:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، سبتمبر 25، 2025

نصوص مترجمة


○ ذات مرّة، وجدت نفسي أقف على منحدر في البرّية، حذائي مبلّل وعيناي مثبّتتان على حافّة من الغرانيت، حيث ظهر ثم اختفى فجأة شيء ما، لعلّه غزال أو إنسان أوشبح! إنها تلك اللحظة مرّة أخرى؛ اللحظة التي أنسى فيها ما كان من المفترض أن أفعله، لأن شيئا حقيقيا غير مخطّط له ضغط على زاوية ذهني كطفل يحمل سرّا.
ومع الوقت، بدأت أطلق على مثل هذه اللحظات "لحظات الحافّة". والحافّة في الكتابة ليست المركز ولا الهدف ولا حبكة القصّة أو عدد الكلمات المكتوبة يوميّا. إنها الحوافّ فقط، هوامش الانتباه الهادئة، حيث تبدأ الكتابة فعليّا.
ربّما وصلتَ مفعما بالحماس وبذلتَ جهدا كبيرا في الأسبوع الأوّل. أو ربّما تشعر بالفعل أنك متأخّر. أو ربّما تتربّص على الهامش بدفتر ملاحظات مليء بالأفكار، بينما يساوركَ شكّ عميق بأن هذه الكتابة قد لا تتحقّق أبدا. لكن إليك الحقيقة: معظم أفضل الكتابات تبدأ هناك، على الهامش، في الأماكن المهمَلة وشبه المنسيّة، على حدود البريّة وعلى أطراف أنفسنا.
لذا، هذه دعوة للنظر جانبا، للخروج عن المسار، للكتابة من الهامش بدلاً من المركز.
لم أكن أدرك مدى حاجتي إلى الذهاب الى الطبيعة للكتابة، حتى وصلت إلى مكان ما. ولم أفعل شيئا ذا أهمّية على الإطلاق. لم أتسلّق جبلا واحدا. لم أقطع ثلاثين ميلا سيرا على الأقدام في عاصفة ممطرة. ولم أكتب مقالا شخصيّا مناسبا. كلّ ما لاحظته هو الأشياء. لاحظت الحوافّ: حافّة الطريق حيث ازدهرت الطحالب، التحوّل الحادّ في الضوء عندما غابت الشمس خلف أشجار الصنوبر، اللحظة التي تحوّلت فيها زقزقة الطيور إلى صمت.
الطبيعة على الحافّة ليست مجرّد ديكور. إنها حيّة، ديناميكية، بل حتى متحدّية.
لا ينتظر الطحلب فِراشا مهندما. إنه ينمو بين الشقوق.
ولا يتفقّد الثعلب خريطة. إنه يتتبّع رائحة على طول سياج.
البريّة ليست هناك، إنها على حدود مجال رؤيتك.
لذا عندما أقول "اكتب من الحافّة"، فأنا لا أطلب منك كتابة مقال عن البريّة. بل أطلب أن تلاحظ ما هو خارج نطاق تركيزك: الذكريات التي خرجت قليلا عن مسارها، المشهد الذي يطاردك ولكنه لا يتناسب مع مخطّطك، الشعور الذي تحذفه باستمرار لأنه "غير ذي صلة".
هناك تعيش كتابتك، لا في المركز، بل على الحافّة.
