لتقديم تبرير معقول أو سبب منطقي لوجود الشرّ في هذا العالم.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات ...
    ○ في طفولتي، كنت أبحث عن الظلال. أتذكّر متعتي العظيمة وأنا أختبئ تحت الستائر، في زوايا المنزل المظلمة. وفي الخارج، في الريف، كنت أقضي ساعات، بل أيّاما كاملة، مستلقيا على الأرض، أشاهد الغيوم تمرّ، وأتابع بلذّة لا حدود لها روعةَ تغيّراتها العابرة. كنت أعيش في داخلي فقط وأنفر من أيّ جهد جسدي. أوديلون ريدون

    ○ الفلسفة هي الموقف الذي يدفعك للتساؤل حتى عمّا هو بديهي. لماذا توجد بقع على سطح القمر؟ ما الذي يسبّب المدّ والجزر؟ ما الفرق بين الكائن الحيّ والجماد؟
    ماذا يتطلّب الأمر لكي تكون فيلسوفا؟
    في الوقت الحاضر، يتواجد معظم الفلاسفة في الأوساط الأكاديمية. ولكن ليس بالضرورة أن يكون المرء أستاذا جامعيا ليكون فيلسوفا. فقد مارس العديد من الشخصيات البارزة في تاريخ الفلسفة مهنة أخرى لكسب عيشهم. سبينوزا مثلا كان طبيب عيون، وعمل لايبنتز دبلوماسيّا، وعمل هيوم مدرّسا ومؤرّخا. لذا، سواء كنتَ تتمتّع برؤية عالمية منهجية أو موقف سليم، فقد تطمح لأن يقال عنك "فيلسوف". ولكن ينبغي الحذر! قد لا تتمتّع هذه التسمية دائما بسمعة طيّبة! ا. برغيني

    ○ الخطيئة الأصلية عند القوميين المسيحيين في أمريكا ليست الإبادة الجماعية أو القتل أو الاغتصاب، بل أكل فاكهة بعد أن مُنعت "آدم وحوّاء"! وهم يريدون العودة إلى "أمّة مسيحية" و"جعل أمريكا عظيمة ثانيةً". لكن الدين لم يصنع الولايات المتحدة، ناهيك عن جعلها عظيمة. أندرو سيدل

    ○ أنظرُ إلى الكتب على رفوف مكتبتي. تبدو خاملة. لكن ماذا لو كانت الشخصيات تعيد ترتيب نفسها بهدوء؟ ماذا لو لم تتعلّم إيما وودهاوس من أخطائها؟ ماذا لو انغمس توم جونز في حياة بائسة من الصيد الجائر والخروج على القانون؟ ماذا لو قاومت حوّاء الشيطان متذكّرة أمر الله ونصيحة آدم الحنونة؟ أتخيّل جميع الشخصيات وهي تسرع للعودة إلى أماكنها، تشعر بوجودي وأنا أُنزل الكتاب من الرفّ. وتقول: أسرعوا، إنه يتوقّع أن يجدنا حيث تركنا، ومهما تغيّرت حياته في هذه الأثناء." ف. كلينكنبورغ

  • Credits
    edvardmunch.org
    cormacmccarthysociety.com