:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، أغسطس 02، 2025

نصوص مترجمة


  • أحيانا نميل إلى اعتبار الإرهاب ظاهرةً خاصّة بعصرنا. ومع ذلك، فقد قُدّمت شخصيات روّاد الإرهاب المعاصر، أي الفوضويين والعدميين، في الأدب الروائي قبل نشوب أيّ من الحربين العالميتين. فروايتا" الشياطين" لفيدور دوستويفسكي "1871" و"العميل السرّي" لجوزيف كونراد "1907"، وهما من روائع الروايات الحديثة المبكّرة، تتناولان الثوّار السرّيين. وتشكّل رؤى هذين الكاتبين قراءة شيّقة لكلّ من يواجه صعوبة في فهم الفظائع العشوائية والعقلية الكامنة وراءها.
    غير أن الروايتين متناقضتان تماما في بعض الجوانب. فـ "الشياطين "تتّسم بطابعها الحادّ الذي يتأرجح بين الكابوس والمرح، بينما تتسم "العميل السرّي" بنبرة أكثر رصانة وكآبة. وشخصيات "الشياطين" أكثر وقصّتها أطول بكثير من سرد كونراد الأكثر تركيزا. لكن ما يجمع الروايتين هو أنهما تُصدران حكما قاسيا على من يسعون إلى اختصار طريق التغيير المجتمعي عبر العنف. وثوّار دوستويفسكي وكونراد مختلّون عقليّا ومنبوذون ومنقطعون عن الدراسة ومبذّرون وأرواحهم تائهة وعملهم لا يثمر خيرا.
    والروايتان مأساويتان، حيث يموت عدد كبير من شخصياتهما الرئيسية في النهاية. واليأس والانتحار قاسمان مشتركان بينهما، وكذلك موت الأبرياء والضعفاء. وتحتوي كلّ من الروايتين على شخصية مصابة بخلل إدراكي وتعاني من سوء حظّها بالتورّط مع أشخاص غير مناسبين.
    كان دوستويفسكي كاتبا متديّنا بعمق ومؤمنا بالخير الفطريّ في كلّ إنسان. وبرأيه عندما يرتكب الناس الشرّ، لا يكون ذلك لأنهم أشرار، بل لأنهم وقعوا تحت تأثير الشرّ أو الباطل.
    رواية "الشياطين "تدور أحداثها في قرية روسية، وتروي قصّة الفوضى التي ألحقتها عودة المهاجرين من الغرب بحياة المدنيين. فقد جلبوا معهم أفكارا ثورية من الخارج تتعارض مع كلّ ما هو روسي ومقدّس. وهذه الأفكار هي "الشياطين" المقصودة في عنوان الرواية. وقد اقتبسه دوستويفسكي من قصّة وردت في الإنجيل.
    وأحداث الرواية تتمحور حول شابّ يُدعى نيكولاي ستافروجين، اختار أن يجعل من حياته تجربة لإثبات أن الخير والشرّ ليسا سوى تحيّزات. وقد عاش حياة من التدهور الأخلاقي في الخارج، فاغتصب فتاة صغيرة ودفعها إلى الانتحار، ثم حاول موازنة خطئه بعبء بغيض، وذلك بزواجه من امرأة معاقة جسديّا وتعاني من مرض نفسي.
    نظير ستافروجين هو بيوتر فيركوفينسكي، وهو شخص كاذب ومختلّ عقليّا. وعلى عكس ستافروجين، لا يشعر بأيّ ندم على أفعاله، إذ يقتل شخصين ويتسبّب في وفاة ثلاثة آخرين. ثم يفرّ في النهاية غير مكترث بمن جرّهم إلى مشروعه البغيض والعبثي.
    وفيركوفينسكي لا تربطه أيّ علاقة عاطفية بأيّ شخص آخر سوى ستافروجين، لأنه يعتقد بأن هذا الشخص مفيد في قيادة ثورته. وفيركوفينسكي مقتنع بأن الدمار الذي يسعى لإشعاله في هذه البلدة الصغيرة يمكن تكراره مع مرور الوقت في جميع أنحاء روسيا، ما سيؤدّي إلى قلب النظام الاجتماعي "الاستبدادي". وهو لا يبالي إن كان الانقلاب سيُكلّف ملايين الأرواح ويقول: مائة مليون رأس، هكذا يصرخون. ولكن لماذا الخوف إذا كان الاستبداد سيأكل بعد مائة عام خمسمائة مليون رأس وليس مئة مليون؟!" لفيركوفينسكي قدرة استثنائية ومرعبة على التلاعب بالآخرين وتسخيرهم للكذب الذي وقع هو نفسه فيه.
    والعدميون عند دوستويفسكي مجموعة متنوّعة: حمقى يتلاعب بهم مختلّ عقليّا لتحقيق غاياته المروّعة والخيالية وأرواح مضلّلة كان من الممكن أن يحقّقوا الخير في هذا العالم لولا إغوائهم بالفكر الثوري. وجميعهم مثيرون للشفقة باستثناء فيركوفينسكي الذي ظلّ جامدا في شخصيته حتى النهاية.
    ودوستويفسكي في الرواية لا يدافع عن مجتمعه، أي روسيا القيصرية في أواخر القرن التاسع عشر، ولا يدّعي كمالها، وإنما يقصر اهتمامه في" الشياطين"على أولئك الذين يسعون إلى تقويض استقرار الدولة القومية من خلال سفك الدماء.
    ويردّد كونراد هذا الشعور في رواية "العميل السرّي"، التي تدور أحداثها بعد نحو ثلاثين عاما من الفترة التي تغطّيها رواية "الشياطين"، في لندن في مطلع القرنين التاسع عشر والعشرين. وفوضويو كونراد أقلّ إثارةً للإعجاب من عدميي دوستويفسكي. فهناك كارل يوندت، الذي أعلن نفسه إرهابيا وهو في الحقيقة رجل عجوز هزيل في حالة صحّية متدهورة. وهناك ميكايليس الذي أُطلق سراحه بعد مشاركته في عملية هروب من السجن أسفرت عن مقتل شرطي.
    والعضو الخطير الوحيد بين هؤلاء هو البروفيسور، وهو شخص منعزل ومهووس هدفه الرئيسي في الحياة هو تطوير "المفجّر المثالي". كما أنه مجرّد من أيّ عاطفة ومعتاد على الفقر والعزلة ومتمسّك تماما بأحلامه التدميرية. وكونراد يُصوّره كرجل مظلوم في مجتمع لم يدرك مواهبه وشخص مجروح يسعى للتعويض عن ذلك بلعب دور خارج الحياة العادية.
    والبروفيسور هو من وفّر المادّة اللازمة للحدث المحوري في القصّة، وهو انفجار مرصد غرينتش. وقد اتضح أنه عمل فاشل من قِبل العميل السرّي الذي يحمل عنوان الرواية.
    ومثل دوستويفسكي، يركّز كونراد على البعد الإنساني أكثر من البعد السياسي ويرسم صورة مقنعة تماما للشخصيات العادية غير السياسية في قصّته. فهم أناس حقيقيون يعيشون حياة حقيقية وتربطهم علاقات صادقة ولا يسع أيّ قارئ إلا أن يتعاطف معهم.
    ووجهة نظر كونراد هي أن الناس العاديين هم من يعانون الكثير من المشقّة والألم، وهم من تُدمّر حياتهم ويُحرمون حتى من حقّهم في الأمان، بينما تستمرّ الحكومات وأجهزة الدولة في العمل بغضّ النظر عن كلّ ذلك. مارك هاركن
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • بعد حوالي 140 عاما من رسم رمبرانت لآخر لوحة له في عام 1669، وهي صورة حزينة للمسيح الطفل في المعبد، وكانت على حامل الرسم الخاص به عندما توفّي، شعرت بأن بيتهوفن كان يعمل على نفس الموضوعات الطهرانية التي عمل عليها أعظم رسّام عاش على الإطلاق. وجلست أفكّر في رجل، على عكس بيتهوفن، مات مفلسا مهزوما ومحروما من الناس الذين أحبّهم ومنبوذا من قبل منتقديه ووحيدا في مرسمه الفارغ. وفكّرت أيضا في التحدّيات التي يفرضها التزام الفنّان بالإبداع بأيّ ثمن، والتناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها بين الحياة والموت، والحياة التي يقضيها الفنّان في قياس التوازن الدقيق بين الخسارة والفداء.
    ما من شك في أننا محظوظون برؤية صور رمبراندت الشخصية. صِدقُه الوحشي والذي لا يرحم في تصوير نفسه يتجاوز الزمن، وهو جوهر الفن. إن عيون رامبرانت تحدّق فينا بحنان وتعاطف وحزن وشفقة وفهم وتأمّل في الذات. وهو يخبرنا بما يعنيه أن تكون إنسانا. الجسد ينتابه الوهن ويرتخي، والعينان الصغيرتان قد رأتا كلّ شيء ولم يفاجئهما شيء والجسد ضعيف، ومهما كانت الملابس باهظة الثمن فإنها تنكمش وتضيق تحت ثقل أعباء الوجود.
    عندما أشعر بالملل والانسداد الفنّي والعاطفي، أذهب إلى متحف لألقي نظرة على رمبرانت وأخرج منه محصّنا ومنغمسا في الحياة. وبصفتي رسّاما، كان رمبرانت دائما هو الشخص الوحيد. كان أوّل مشروع لي في مدرسة الفنون منذ 45 عاما عبارة عن نسخة من لوحة "مارغريتا دي غِير، زوجة ياكوب تريب" التي تعود إلى عام 1661 والموجودة في الناشيونال غاليري.
    وقد اعتدت أن أنام كلّ ليلة في غرفة بها نقوش لرامبرانت على الحائط. وسمّيت ابنتي على اسم زوجته الحبيبة ساسكيا. وأقوم برحلات منتظمة إلى كينوود هاوس في لندن لزيارة صورته الذاتية ذات الدائرتين، وإلى متحف رايكس في أمستردام لزيارة "العروس اليهودية"، والتي كانت نسخة طبق الأصل منها في مرسمي منذ بدأت الرسم لأوّل مرّة.
    ذات يوم، اعترفَ فان غوخ لصديق أنه كان سيضحّي بكلّ سرور بعشر سنوات من حياته ليجلس أسبوعين مع كسرة خبز فقط أمام هذه اللوحة. إنها تتحدّث عن الحبّ والحنان. ولكن في أبعادها الثلاثة المضطربة، هي أيضا نموذج لمستقبل الرسم.
    على غرار جاكسون بولوك، يرسم رمبرانت بالجسد والروح، وتعمل السَّكينة التي تثيرها لوحته بقوّة إيمائية نربطها أكثر بالقرن العشرين وليس بالفنّ الهولندي في القرن السابع عشر. إن كلّ عمل من اعمال رمبرانت يلهمنا الشعور والتفكير ورؤية أن معنى الفنّ والحياة هو دفع كلّ ما هو ممكن إلى أقصى حدوده. إذهب وانظر! روبن ريتشموند

  • Credits
    rembrandthuis.nl
    online-literature.com

    الخميس، يوليو 31، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • "كسّارو الحجارة" هو اسم هذه اللوحة الأيقونية التي رسمها الفرنسي غوستاف كوربيه عام ١٨٤٩. وتروي اللوحة قصّة مؤثّرة عن العمل والكفاح والحالة الإنسانية، بتصويرها الواقعَ القاسي لحياة الطبقة العاملة. وفيها يرسم الفنّان عاملين بملابس بسيطة ورثّة وهما منهمكان في تكسير وإزالة الحجارة من طريق قيد الإنشاء على تلّ منخفض. التلّ يمتدّ إلى أقصى الزاوية اليمنى العليا، حيث يظهر جزء صغير من السماء الزرقاء، للإيحاء بأن هؤلاء العمّال معزولون ومحاصَرون جسديّا واجتماعيّا واقتصاديّا بسبب عملهم المُضني والشاقّ.
    وقد أضاف الرسّام تفاصيل دقيقة إلى اللوحة لنعرف المزيد عن نوعية حياة العاملَين وتعبهما البدنيّ والظروف القاسية التي يتحمّلانها. فمثلا، تبدو ملابسهما ممزّقة وبالية، وهناك قِدر طبخ ورغيف خبز محترق وملعقة الى اليمين. وقد استخدم الرسّام ضربات الفرشاة الخشنة التي تنقل الملمس والحركة، لإظهار الطبيعة الجسدية الشاقّة للعمل. ويمكن أن نستنتج من تأثير الضوء والقبّعة التي تحجب جزءا من وجه أحد العاملين أنهما يعملان في جوّ حارّ ولا يحظيان بالكثير من الراحة أثناء تأدية عملهما.
    وبالإضافة الى أن اللوحة تشير ضمناً الى حياة العمّال ومعاناتهم، فهي أيضا تؤكّد على كرامة العمل الشريف وأهمية الطبقة العاملة للمجتمع، وتُذكّر بدور الفنّ في الحياة وتدعو إلى التعاطف مع أفراد الطبقات البسيطة.
    في القرن التاسع عشر، شهدت فرنسا تحوّلات كبيرة على أكثر من صعيد، إذ أعادت الثورة الصناعية تشكيل المجتمع، فنشأت المصانع وتوسّعت المدن وانتقل الكثير من الناس من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية. وأدّى هذا التحوّل الى تغيير المدن والهياكل الاجتماعية وأسلوب حياة الناس وعملهم وشيوع ظواهر الفقر والاستغلال.
    وبسبب تناول اللوحة للتجربة الإنسانية اليومية، رأى فيها بعض النقّاد تحدّيا للفنّ التقليدي الذي غالبا ما كان يصوّر مواضيعَ مثالية وأسطورية. كما مثّل هذا العمل تحوّلا جوهريا من الرومانسية إلى الواقعية.
    كان كوربيه يريد من وراء رسم العمّال والمزارعين والفقراء إظهار الحياة كما هي. وكثيرا ما كانت مواضيعه غير جذّابة، لكنها إنسانية بامتياز ومليئة بالرسائل السياسية والاجتماعية. وقد شكّلت صوره نقلة نوعية في عالم الرسم وأثّرت على العديد من الفنّانين الذين أتوا بعده، ومهّدت الطريق لحركات فنّية مستقبلية، حيث بدأ الفنّانون باستكشاف واقعهم الاجتماعي وتصويره.
    وعندما عُرضت اللوحة لأوّل مرّة، تباينت ردود الأفعال على مضمونها، فأشاد البعض بصدقها وواقعيّتها، بينما وجدها آخرون "قاسية وغير مصقولة". ولأن النقّاد اعتادوا على الاحتفاء بالجمال والعظمة والتصوير المثالي للمناظر التاريخية المهيبة، فقد واجهوا صعوبة في تقبّل تصوير كوربيه الخام للعمل وتحدّيه معايير الفنّ في عصره.
    كان اختياره التركيز على العمّال تصرّفا ذا دلالة. وبانفصاله عن الفنّ التقليدي والمعايير الأكاديمية السائدة في عصره، كان يحوّل التركيز من القصص الشخصية إلى الحياة الواقعية. وبتصويره النضال الجماعي للعمّال، أراد الفنّان الارتقاء بمكانتهم وتسليط الضوء على معاناتهم وعلى دورهم الأساسي في بناء المجتمع.
    أثناء الحرب العالمية الثانية، تعرّضت هذه اللوحة للتلف مع أكثر من 150 لوحة أخرى، عندما قصفت قوّات الحلفاء مركبة بالقرب من دريسدن بألمانيا في فبراير 1945. وبذا أُزيل رمز فنّي مهم للطبقة العاملة ومُحيت قطعة أساسية من تاريخ الفنّ وحُرمت الأجيال من رؤيتها. وقد بُذلت جهود لإعادة إحياء جوهر اللوحة باستنساخها وطباعتها. ومع ذلك، لا شيء يُغني عن النسخة الأصلية المفقودة. ومن المفارقات أن تدمير اللوحة حدث أثناء نقلها لحمايتها بشكل أفضل، لكنها لم تصل أبدا إلى وجهتها المقصودة.
    كان كوربيه ذا شخصية قويّة وقد شعر بالراحة لتحدّيه الأعراف القديمة في الرسم، على الرغم من استمرار اعتراض البعض على نهجه طوال حياته. في بعض الحالات كانت له روابط بالاشتراكية، وكان يعتبر نفسه يساريّا من الناحية السياسية.
    المعروف أنه نشأ في الريف الفرنسي. ورغم نجاحه في باريس، إلا أنه لم يهجر جذوره الأصلية. كان يشعر بسعادة حقيقية في الأرياف، ثم عاد إليها بعد سنوات قضاها في العاصمة. ورسم العديد من اللوحات لسكّان القرى الذين نشأ معهم وهم يمارسون حياتهم اليومية.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • إضافة إلى مزاياها الفكرية، تُعدّ الموسيقى الكلاسيكية بمثابة بوصلة عاطفية. فهي تجسّد طيفا من المشاعر الإنسانية الكاملة، من فرح وحزن وغضب وسلام ونحوها، بطرق غالبا ما تعجز عنها الكلمات وحدها.
    تبدأ سوناتا بيتهوفن للبيانو رقم 14، المعروفة أكثر باسم سوناتا ضوء القمر ، بلحن آسر وحزين يبدو وكأنه يهمس بالفقد أو الشوق. وفي الحركة الأخيرة، يتصارع الملحّن مع اضطراباته الداخلية وقراراته العاصفة.
    قال "فرانز ليست" عن هذه السوناتا إنها "زهرة صغيرة بين هاويتين". ووصف هيكتور بيرليوز الحركة الأولى منها "الأداجيو" بأنها "مشهد ليلي يتردّد فيه صوت شبحيّ. إنها إحدى تلك القصائد التي لا تعرف اللغة البشرية كيف تصنّفها". وقال عنها عازف البيانو الشهير إدوين فيشر: لا أرى ضوء قمر رومانسيّا في هذه الموسيقى، بل قصيدة رثاء".
    هذه القدرة على التعبير عمّا لا يمكن وصفه أو الإحاطة به تجعل من الموسيقى الكلاسيكية جسرا إلى مشاعر قد نعجز عن تسميتها ولغةً عالمية تخاطب المستمعين عبر الثقافات والعصور المختلفة.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات..
    ○ في مساءٍ هادئ، كانت الأمواج تتحدّث همسا على شاطئ البحر، لا يسمعها أحد سوى القمر، ولا يفهم لغتها إلا من سكنت أرواحَهم الحيرة. قالت موجة صغيرة بخجل: لماذا نركض دائما نحو الشاطئ ثم نعود أدراجنا؟ ألسنا متعبات من هذا العبث؟" ردّت موجة أخرى أكبر سنّا، بصوت عميق مليء بالحكمة: نحن لا نركض عبثا يا صغيرة، نحن نكتب رسائلنا على الرمل ثم نمحوها لنكتب من جديد".
    سألت الموجة الصغيرة: ولمن نكتب؟ لا أحد يقرأ". ابتسمت الكبرى وقالت: نكتب لمن فقد صوته بين الضجيج، لمن ينظر إلى البحر ويظنّ أنه صامت. البحر لا يصمت، نحن الأمواج نهمس له بأسرار كلّ قلب جلس أمامنا ونسرد له حكايات العابرين".
    صمتت الموجة الصغيرة للحظة، ثم همست بحزن: وهل هناك من يسمعنا حقّا؟" وجاء صوت الريح من بعيد، هامسا بدفء: نعم، هناك من يجلس عند البحر، لا ليراقب الأمواج، بل ليسمع ما تقوله وليبوح لها بما في صدره. ذاك هو المستمع الحقيقي. وإن رحل، نحفظ كلماته في صدورنا إلى الأبد".
    وفي لحظة ارتطام الموجة بالرمل، ساد الصمت. لكن البحر ظلّ يتكلّم. مجهول

