رواية "ديكاميرون" للكاتب الايطاليّ جيوفاني بوكاتشيو هي عبارة عن مجموعة من القصص التي تجري أحداثها في القرون الوسطى وتتناول أفكارا شتّى كالحبّ والغيرة والخيانة والوفاء والبطولة والخداع والانتقام وما إلى ذلك.
في اليوم الرابع من وقائع هذه الرواية، يأتي الدور على فياميتا، إحدى الشخصيات الرئيسية، كي تحكي قصّتها. والمرأة تعتذر سلفا لرفاقها التسعة، لأنها ستقصّ عليهم حكاية حزينة ولا تبعث على السرور كما كانوا يتوقّعون.
ثم تروي لهم قصّة امرأة تُدعى غيزموندا وشابّ اسمه جوسكاردو. كانت غيزموندا الابنة الأثيرة إلى قلب أبيها الكونت الايطاليّ تانكريدي أمير ساليرنو. كان يحبّها كثيرا ويأنس بقربها منه.
ولفرط محبّته لها، لم يكن يرغب في أن يزوّجها لأحد. لكنه في النهاية يوافق على مضض على تزويجها من احد النبلاء. وبعد مرور وقت قصير، يموت ذلك الزوج، فتعود غيزموندا إلى قصر أبيها. ثم يأتي العديد من الخُطّاب لطلب يدها. لكن والدها لا يبدو في عجلة من أمره لتزويجها ثانيةً.
ومع مرور الزمن، تبدأ الفتاة تعاني من آثار الوحدة. ثم تنشأ علاقة بينها وبين خادم في القصر يُدعى جوسكاردو. ويقرّر الاثنان أن يتزوّجا سرّاً. وعندما يعلم أبوها بالأمر يتملّكه الغضب لأن ابنته اختارت أن تقترن بخادم من أصول متواضعة ودون حتى أن تستشيره.
وعندما يسألها عن العقاب الذي تختاره لجوسكاردو على فعلته، تبادر الفتاة إلى تذكير أبيها بأنه كان دائما يُثني على أخلاق الخادم، وأنها عندما اختارته زوجا فإنّما كانت ترى فيه ما كان يراه والدها.
لكن الأب كان قد اضمر في نفسه أمرا. فأصدر تعليماته إلى رجاله بأن يقتلوا جوسكاردو وينتزعوا قلبه من جسده ثم يقدّموه إلى ابنته في كأس من ذهب.
وينفّذ رجاله ما طلب منهم. وعندما يصل الكأس إلى غيزموندا وفيه قلب زوجها، تُصدم بقوّة وينخلع قلبها إذ تعرف بأن والدها قتل جوسكاردو. وبعد أن تستجمع قواها، تأخذ الكأس وبداخله قلب زوجها وتضيف إليه قطرات من السمّ ثم تشربه.
وعندما يخبر الخدم والدها بما جرى، يهرع إليها ليتبيّن الأمر بنفسه. وفي لحظات احتضارها تقول غيزموندا لأبيها: لقد حصلتَ على ما كنت ترغبه بقتل زوجي، وكلّ ما أرغبه الآن هو أن اُدفن معه". ثم تموت وهي تضمّ الكأس إلى صدرها.
بطبيعة الحال، كان حُزن والد غيزموندا كبيرا على ما حلّ بابنته. وقد أحسّ بكثير من الندم وبتأنيب الضمير، لكن بعد فوات الأوان. وفي النهاية، أمر بدفن الاثنين، غيزموندا وجوسكاردو، في قبر واحد.
في هذه الحكاية المأساوية، هناك قلب عاشق يُستلّ من صدره بالمعنى الحرفيّ والوحشيّ للكلمة. وغيزموندا تغسل القلب بدموعها - بحسب بوكاتشيو - في فعل طقوسيّ يسبق انتحارها بتناول السمّ.
