:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأحد، أكتوبر 05، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • كان الشاعر اليوناني قسطنطين كڤافي (1863-1933) شاعر "شيخوخة وإنجازات قديمة نصفها منسي"، بحسب سكوت برادفيلد، مؤلّف كتاب عن حياة الشاعر وشعره. وعلى عكس معاصره المعجب به ت. س. إليوت، لم يرَ كڤافي ان التاريخ ينتهي "بأنين" بل بتنهيدة طويلة هادئة وممتعة من الذكريات. وبالنسبة للأخير، عندما تقترب الحياة والتاريخ من نهايتهما، بدأ الشعر.
    ولِد كڤافي لعائلة موسرة في الإسكندرية بمصر عام 1863. وأدّى الكساد العالمي عام 1873 إلى تفكيك تجارة العائلة. كما دفعت الصراعات السياسية المختلفة، مثل حرب انغلترا ومصر عام 1882، كڤافي وعائلته الى الهجرة الى ليفربول فالقسطنطينية. ثم عاد اخيرا مع والدته ليستقرّا بشكل دائم في مسقط رأسه الإسكندرية، حيث قضى بقيّة حياته.
    عاش الشاعر في عصر مضطرب مثل عصرنا، ولكنه كان دائما يجد وقتا للاستمتاع بمباهج الشعر الأقلّ اضطرابا والأكثر ديمومة. كان رجلا منعزلا نسبيّا، تفاعلَ مع أحداث عصره وشخصياته، مع الحفاظ على إحساسه الخاص بالزمن والتاريخ من خلال سلسلة من التأمّلات الشعرية الفريدة. ولم يبدُ قط أنه حقّق إنجازات عظيمة أو نال شهرة أدبية بقدر ما كان ينتج ويستمتع بالكتب والشوارع والشعر والعشّاق والأصدقاء. وعاش حياته، تماما كما كتب قصائده، كسلسلة من الأسرار الجميلة.
    كان أحد المؤثّرات الفكرية التي كوّنت كڤافي كتاب إدوارد غيبون "تاريخ انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية". لكن بعض أعمق التأثيرات الشخصية في الشاعر كانت المباهج الخاصّة التي تمتّع بها مع أقرانه من الشباب الذين التقى بهم خلال تجواله في الإسكندرية.
    في ديوانه "بانتظار البرابرة"، وهو ربّما أشهر أعماله، يستعدّ ملك ومواطنو مملكة مجهولة للتخلّي عن جميع طقوسهم وزخارفهم ومؤسّساتهم استعدادا لغزو "البرابرة" الذين يتوقّع الراوي أنهم "سيشعرون بالملل من أساليب البلاغة والخطابة". "والآن، ماذا سيحلّ بنا بدون البرابرة؟ كان هؤلاء الناس بمثابة حلّ من نوع ما". وفي قصيدة "إيثيكا"، ينصح الراوي شخصية مجهولة الاسم تشبه أوديسيوس بقوله: لا تتعجّل رحلتك بأيّ شكل من الأشكال. فالأفضل أن تدوم سنوات طويلة، وأن ترسو في الجزيرة كرجل عجوز أغناه كلّ ما حصل عليه في الطريق".
    وبحسب برادفيلد، عندما لم يكن كفافي يكتب، كان إما يقرأ أو يحدّث أصدقاءه عمّا يكتبه ويقرأه. ومن الصعب أن نفكّر في شاعر آخر، مثله، استطاع أن يقضي حياته متجوّلا في حانات ومطاعم مدينته المطلّة على الميناء، ومع ذلك لا يذكر المحيط إلا مرّة واحدة كموضوع شعري.