    ○ أعتقد أن الناس عندما يقدّمون لك النصيحة، فإنهم في الواقع يتحدّثون إلى أنفسهم في الماضي. فالذي يُقدّم النصيحة غالبا ما يستقيها من تجاربه وتأمّلاته السابقة، كأنه يخاطب نسخة أصغر منه، يشاركه الحكمة التي اكتسبها على مرّ السنين. وهذا تذكير بأننا جميعا نتشكّل من خلال تجاربنا. وعندما نتناصح، فإننا نشارك جزءا من أنفسنا مع الآخرين. أوستن كليون

    ○ كان الرسّام الإيطالي جورجيو دي تشيريكو حالة مثيرة للاهتمام. أعماله المبكّرة على وجه الخصوص "مثل التي فوق" هي التي تعرّفه وهي التي أثّرت على الفنّانين الآخرين. وممّا يُؤثر عنه قوله في تفسير لوحاته: أحيانا يحدَّد الأفق بجدار، ومن وراء الجدار يرتفع ضجيج قطار سرعان ما يختفي. الدقّة الهندسية للميادين او الساحات تكشف لنا أحيانا عن حنين الى اللانهائيّ. كما نكتشف جوانب كنّا نجهل وجودها تماما عندما تواجهنا ملامح معيّنة من العالم. ونكتشف فجأة أسرارا كامنة لم نكن نراها من قبل ولم نكن نشعر بها، لأن حواسّنا لم تتطوّر بما فيه الكفاية. الأصوات الخافتة تخاطبنا من قريب، لكنها تبدو لنا كأصوات من كوكب آخر". ج. مايرز

    ○ إن تحويل الصمت إلى لغة هو فعل من أفعال الكشف عن الذات، وهو ما يبدو دائما محفوفا بالمخاطر. لقد آمنت دائما بأن ما هو أهم بالنسبة لي يجب أن يقال وأن يشارك، حتى مع احتمال أن يشوَّه أو يساء فهمه، وأن الكلام يفيدني أكثر من الصمت. وأكثر ما ندمت عليه هو صمتي. لكننا جميعا نتألّم بطرق مختلفة طوال الوقت، والألم إما أن يتغيّر أو ينتهي. أما الموت فهو الصمت الأخير. ايدي لورد

    ○ عندما يسألني الناس: من ترشّح لجائزة نوبل للأدب هذا العام؟"، عادة ما أذكر نفس الاسم الذي طالما ردّدته مرارا واعتبرته كاتبي المفضّل: هاروكي موراكامي.
    العوالم التي تشكّل قصص هذا الكاتب سوريالية وتقوم على الرمزية والأحلام، وشخصياته تنفّذ أفعالها وفق مسار قائم على التنجيم. بمعنى آخر، تفترض رحلة الشخصيات أن تنمو في عالم مشوّه وشفّاف وقاسٍ أحيانا. وهو يستخدم حيوانات سحرية، غالبا ما تكون ناطقة، كمرشدين أشبه ما يكون بدانتي عبر المقاطع الحاسمة من العالم الآخر للوصول إلى حالة أسمى من الوعي والنضج. ومن هنا الغابات والأكواخ النائية والآبار والحانات شبه المهجورة والأحلام الداخلية في رواياته.
    أعتقد أن أعمال موراكامي الأدبية تستحقّ جائزة نوبل لقدرتها الاستثنائية على تجسيد محدودية المجتمع الحديث وإحساسه بالنقص، باستخدامه هياكل سردية تجمع بين التراث الأدبي والرمزية الحالمة. إن وصف الواقع والمجتمع من خلال الأدب ليس بالأمر الهيّن، وفعل ذلك من خلال حلم متنكّر في صورة أدب أمر أصعب. ماتي برستي

    ○ يُقال إن النازية لم تكن شذوذا تاريخيا، بل إن بذورها موجودة في كلّ مكان، وتتجلّى في العلاقات بين مختلف أصحاب السلطة وضحاياهم. كما أن احتمالية الفاشية كامنة في حياتنا العائلية وفي علاقاتنا العاطفية. لارس آير

  • Credits
    gustave-courbet.com
    beethoven.de

    الثلاثاء، يوليو 29، 2025

    جوهرة القصر


    في اللوحة التي فوق، يصوّر الفنّان الروسي ڤاسيلي ڤيريشاغين جمال وعظمة "تاج محل" وانعكاساته في المياه الهادئة، مركّزا بشكل خاصّ على هندسته المعمارية الرائعة التي تثير شعورا بالسكينة والهدوء والتأمّل.
    كان ڤيريشاغين قد انطلق في أواخر عام ١٨٧٤ مع زوجته في جولة واسعة في جبال الهيمالايا والهند والتبت استغرقت أكثر من عامين. وتضمّنت تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر جولات شاقّة على ظهور الخيول والجمال، وأحيانا المشي على الأقدام. وبالإضافة إلى درجات البرودة الشديدة، واجه الرسّام حيوانات مفترسة وقطّاع طرق ونجا من غرق شبه مؤكّد.
    في ذلك الوقت كان التنافس بين روسيا وإنغلترا على مناطق النفوذ على أشدّه. ورغم أن فيريشاغين كان رسّاما عسكريّا، إلا أن الحكومة البريطانية سمحت له بالدخول الى الهند والسفر فيها بحرّية. لكن الإنغليز استاءوا فيما بعد من لوحة أخرى للرسّام عن حرب الاستقلال الهندية، تُظِهر جنودا هنودا يُعدَمون بربطهم بفوّهات البنادق. وكانت تلك أوّل صورة تصوّر وحشية الحكم البريطاني للهند.
    أثناء رحلته الهندية، وجد فيريشاغين إلهاما كبيرا في الألوان الزاهية والتضاريس المتنوّعة لتلك الأرض الغريبة. وتضمّنت سلسلة لوحاته عن الهند دراسات للممرّات الجبلية والسكّان والمعابد والحياة الثقافية والعمارة. وقد نفذّها جميعا بواقعية شديدة مع عناية فائقة بالتفاصيل.
    يقال ان شاه جيهان لما رأى "تاج محل" بعد اكتماله مباشرة قال: لو لجأ مذنب إلى هنا لتحرّرَ من ذنوبه وغُفر له. ولو شقّ خاطئ طريقه نحو هذا الضريح لمُحيت جميع زلّاته ومعاصيه. إن منظر هذا القصر يثير تنهّدات حزينة في هذا العالم، وقد بُني ليُظهر مجد الخالق."
    البعض يصف وثائق الهند المغولية بأنها أشبه ما تكون بحديقة خصبة وزاهية الألوان. فهناك العديد من المنمنمات التي تجسّد حياة الأباطرة وحاشيتهم. في الواقع، هناك الكثير منها، وهي في غاية الجمال، لدرجة أنه يمكن من خلالها إعادة إنتاج مشهد الهند خلال القرن السابع عشر بأصالة عالية.
    كما أن المعلومات عن "تاج محل" بالذات متوفّرة ومتاحة. إذ يُعرف الكثير عن حياة الإمبراطور المغولي شاه جهان والأسباب التي دفعته إلى بناء هذا الضريح المدهش. كما تتوفّر الكثير من البيانات والمعلومات عن المباني والموادّ المستخدمة وأسماء العديد من الأشخاص الذين عملوا فيها.
    ومع ذلك، لا يّعرف اسم مصمّم "تاج محل"، أو اسم المهندس المعماري الذي تولّى مسؤولية المشروع بأكمله، وإن كان يشار أحيانا الى مهندس يُدعى أحمد لاهوري. لكن عملية البناء بشكل عام أوكِلت إلى فرق من المهندسين المعماريين اختارهم شاه جهان نفسه. وكان بعضهم خبيرا في بناء القباب والبعض الآخر في الأساسات. أي أن أعمالا مختلفةٌ أُسندت إلى متخصّصين مختلفين جُمعوا في فِرَق.
    كان شاه جهان يتبع تقليدا مغوليّا بعدم ترك الزوجات وحدهنّ أثناء الحروب. لذا اصطحب معه زوجته ممتاز محل، التي يعني اسمها "جوهرة القصر"، في إحدى غزواته. وقد توفّيت أثناء تلك الحملة وهي تضع مولودها الرابع عشر بعد مخاض طويل دام 30 ساعة. حدث هذا عام 1631 وكان عمرها آنذاك يناهز الأربعين عاما فقط. وقيل إن الإمبراطور "صُدم بشدّة بموت زوجته، لدرجة أن شعر رأسه ولحيته تحوّلا الى لون أبيض في غضون أشهر قليلة".
    ومن يوم وفاتها، تخلّى شاه جهان عن الاستماع إلى الموسيقى وارتداء الملابس الفاخرة والعطور لفترة. وبلغ القلق بأحد أعمامه حدّا دفعه للكتابة اليه قائلا: إذا استسلمت للحزن والحداد، فقد تفكّر ممتاز في التخلّي عن متع الجنّة والعودة إلى هذه الأرض البائسة".
    ولتكريم ذكراها، قرّر شاه جهان بناء ضريح يكون قريب الشبه ببيتها الذي تخيّله في الجنّة. ورُوعي في تصميمه أن يضمّ مسجدا وبيت ضيافة وحدائق. وبدأ البناء عام 1632 على الضفّة الجنوبية لنهر يامونا في أغرا، واكتمل حوالي عام 1653. وقد شارك في بناء المجمّع أكثر من عشرين ألف عامل، من بنّائين ورسّامين وحدّادين وفنّانين، عملوا ليل نهار لمدّة اثنين وعشرين عاما.
    و"تاج محل" يُعدّ مثالا بارزا للهندسة المعمارية المغولية التي تجمع عناصر من الأساليب المعمارية الإسلامية والفارسية والعثمانية والتركية والهندية. وقد صُنع هيكل المبنى بشكل أساسي من الرخام الأبيض المستورد من راجستان والصين وأفغانستان والتبت، ورُصّع الرخام بأحجار شبه ثمينة، ونُقلت الموادّ المستخدمة في البناء بواسطة ما يقرب من ألف فيل.


    لأن الإسمنت لم يُبتكر إلا عام ١٨٢٤، فقد شُيّد "تاج محل" باستخدام الجير والحجر الأحمر والحجر الرملي والرخام. ومن الملاحَظ أن المآذن الأربع أُقيمت خارج القاعدة قليلا لكي تسقط بعيدا وليس على الهيكل الرئيسي في حال تعرّضه للدمار.
    والميزة المعمارية الأبرز هي القبّة البيضاء في قمّة الضريح، وتسمّى أحيانا "القبّة البصلية"، ويبلغ ارتفاعها حوالي ٣٥ مترا وتحيط بها أربع قباب أخرى. واتُّبع في "تاج محل" أسلوب إضاءة مبتكر، بحيث تتغيّر ألوانه طوال اليوم، فيظهر باللون الوردي في الصباح والأبيض عند الظهيرة والذهبي تحت ضوء القمر.
    لسوء الحظ ولأسباب تتعلّق بتنافس أبنائه على الحكم، وُضع شاه جهان تحت الإقامة الجبرية عام ١٦٥٨ من قبل ابنه أورانغزيب. ولم يتمكّن من رؤية "تاج محل" إلا عبر نافذة قصره خلال السنوات الثمان الأخيرة من حياته. وبعد وفاته، دُفن بداخل الضريح بجوار زوجته.
    وقبل ذلك انتشرت شائعات بأن شاه جهان أمر بقطع أيدي جميع المهندسين الذين عملوا في الضريح حتى لا يتمكّن أحد من بناء شيء يشبهه. لكن يبدو أن تلك كانت مجرّد تكهّنات غير مُثبتة.
    الجدير بالذكر أن "تاج محل" عاصرَ أحداثا عالمية مهمّة. فبحلول أواخر القرن التاسع عشر، تعرّض للتشويه على أيدي الجنود البريطانيين الذين انتزعوا الكثير من الأحجار الثمينة من جدرانه أثناء تمرّد محلّي. ثم أمر المندوب السامي البريطاني في الهند بترميم الضريح وأهدى مصباحا كبيرا ليُعلّق في إحدى غرفه الداخلية.
    وأثناء الحرب العالمية الثانية، وفي محاولة لتضليل القاذفات اليابانية، غُطّي الضريح بسقالة ضخمة لجعله يبدو وكأنه مستودع مبنيّ من الخيزران. كما نُصبت السقالات مرّة أخرى أثناء الحرب بين الهند وباكستان في عامي 1965 و1971 وذلك لتضليل الطيّارين.
    واعترافا بأهميّته الثقافية وجماله المعماري، صُنّف "تاج محل" من قبل اليونيسكو كموقع للتراث العالمي عام 1983. وهو واحد من أكثر مناطق الجذب السياحي زيارةً في العالم، حيث يجتذب ملايين السيّاح كلّ عام، ويزوره يوميّا حوالي ١٢ ألف شخص من جميع أنحاء العالم. وبسبب تزايد التلوّث والتدهور البيئي، بدأت ألوان الضريح تبهت، ما دفع المسئولين الى إغلاق محطّات الوقود القريبة منه، في محاولة للحفاظ عليه وحماية سلامته.
    كثيرا ما أُضفيت على "تاج محل" مسحة رومانسية حزينة واعتبر رمزا للوفاء والحبّ النادر الذي ربط بين زوجين. وسبق للشاعر رابندراناث طاغور الحائز على جائزة نوبل في الأدب أن وصف الضريح بأنه "دمعة على خدّ الزمن".
    لكن بعض الكتّاب الهنود اليوم يشكّكون في هذه الفكرة، ويجادلون بأنه لو كان شاه جهان يحبّ زوجته حقّا لما أثقل عليها بكثرة الحمل والولادة، ما أدّى الى تدهور صحّتها ومرضها. ثم إنه بعد وفاتها بفترة قصيرة تزوّج من أختها الصغرى ثم من امرأتين أخريين وأنجب منهن بضعة أطفال آخرين قبل أن يأمر ببناء الضريح تكريما لممتاز زوجته السابقة.
    ويقول الروائي البريطاني من أصل هندي ڤيديادار نيپول: "تاج محل" صرح بديع استغرق بناؤه 22 عاما. لكنه في الهند ليس أكثر من مبنى أُهدرت عليه أموال طائلة بلا فائدة. إنه مجرّد نصب تذكاري لامرأة ليست هندية كانت تنجب طفلا كلّ عام لمدّة خمسة عشر عاما. وسيخبرك الدليل السياحي كم كلّف من ملايين".
    في عام ٢٠٠٠، ادّعى كاتب هندي أن "تاج محل" كان في الواقع معبدا للإلهة شيفا، وقدّم التماسا إلى المحكمة العليا في الهند للتنقيب في الموقع بحثا عن أدلّة. لكن المحكمة رفضت التماسه.
    وفي عام ٢٠٠٨، بنى مليونير بنغالي نسخة طبق الأصل من "تاج محل" بتكلفة أكثر من خمسين مليون دولار أمريكي، ليتمكّن فقراء بنغلاديش من الاستمتاع بهذا المعلم التاريخي دون أن يضطرّوا للسفر إلى الهند. واستغرقت عملية الاستنساخ تلك خمس سنوات باستخدام أحدث المعدّات.
    ويجري حاليا في دبي بناء فندق ومجمّع تسوّق فاخر مستوحى من تصميم تاج محل. وقيل إن حجم النسخة المقلّدة، التي تحمل اسم "تاج أريبيا"، سيبلغ أربعة أضعاف حجم النسخة الأصلية وبتكلفة قدرها حوالي مليار دولار أمريكي .