صورة القلب المأكول تظهر في الأدب الايطاليّ حتى قبل رواية ديكاميرون. فهناك قصّة النبيل دي روسليوني الذي تبلغ وحشيّته منتهاها عندما يأمر بأن يُنتزع قلب عشيق زوجته من صدره بعد قتله ويُقدَّم كطعام للزوجة في وجبة أخيرة ومرعبة.
في اليوم الرابع من وقائع هذه الرواية، يأتي الدور على فياميتا، إحدى الشخصيات الرئيسية، كي تحكي قصّتها. والمرأة تعتذر سلفا لرفاقها التسعة، لأنها ستقصّ عليهم حكاية حزينة ولا تبعث على السرور كما كانوا يتوقّعون.
ثم تروي لهم قصّة امرأة تُدعى غيزموندا وشابّ اسمه جوسكاردو. كانت غيزموندا الابنة الأثيرة إلى قلب أبيها الكونت الايطاليّ تانكريدي أمير ساليرنو. كان يحبّها كثيرا ويأنس بقربها منه.
ولفرط محبّته لها، لم يكن يرغب في أن يزوّجها لأحد. لكنه في النهاية يوافق على مضض على تزويجها من احد النبلاء. وبعد مرور وقت قصير، يموت ذلك الزوج، فتعود غيزموندا إلى قصر أبيها. ثم يأتي العديد من الخُطّاب لطلب يدها. لكن والدها لا يبدو في عجلة من أمره لتزويجها ثانيةً.
ومع مرور الزمن، تبدأ الفتاة تعاني من آثار الوحدة. ثم تنشأ علاقة بينها وبين خادم في القصر يُدعى جوسكاردو. ويقرّر الاثنان أن يتزوّجا سرّاً. وعندما يعلم أبوها بالأمر يتملّكه الغضب لأن ابنته اختارت أن تقترن بخادم من أصول متواضعة ودون حتى أن تستشيره.
وعندما يسألها عن العقاب الذي تختاره لجوسكاردو على فعلته، تبادر الفتاة إلى تذكير أبيها بأنه كان دائما يُثني على أخلاق الخادم، وأنها عندما اختارته زوجا فإنّما كانت ترى فيه ما كان يراه والدها.
لكن الأب كان قد اضمر في نفسه أمرا. فأصدر تعليماته إلى رجاله بأن يقتلوا جوسكاردو وينتزعوا قلبه من جسده ثم يقدّموه إلى ابنته في كأس من ذهب.
وينفّذ رجاله ما طلب منهم. وعندما يصل الكأس إلى غيزموندا وفيه قلب زوجها، تُصدم بقوّة وينخلع قلبها إذ تعرف بأن والدها قتل جوسكاردو. وبعد أن تستجمع قواها، تأخذ الكأس وبداخله قلب زوجها وتضيف إليه قطرات من السمّ ثم تشربه.
وعندما يخبر الخدم والدها بما جرى، يهرع إليها ليتبيّن الأمر بنفسه. وفي لحظات احتضارها تقول غيزموندا لأبيها: لقد حصلتَ على ما كنت ترغبه بقتل زوجي، وكلّ ما أرغبه الآن هو أن اُدفن معه". ثم تموت وهي تضمّ الكأس إلى صدرها.
بطبيعة الحال، كان حُزن والد غيزموندا كبيرا على ما حلّ بابنته. وقد أحسّ بكثير من الندم وبتأنيب الضمير، لكن بعد فوات الأوان. وفي النهاية، أمر بدفن الاثنين، غيزموندا وجوسكاردو، في قبر واحد.
في هذه الحكاية المأساوية، هناك قلب عاشق يُستلّ من صدره بالمعنى الحرفيّ والوحشيّ للكلمة. وغيزموندا تغسل القلب بدموعها - بحسب بوكاتشيو - في فعل طقوسيّ يسبق انتحارها بتناول السمّ.
صورة القلب المأكول تظهر في الأدب الايطاليّ حتى قبل رواية ديكاميرون. فهناك قصّة النبيل دي روسليوني الذي تبلغ وحشيّته منتهاها عندما يأمر بأن يُنتزع قلب عشيق زوجته من صدره بعد قتله ويُقدَّم كطعام للزوجة في وجبة أخيرة ومرعبة.