    وعلى عكس الرومانسيين الآخرين، لا ينجذب كڤافي إلى روعة الجبال والوديان، بل إنه يسارع إلى صرف نظره عنها، مفضّلا الانغماس في الذكريات والانطباعات التي تستحضرها الطبيعة. قد يقدّر جمال الطبيعة لفترة وجيزة، لكن سرعان ما تُستبدل هذه الرؤى بخيالاته وذكرياته وأيقونات المتعة.
    وهناك شيء عميق من الأنانية في كڤافي، فكلّ شيء في حياته يبدو وكأنه نصب تذكاري لذاته. وهو يصف ذلك الجزء من حياته الذي لم يكن سرّا، ولكنه لم يخرج أبدا متألّقا في ضوء النهار بقوله: شمعة واحدة تكفي. ضوؤها الخافت أنسب، سيكون أكثر جاذبية عندما يأتي الحب، عندما تأتي ظلاله. شمعة واحدة تكفي. الليلة لا يمكن للغرفة أن تحتوي على الكثير من الضوء. هكذا سأحلم برؤية أن الحبّ يأتي".
    عند كڤافي، الحاجة إلى الضوء تكاد تكون عارضة. إنها لا تمثّل سوى مساحة في الظلام حيث يمكن للفرد أن "يحلم برؤية". وباستخدام شمعة واحدة مدعومة بالتأمّل، يجعل الغرفة كاملة".
    كان هناك شيء مميّز في أعمال كڤافي وشخصيته استقطبَ في نهاية المطاف معجبين من جميع أنحاء العالم. وقد سافر الكثير منهم إلى الإسكندرية لزيارة منزله ومشاركة وجبات المقاهي والأحاديث، بمن فيهم كتّاب مثل كازانتزاكيس وفورستر. الأخير كتب وصفا لا يُنسى للشاعر: رجل يوناني يرتدي قبّعة من القش، يقف بلا حراك تماما بزاوية طفيفة بالنسبة للكون".
    وحتى بعد وفاته بفترة طويلة، سكنت روح كڤافي معظم الرؤى الأدبية الحديثة للإسكندرية وتردّدت في رباعية الإسكندرية للورانس داريل.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • كورنيليس بيغا (1631-1664) كان أحد رسّامي العصر الذهبي الهولندي. عاش وعمل في هارلم وكان ابنا لنحّات وصائغ. أشهر لوحاته هي التي فوق ويصوّر فيها خيميائيّا في معمله. والناس يتذكّرون هذا الرسّام لقصّة وفائه الغريب لزوجته. قيل إنه لما أُصيبت زوجته بالطاعون، وكان يحبّها كثيرا، لم يترك غرفتها برغم محاولات أمّه والأطبّاء منعه بالقوّة ونُصحهم له بألا يقترب من فراشها خوفا من أن تصيبه العدوى.
    وعندما اوشكت الزوجة على الموت، تصرّف كالمجنون وكاد أن يدخل عليها عنوة ليودّعها في لحظاتها الأخيرة. وعندما مُنع أخذ عصا من الخشب ومدّها إليها فقبّلتها من أحد طرفيها وقبّلها هو من الطرف الآخر قبل أن تفارق الحياة. لكنه أصيب هو بالطاعون ومات بعدها بأيّام.
    ويقال إن أعماله الفنّية من بين الأفضل من نوعها، وهي معروضة في معارض وخزائن الفنّ الأكثر احتراما في هولندا وفي غيرها.
  • ❉ ❉ ❉