    Credits
    tajmahal.gov.in
    whc.unesco.org

    الأحد، يوليو 27، 2025

    نصوص مترجمة


  • أتذكّر من كتاب "ألف ليلة وليلة" قصّة حالمة تحكي عن رجل أطلق سهمه في سهل ليختبر مدى قدرته على الرمي. وعندما ذهب للبحث عن السهم فيما بعد، لم يجده في المكان الذي ظنّ أنه سقط فيه. لكنه تابع سيره بعناد في الاتجاه الذي أطلقه فيه، راغبا في العثور عليه مرّة أخرى. وبعد ثلاثة أيّام بلياليها، وجده عند سفح صخرة ارتدّ السهم منها. وبينما انحنى ليلتقطه، رأى كيف انفتح وجه الصخرة، وعندما دخل وجد نفسه في عالم آخر من غابات وبِرَك تجلّت لعينيه في جمال لم يسبق أن رآه من قبل.
    ونهض أمامه قصر يتلألأ بالذهب والجواهر الثمينة. وفي ذلك القصر، وجد امرأة من أجمل النساء. وبعد أيّام عرضت عليه المرأة أن تهبه كلّ ما رآه، شرط ألا يبدي رغبته، ولو تلميحاً، في الرحيل. وبقي الرجل هناك سبع سنوات. وذات يوم، تنهّد للحظة واحدة عن غير وعي، متذكّرا العالم خارج القصر، وإذا به يقف مرّة أخرى وسط الرمال خارج جدار الصخرة الشديد الانحدار، وكلّ ما مرّ به بدا له وكأنه لم يدُم أكثر من ساعة. بيرتس ايفيز
  • ❉ ❉ ❉

  • "شانتارام" ليست سيرة ذاتية، بل رواية. وإذا كانت تبدو كـ "سيرة ذاتية"، فإنني أعتبر ذلك إطراء كبيرا، لأنني رتّبت السرد بحيث يُقرأ كخيال، لكنه يُشعرك وكأنه حقيقة. أردت أن تتمتّع الرواية بجاذبية العمل الروائي، وأن أثريها بسيل قويّ من التجارب الحقيقية، ما يُضفي عليها طابعا واقعيا أصيلا.
    اتخذت قرارا بأن أُشرك نفسي في الرواية أثناء هروبي إلى أفريقيا. جلست على طاولة في مطعمي المفضّل في كينشاسا، فيما كان يعرف آنذاك بزائير، وشاركت جلسة مع خمسة أشخاص آخرين كانوا يعملون في المدينة كمهرّبين ومرتزقة ومخالفين للقانون. وتناوبنا على سرد قصصنا لبعضنا البعض. وعندما اختار الرجال الآخرون قصّتي الأكثر إثارةً للاهتمام، قرّرت التوقّف عن الكتابة من منظور الكاتب الخفيّ العليم، وأن أشرك نفسي في عملي.
    لا شيء أكثر إثارة أو مكافأة أو تحدّيا من القيام بما خُلقتَ من أجله. أعتقد أن هناك نوعين من الكتّاب في العالم: الذين يعتقدون أن الكتابة فكرة جيّدة لأيّ سبب كان، والذين يكتبون لأنهم لا يملكون خيارا سوى الكتابة. أنا من النوع الثاني.
    لطالما كانت الكتابة شغفي الأوّل. عندما كنت مقيّدا إلى جدار في سجن آرثر رود، وأعذَّب على يد مشرفي السجن، كان جزء منّي يكتب هذه التجربة تحت لدغة العصا الدموية. أن أكون قادرا على الكتابة الآن كرجل حرّ، وأن أنشر عالميّا، لهو إنجاز كبير لأنه حقّق أعمق وأعزّ رغباتي.
    أما التغيير الأكبر والأكثر دراماتيكيةً في حياتي فقد حدث عندما أُلقي عليّ القبض مجدّدا عام ١٩٩٠، بعد أن عشت عشر سنوات هارباً كرجل مطلوب للعدالة، ووُضعت في سجن برونغيشهايم الإرهابي بألمانيا. خطّطت للهرب من ذلك السجن وكنت على أهبة الاستعداد للانطلاق عندما رأيت وجه أمّي ومعاناتها، وعرفت حينها أن عليّ تغيير حياتي والتوقّف عن الأنانية وتدمير الذات.
    فأقلعت عن تعاطي المخدّرات في تلك اللحظة ولم أشرب الكحول ولم أدخّن ولم أتعاطَ أيّ نوع من المخدّرات منذ ذلك اليوم، أي قبل عشرين عاما. وتركت عالم الجريمة وحياة الخارجين عن القانون وركّزت على عملي الإبداعي ككاتب وعلى خدمة أحبّائي. غريغوري روبرتس
  • ❉ ❉ ❉

  • تُصوّر قصيدة "جزيرة بحيرة إنيسفري" لوليام بتلر ييتس رحلة خيالية تعكس رغبة الشاعر العميقة في الهروب من الحضارة الحديثة والسعي إلى حياة روحية منسجمة مع الطبيعة. ويتحقّق ذلك من خلال بعض الصور الغنيّة. القصيدة تتكوّن من ثلاثة مقاطع، كلّ منها يتألّف من أربعة أسطر.
    يقول الشاعر في قصيدته: سأنهض وأذهب الآن إلى إينيسفري، وأبتني لي هناك كوخا صغيرا من طين وخشب، وأزرع تسعة صفوف من الفاصوليا وخليّة نحل، وأعيش لوحدي في المرج. سأنعم هناك ببعض الهدوء الذي يأتي ببطء من حُجب الصباح الباكر إلى حيث هسيس الصراصير. هناك، يشعّ نصف الليل بالوميض ويكتسي النهار وهجا أرجوانيا ويمتلئ المساء بأجنحة الحسّون. سأنهض وأذهب الآن. ليلا أو نهارا، أسمع همس ماء البحيرة يلامس الشاطئ. وعندما أمشي في طريقي، أو أتوقّف في بعض الدروب الرمادية، أسمع صداها في أعماق قلبي".
    يعبّر ييتس في القصيدة عن شوقه لحياة البساطة ونفوره من الحضارة الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر في إنغلترا. وتمثّل الطبيعة هنا النداء الروحي للشاعر، حيث يرفض الثقافة الحضرية عديمة الروح التي يمثلها مجازيّا "الطريق" و "الدروب الرمادية".
    ويتخيّل الشاعر السكن في كوخ مبنيّ من الطين والأغصان بين تسعة صفوف من الفاصوليا وخليّة من نحل العسل. كما يصف البيئة الطبيعية في أوقات مختلفة من اليوم، من خلال عدد من الصور المليئة بالأصوات والألوان والحركات المختلطة، كالنحل الطنّان والصراصير المغرّدة والطيور المرفرفة بأجنحتها والضوء المكتسي باللون الأرجواني.
    والشاعر يعبّر ضمنا عن إدانته لإنغلترا الحضرية وإعجابه بآيرلندا وثقافتها الريفية. ومن الواضح أن رحلة الشاعر إلى تلك الجزيرة هي رحلة روحية نحو التسامي والصفاء. ويتجلّى هذا الحماس شبه الديني في إنشائه صلة بمثال الابن الضالّ في القصّة التوراتية. وهكذا يصبح الذهاب إلى إنيسفري توبة من ذنوب العالم المادّي.
    وفي حديث ييتس عن النحل يذكّرنا بحقيقة أن العسل كان الغذاء المميّز ليوحنّا المعمدان الذي كان نموذجا لأوّل الرهبان المسيحيين الذين عاشوا في البرّية وبشّروا بالتوبة استعدادا لمجيء الربّ. ومع أن القصيدة لا تتضمّن إشارات دينية صريحة، إلا أن تصوير الطبيعة يكشف عن شوق عميق لتجربة التسامي. ليديا جونز
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • يجب أن نتعلّم كيف تتناغم إيقاعات يومنا مع الكائنات الحيّة الأخرى وكيف نشعر بامتزاج إحساسنا بالوقت مع دورات الزمن الأوسع. لقد اعتدنا على اعتبار الوقت دقّات الساعة، أي دورة متواصلة من الأرقام والقياسات. لكن الوقت أيضا عبارة عن علاقات تُعاش كدورات وإيقاعات منسوجة من شبكة من العمليات البيئية المتفاعلة في تعاون مستمر.
    التكنولوجيا الحديثة كبحت غريزتنا في جعل الوقت متناغماً مع الأرض، ومع ذلك فإن أجسادنا مصمّمة لتكون في حوار مع نظامنا البيئي ولتستجيب للعالم من حولنا عبر ساعاتنا الداخلية.
    إبحث عن مكان للجلوس في مساحة خارجية، مكانٍ يمكنك فيه مواجهة عناصر الطبيعة والمجتمع الذي يتجاوز حدود البشر. وابدأ بإيقاظ حواسّك للأصوات والروائح والحركات من حولك. ولاحظ جودة الضوء ودرجة الحرارة ووجود الرطوبة أو عدمها وتفتّح الزهور أو غلقها ووصول المخلوقات ومغادرتها، أي كلّ الإشارات في المشهد التي تشكّل إحساسا بالوقت.
    وأثناء استمرارك في الجلوس، لاحظ كيف تتغيّر هذه الإشارات أو تتطوّر أو تختفي. فكّر في كيفية تَغيّرها على مدار فصل أو عام. متى ستظهر نباتات معيّنة؟ وهل سيتغيّر عطر هذا المكان؟ ضوء الشمس؟ الألوان؟
    ركّز على كائن يشاركك موطنك، ربّما نبتة في حديقتك أو نهر يمرّ عبر مدينتك أو طائر مغرّد يتردّد على شارعك. فكّر في كيفية استشعار هذا الكائن للوقت عند تفاعله مع الإشارات التي لاحظتها. هل يتفاعل مع وجود كائنات أخرى أو يستجيب لتغيّرات الضوء أو يتناغم مع الحالة المتغيّرة لنبتة أثناء إزهارها وثمرها؟ كرّر ذلك مع كائنات أخرى في مجتمعك البيئي.
    إقضِ يوما دون النظر إلى ساعة واحدة، دون دقائق وساعات، ما الذي تستمع إليه وتبحث عنه لتستشعر الوقت؟ ربّما تقلّبات الضوء أو أصوات عائلتك أثناء استيقاظك أو رائحة الندى على نبات ما أو وجود غناء حيوان آخر. إيمانويل لي
  • ❉ ❉ ❉

  • كتبتُ للتوّ قصّة، وهذه القصّة قد تغيّر رأيك في أمور معيّنة، بل وقد تدفعك إلى اتخاذ قرارات معيّنة. من الذي ابتكر هذه القصّة التي قرأتها للتوّ؟ أقول لك أنني كتبت النصّ بنفسي، بمساعدة بشر آخرين. وأقول لك أن هذا نتاج ثقافي للعقل البشري. لكن هل يمكنك التأكّد تماما من ذلك؟! قبل بضع سنوات، كان بإمكانك ذلك.
    قبل عشرينات القرن الحادي والعشرين، لم يكن هناك شيء على الأرض، سوى العقل البشري، قادر على إنتاج نصوص متطوّرة. اليوم، اختلفت الأمور. نظريّا، ربّما يكون النصّ الذي قرأته للتوّ قد أنتجهُ ذكاء جهاز كمبيوتر. ونظرا لسرعة تطوّر الذكاء الاصطناعي، فإنه يستحيل التنبّؤ بما يمكن أن يفعله غدا، ومن هنا أهميّة وضع حواجز وقائية ضدّ جميع المخاطر التي قد يحملها في المستقبل. يوفال هاراري
  • ❉ ❉ ❉

  • الحديقة قديمة قِدم البشرية. وهي تمثّل صلة واضحة بين الطبيعة والثقافة، ولذلك فهي موضوع شيّق للتأمّل والبحث. كان لدى المصريين واليونانيين حدائق. واشتهرت بابل بحدائقها المعلّقة، أما شكلها فهو موضع تخمينات، ولا يُعرف عنها إلا القليل. وينطبق الأمر نفسه على الحدائق اليونانية، التي كانت رمزية وصوفيّة في المقام الأوّل. وكما كانت الطبيعة تجليّا إلهيا، كانت الحديقة غابة مقدّسة عند اليونانيين.
    أما حدائق الرومان فكان لها وظائف متعدّدة. فقد كانت بمثابة أماكن للاسترخاء أو الدراسة أو تبادل أطراف الحديث. أما بالنسبة للأثرياء، فكانت الحدائق عنصر زينة للمنزل الخاصّ. وكانوا يزرعون فيها الخضراوات والنباتات المفيدة أو يضعون فيها نباتات الزينة. كما خُصّصت فيها أماكن للتماثيل والنوافير.
    ومع ظهور الحدائق في مدن ايطاليا، ظهرت اللوحات الجدارية في المنازل "كالصورة التي فوق"، والتي تصوّر حدائق غنّاء بأشجارها ونباتاتها المزهرة، أحيانا في مواجهة سماء زرقاء. وكثيرا ما كانت النافورة محطّ الأنظار على الجدران. ومن بين أوراق الشجر، ستجد ألواحا رخامية على أعمدة، ويُفترض أنها تحمي من الكوارث.
    الحديقة الرومانية مستوحاة مباشرةً من الحدائق اليونانية. كانت في البداية مشهداً مقدّسا. وكثيرا ما كان يظهر فيها بريابوس إله الخصوبة ثم ديونيسوس. واستُخدمت نباتات الحديقة في الطقوس. كما لعبت الآلهة والأموات دورا هامّا في الحدائق وعلى اللوحات الجدارية في المنازل. واتّسمت صور هذه اللوحات بطابع رمزيّ. لوتشيا إمبلوسو
  • ❉ ❉ ❉