وقد ساد اعتقاد بأن سياق هذه الصور المخيفة له جذور ثقافية وأنثروبولوجية عميقة. ومن حيث التسلسل الزمنيّ والجغرافيّ، يمكن أن يُعزى أصل هذا النوع من الممارسات الانتقامية المقزّزة إلى حكاية هندية.
إذ يقال أن احد ملوك البنجاب القدامى، واسمه راسالو، تزوّج من امرأة تُدعى كوكلان. وكانت هذه المرأة مضرب المثل في الجمال. لكن حدث أن مهراجا شابّا يُدعى هوجي كان يسكن بجوارهم. وقد أُعجب الأخير بالمرأة ولم تلبث هي أن بادلته حبّا بحبّ.
وعندما يعلم زوجها الملك بما حدث، يرسل إلى هوجي من ينصب له كمينا ويقتله. وتنفيذا لأمره، يقوم القاتل بحمل قلب المغدور إلى قصره. وعندما يصل، يأمر بأن يُطبخ ويُقدَّم إلى زوجته. وعندما تكتشف المرأة حقيقة ما أكلته للتوّ، تلقي بنفسها من أعلى القصر لترتطم بالصخور أسفله وتموت.
أوجه الشبه بين قصّة بوكاتشيو والحكاية الهندية كثيرة. فعندما تُصدم كوكلان بحقيقة أنها أكلت قلب حبيبها، يردّ عليها راسالو قائلا: لقد أكلتِ لحم من كان مصدر سعادتك في الحياة". ويضيف: إن من منحَك المتعة عندما كان حيّا لجدير به أن يمتّعك أيضا عندما يموت".
وأغلب الظنّ أن قصّة راسالو سافرت من الهند في وقت ما إلى جنوب فرنسا أوّلا، حيث تمّ تكييفها مع الثقافة المحليّة هناك. فالمهراجا هوجي يتحوّل إلى شاعر متجوّل باسم دي كابستانغ. وشخصية الملك راسالو تصبح اللورد ريمون دي روسيلوف. بل انه، وحسب بعض المؤرّخين، فإن اسم بلدة روسيلون الواقعة في بروفانس بفرنسا مشتقّة من اسم راسالو الهنديّ.
قصّة غيزموندا وجوسكاردو جُسّدت كثيرا في الرسم. فنّان القرن السابع عشر الايطاليّ برناردينو ماي، والذي كان معاصرا للنحّات المشهور جيان لورنزو برنيني، رسم غيزموندا وهي ممسكة بقلب جوسكاردو الدامي وقد تجمدّت الدموع في عينيها، بينما تنطق ملامح وجهها بمشاعر الصدمة والفجيعة.
والرسّام الانجليزيّ وليم هوغارث اهتمّ، هو أيضا، بالقصّة منذ أن ظهرت في انجلترا بصيغ مختلفة في القرن الثامن عشر. وازدادت شعبيّتها بعد أن تُرجمت في كتاب عن الأساطير قديما وحديثا.
ولوحة هوغارث عن الحادثة تصوّر غيزموندا وبيدها الكأس الذي يحتوي على قلب زوجها. لكن لوحته انتُقدت بشدّة لأنها تخلو من أيّ إشارة إلى حزن المرأة أو دموعها أو ألمها المكبوت. كما أنها لا تتضمّن أيّ تأمّل عن المصير الذي تنتظره ولا الدفء العاطفيّ الذي حوّله يأسها إلى حزن مقدّس.
في العالم المعاصر، ما تزال صور القلوب والأكباد المأكولة تظهر من حين لآخر، ليس في الروايات، وإنّما في مواقع الانترنت وأحيانا على شاشات بعض القنوات التي تتيح للناس رؤية هذه المناظر في بيوتهم.
وهذا النوع من الوحشية المتجاوزة لا علاقة له بجرائم العاطفة، بل بشرور الحرب التي تجرّد، هي أيضا، البشر من إنسانيّتهم، وتوقظ الوحوش الكامنة في أعماقهم لتستثير شهوتهم في الانتقام وتُخرج أقبح ما في دواخلهم من غرائز بدائية ومشاعر مظلمة.