كثيرا ما نتجنّب الحوافّ لأنها غير مريحة. الكتابة من الحافّة تعني كتابة ما لم يكتمل بعد. وهذا يعني أنك قد تكتب مشهدا لا معنى له، أو تكتب حقيقة لم تدرك وجودها بعد. لقد تعلّمنا الكتابة من اليقين، من بُنية القصّة، من أقواس الشخصيات والأحداث. لكن الكتابة المغامِرة التي أدعوكم إليها تدور حول الملاحظة، لا المعرفة.
ذات مرّة، كنت أقف على حافّة بحيرة، أشاهد طائرَي سنونو وهما يشكّلان دوّامة فوق الماء. لم أكن أكتب مذكّرات. ولم أكن أتأمّل. كنت أحاول فقط إيجاد ظِلّ وتَذكّر مكان السيّارة. ولكن فجأة تسلّلت إليّ ذكرى: لحظة مضى عليها خمسة عشر عاما، عندما وقفت بجانب بحيرة أخرى، وأنا في حال غضب وحزن. نسيت تلك النسخة من نفسي. لم أكن أخطّط للكتابة عنها. لكنها كانت هناك، تحوم على حافّة المشهد. ولم أكن أعلم أنني بحاجة لكتابة تلك اللحظة بالذات.
وهذا تذكير لك: ما يحفّزك على الكتابة قد لا يأتي من مخطّطك أو نيّتك أو جدول أفكارك. بل قد يأتي من حافّة بحيرة، أو من مؤخّرة ذهنك، أو من هامش انتباهك. وإذا كنت ما تزال تتساءل عمّا أقصده بالكتابة على الحافّة، فإليك طريقة: إنطلق في نزهة، حتى لو كانت قصيرة. لا تنظر إلى مركز الأشياء. انظر إلى الحوافّ، إلى الحدود، حيث تتغيّر الأشياء.
الحوافّ عادةً خفيّة. لذا اسأل نفسك ما الذي كدتُ أُغفله اليوم، ما الذي تجاهلتُه، ما الذي شعرتُ أنه تافه أو غير مهم. هل لاحظت أن الأشجار لا تموت أبدا، بل تصبح آليّات دعم للعديد من نباتات الطبيعة وحيواناتها وحياة البرّية؟ وبين ما ظننتَ أنك تكتب عنه، والذي يناديك حقّا للكتابة، يمكنك كتابة مقتطف أو محادثة لم تنهِها أو سؤالا بلا إجابة.
لقد قضيت سنوات أحاول كتابة الشيء "الصحيح"، الشيء القابل للنشر، الشيء المتماسك والموثوق والمقبول. لكن الكتابة التي غيّرتني وتواصلت من خلالها مع الآخرين كانت دائما تأتي من الحافّة. من حزن لم أتوقّع أن أكتب عنه، من أماكن أربكتني، من الحدّ الهشّ والمتهاوي بين المعرفة والجهل. ويا له من مكان!
فإذا كنتَ عالقاً أو تعاني ممّا يسمّى قفلة الكاتب Writer's block أو تمنّع الكتابة، فقد يكون سبب ذلك أنك تحاول الكتابة من المركز. والمركز يُشعرك بالضغط. وبدلا من ذلك جرّب الحافة. حاول كتابة الشيء الذي لستَ متأكّدا من أنه يسمح لك بكتابته.
قبل أن أغادر المكان، وقفت على حافّة غابة صغيرة. تغيّرت الرياح وانخفضت درجة الحرارة. شعرت وكأنني على وشك الوقوع في فخّ شيء ما. كان بإمكاني المضيّ قُدما، أو التحقّق من جوّالي. لكنّي لم أفعل. وقفت هناك لدقائق. ثم كتبت جملة واحدة: اللحظة التي تدرك فيها أنك على الحافّة هي اللحظة التي تبدأ فيها قصّتك. س. كليتون