  • من وقت لآخر، شاعت بين هنود أمريكا الجنوبية أساطير عن أضواء غريبة تُرى على الجبال، ولها أساس من الصحّة. وهناك قصّة عن قرية كانت تُقرع فيها الأجراس، فتوافد الناس إلى كنيسة القرية في خوف مريع. إذ بعد غروب الشمس، توهّجت قمّة جبل إيلامبو بلون أحمر كالنار، وبدا أن نهاية العالم وشيكة. وفي فنزويلا، رأى "ثورن" جبلا يضيء ليلا بشكل غريب. ورأى "همبولت" مشهدا مشابها وخمّن أنه قد يكون احتراق غاز الهيدروجين. وفي كولومبيا، رأى "زام" أضواء ساطعة على طول قمّة جبال كورديليرا، وظنّ أنها ظاهرة كهربائية، حيث تعمل القمم كمكثّف ضخم تتسرّب منه الكهرباء عبر وهج صامت أو بتفريغ من الشجيرات.
    جبال القمر التي ترتفع قممها الثلجية فوق خطّ الاستواء في شرق أفريقيا، على مقربة من ينابيع النيل، تحمل اسما يُلهم الأساطير. أطلق عليها "بطليموس" هذا الاسم، وربّما ترجمه من كلمات أصلية تحمل المعنى نفسه. ولأنها كانت جزءا من الجغرافيا العربية في العصور الوسطى، فقد غلّفتها الأساطير الشرقية. ومن القصص التي تُروى أن من ينظر إلى تلك الجبال ينجذب إليها بقوّة مغناطيسية ولا يحرّره منها إلا الموت.
    ووفقا لمؤرّخ عربي، أرسل أحد الملوك بعثة لاستكشاف منابع النيل، فوصلوا إلى جبال النحاس، وعندما أشرقت الشمس، كانت أشعّتها المنعكسة قويّة جدّا لدرجة أن الجبال احترقت. ك. سبولدينغ
  • الجمعة، يوليو 25، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • أحبّ القطط وأؤمن بأن وجودها حول الإنسان يمكن أن يحميه من الشعور بالوحدة والاكتئاب وغيرها من المشاعر السلبية. يقول أحد الكتّاب المتخصّصين في سلوك الحيوانات أن إدراك قطّتك ونظرتها لك مختلفة عمّا تعتقده، بل غريبة تماما. فقد تعتقد أنت أنك المسئول والمالك والمُعيل لقطّتك، ولكن من وجهة نظرها تبدو الأمور معكوسة تماما.
    فالقطط لا ترى العالم كما نراه. فعيونها معدّة لأوقات الغسق والفجر، أي الساعات السحرية التي تصطاد فيها. وفي حين أن البشر لديهم رؤية ثلاثية الألوان، أي أننا نستطيع رؤية مجموعة واسعة من الألوان، بما في ذلك الأحمر والأزرق والأخضر، فإن القطط ترى الألوان الزرقاء والخضراء جيّدا، بينما تتلاشى الألوان الحمراء والوردية إلى درجات باهتة وغير واضحة. وقد تعجبك الألوان الحمراء الزاهية لسترة أو قميص، لكنها بالنسبة لقطّتك مجرّد بقعة رمادية.
    ويشير الكاتب الى أنه على العكس من الكلاب، لا تتعرّف القطط على الأشخاص من وجوههم، بل من أصواتهم. لذا قد تمرّ قطّتك من أمامك مباشرة دون أن تعرف من أنت، ولكن في اللحظة التي تفتح فيها الثلاجة في وقت الوجبة المعتاد، تجدها هناك بانتظارك. لذا من الناحية البصرية البحتة، أنت بالنسبة لقطّتك شكل طويل وغامض نوعا ما يتحرّك بطريقة معينة، وهذا عنصر أكثر من كافٍ لبدء بناء علاقة.
    إذا لم تتعرّف عليك القطّة من وجهك ولم تدرك الألوان أو التفاصيل الدقيقة، فكيف تعرفك؟! الإجابة، بحسب المقال، تكمن في السلوك. فالقطط بارعة في الذاكرة البيئية، فهي لا تحفظ الأماكن فحسب، بل تحفظ الأنماط، أوقات الطعام، إيقاع خطواتك، طريقة كلامك، حركة يدك، رمشة عينك وطاقتك العاطفية.
    إذن القطّة لا تحدّد هويّتك من مظهرك، بل من التفاعل معك. وهي لا تألفك لأنك تبدو بمظهر معيّن، بل لأنك تتصرّف بطريقة مألوفة ومريحة. وأنت لست إنسانا في أذهان القطط، أنت مجرّد وجود فريد في خريطتها الاجتماعية. وهي لا ترى كائنا طويل القامة يمشي على قدمين، بل ترى نمطا من السلوك يُشعرها بالأمان: أفعالك، نبرة صوتك، طاقتك الخ. لذا قد تُربكها التغييرات المفاجئة في سلوكك، لأنها تعتبرك ركيزتها ونقطة مرجعيّتها وبوصلتها العاطفية.
    وأكثر من هذا، عندما تفرك قطّتك ساقيك أو تتجعّد أو تقوّس ظهرها أو تقف بجانبك أو تضرب ذقنك برفق أو تداعب وجهك، فهذه ليست مجرّد إيماءات عشوائية، بل إشارات اجتماعية تُستخدم بين القطط، وهي تفعلها معك لأنها تعتقد أنك واحد منها.
    ومن المعلومات المثيرة والمثبتة علميّا عن القطط أنها تشعر بك عندما تكون حزينا أو متوتّرا وعندما تكون سعيدا. وردّ فعلها على تلك التغييرات يقول كلّ شيء، فإذا كانت قطّتك تتكوّر بجانبك وتطيل النظر إليك، فلأنها تعرف أنك لست على ما يرام.
    والمنطقة هي كلّ شيء بالنسبة للقطط، فهي تُعرّف العالم مكانيّا وليس فقط اجتماعيّا، وأنت عنصر أساسي في خريطتها المكانية. والمنزل ليس مجرّد مساحة مشتركة معك، بل هو ملكها أيضا. وكلّ جزء في الغرفة يحمل علامات الرائحة والروتين والقواعد يصبح وجودك فيه جزءا لا يتجزأ من عالم القطّة ومجالها الحيوي.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات..
    ○ في براغ عاصمة التشيك يوجد برج استثنائي، مصنوع بالكامل من الكتب! بينما كنت واقفاً هناك أحدّق في هذا البرج، أدركت حقيقة عميقة. المعرفة حبّ، لكنها أيضا ألم كبير لأنها تذكّرنا بحدود إمكانياتنا وعجزنا. طوال حياتي، قضيت وقتا طويلا منغمسا في الكتب، حتى بلغت حدّا ظننتُ فيه أنني صرت مكتفيا، وأنني قرأت ما يكفي وعرفت أناسا بما يكفي. لكن بينما كنت أواجه أكداس البرج الضخمة من الكتب المليئة بالمعرفة والحكمة والتجارب المختلفة، لم أستطع إلا أن أشعر بضآلتي ونقصي.
    في تلك اللحظة، أدركت أن المعرفة التي يحملها هذا العالم لا حدود لها، كمحيط ينتظر من يستكشفه. وهناك آلاف القصص وملايين الأرواح، كلّ منها مكتوب بأسلوب فريد. وتساءلت في داخلي: هل يمكننا أن نكتفي بما راكمناه من معرفة وأن نقول حقّا أننا حصلنا على ما يكفينا؟ والجواب: لا. لا ينبغي لنا أن نعيش في وهم أننا وصلنا إلى تلك النقطة النهائية، ولا أن ندع هذا الجوع للمعرفة في أنفسنا ينتهي، ولا أن نترك تلك الشعلة التي تحفّز فينا الرغبة في المعرفة والاستكشاف تذبل أو تموت. باتال اجرول

    ○ إذا نظرتَ إلى أعمال فرويد، فستجد أن شكسبير حاضر فيها جميعا. وقد أطلق فرويد على الشاعر الإنغليزي لقب "أعظم الشعراء". والذين يبدو أنهم لا يحبّون أعمال شكسبير مذهولون من موقف فرويد منه. وهناك مثقفون بارزون وكثر لا يروق لهم شكسبير كثيرا. ليو تولستوي مثلا نُقل عنه قوله ذات مرّة: أتذكّر الدهشة التي انتابتني عندما قرأت شكسبير لأوّل مرّة. توقّعت أن أحظى بمتعة جمالية غامرة. ولكن بعد أن قرأت كتبه، واحدا تلو الآخر، من "الملك لير" الى "روميو وجولييت" و"هاملت" و"ماكبث"، لم أشعر بأيّ متعة، بل شعرت بنفور وملل لا يُوصفان".
    ورغم أن تولستوي صرّح علنا بكراهيته لأعمال شكسبير، إلا أنه قال مرّة: أكره مسرحياته، لكنني لا أستطيع التوقّف عن قراءتها!". فهل هذا موقف منطقي من تولستوي؟ ولماذا أصرّ على إعادة قراءة المسرحيات مرارا طالما أنه لم يجد فيها أيّ قيمة؟ هل كان ذلك لدعم رأيه القائل بألا قيمة لكتابات شكسبير، أم أنه كان يتعلّم الكثير عن الحياة البشرية من تلك المسرحيات، برغم كلّ ما فيها من "ملل" كما قال؟! ديبس باركر

    ○ عندما تتأمّل في العدد اللامتناهي من الصُدف التي اجتمعت لتنتجك، ستدرك حينها كم أنت إنسان فريد وثمين. ومهمّتك هي تنمية تلك الطبيعة الثمينة والمقدّسة ومساعدتها على الازدهار. روبرت أيتكين

    ○ بعد عقود من وفاة الرسّام الاسباني فرانسيسكو دي غويا، استلهم الفنّانون في أنحاء أوروبا شيئا من واقعيته وانجذابه للعوالم الداخلية المظلمة واهتمامه بتصوير كوارث الحروب وقضايا المجتمعات واستخدامه لوسائل وتقنيات مختلفة. واعتبر بعض هؤلاء غويا نبيّا لفنّهم الجديد.
    وعلى الرغم من صعوبة تأكيد ما إذا كان النرويجي إدفارد مونك قد استلهم أعماله مباشرةً من غويا، إلا أن الاثنين كان لهما اهتمامات فنيّة مشتركة رغم أن أحدهما ولد قبل الآخر بأكثر من مائة عام. دي غويا لم يُكتشف ولم يحظَ بشهرة عالمية إلا في حياة مونك. وهذا يعني أن أعمال الفنّان الإسباني كانت جزءا من المشهد الفنّي الذي عاش مونك ضمنه. وعُرضت أعمال غويا في نفس المعارض ووُصفت بمفردات مشابهة لتلك التي وُصفت بها لوحات مونك.
    وقد انبهر العديد من أصدقاء مونك وجيله بخيال غويا الخصب وتجاربه اللامحدودة. ومثل مونك، يُعتبر غويا أحد أهمّ وأشهر الفنّانين في العالم. وهذه الأيّام، في ظلّ اشتعال الصراعات والحروب في أماكن مختلفة من العالم، تظهر مدى حداثة هذين الفنّانين وصلتهما الوثيقة والمستمرّة بعالمنا. توني هانسن

    ○ يركّز الناس على النماذج المثالية، بينما الأفضل من ذلك أن تبحث عن نماذج مضادّة، أي أشخاص لا تريد أن تشبههم عندما تكبر. نسيم طالب

    ○ ضمّن أنطونيو غرامشي كتابه "دفاتر السجن" قصّة قصيرة بعنوان "حكاية القندس" قال فيها: القندس، الذي يطارده الصيّادون للحصول على خصيتيه اللتين تستخدمان لاستخراج الأدوية الطبّية منهما، يقوم عادة بتمزيق خصيتيه لإنقاذ حياته". وقد ساق غرامشي القصّة كاستعارة لعجز الحزب الاشتراكي الإيطالي عن مقاومة صعود الفاشية واقتصار تكتيكاته على سلسلة من الأخطاء التي أضعفت من قدرته على التحمّل.
    وقد لا تعلم أن القندس، هذا القارض الصغير واللطيف، قد عانى تاريخا طويلا من القمع والاستغلال. فبعد وصول المستعمرين الأوروبيين الى القارّة الأمريكية بفترة وجيزة، أصبح القندس، وهو مصدر مهم للِباس وغذاء السكّان الأصليين، سلعة رئيسية لتجارة الفراء المزدهرة. وقد دفع فراء القندس الإنغليز والفرنسيين إلى حرب تجارية ضارية انتهت بانقراضه تقريبا.
    ومع ذلك، ظلّت قبّعات القندس لِباسا عصريا من عام ١٥٥٠ إلى عام ١٨٥٠. وقد اختار غرامشي الحديث عن القندس من بين جميع الحيوانات الأخرى لأن القنادس كنت قد انقرضت في إيطاليا منذ القرن السابع عشر نتيجةً للصيد العشوائي والمكثّف. وأسهمت حكاية غرامشي في ترسيخ فكرة أن القنادس حيوانات غبيّة وحمقاء وأنها مسئولة عن انقراضها. سينثيا أروزي

    ○ الحقائق التي لا ينشرها الإعلام لا وجود لها. كم من مجزرة وكم من زلزال يحدث في العالم وكم من سفينة تغرق وكم من إنسان يُضطهد ويعذّب ويُقتل! ومع ذلك، إذا لم يكن هناك من يرى أو يكتب أو يلتقط صورة، فكأن هذه الحقائق لم تحدث قط وهذه المعاناة لا أهمية لها ولا مكان في التاريخ، لأن التاريخ لا وجود له إلا عندما يُروى. تيزيانو تيرزاني

    ○ أحبّ بومباي، لذا أراها من منظور الشخص المحبّ. وأنا لست أعمى عن عيوبها، وأعلم أنها يمكن أن تكون المدينة الأكثر إحباطا في العالم كلّه. سيخبرك معظم سكّان المدينة مرّة واحدة على الأقل كلّ يوم أنهم يكرهونها! لكن نفس الأشخاص، بمن فيهم أنا، سيخبرونك أيضا أنهم يقولون لأنفسهم كلّ يوم "يا إلهي، أنا أحبّ هذه المدينة!"
    هناك الكثير من الأشياء التي تجعل بومباي مميّزة: النسمات الباردة، الموسيقى الموجودة في كلّ مكان؛ في كلّ سيّارة ومتجر ونافذة مفتوحة كما لو كانت المدينة معطّرة بالصوت، ملصقات الأفلام التي تحلّق في الأعالي، روعة النساء حيث المدينة معبد ونساء بومباي هنّ إلهاته، مجتمع البارسي "الزارادشتيون" حيث لا يحقّ لأيّ مدينة لا يوجد بها مجتمع بارسي أن تسمّي نفسها عظيمة، وكلّ قطاع آخر في هذا المزيج المتناقض من الوجوه والأماكن: أفضل المطاعم التي تقدّم أشهى المأكولات في العالم، المودّة والصداقات الدائمة بين الناس. وخلف كلّ ألوانها وأذواقها وروائحها وملمسها، يكمن جمال بومباي الذي لا يوصف. إنها جميلة وفخورة وجريئة وجذّابة وعطوفة. غريغوري روبرتس