إذ يقال أن احد ملوك البنجاب القدامى، واسمه راسالو، تزوّج من امرأة تُدعى كوكلان. وكانت هذه المرأة مضرب المثل في الجمال. لكن حدث أن مهراجا شابّا يُدعى هوجي كان يسكن بجوارهم. وقد أُعجب الأخير بالمرأة ولم تلبث هي أن بادلته حبّا بحبّ.
وعندما يعلم زوجها الملك بما حدث، يرسل إلى هوجي من ينصب له كمينا ويقتله. وتنفيذا لأمره، يقوم القاتل بحمل قلب المغدور إلى قصره. وعندما يصل، يأمر بأن يُطبخ ويُقدَّم إلى زوجته. وعندما تكتشف المرأة حقيقة ما أكلته للتوّ، تلقي بنفسها من أعلى القصر لترتطم بالصخور أسفله وتموت.
أوجه الشبه بين قصّة بوكاتشيو والحكاية الهندية كثيرة. فعندما تُصدم كوكلان بحقيقة أنها أكلت قلب حبيبها، يردّ عليها راسالو قائلا: لقد أكلتِ لحم من كان مصدر سعادتك في الحياة". ويضيف: إن من منحَك المتعة عندما كان حيّا لجدير به أن يمتّعك أيضا عندما يموت".
وأغلب الظنّ أن قصّة راسالو سافرت من الهند في وقت ما إلى جنوب فرنسا أوّلا، حيث تمّ تكييفها مع الثقافة المحليّة هناك. فالمهراجا هوجي يتحوّل إلى شاعر متجوّل باسم دي كابستانغ. وشخصية الملك راسالو تصبح اللورد ريمون دي روسيلوف. بل انه، وحسب بعض المؤرّخين، فإن اسم بلدة روسيلون الواقعة في بروفانس بفرنسا مشتقّة من اسم راسالو الهنديّ.
قصّة غيزموندا وجوسكاردو جُسّدت كثيرا في الرسم. فنّان القرن السابع عشر الايطاليّ برناردينو ماي، والذي كان معاصرا للنحّات المشهور جيان لورنزو برنيني، رسم غيزموندا وهي ممسكة بقلب جوسكاردو الدامي وقد تجمدّت الدموع في عينيها، بينما تنطق ملامح وجهها بمشاعر الصدمة والفجيعة.
والرسّام الانجليزيّ وليم هوغارث اهتمّ، هو أيضا، بالقصّة منذ أن ظهرت في انجلترا بصيغ مختلفة في القرن الثامن عشر. وازدادت شعبيّتها بعد أن تُرجمت في كتاب عن الأساطير قديما وحديثا.
ولوحة هوغارث عن الحادثة تصوّر غيزموندا وبيدها الكأس الذي يحتوي على قلب زوجها. لكن لوحته انتُقدت بشدّة لأنها تخلو من أيّ إشارة إلى حزن المرأة أو دموعها أو ألمها المكبوت. كما أنها لا تتضمّن أيّ تأمّل عن المصير الذي تنتظره ولا الدفء العاطفيّ الذي حوّله يأسها إلى حزن مقدّس.
في العالم المعاصر، ما تزال صور القلوب والأكباد المأكولة تظهر من حين لآخر، ليس في الروايات، وإنّما في مواقع الانترنت وأحيانا على شاشات بعض القنوات التي تتيح للناس رؤية هذه المناظر في بيوتهم.
وهذا النوع من الوحشية المتجاوزة لا علاقة له بجرائم العاطفة، بل بشرور الحرب التي تجرّد، هي أيضا، البشر من إنسانيّتهم، وتوقظ الوحوش الكامنة في أعماقهم لتستثير شهوتهم في الانتقام وتُخرج أقبح ما في دواخلهم من غرائز بدائية ومشاعر مظلمة.
Credits
archive.org
archive.org