  • من المصطلحات الشائعة والحديثة نسبيا "التعهيد الجماعي للمعرفة Crowdsourcing Knowledge". ويشير إلى عملية الحصول على الأفكار أو الرؤى والمعلومات من مجموعة كبيرة من الأشخاص، عبر الإنترنت غالبا. ويستفيد هذا النهج من الذكاء الجماعي وخبرة مجموعة متنوّعة من الأشخاص، بدلاً من الاعتماد على مجموعة صغيرة فقط من الخبراء أو المنظّمات. أي أن "التعهيد الجماعي للمعرفة" يسخّر قوّة التعدّدية والتنوّع لتوليد رؤى وحلول وتصوّرات جماعية.
  • ❉ ❉ ❉

  • يقول عازف البيانو الهنغاري أندراس شيف: منذ أن كنت في السادسة عشرة من عمري، كنت أبدأ كلّ يوم بعزف باخ لمدّة نصف ساعة. باخ يظلّ هو الأساس. في أعماله، تتفاعل الجوانب العاطفية والفكرية والجسدية للموسيقى على النحو الأمثل".
    وفي حفلاته، يكشف شيف عن نفسه كمفسّر بارع لأعمال باخ وهايدن وبيتهوفن وشوبرت وشوبان وبارتوك. لكنه يتميّز أكثر في أنه يستطيع عزف موسيقى موزارت دون أيّ تعليق زائد عن الحاجة، ما يتيح لها أن تتألّق بكلّ بريقها الأصلي الطبيعي وغير المصطنع أو المغشوش.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    ○ لاحظت أن قدرتي على التواصل الهادف تتعمّق بعد فترات من العزلة. وعلى العكس، يمكن للروابط الغنيّة مع الآخرين أن تهيّئني لعزلة أعمق. إنها ليست قوّتين متعارضتين، بل إيقاعات متكاملة. ونحن بحاجة لكليهما. ثورو أدرك هذا عندما انزوى إلى الغابة، ليس هربا من الناس، بل كي يجد نفسه. وكتب: ذهبت إلى الغابة لأنني أردت أن أعيش حياة متأنّية". كان يعتقد أن ضجيج المجتمع يغيّم قدرتنا على معرفة ما هو مهم حقّا.
    في العزلة، ينقشع الغبار وتصبح الأشياء أكثر وضوحا ونبدأ بسماع ما لم نسمعه من قبل، صوتنا الخاص. لكن تجربة ثورو ليست عالمية. ولطالما مارسَت التقاليد الأصلية في الأمريكتين وأفريقيا وأستراليا العزلة المتعمّدة من خلال رحلات البحث عن الرؤى والتجوّل جنبا إلى جنب في سياقات جماعية. توماس وولف

    ○ بلغ صعود وانهيار حضارة وادي السند درجة من الشمولية، بحيث أن وجودها ظلّ مخفيّا بين الأنقاض حتى عشرينات القرن العشرين، حين لاحظ علماء الآثار أن جميع أنقاض مئات المدن شكّلت مجتمعا هو الأكثر تعقيدا في العالم آنذاك؛ مجتمعا أكبر من مجتمعات مصر أو بلاد ما بين النهرين، حيث بلغ عدد سكّان كلّ مدينة ما يصل إلى 60 ألف نسمة. لكن الانحدار بدأ حوالي عام 1900 قبل الميلاد، وهُجرت المدن عام 1700 قبل الميلاد، وتبع ذلك مسار انحداري استمرّ 400 عام أخرى وانتهى بانقراض تلك الحضارة. ب. كلارك.

    ○ بعض الأماكن معادية لكافّة أشكال الحياة. وأتعسها هي تلك التي كانت صحّية ذات يوم وتسكنها الآن أرواح فاسدة. وربّما كان هناك تيّار خفيّ مظلم يلفّ القارّة الأمريكية ويجري تحت سطح جمالها الطبيعي الهائل. وعلى الرغم من أن البرّية الأمريكية هي الظلّ لما كانت عليه من قبل، إلا أنه ما يزال يتردّد فيها صدى الطاقة التي أخافت أوائل المستعمرين الأوربيين عندما هبطوا على شواطئها لأوّل مرّة.
    ونيو إنغلاند وأوكلاهوما مثالان للمكان الذي تبدو فيه الأرواح معلّقة وثقيلة، والتربة مبلّلة بدماء السكّان الأصليين ومتشقّقة بفعل تأثير طاقة الديناصورات التي ماتت هناك منذ زمن طويل. وتقول أسطورة قديمة إن روح المكان لا تمارس تأثيرها الكامل على الوافدين الجدد إلى أن يموت الساكنون القدامى أو يمتصّهم المكان تماما. م. ساندرز.

  • Credits
    wilderness.net
    poets.org