    ○ نعيش على جزيرة محاطة ببحر من الجهل. ومع اتّساع جزيرتنا المعرفية، يتّسع شاطئ جهلنا. جون ويلر
  • الأربعاء، يوليو 23، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • يجسّد فنّ جاك لوي داڤيد أسلوب الرسم المعروف بـ "الكلاسيكية الجديدة Neoclassicism"، التي ازدهرت في فرنسا خلال أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. وقد تخصّص هذا الفنّان في رسم اللوحات التاريخية التي تتضمّن نماذج ودروسا أخلاقية، ودافع عن أسلوب الخطوط الدقيقة والأشكال المنحوتة والأسطح المصقولة.
    والكثير من لوحاته رسمها خدمةً للملوك والثوريين الراديكاليين والإمبراطور. ورغم تبدّل ولاءات داڤيد السياسية، الا أنه ظلّ وفيّا لمبادئ الكلاسيكية الجديدة التي نقلها إلى جيل من الطلاب، أشهرهم فرانسوا جيرار وأنطوان جان غروس وجان أوغست آنغر.
    من أشهر لوحات داڤيد تتويج ناپوليون التي كلّفه بوناپرت برسمها بمناسبة تتويجه إمبراطورا على الفرنسيين في الثاني من ديسمبر ١٨٠٤. وتعكس اللوحة ترسيخ سلطة ناپوليون والانتقال من فترة الثورة إلى الإمبراطورية. وقد استغرق العمل على اللوحة حوالي ثلاث سنوات واكتملت عام ١٨٠٧ .
    مراسم التتويج تجري في كاتدرائية نوتردام في باريس بحضور زوجة ناپوليون الإمبراطورة جوزيفين وعدد من الشخصيات البارزة، بينهم رجال دين وأفراد من عائلة الامبراطور، بالإضافة الى البابا. غير أن البابا لم يكن حاضرا فعلا ولم يتوّج ناپوليون بنفسه كما يُفترض، وذلك للتأكيد على الطابع العلماني للحكم.
    وقد ملأ الرسّام الصورة بأكثر من 140 شخصية. الحجم الضخم للعمل أتاح للفنّان فرصة رسم سمات مميّزة لكلّ شخص. ولم يغفل عن تفاصيل الأزياء والجواهر والمنسوجات الفاخرة التي تزيّن كلّ شيء، من الزوّار إلى جدران كاتدرائية نوتردام في باريس ذات الهندسة المعمارية الرائعة.
    أنظار الحضور تتّجه نحو ناپوليون الذي يحتلّ وسط اللوحة. وهو يقف مرتديا ثياب تتويج شبيهة بملابس أباطرة الرومان، ويحمل التاج بيديه تمهيدا لوضعه فوق رأسه، بينما تجثو امامه زوجته جوزيفين التي ترتدي ثوبا حريريا وتبدو راكعة في وضع خضوع، كما ينصّ على ذلك القانون المدني الفرنسي.
    وهناك شخصية محورية أخرى هي ماريا والدة ناپوليون التي تجلس على كرسيها الصغير في وسط خلفية اللوحة، في مكان أرفع من مكان البابا الذي يقف حانياً رأسه خلف ناپوليون. لكن والدة الإمبراطور في الواقع تجاهلت هذا الحدث ولم تحضره بسبب خلاف ناپوليون مع شقيقيه.
    ومن الملاحظ أن داڤيد رسم جوزيفين زوجة الامبراطور بحيث تبدو أصغر من عمرها الحقيقي البالغ 41 عاما آنذاك. كما أضاف للصورة بعض الشخصيات الأخرى مثل السفير التركي "المعمّم"، والواقف في الخلفية، رغم أنه لم يحضر المناسبة أصلا ولم يُسمح له بدخول الكاتدرائية لأنه مسلم.
    المفروشات والسجّاد والستائر والملابس توصل إحساسا بالعرض الدرامي الذي يمنح الناظر مقعدا في الصفّ الأمامي. ووفقا للروايات التاريخية، زُيّنت الكاتدرائية بمفروشات مزخرفة صُنعت خصّيصا لهذه المناسبة وفي وقت قياسي.
    ويقال إن ناپوليون عندما رأى اللوحة مكتملةً في ورشة داڤيد، انبهر بها وعبّر عن امتنانه للرسّام الذي "نجح في نقل تقديره لزوجته التي شاركته أعباء منصبه". ولهذا السبب قيل ان موضوع اللوحة هو في الحقيقة تتويج جوزيفين وليس ناپوليون.
    هذا العمل يجسّد قيم الكلاسيكية الحديثة بتركيزه على الوضوح والنظام والعظمة، وإظهاره التفاعل بين الفنّ والسياسة خلال فترة تاريخية شهدت تحوّلات كبرى في فرنسا. وقد استخدم الرسّام تباينات قويّة بين الضوء والظل لخلق عمق، وركّز على الشخصيات الرئيسية وأولى اهتماما خاصّا بتفاصيل الأزياء والمعمار وتعبيرات الوجوه.
    لم يكن داڤيد مراقبا سلبيّا للأحداث، بل كان مؤيّدا صريحا لما سُمّي "عهد الإرهاب"، قبل أن يصبح رسّاما أوّل لناپوليون. وعندما كان ما يزال شابّا، رفض أسلوب الرسم الريفي واختار الفنّ الكلاسيكي الحديث والمستوحى من العصور الرومانية القديمة.
    هذه اللوحة لا يُنظر اليها باعتبارها مجرّد تصوير تاريخي، بل أيضا تأكيد على شرعية حكم ناپوليون وعلى المزج بين الرمزية الدينية التقليدية والسلطة السياسية الحديثة وعلى الاحتفاء بالقومية الفرنسية. كما يمكن اعتبارها بيانا قويّا عن السلطة والهويّة ودور الفنّ في المجتمع.
    وقد ظلّت ملكاً للرسّام حتى عام 1819، عندما نُقلت إلى المتاحف الملكية، حيث خُزِّنت هناك حتى عام 1837. ثم وضِعَت في "الغرفة المقدّسة" لمتحف قصر ڤرساي التاريخي بأمر من الملك لويس فيليب. وفي عام 1889، نُقلت اللوحة من ڤرساي إلى متحف اللوفر حيث بقيت فيه الى اليوم.
    وقبل سنوات، ذكّر فيلم "ناپوليون" الملحمي للمخرج ريدلي سكوت بهذه اللوحة عندما عرضها في المشهد الذي يصوّر تتويج ناپوليون. وتضمّن الفيلم لقطة للفنّان دافيد وهو منهمك في رسم مشهد التتويج. ويبدو أن لوحة الرسّام كانت مصدر إلهام في تصوير تفاصيل ذلك الجزء من الفيلم.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات..
    ○ ولدتُ في طبقة لا تتقن لغتها الأم، وفي مدينة تخاف من المستقبل وتدرّب أهلها على الهجرة. وأنا الآن كاتبة أمريكية ضمن التيّار الأمريكي السائد الذي أحاول توسيعه. ولا أعتبر نفسي كاتبة هندية ولا منفية ولا مغتربة. أنا مهاجرة؛ أستثمر في الواقع الأمريكي لا الهندي. استغرقَ الأمر منّي عشر سنوات مؤلمة لأُسقِط طغيان الحنين المطبق الى الوطن الأصلي.
    أما النضال المتبقّي لي فهو جعل القرّاء الأمريكيين يدركون هذه الحقيقة. وكما يُظهر استقبال أفلام مثل "غاندي" و"ممرّ إلى الهند" و"الأروقة البعيدة" و"جوهرة التاج"، فإن الحنين طريق ذو اتجاهين. ويمكن للأمريكيين أن يشعروا بالحنين إلى عالم لم يعرفوه قط. يبدأ برنامجي الأدبي بالاعتراف بأن أمريكا غيّرتني. يمكنني أن أكون تشيكوفية وتولستوية برؤى حزينة وفلسفية عن انكسار القلوب وسقوط الحضارات، أو أن أكون مستوطنة جريئة وصاخبة في سهول الأدب الأمريكي المهمَلة. باراتي موكرجي

    ○ الغموض جزء من كلّ حياة، وربّما يكون من الأصحّ التمسّك به بدلا من قضاء العمر في البحث عن إجابات ناقصة. ومع ذلك، كبشر، نريد الحقيقة. قصصنا، حياتنا، قلقنا واكتئابنا المعاصر، كلّها عمليات بحث مفعمة بهذه الرغبة. يريد البشر الحقيقة كما يريد الماء أن يكون على مستوى سطح البحر ويتحرّك عبر القارّة نحو المحيط الأعظم. كتب الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار: الذاكرة حقل مليء بالآثار النفسية". قد يكون هذا صحيحا للبعض، لكن الذاكرة أيضا حقل للشفاء قادر على إعادة بناء العالم، ليس فقط للشخص الذي يتذكّر، بل للثقافات أيضا. عندما يقول المرء "أتذكّر"، يصبح كلّ شيء ممكنا. ليندا هوغان

    ○ هناك أيّام في حياتنا لا يحدث فيها شيء، وهي تمضي دون أن تترك ذكرى ولا أثرا لمرورها، كأننا لم نعشها أصلا. لنفكّر في الأمر، فمعظم الأيّام هكذا. ولكن عندما ندرك أن عدد الأيّام المتبقية محدود، نتساءل كيف سمحنا لكلّ تلك الأيّام أن تمضي دون أن ننتبه لها. لكن هكذا خُلقنا، لا نقدّر ما نملك إلا بعد فوات الأوان، ولا نفهم معنى أن نكون في الحاضر إلا عندما يصبح شيئا من الماضي. ولكن حينها يكون قد فات الأوان. تيزيانو تيرزاني

    ○ ليس لدى المغول مساكن ثابتة في أيّ مكان ولا يعرفون أين ستكون مدينتهم التالية. وليس لديهم أيّ "مدينة باقية" في أيّ مكان. وعندما وجدت نفسي بينهم، بدا لي وكأنني انتقلت إلى عالم آخر. ومن طعامهم ومؤنهم، علمت أنهم يأكلون جميع حيواناتهم، حتى الميّتة، ودون تمييز. ومع كلّ هذه القطعان، لا بدّ أن يموت الكثير من الحيوانات.
    فإذا مات ثور أو حصان مثلا، فإنهم يجفّفون لحمه بتقطيعه إلى شرائح رفيعة وتعليقه في الشمس والريح، حيث يجفّ فورا وبلا ملح ودون أن تفوح منه رائحة. وبأمعاء الخيول، يصنعون نقانق ويأكلونها طازجة. وبجلود الثيران، يصنعون أكياسا كبيرة. وبجلد مؤخّرة الخيول، يصنعون أجمل الأحذية. ويليام روبروك

    ○ كان بإمكانك سماع صراخ النساء وبكاء الرضّع وصياح الرجال. بعضهم كان ينادي أبويه والبعض الآخر أبناءه أو زوجاته، محاولين التعرّف عليهم من أصواتهم. كان الناس يندبون مصيرهم أو مصير أقاربهم، وكان هناك من يدعو الموت خوفا من الموت. توسّل كثيرون إلى الآلهة لإغاثتهم، لكن أكثرهم أدركوا أنه لم تبقَ آلهة وأن الكون غرق في لجّة الظلام الأبدي. العبارة الاستهلالية لفيلم "بومبي"، 2014

    ○ جميعنا نميل إلى الاعتقاد بأننا أذكياء وأننا نتخذ قرارات عقلانية تعود بالنفع علينا. لكن الحقيقة هي أن البشر ليسوا بارعين في التنبّؤ بالمستقبل. فالمعلومات التي نستخدمها لاتخاذ القرارات تأتي من الماضي، والأداء السابق لا يعني بالضرورة الأداء المستقبلي. فنحن نفترض مستقبلا غير قابل للتنبّؤ بطبيعته، وتمنعنا مجموعة كبيرة من التحيّزات المعرفية من التفكير بوضوح طوال الوقت.
    قد تجرّب وظيفة جديدة أو شركة جديدة، ثم تكتشف أنك تكرهها أو تفاجأ باستقالة رئيس الشركة الذي كنت متحمّسا للعمل معه. وربّما تتغيّر أولوياتك، فاهتماماتك وأنت في الخامسة والعشرين غير اهتماماتك عندما تبلغ الثلاثين. لذا من الصعب التنبّؤ بالمستقبل لأن الاهتمامات والأولويات والظروف تتغيّر باستمرار. روبرت أيتكين

    ○ على الرغم من أن اسمه ليس سوى كلمة لاتينية تعني "الأصلع"، إلا أن أسطورة سويسرية قاتمة تقول إن جبل بيلاتيس هو مدفن نائب الملك الروماني الذي سلّم يسوع إلى الغوغاء لقتله. وعندما انتحر، أي بيلاتيس، لم يستطع نهرا التيبر والرون، اللذان ألقيت جثّته فيهما تباعا، احتواءه. فقد أثارت الأرواح الشرّيرة عواصف شديدة، ما أدّى إلى امتدادها أبعد من ذلك. ويروي كتاب من القرن الثالث عشر أنه أُلقي به أخيرا "في بئر محاطة بالجبال". وحُدّدت هذه البقعة على أنها بركة أو مستنقع بالقرب من القمّة التي سُمّيت باسمه، أي قمّة بيلاتيس.
    وطوال العصور الوسطى، كان يُعتقد أن من يُلقي حجرا في هذه البحيرة الصغيرة، ستتبعه عاصفة. كان بيلاتيس يترك البركة كلّ عام ويجلس على صخرة موشّاة بالأرجوان. وكلّ من يغامر برؤيته عيانا يموت في غضون عام. لذا أصدر سكّان لوسيرن الخائفون مرسوما يقضي بعدم اقتراب أحد من البركة إلا إذا رافقه أحدهم ليتأكّد من عدم رميه حجرا. وأخيرا، في عام ١٥٨٥، تسلّق عمدة ولاية لوسيرن الجبل مع مجموعة من أصدقائه وألقوا حجارة في الماء، متحدّين الروح الشرّيرة أن تخرج. لكن لم يحدث شيء. ومنذ ذلك اليوم، انتهت الأسطورة. هـ. ميللر

  • Credits
    jacqueslouisdavid.org
    collections.louvre.fr

    الاثنين، يوليو 21، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • في كلّ ثقافة من ثقافات العالم، هناك أسطورة أو أكثر تشرح كيفية خلق الأرض ونشأة الإنسان. وكثيرا ما تتضمّن تلك الأساطير قوى طبيعية أو كائنات خارقة للطبيعة أو آلهة، وما إلى ذلك. وغالبا ما تشرح الأساطير كيف نشأت الحياة على الأرض، بما في ذلك النباتات والحيوانات والبشر.
    "الأرض" في لغة هنود أمريكا الجنوبية هي "باتشاماما"، وفي الأساطير اليونانية "غايا"، و"تيرا ماتر" في أساطير روما، و"ماهيماتا" في الفيدا الهندوسية، و"يوربان مودور" عند الشعوب الجرمانية والشمالية. والأرض عالمية، تتجاوز الجنسيات والعصور، كما أنها أساس كلّ شيء: الكائنات الحيّة والحياة النباتية والمعادن والملابس والتكنولوجيا والغذاء.
    عبارة "أمّنا الأرض" التي صارت شائعة ومستخدمة على نطاق واسع اليوم مستوحاة من ثقافة السكّان الأصليين في أمريكا الشمالية، وبالتحديد من خطاب ألقاه الزعيم الهنديّ الأحمر "سياتل" عام 1854 خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين بيرس لمناقشة بيع أراضي الهنود الحمر للمستوطنين البيض. وقد جسّد وصفه ذاك جوهر العلاقة المتميّزة التي حافظ عليها سكّان القارّة الأوائل مع الطبيعة.
    تذكر إحدى أساطير الهنود الحمر أنه في البدء، كان كوكبنا لا يحتوي الا على ماء فقط، بالإضافة إلى الحيوانات التي تعيش فيه. ثم سقطت امرأة من فجوة في السماء. كانت "امرأة إلهية" مليئة بالقوّة. ورأى غوّاصان كانا يعومان في المياه القريبة سقوطها، فشكّلا بجسديهما وسادة هبطت عليها. ثم رفعاها وصرخا طلبا للمساعدة.
    وأمكن سماع صراخهما من مسافة بعيدة وهما يناديان حيوانات أخرى لتأتي. وجاءت جميع الحيوانات للمساعدة في إنقاذ حياة المرأة. وقرّر الجميع أنها بحاجة إلى أرض ترابية لتعيش عليها. وقالت السلحفاة: سأغوص في الماء لأحضر بعض التراب". وهكذا فعلت بقيّة الحيوانات. غاص قندس ثم فأر مِسْكي، وبقيا مع آخرين تحت الماء يبحثون عن تراب لفترة طويلة. وفي كلّ مرّة، كانت السلحفاة تنظر داخل أفواههم عندما يصعدون، لكنها لا تجد أيّ تراب.
    وغاص الضفدع تحت الماء ومكث طويلا، وأوشك أن يموت. لكن عندما نظرت السلحفاة داخل فمه، وجدت مسحة صغيرة من التراب. فأخذتها المرأة ووضعتها حول صدفة السلحفاة. وكانت تلك بداية الأرض؛ الأمّ العظيمة التي انبثقت منها كافّة أنواع الحياة، بحسب الأسطورة.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات..
    ◦ أعتقد أن العيش دون معرفة هو أفضل من امتلاك إجابات قد تكون خاطئة. لديّ إجابات تقريبية ومعتقدات محتملة ودرجات متفاوتة من عدم اليقين بشأن أمور مختلفة، لكنني لست متأكّدا تماما من أيّ شيء، وهناك أمور كثيرة لا أعرف عنها شيئا، مثل مدى أهمية السؤال عن سبب وجودنا هنا. لستُ مضطرّا لمعرفة إجابة. ولا أشعر بالخوف من جهلي بالأمور أو من ضياعي في عالم غامض بلا غاية، وهذا هو الواقع على حدّ علمي. ريتشارد فاينمان

    ◦ حريّة الذئاب غالبا ما تعني الموت للخِراف. ايسايا "اشعيا" برلين

    ◦ لم أكتشف شيئا بنفسي قط إلا بالصدفة. وعندما قابلتُ الكاتب إيساك أزيموف لأوّل مرّة، سألته إن كان أستاذا في جامعة بوسطن. قال: لا". وسألني من أين حصلتُ على درجة الدكتوراه. فقلتُ له ليس لديّ دكتوراه". فبدا عليه الذهول. وقال: أتعني أنك في نفس الموقف الذي أنا فيه؟ أنت فقط تقرأ كتب الأساتذة وتعيد كتابتها"؟! قلت له: نعم، هذا ما أفعله حقّا". مارتن غاردنر

    ◦ هناك جمال رمزي وحقيقي في هجرة الطيور وفي مدّ وجزر المياه وفي براعم الربيع المتفتّحة. هناك شفاء لا حدود له في ترانيم الطبيعة المتكرّرة، اليقين بأن الفجر يأتي بعد الليل والربيع بعد الشتاء. ريتشيل كارسون

    ◦ سأشرح لك الآن أهمّ شيء في الحياة. لا تطارد الوهم، أي التملّك والجاه، أي كلّ ما يُكتسب على حساب أعصابك لسنوات ثم يُصادَر منك بين عشيّة وضحاها. تفوّق على الحياة. لا تخشَ الشقاء، ولا تبحث عن السعادة؛ فالأمر في النهاية سواء: المُرّ لا يدوم والحلو لا يفيض.
    يكفي ألا تتجمّد من البرد، وألا يخدش العطش والجوع أحشاءك. إن لم يكن ظهرك مكسورا، وقدماك ما تزالان تمشيان، وذراعاك يتحرّكان، وعيناك تبصران، وأذناك تسمعان، فمن تحسد؟! ولماذا؟! إنّ حسدَنا للآخرين يلتهمنا أكثر من أيّ شيء آخر. اُفرك عينيك وطهّر قلبك، وقدّر فوق كلّ شيء من يحبّونك ويتمنّون لك الخير في هذه الدنيا. لا تؤذِهم ولا تعنّفهم ولا تفارق أيّا منهم بغضب. ألكسندر سولجينتسين

    ◦ لا يمكن للرجل أن يجرّب الوحدة التي تشعر بها المرأة. يرقد الرجل وهو جنين في رحم المرأة ليستجمع قوّته، يتغذّى من هذا الاندماج، ثم ينهض وينطلق إلى العالم، إلى معركة الحياة وإلى الفن. إنه ليس وحيدا، إنه مشغول. ذكرى السباحة في السائل الأمينوسي تمنحه الطاقة والاكتمال. قد تكون المرأة مشغولة أيضا، لكنها تشعر بالفراغ. الحسّية بالنسبة لها ليست مجرّد موجة من اللذّة تغمرها أو شحنة من الفرح الغامر عند ملامسة الآخر. عندما يرقد الرجل في رحمها، تشعر بالاكتمال، كلّ فعل حبّ هو تجسيد للرجل في داخلها، فعل ولادة وتجدّد، تربية وإنجاب. أناييس نين

    ◦ علامة الرجل غير الناضج أنه يريد أن يموت بنبل من أجل قضيّة. وعلامة الرجل الناضج أنه يريد أن يعيش بتواضع من أجل قضية. جيمس سالينغر

    ◦ لديّ نظرية مفادها أن لاس فيغاس ستكون المدينة الوحيدة التي سيجدها علماء الآثار في المستقبل. سيحافظ مناخها الجافّ عليها بالكامل، وستقوم فرق من العلماء في عام 5000 بكنس الرمال وإزالتها بعناية للعثور على أهرامات وقلاع ونسخ طبق الأصل من برج إيفل وأفق مدينة نيويورك وبطاقات القمار.
    وسيعيد علماء الآثار بناء ثقافتنا بأكملها بناءً على هذه المدينة الصغيرة السطحية والمتشائمة. يمكننا أن نشكو ما نشاء من أن هذه المدينة لا تمثّلنا. يمكننا أن نقول: نعم، نكره لاس فيغاس. حسنا، أنا متأكّد من أن ليس كلّ الرومان استمتعوا بحفلات التعذيب في الكولوسيوم أيضا، ولكنْ هذا هو الواقع. جيمس والتر

    ◦ إن محاولة رؤية متحف اللوفر بأكمله في يوم واحد تشبه محاولة قراءة رواية "الحرب والسلام" أثناء استراحة القهوة. مجهول

    ◦ عندما نريد أن نفعل شيئا ما، ونحن على يقين من فشله، فإننا نطلب النصيحة من غيرنا حتى نتمكّن من إلقاء اللوم على شخص آخر بسبب الفشل. نسيم طالب

    ◦ ما يحدث في هذا البلد هو أن السكّان الأصليين، قصصهم ووجودهم، قد اختفت تقريبا من التاريخ الأمريكي، لأنه إذا كان صحيحا أننا ما زلنا هنا، وإذا كان صحيحا أن ما حدث كان - كما تعلمون - سرقة كبرى ومذبحة، فهناك خلل جوهري في القصّة يحتاج إلى إصلاح. الأمر الآخر هو أننا هنا، لكن لا يتعرّفون علينا إلا إذا كنّا تمائم أو نرتدي ملابسنا التقليدية.
    الكثير من صور الأمريكيين الأصليين مستوحاة من حكايات خرافية أو من عروض الغرب الأمريكي المتوحّش. نحن بشر ولسنا مجرّد أشخاص خُلقوا لعوالم خيالية. وليس هناك أمريكي أصلي واحد فقط، نحن متنوّعون من حيث المجتمع والأرض واللغة والثقافة. في الواقع، هناك 573 أمّة قبلية. جوي هارغو

    ◦ هناك دائما في الشعر ما لا يُدرك أو يُوصف؛ ما ينجو من اهتمامنا المُلحّ ونظرياتنا النقدية وجدالاتنا الليلية. القصائد كالأحلام، تضع فيها ما لا تعرف أنك تعرفه. وكلّ قصيدة حقيقية هي كسر لصمت قائم. أدريان ريتش

    ◦ لقد سُنّ القانون من أجل شيء واحد فقط، هو استغلال أولئك الذين لا يفهمونه، أو الذين يمنعهم البؤس العاري من الامتثال له. برتولد بريشت

  • Credits
    creationmyths.org

    السبت، يوليو 19، 2025

    وقت للقطط


    ○ الوقت الذي نقضيه مع القطط لا يُعتبر وقتاً مُهدراً أبداً. سيغموند فرويد

    يذهب بعض النقّاد الى أن اللوحة التي فوق هي أشهر لوحة في تاريخ الفن رُسمت لقطط. وهي للفنّان الأمريكي كارل كاهلر الذي رسمها عام ١٨٩١ وضمّنها ٤٢ قطّة معظمها من سلالة أنغورا التركية. وجاء رسم اللوحة بطلب من مليونيرة من سان فرانسيسكو كانت تُلقّب بملكة القطط، وأرادت من خلالها تكريم أصدقائها من القطط التي كانت تعيش معها.
    ولأجل إنجاز هذه المهمّة، أقام الرسّام في قصر المرأة الذي كان يضمّ 300 قطّة وعددا من الكلاب الحائزة على جوائز وخيولا وماشية وطيورا مختلفة. وأمضى ثلاث سنوات وسط هذه المجموعة من الحيوانات والطيور بغرض رسم القطط والتعرّف على شخصياتها الفريدة.
    وتظهر القطط في اللوحة بأمزجة وأنشطة مختلفة، فبعضها يستريح وبعضها يلعب وبعضها الآخر متجمّع حول فراشة. وفي منتصف اللوحة يظهر "سلطان"، وهو اسم قطّ جميل وضخم له عينان خضراوان وفرو أبيض وأسود، وهو يحدّق في الناظر. ويُقال إن المليونيرة اشترت هذا القطّ من باريس بمبلغ ثلاثة آلاف دولار.
    بعد الشهرة الكبيرة التي اكتسبتها هذه اللوحة، تخصّص كاهلر، المولود في النمسا عام ١٨٥٦، برسم القطط طوال حياته. وقد دفعت له المرأة خمسة آلاف دولار أمريكي ثمناً للوحة، أي حوالي مائتي ألف دولار بسعر هذه الأيّام. وتردّد أنها تركت حوالي نصف مليون دولار في وصيّتها لرعاية القطط.
    كثيرا ما يقال على سبيل الدعابة أن لهذه اللوحة "تسع أرواح"، فقد نجت من الزلزال الكبير الذي ضرب سان فرانسيسكو عام ١٩٠٦ وتسبّب في تدمير المدينة وفي مقتل الرسّام نفسه عن عمر لا يتجاوز الخمسين عاما. وهناك سبب آخر لهذا الوصف الطريف يتمثّل في كثرة الأشخاص الذين تعاقبوا على امتلاك اللوحة بعد موت صاحبتها الأصلية.
    كارل كاهلر لم يكن أوّل ولا آخر فنّان يحبّ القطط، فقائمة عشّاق القطط من الفنّانين طويلة، من كليمت وماتيس وبيكاسو الى دالي واوكيف ورينوار وغيرهم. وربّما يعود سبب هذه الشعبية الكبيرة للقطط إلى أن كلّ قطّة هي بحدّ ذاتها عمل فنّي جميل ونابض بالحياة. وكلّ من يعيش مع قطّة يعلم أن كلّ حركة لها هي تعبير رشيق عن فطرتها الفنّية. لذا تتمتّع القطط بتلك الجاذبية الخفيّة التي تنسجم تماما مع طبيعتها الغامضة. ولا عجب أن العديد من الفنّانين والكتّاب البارزين يعتبرون القطط وسيطاً عابرا لأبعاد وعوالم متنوّعة.
    وأكثر من هذا، فإن بعض الثقافات أدرجت القطط ضمن آلهتها. وأشهرها بالطبع الإلهة المصرية القديمة المسمّاة "باستت". وهناك العديد من الرسومات والنقوش الفرعونية على التوابيت والجدران تصوّر قططا أو آلهة برؤوس قطط. كما توجد مقابر مزيّنة لدفن القطط، ما يدلّ على ان القطط في مصر القديمة كانت تُرفع فوق مستوى المخلوقات الأخرى، وعند وفاتها كانت تُحنّط وتُدفن لتنتقل هي أيضا إلى الدار الآخرة.
    وفي مصر أيضا، كان إيذاء قطّة يُعتبَر خيانة. وفي ذروة شعبية الإلهة القطّة باستت، كان قتل قطّة، حتى عن طريق الخطأ، جرماً يعاقَب عليه بالإعدام! وبصفتها "رسولة وخادمة للإلهة"، كانت القطط تُصوّر كثيرا في الفنّ المصري. ومن أمثلة ذلك تمثال قطّة من البرونز المصبوب والمزيّن بالمجوهرات موجود في المتحف البريطاني.


    يقال إن أقدم قطّة أليفة معروفة في التاريخ عاشت في جزيرة قبرص قبل حوالي عشرة آلاف سنة. وكان تدجين القطّط مرتبطا بالتغيّرات الزراعية في المجتمع البشري. وقد كرّمت العديد من الثقافات القطّة باعتبارها صيّادا قويّا ومفيدا. متحف الإرميتاج الروسي في سانت بطرسبورغ ما يزال يوظّف الى اليوم أكثر من سبعين قطّة. ولهذا قصّة، إذ يقال إنه في عام 1795، كانت قاعات المتحف، الذي كان آنذاك قصرا، موبوءة بالجرذان، فوقّعت الإمبراطورة مرسوما بإرسال قطط الى القصر لتصيد الجرذان. ومُنحت تلك القطط صفة "صائدين رسميين" وأصبحت حيوانات أليفة مفضّلة لدى الروس.
    وعلى الرغم من أن اليابان لم تشهد عمليات مطاردة للساحرات كتلك التي حدثت في أوروبّا في العصور الوسطى، إلا أنها تبنّت وجهتي نظر متباينتين عن القطط. فبعض الأساطير اليابانية تصوّرها كأرواح مسالمة، ولكن البعض الآخر يرى فيها كائنات شيطانية. وإحدى تلك الأساطير تحكي قصّة رجل قتل خادمه، ثم أسرّت والدة القاتل بأحزانها لقطّة قبل أن تنتحر. وهنا تلعق القطّة دم الأم وتصبح روحا شرّيرة تطارد ابنها القاتل.
    ومن المثير للاهتمام أن نفس الصفات التي أدّت إلى تدجين القطط، وأحيانا تأليهها، كانت هي أيضا التي تسبّبت في شيطنتها. ومع هذه التناقضات الكبيرة في تمثيلاتها، من السهل معرفة سبب استمرار القطط في جذب انتباهنا وتخليدها في الفن.
    مثلا، تركّز لوحة "طبيعة صامتة مع قطّة وجراد بحر" لبابلو بيكاسو على طبيعة القطّة المفترسة. بينما تقدّم لوحة "القطّ الأزرق" لآندي وارهول جانبها المرح. أما عن استخدام القطّة كرمز، فقد اشتهر ألكسندر شتاينلين بملصقه المشهور الذي رسمه لملهى "القطّ الأسود". وقيل ان اسم الملهى الباريسي مستوحى من قصّة لإدغار آلان بو بنفس الاسم.
    وجود القطط حول الفنّانين هو بحدّ ذاته عنصر إلهام، حيث رسم رينوار وميري كاسات القطط الصغيرة، وربط مانيه الحداثة بالقط الأسود، وأعجب بيكاسو، عاشق الكلاب، بوحشية القطط البرّية. والفنّانون يقدّرون عادةً القطط لأنها تتطلّب اهتماما أقلّ وتتميّز باستقلالية أكبر. وأحيانا قد يكون استوديو الفنّان مكانا منعزلا ووجود قطّ فيه يُضفي عليه حيوية ما. ومثال هذا وارهول الذي بدأ حياته في شقّة مع والدته بصحبة 25 قطّة، وهو ما ألهمه رسم عدد من المطبوعات الحجرية الملوّنة لقطط.
    كان بول كلي أيضا يربّي عددا من القطط التي أثّرت بشكل مباشر في أعماله. وكانت قطّته الأولى نموذجا للوحاته في عشرينات القرن الماضي. وقد رسم لوحة بعنوان "القطّ والطائر" توحي بأن من رسمها طفل، إذ كان كلي يعتقد أن الأطفال أقرب إلى مصدر الإبداع. وهناك أيضا الياباني تسوغوهارو فوجيتا الذي تظهر القطط كثيرا في فنّه. ومن أسباب حبّ اليابان الحديثة للقطط، أن مدنها كانت وما تزال موبوءة بالفئران، ومعروف أنه لا يخيف الفئران أفضل من القطط.
    هذه مجرّد أمثلة قليلة عن الفنّانين الذين ألهمتهم قططهم بعض أعمالهم.
    لكن لماذا يستمرّ هذا الانبهار والاهتمام بالقطط حتى اليوم كما يتّضح في الثقافة الشعبية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وما سرّ جاذبيتها؟
    يشير البعض الى أن مضاهاة وجوه القطط لوجوه الأطفال الصغار تثير حاجة بيولوجية فينا للرعاية والاحتضان. كما انه بسبب وجود القطط في الأساطير وكونها جزءا من بيئة سرد القصص الجماعية، فإننا ننجذب إلى تمثيلاتها العديدة. ومثل أسلافنا القدماء، فإن وجود القطّة كعضو ثمين في بيوتنا يدفعنا لتقديرها وتخليدها.

    Credits
    dornsife.usc.edu
    Artnet.com

    الخميس، يوليو 17، 2025

    قراءات


  • في داخلنا، حتى أكثرنا مرحا وبهجة، داء أصيل؛ نار لا تنطفئ تجعل الغالبية العظمى منّا عاجزين عن بلوغ السلام التام في هذه الحياة. إنه "التوق" المتجذّر في نخاع عظامنا وفي أعماق أرواحنا. وكلّ الأدبيات العظيمة والشعر والفنّ والفلسفة وعلم النفس والدين تحاول تسمية هذا التوق وتحليله.
    ونادرا ما نكون على تماسٍّ مباشر معه، بل يبدو أن العالم الحديث مصمّم على منعنا من التواصل معه بتغطيته بوهم لا ينتهي من التسلية والهواجس والإدمان ومشتّتات الانتباه من كلّ نوع. لكن التوق موجود ومتأصّل فينا كرغبة تضغط من أجل أن تتحرّر. وتوحي لوحتان فنّيتان عظيمتان بهذا التوق في عنوانيهما: لوحة غوغان "من نحن؟ من أين أتينا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟" ولوحة دي تشيريكو "حنين إلى اللانهائي". وسواءً أدركتَ ذلك أم لا، فإن مجرّد كونك إنسانا يعني التوق إلى التحرّر من الوجود الدنيوي بجدرانه وقيوده. هيوستن سميث
  • ❉ ❉ ❉

  • سكّان أمريكا الأصليون، الذين أُعجب هنري ثورو بحكمتهم، يعتبرون الأرض مصدرا مقدّسا للطاقة. وبالنسبة لهم، التمدّد على الأرض يجلب الراحة والجلوس عليها يضمن حكمة أكبر في المجالس والمشي على جاذبيتها يمنح القوّة والتحمّل. والأرض مصدر لا ينضب من القوّة، فهي الأمّ الأصلية المُغذِّية، لأنها تضمّ في حضنها جميع الأسلاف الراحلين. وهكذا، بدلا من مدّ أيديهم نحو السماء طالبين رحمة الآلهة السماوية، يفضّل الهنود الحمر المشي حفاةَ على الأرض.
    كان شعب لاكوتا متعريّا حقيقيّا وعاشقا للطبيعة على الدوام، يحبّ الأرض وكلّ ما فيها، ويزداد تعلّقه بها مع التقدّم في العمر. وقد أحبّ كبار السنّ التراب حرفيّا، فبجلوسهم أو استلقائهم على الأرض يشعرون بقربهم من قوّة الأمومة. وكانوا يحبّون خلع أحذيتهم والمشي حفاةً بأقدامهم على الأرض المقدّسة. وقد بُنيت خيامهم على الأرض، وصُنعت مذابحهم من التراب. وكان لتراب الأرض عندهم خصائص مهدّئة ومقوّية ومطهّرة وشفائية.
    ولا يزال الهنديّ العجوز يجلس على الأرض مباشرة بدلا من الارتفاع فوقها. فالجلوس على الأرض يعني القدرة على التفكير بعمق أكبر والشعور أكثر بأسرار الحياة والاقتراب من الحيوانات الأخرى من حوله. والمشي، بفضل دعم الأرض والشعور بجاذبيتها وملامستها مع كلّ خطوة، هو بحدّ ذاته تفريغ للمشاعر الضارّة وجلب للطاقة الإيجابية. فريدريك غروس
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • "حرب نهاية العالم" هي روايتي التي بذلت فيها أكبر جهد ممكن وكرّست لها كلّ وقتي. وقد استغرقت كتابتها أربع سنوات. واضطررت لإجراء بحث مكثّف وقراءة معمّقة وتخطّي صعوبات جمّة، لأنّها كانت أوّل مرّة أكتب فيها عن بلد غير بلدي وأعمل مع شخصيات تتحدّث بلغة غير لغة الكتاب. هذه الرواية أصبحت تحدّيا مرعبا لي وعزمت على التغلّب عليه. في البداية، كنت قلقا للغاية. جعلتني الكميّة الهائلة من موادّ البحث أشعر بالدوار. كانت مسوّدتي الأولى ضخمة، حوالي ضعف حجم الرواية. وسألت نفسي كيف سأنسّق كلّ هذه المشاهد وآلاف القصص القصيرة.
    ولمدّة عامين، عانيت من القلق والحيرة. لم أكن أعرف شيئا عن حرب كانودوس، بل لم أكن قد سمعت عنها من قبل. وكان أحد أوّل الأشياء التي قرأتها عنها باللغة البرتغالية هو كتاب "اوس سيرتوس" أو "تمرّد في المناطق النائية" للكاتب البرازيلي يوكليدس دا كونيا. كان هذا الكتاب أحد الاكتشافات العظيمة في حياتي كقارئ، وهو لا يقلّ أهميّة عن قراءة "الفرسان الثلاثة" في صباي، أو "الحرب والسلام" و"مدام بوفاري" و"موبي ديك" بعد أن كبرت.
    أذهلني تماما ذلك الكتاب، إنه أحد أعظم الأعمال التي أنتجتها أمريكا اللاتينية. بقراءته تكتشف لأوّل مرّة ما لم تكن تعرفه عن ذلك الجزء من العالم. فأمريكا اللاتينية ليست مجموع وارداتها، وليست أمريكا ما قبل الإسبان أو المجتمعات الأصلية، ولكنها مزيج من هذه العناصر التي تتعايش بطريقة قاسية وأحيانا عنيفة. مأساة أمريكا اللاتينية هي أنه في مراحل مختلفة من التاريخ، وجدت بلداننا نفسها منقسمة وفي خضمّ حروب أهلية وقمع ومجازر جماعية مثل تلك التي وقعت في كانودوس. التعصّب وعدم التسامح يُثقلان كاهل تاريخنا. لذا فإن الرجل الذي أدين له حقّا بالفضل في تحفيزي لكتابة "حرب نهاية العالم"هو يوكليدس دا كونيا. ماريو فارغاس يوسا
  • ❉ ❉ ❉

  • في أعماق الطرف البعيد من الذراع الحلزوني الغربي للمجرّة، تقع شمس صفراء صغيرة لا تُرى. يدور حولها، على مسافة تقارب اثنين وتسعين مليون ميل، كوكب صغير أزرق مخضر وتافه للغاية، أشكال الحياة فيه، المنحدرة من القردة، بدائية للغاية لدرجة أنهم ما زالوا يعتقدون أن الساعات الرقمية فكرة رائعة. دوغلاس آدامز
  • ❉ ❉ ❉

  • في بعض الأحيان، عندما تعيش حياة طرفية على حافّة هذه البريّة المسمّاة الحياة، يمكنك أن تعود إلى العالم، هذا إن عدت على الإطلاق، ومعك بعض الجواهر من تلك التجربة التي قد يجدها الناس مفيدة. في شبابي، بحثت عن المعنى دون وعي، ممسكا بشذرات من المعرفة، كما تُمسك بعض أنواع الطيور بالأشياء البرّاقة لبناء أعشاشها. وبعد 30 عاما من الدراسة في مجالات الفيزياء واللاهوت والأحياء والفلسفة والأنثروبولوجيا وعلم النفس وعلم الآثار وغيرها، توصّلت إلى بعض الاستنتاجات حول طبيعة الكون ومكاننا فيه.
    لا أؤمن بوجود رجال صالحين أو أشرار. أؤمن بأن أفعالنا هي الخير والشر، وليس الرجال والنساء الذين يرتكبونها. أفضلنا قد يفعل الشر، وأسوأنا قد يفعل الخير. عرفت رجال مافيا تولّوا مسؤولية إطعام الفقراء في مناطقهم، وعرفت رجال شرطة كانوا قساة بلا رحمة. نحن البشر حيوانات قادرة على فعل الخير أو الشر. وكلّنا نفعل الأمرين، بدرجة أو بأخرى.
    رجال المافيا الذين عرفتهم في الثمانينات كانوا في الغالب رجالا شرفاء. أعلم أن هذا يبدو غريبا ومتناقضا لمن لم يعيشوا في ذلك العالم قط، لكنها حقيقة تجربتي. عاش رجال العصابات من المدرسة القديمة وفقا لقواعد شرف صارمة، وكانوا دقيقين للغاية في الالتزام بها. ولم أرَ في حياتي رجل مافيا يرفع يده على امرأة أو طفل، ولم أعرف قط من نقضَ وعده لي أو تخلّى عنّي في وقت الشِدّة. غريغوري روبرتس
  • ❉ ❉ ❉

  • بالنسبة لليونانيين الأوائل، كانت القوقاز نهاية العالم، وليس وراءها سوى مجرى المحيط. ويصفها إسخيلوس في مسرحيته "بروميثيوس المقيّد"بأن فيها أعلى الجبال، ويتحدّث عن "قممها المجاورة للنجوم". هنا يصوَّر سارق النار مقيّدا إلى صخرة بينما نسر يتربّص به. ويذكر هيرودوت أن هذه القمم أعلى من أيّ قمم جبال أخرى. ولم يتجاوزها أيّ قائد روماني قط. وكانت تمثّل ما هو مخيف ومجهول: الأمازونيات الدمويات وقبائل إسرائيل الهاربة وأمم يأجوج ومأجوج الشرّيرة.
    وطبقا لتقاليد هنود الغرب الأمريكي، تُعتبر جبال روكي حدود العالم المعروف. كانت هذه القمم تحمل السماء وتطارد أرواح العواصف وعمالقة الحجر وآكلي لحوم البشر ذوي البطون الضخمة. ومنها امتدّ غربا الطريق الجوفي المؤدّي إلى أرض الموتى. وفي داكوتا الجنوبية، كان هناك تلّ الشياطين الصغار، وهم أقزام شرّيرون ذوو رؤوس ضخمة، كانت قبائل البراري تقف في رهبة خوفا من سهامهم.
    وكانت هناك سبعة جبال مقدّسة في أرض النافاهو، أربعة منها عند الجهات الأربع، وثلاثة عند المركز. وقد منحت الأسطورة كلا منها لونه الخاص وجواهره وطيوره ونباتاته. كان أحد الجبال مثبّتا على الأرض بوميض برق، وآخر بشعاع شمس، وثالث بقوس قزح. وبروح يونانية تقريبا، كان هنود غيانا ينشدون أمجاد الصخور الحمراء المغطّاة بالغيوم. وكان فوقها نسور بيضاء تحيط بها دائرة سحرية وحرّاس من الشياطين. كيرك سبولدينغ
  • الثلاثاء، يوليو 15، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • في الحوليات القديمة، يأتي ذكر "الغابة في جِرمانيا" كمكان من الأشجار الكثيفة المظلمة والمستنقعات التي لا نهاية لها. ويذكر أرسطو ويوليوس قيصر وبليني الأكبر في كتاباتهم أن هذه الغابة، أي غابة هيرسينيا، كانت عالما غامضا تتدفّق فيه الأنهار وأنها كانت شاسعة جدّا، لدرجة أنه لا يمكن للمرء أن ينتقل من أحد طرفيها إلى الطرف الآخر الا بعد مسيرة ستّين يوما.
    وقد أدّى تشابك أشجار السنديان العملاقة هناك وتقارب أغصانها من بعضها البعض إلى إنشاء كتلة بلا مسار ولا يمكن اختراقها. وكانت الأيائل من ذوات القرون تتّكئ على جذوع الأشجار القويّة لتنام عليها. ومع شيء من البحث الدؤوب يمكن العثور على وحيد القرن. وكان الثور القديم المسمّى "الأوروكس" يتجوّل في أرجاء تلك الغابة. وكان هناك أيضا طائر جميل ذو ريش متوهّج كاللهب يرفرف بجناحيه بين الأوراق الزمرّدية التي لا تعدّ ولا تحصى.
    إن من الصعب أن نتخيّل مشاعر الأوروبيين الأوائل الذين وطئت أقدامهم أرض القارّة الأميركية. في ذلك الوقت كانت الملايين من الجواميس والظباء والذئاب والدببة الرمادية العملاقة تعيش في المراعي والأدغال. وكان من الطبيعي أن تثير الغابات ذات الأشجار العملاقة والكثيرة الرعب وكذلك الإعجاب والرهبة في قلوب الأوروبيين. كانت بمثابة براري حقيقية، "مكان بلا إله"، لذا كان لا بدّ من العمل على دهوَرَته وتخريبه لصالح الحضارة.
    وقد جلب التبادل الحضاريّ معه تبادلا دينيّا، وكان لا بدّ من استبدال الآلهة الوثنية التي تسكن البساتين والغابات المقدّسة بالإله المسيحي. وكان تدمير البساتين وقطع الأشجار القديمة وقتل آلاف الدببة والذئاب، أي الحيوانات المعبودة التي أصبحت رموزا للشرّ، جزءا من هذا الصراع. وكان هذا التدمير نتيجة حتمية، لدرجة أن أغلب المناطق البرّية الأوروبية لم تنجُ من الدمار حتى بداية الثورة الصناعية.
    ومن المثير للاهتمام أن تجارب الأوروبيين الأوائل في العالم الجديد تشبه أوصاف الرومان القدماء الذين عبروا في بداية عام 1500 حدود الإمبراطورية الرومانية ووصلوا إلى منطقة هرسينيا. ومع ذلك، لم تكن لهذه الغابة حدود معروفة، فقد كانت تقع في مكان ما بين أنهار الدانوب وإلبا والراين. وبحسب بليني الأكبر، فإن غابة السنديان في هرسينيا كانت "غير متأثّرة بالعصور ومتزامنة مع العالم ومتفوّقة على كلّ العجائب بمصيرها الخالد".
    وحتى ما قبل 300 عام، كانت أشجار السنديان البدائية الكثيفة ما تزال تنمو في عموم وسط أوروبّا. وقد كتب الشاعر البولندي آدم ميكيفيتش (1798-1855) عن واحدة منها يقول:
    هل سأجدك مرّة أخرى؟ هل تعيشين لفترة أطول؟ أنتِ التي زحفتُ بين جذوعك ذات يوم وأنا طفل؟ هل ستظلّ شجرة الباوبليس العظيمة باقية؛ الشجرة التي يمكن بسهولة إعداد عشاء يكفي لعشرة أشخاص في رحمها الضخم، بعد قرون من الحفر المجوّف؟!"
    خلال العصور الوسطى، لم تكن الغابة تعني فقط المنطقة المغطّاة بالأشجار كما هو الحال اليوم، بل كانت تعني أيضا الأرض التي تكثر فيها السهوب والمستنقعات والسهول والصحاري والمروج المالحة. في الأراضي المنخفضة، حيث كانت الظروف المناخية أكثر جفافا، نشأت السهوب. وفي الأماكن ذات التبخّر العالي والتربة ذات المياه الجوفية، نشأت المروج المالحة.
    في المصطلحات الجغرافية، تتكوّن غابة هيرسينيا من مجموعة من السلاسل الجبلية والهضاب الممتدّة من ويستفاليا عبر وسط ألمانيا وعلى طول الحدود الشمالية للنمسا حتى جبال الكاربات. ويبلغ طول حدود الغابة الشمالية المفترضة مسيرة تسعة أيّام، بينما يبلغ طول حدودها الشرقية أكثر من مسيرة شهرين.
    وقد ارتبط اسم الغابة بحادثة تاريخية مشهورة وقعت في العام التاسع للميلاد. كانت معركة كبرى دارت رحاها بين تحالف الشعوب الجرمانية والإمبراطورية الرومانية بقيادة بوبليوس فاروس وحلفائه. ويقال ان إجمالي خسائر الرومان في تلك المعركة بلغت حوالي عشرين ألف قتيل.
    وقد تسبّبت تلك الهزيمة في اختفاء الفيالق الرومانية مع جنودها المندحرين في براري ومستنقعات هيرسينيا، وفي القضاء على أيّ أمل للرومان في التوسّع عبر نهر الراين. ومع توالي القرون وعلى مدى ألفي عام، ظلّ المكان الذي شهد تلك المعركة، التي تُعتبر احدى أهمّ المعارك في تاريخ العالم الغربي، ضائعا وغير معروف.
    لكن رحّالة بريطانيّا يُدعى توني كلون استطاع بفضل عزيمته ومثابرته الغوص في أعماق الماضي، وتوصّل مؤخّرا الى أن تلك المعركة دارت شمال أوسنابروك بألمانيا، كما اكتشف أعدادا كبيرة من العملات الرومانية والأسلحة والبقايا البشرية وآلاف القطع الأثرية. وهناك اليوم متحف بُني حديثا يضمّ هذه الكنوز التاريخية التي لا تُقدّر بثمن أُقيم في نفس الموقع الذي فُقدت فيه الفيالق الرومانية.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات..
    ◦ سواءً كنت تحلّق فوق نيوفاوندلاند أو فوق بحر الأضواء الممتدّ من بوسطن إلى فيلادلفيا بعد حلول الليل، أو فوق الصحاري العربية التي تتلألأ كصَدف اللؤلؤ، أو فوق الرور أو مدينة فرانكفورت، فكأنّما لا يوجد بشر، فقط الأشياء التي صنعوها والتي يختبئون فيها. إذا نظرنا إلى أنفسنا من علوّ شاهق، فمن المخيف أن ندرك ضآلة معرفتنا بجنسنا البشري. هكذا فكّرت ونحن نعبر الساحل ونطير فوق البحر الأخضر الهلامي.
    لا يوجد ترياق لأفيون الزمن. تُظهِر شمس الشتاء كم ينطفئ ضوء الرماد وكم يغمرنا الليل سريعا. الزمن نفسه يشيخ. الأهرامات والأقواس والمسلّات أعمدة ثلجية ذائبة. حتى أولئك الذين وجدوا مكانا بين الأبراج السماوية لم تُخلّد أسماؤهم، فالنمرود ضاع في كوكبة الجبّار وأوزوريس في كوكبة الكلب. في الواقع، لا تدوم العائلات القديمة أكثر من ثلاث شجرات سنديان. وينفريد سيبالد

    ◦ لقد عرفت أن الخير كالشرّ، يصبح روتينا، وأن المؤقّت يميل إلى الاستمرار، وأن ما هو خارجي يتغلغل إلى الداخل، وأن القناع، مع مرور الوقت، يصبح هو الوجه نفسه. مارغريت يورسينار

    ◦ من المؤلم أن تشعر بالوحدة، لأننا كبشر لسنا مصمَّمين لذلك. نحن، كما أشار أرسطو منذ زمن بعيد، حيوانات اجتماعية. لكن ربّما تكون مهمّتنا أن نكون وحيدين في عصر وحيد وأن نتعلّم أن نكون بومة بين الأنقاض. البوم مخلوق من الليل والظلام ومرتبط بالحكمة. والأنقاض تحيط بنا بالفعل وتنتشر بسرعة كالفايروس. نعم، نعيش في زمن مظلم، وقد آن الأوان لنتعلّم كيف نرى في الظلام.
    كلّما فررنا من الأنقاض المترامية الأطراف إلى المرتفعات المشمسة في العالم الافتراضي، أصبح لزاما علينا أن نتعلّم بسرعة كيف نعيش في صحراء العالم الحقيقي. أن تكون بومة بين الخرائب هي الخطوة الأولى والحتمية للعثور على طريقك مرّة أخرى من خلال الضياع. جاك ليهي

    ◦ لا يوجد ماض ولا مستقبل في فنّي. وإذا لم يستطع العمل الفنّي أن يعيش دائما في الحاضر، فلا يجب اعتباره فنّا على الإطلاق. إن فنّ الإغريق والمصريين والرسّامين العظماء الذين عاشوا في عصور أخرى ليس فنّا من الماضي، بل ربّما يكون أكثر حيوية وحداثة اليوم من أيّ وقت مضى. بابلو بيكاسو

    ◦ وسط ضجيج الأدب العالمي الشبيه بضجيج بابل، كيف سيكون حالنا، نحن عشّاق الرواية والأدب، لولا المترجمين؟ يستطيع المترجم الجيّد أن يقدّم أدبا جديدا يغيّر فهم القارئ للظروف التاريخية والثقافية والاجتماعية التي تحكم العالم. بل إنه يُلقي ضوءا جديدا على الحوار الداخلي والمعضلات الأخلاقية لشخصيات الأدب العالمي المحبوبة والخالدة. ولو لم يكرّس المترجم سنوات تكوينه الأولى لإتقان عدّة لغات، لكانت كلاسيكيات الأدب الأوروبّي كتباً مغلقة.
    من الملاحم الآيسلندية في العصور المظلمة، إلى رواية "دون كيشوت" لثيربانتس التي تُعدّ أباً لجميع الروايات الأوروبّية، إلى التحليل النفسي للذاكرة الذي قدّمه مارسيل بروست في روايته، إلى هجاء ميخائيل بولغاكوف السوريالي للشمولية الستالينية في "المعلّم ومارغريتا"، لا بدّ من الإشادة بالمترجم على تفانيه لساعات طويلة كي يعيد صياغة الكلمة المكتوبة من لغة لأخرى. يزداد المرء تعلّقا بمهارات المترجم مع مرور الوقت، ويضع ثقته في الأسماء المعروفة من المترجمين لدقّتهم الفائقة وبصيرتهم الملهِمة وجهدهم الشاقّ في كثير من الأحيان، لفتح آفاق جديدة من الأدب العالمي أمام القارئ الباحث. كيفين اندرو

    ◦ الحياة نفسها ليست سوى ظلّ للموت. والأرواح الراحلة ليست سوى ظلال الأحياء. الشمس نفسها ليست سوى صورة للظلام، والنور ليس سوى ظلّ الله. توم براون

    ◦ كانت جبال الأطلس أشهر جبال القصص الكلاسيكية. وأروع وصف لها هو ما كتبه المؤرّخ بليني الأكبر. كانت قمّم الجبال تمتدّ إلى ما وراء السحاب وتقترب من مدار القمر. كانت وعرة وشديدة الانحدار على جانب المحيط الذي أُطلق عليها اسمه، بينما تنحدر بخفّة على الجانب المؤدّي إلى أفريقيا. وقد غطّت بساتين كثيفة جوانبها، حيث الجداول الرقراقة والثمار الوافرة. لكن في النهار لم يكن البشر يُرَون هناك قط. كان كلّ شيء صامتا كسكون الصحراء المخيف. والذين اقتربوا، تسلّل إليهم رعب ديني. في الليل، كانت نيران لا تُحصى توقد على جوانب الجبال. وبحسب بليني، كان ذاك جزءا من مشهد رقص السحرة وطاقم الساتير. وكان الصدى يتردّد مع نغمات الناي والبوق وضربات الطبول والصنج".
    وهناك أسطورة أخرى عن جبل يُصدر ضجيجا وتنبعث منه أنوار ليلية، بحسب السجلّات العربية والمسيحية. ويقول كاتب عربي من القرن الثاني عشر إن الجنّ يسكنون المدن الواقعة على سفوح الجبل والتي هجرها الناس. ويتحدّث ابن خرداذبة عن احتفالات ليلية في المحيط الجنوبي. وفي القرن السادس عشر، كتب أرغنسولا عن جبل في جزر الملوك قيل إنه كانت تُسمع منه ولعصور طويلة "صرخات وصفّارات وزئير"، مستنتجاً أن المكان مسكون بالشياطين. ويروي السندباد عن جزيرة تُدعى كاسيل، يتردّد فيها صدى طبول الجنّ المتمرّدة ليلا. وكانت جزيرة بروسبيرو مليئة بالضوضاء، لكنها كانت "أصواتا وأنغاما عذبة تُبهج ولا تؤذي".
    ربّما تكون قصّة الأطلس وغيرها من الجبال الأسطورية قد نشأت من عادات القبائل الذين يسكنون تجاويف الجبال. ففي حرّ النهار، كانوا يعودون إلى مساكنهم، ثم يخرجون ليلا ليرقصوا حول نيران القرية وعلى أنغام الطبول. كيرك سبولدينغ

    ◦ السلام ليس غياب الحرب، بل هو فضيلة وحالة ذهنية وميل إلى الإحسان والثقة والعدالة. سبينوزا

    ◦ في غضون أشهر قليلة، نسي فيليب ما كان عليه سابقا. نسي الشدّ الدائم في رقبته والصداع والليالي التي لم يكن ينام فيها إلا على غفلة. نسي صور الهلاك التي كانت تلوح في الأفق في أيّ لحظة طوال فترة طفولته ومراهقته. الصور التي لم يخبر بها أحدا قط، ولا يعرف عنها أحد شيئا: حيوانات ميّتة على جانب الطريق، أطراف مبتورة، جثّة تطفو في النهر، ماء يجرف منازل، طفل يختنق بحلوى، صراصير تخرج من حوافّ الجدران، خزائن كتب تتساقط وتسحق الأطفال الصغار، حوادث تصادُم، وأمراض تجعل اللسان أسود.
    نسي أن هذه الصور كانت موجودة دائما. ثم نسي الخوف منها. هذه المرحلة من الحياة خفيفة للغاية، تكاد تكون باهتة. ولأوّل مرّة في حياته التي انصرم منها ثلاثون عاما، يقترب من المستقبل بثقة وطمأنينة، ويبدأ تدريجيا في التعوّد عليه. لا ينبغي أن يكون شيء من هذا غريبا. فالمخاوف قد تكبر وقد تتقلّص وقد تختفي بغموض كما جاءت. لكن حول فيليب وخارج قفص سعادته المضاء، تذهب المدينة في اتجاه آخر. قيل لاحقا إن باريس كانت في قبضة الخوف في تلك السنوات. ساشا برونوفاسر

  • Credits
    rewildingeurope.com

    الأحد، يوليو 13، 2025

    حكايات المصارعين والأباطرة


    الكولوسيوم هو المدرّج الروماني الذي كانت تُقام على أرضه مباريات المصارعة الدامية بين البشر والوحوش "من أجل متعة الشعب والامبراطور!". وأبلغ وصف أدبي قرأته عن هذا المَعلم المشهور كان وصفا لكاتب معاصر زار المكان فجرا وقال انه خُيّل إليه أنه سمع هدير آلاف الرومان المتحمّسين وصرخات آلاف القتلى وتأوّهاتهم أثناء لحظات احتضارهم في ذلك المحشر الضيّق والمروّع.
    الغريب أن المصارعين المحكومين بالإعدام، قبل أن يقاتل بعضهم بعضا أو يُلقى بهم الى الحيوانات المفترسة والمجوَّعة، كان يُطلب منهم أن يقفوا أمام المنصّة الإمبراطورية ويردّدوا عبارة: السلام عليك أيها الإمبراطور! نحن الذين على وشك الموت نحيّيك!"
    كان الرومان يحبّون تلك المباريات الدامية. وفي حال ما إذا خسر مصارع، فإن من حقّ الجمهور المستمتع بالقتل وسفك الدماء أن يقرّر بقاءه أو موته، وذلك بخفض إبهامه أو رفعه وسط الهتافات والتصفيق.
    الكولوسيوم عبارة عن تاريخ مظلم ووحشيّ وغارق في القسوة والعنف. وما بدأ كألعاب رياضية تحوّل إلى وحشية مفرطة ارتُكبت ضدّ ضحايا كثيرين، بينهم أسرى حرب ومواطنون منفيّون ومجرمون ونساء.
    وعلى مدى خمسة قرون طويلة، أنفق الأباطرة ببذخ على تلك العروض التي شملت مئات الآلاف من مسابقات المصارعة ومبارزة الحيوانات، والمسرحيات الكلاسيكية، والإعدامات الحيّة والانتحارات. وكان بعض أباطرة روما يشاركون شخصيّا في تلك الفعاليات.
    كانت الحيوانات تُحشر عمدا في غرف وأقفاص صغيرة لكي يزداد عنفها ووحشيّتها. وكانت النمور والأسود والفهود والأفيال والتماسيح تُجلب حيّةً من شمال أفريقيا والبحر المتوسّط لاستخدامها في تلك المباريات الوحشية. وقد أدّى صيد الرومان لتلك الحيوانات من أجل المتعة إلى تدمير الحياة البرّية في مواطنها وانقراض الكثير منها.
    كان الكولوسيوم فضاءً مجوّفا عملاقا ومليئا بالدماء والجثث. ومن الغريب أن غالبية الرومان القدماء لم يكونوا يشعرون بأيّ أسف أو تأنيب للضمير وهم يتابعون أنشطته اللاإنسانية. بل إن الأباطرة، باستثناء ماركوس أوريليوس، والمثقّفين كانوا حريصين على استمرار عمليات التعذيب تلك، باعتبارها وسيلة سهلة للسيطرة على الجماهير وإلهائها.
    عندما تقرأ عن الفظائع التي كانت تحدث آنذاك في حلبات روما، وفي الكولوسيوم خصوصا، لا بدّ أن تتساءل كيف تسنّى للرواقيين من أمثال اوريليوس وسينيكا أن يمتلكوا مثل تلك العقليات المتحضّرة وأن يكتبوا أفكارهم الإنسانية الجميلة، على الرغم من أنهم عاشوا في مثل تلك البيئة المجنونة التي تحتفي بقتل وتعذيب البشر والحيوانات، بالإضافة الى ما شهده سينيكا نفسه من جرائم الدائرة القريبة من نيرون؟!


    في أحد كتبه، يشير سينيكا إلى مناسبة شهيرة، عندما أُجبر أشخاص محكوم عليهم بالإعدام على قتال مجموعة من الأفيال في الساحة. كان عدد الأفيال عشرين، وكان مبارزوها من البشر مسلّحين بالرماح. وقد قاتل أحد هذه الحيوانات ببسالة نادرةً، وعندما شُلّت قوائمه بفعل ضربات الرماح، زحف على جحافل الأعداء وانتزع دروعهم من أيديهم وألقاها في الهواء. وقد أسعدت هذه الحيوانات المتفرّجين بمناوراتها التي لا يتقنها سوى سحرة بارعون.
    كما وقعت حادثة عجيبة أخرى، بحسب سينيكا، فقد قُتل فيل بضربة واحدة ووصل الرمح الذي أصابه تحت عينه إلى الأجزاء المهمّة من رأسه. وحاولت مجموعة الأفيال كلّها اختراق السياج الحديدي الذي يحاصرها، ما تسبّب في إحداث اضطراب شديد بين الناس. لكن الأفيال عندما فقدت كلّ أمل في الهروب، حاولت كسب عطف الجمهور من خلال لفتات متوسّلة، وندبت مصيرها بنوع من العويل، ما أثار حزن الناس، فانفجروا في البكاء ونهضوا في هبّة واحدة واستمطروا اللعنات على رؤوس منظّمي تلك المقتلة الرهيبة.
    يقول أحد الكتّاب المعاصرين: لقد قطعت البشرية شوطا طويلا منذ أيّام الكولوسيوم. ومع ذلك لا نهاية للأهوال التي يُلحقها البشر ببشر آخرين. والنسخة العالمية الحالية من "الألعاب" الرومانية القديمة هي سلسلة الحروب الغاشمة التي نشهدها اليوم، وآخرها حرب الإبادة في غزّة.
    كنت أتوقّع أن يكون امبيرتو ايكو قد كتب وصفا او انطباعا ما بلغته الساخرة والبليغة عن تاريخ الكولوسيوم، لكن لم أجد شيئا باستثناء إشارة عابرة عن المكان وردت في رواية "اسم الوردة"، حيث ذكره باعتباره "أحد رموز الماضي".
    لكن فولتير كتب جملة طريفة عن هذا المعلَم يقول فيها: لقد بنى الرومان القدماء أعظم روائعهم المعمارية لتتقاتل فيها الوحوش البرّية". وعندما زار غوته المكان لم يلاحظ فيه سوى ضخامته "لدرجة أن المرء لا يستطيع أن يحفظ صورته في ذاكرته"، كما قال.
    المخرج الإنغليزي الشهير ريدلي سكوت أراد تصوير فيلمه Gladiator أو المصارع في داخل الكولوسيوم، لكنه أُبلغ بأن التصوير ممنوع في الداخل. فاضطرّ لبناء نسخة مصغّرة من المبنى في مالطا. كما أنشأ حديقة حيوانات حقيقية جلبَ لها مجموعة من الأسود والنمور والدببة والذئاب والفيلة والفهود، أي الحيوانات التي كان الرومان يزجّون بها لمقاتلة البشر في الكولوسيوم.
    أما المخرج السينمائي فيديريكو فيليني فكتب يقول: في فيلم "روما" أردت أن أجسّد فكرة أن روما القديمة تقع تحت روما اليوم. وهذا ما يثير حماسي. تخيّل نفسك في ازدحام مروري في الكولوسيوم!".
    الكولوسيوم قديم جدّا، أقدم حتى من سور الصين العظيم. لكن الأكروبوليس وستونهنج وهرم الجيزة أقدم منه بكثير. وهناك جهود حثيثة تبذل الآن وأعمال ترميم مكثفة تجري لإعادته الى الحياة وجعله مكانا لاستضافة الأنشطة الثقافية، من مسرحية وموسيقية، بعيدا عن مباريات الموت وسفك الدماء.

    Credits
    thecolosseum.org