❉ ❉ ❉


❉ ❉ ❉

○ في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كانت ألمانيا قد أصبحت مجتمعا مدمّرا وتحكمه الفوضى، حيث شكّل الجوع والخراب والصدمات النفسية الحياة اليومية للناس. وكان الحلفاء قد قصفوا ودمروا معظم المدن والبلدات الألمانية. في كولونيا لم يبقَ قائما سوى 300 منزل. ومن بين 760 ألف مواطن سابقا، لم يبقَ سوى 32 ألفا، تجمّعوا معا على الضفّة اليسرى لنهر الراين. ولم تكن مدن أخرى مثل برلين وهامبورغ وغيرهما بأفضل حالا.
كان المدنيون الذين نجوا من القصف يتجوّلون مرتدين أزياءً عسكرية مصبوغة ورثّة. وحلّت المقايضة محلّ العملة، إذ أصبح مارك الرايخ القديم عديم الفائدة. وسرعان ما أصبحت العملة الجديدة المرغوبة هي السغائر، وخاصّة الأمريكية.
وكانت الأسواق السوداء غير قانونية، وغالبا ما كانت سريعة الحركة أو بعيدة عن الأنظار. وكان الخزف العريق لسكّان المدن يُستبدل بالزبدة، والمشروبات الكحولية بالبطاطس التي يجلبها المزارعون من الريف. وبسبب عدم استقرار الاقتصاد، ازداد اضطراب النظام الاجتماعي وتحوّلت الأمّهات إلى لصوص وأصبح الأبناء والبنات الصغار جانحين.
ومع نهاية أبريل 1945، انقطعت أنشطة المسرح وقاعات الحفلات الموسيقية والمعارض الفنّية والمطابع ودور السينما وواجه الفنّانون والكتّاب صعوبات في إعادة البناء حتى عام 1948. ومن عام ١٩٤٥ إلى عام ١٩٤٧، كان الممثّلون والموسيقيون يعانون من الجوع باستمرار، واضطرّ العديد منهم إلى التوقّف عن الأداء بسبب سوء التغذية والضعف الشديد. وأغلقت معظم المسارح أبوابها بعد أن فقدت زوّارها وفُصل العديد من الممثّلين.
وفي عالم الرسم أيضا، عانى مبدعو اللوحات وأصحاب المعارض الفنّية بشدّة. وأصبح الكثير من الرسّامين يبيعون أعمالهم مقابل زجاجات من النبيذ. كما شوهد العديد من الفنّانين والصحفيين وهم يسرقون البضائع أو يتسوّلون من منزل إلى منزل. وكان بعضهم يجمعون أعقاب السغائر ويلفّونها في أخرى جديدة ويستبدلونها في السوق السوداء بسلعة ما.
وقالَ كاتب يُدعى هاينريش بول: لم أتردّد يوما في السرقة". ووصفَ معاناته في إحدى رواياته فذكرَ انه كان يعيش في كولونيا مع زوجته وطفليهما، لكنه وجدَ صعوبة في التأقلم مع الحياة الأسرية. ثم اضطرَّ للتجوّل في الشوارع والنوم في الحدائق أو الكنائس. وكان لا يدفع عند استخدام الترام ويلتقي زوجته في فنادق متداعية للقاءات حميمة. وكان الزوجان دائما على وشك الطلاق.
وبدءاً من عام ١٩٤٥، عاد الكثير من الجنود الألمان من معسكرات الحلفاء بعد أن أطلقَ الأمريكيون سراح أكثر من مليوني رجل، وتبعهم البريطانيون. وقد عانى الجنود المحرَّرون من ضمور العضلات والعجز الجنسي، كما واجهوا في منازلهم احتقار زوجاتهم لهم بسبب خسارتهم الحرب أو لعدم دفاعهم عنهن او منع الجنود السوفيات أو الفرنسيين من اغتصابهن، أو لعدم عثورهم على عمل مناسب في عالم ما بعد الحرب. وكان العديد من هؤلاء قد فقدوا سيقانهم أو أعينهم أو أذرعهم بسبب الحرب.
وواجه هؤلاء الرجال المنكسرون زوجات حازمات كنّ قد اضطررن إلى تدبير أمورهن بأنفسهن طوال سنوات الحرب وما بعدها، فربّين أطفالهن واعتنين بمنازلهن. وعندما عاد أزواجهن إلى الوطن، كانوا غالبا ما يشعرون بالغربة لدرجة أنهم شكّوا في إخلاص زوجاتهم، خاصّة بعد أن علم الكثيرون منهم عن اغتصاب الروس أو الآسيويين للعديد من الزوجات.
وكانت هناك أسباب عديدة تدفع النساء الألمانيات إلى إقامة علاقات مع جنود الاحتلال، وخاصّة الجنود الأمريكيين. كانت جاذبية هؤلاء الشباب الميسورين وهالة المنتصر بمثابة فرصة رابحة لهم. وكان جنود الاحتلال يقدّمون أيضا للنساء الالمانيات سلعا، مثل جوارب النايلون والشوكولاتة والسغائر ووجبات المطاعم الفاخرة.
كانوا يمتلكون سيّارات ويستمتعون بوقتهم في النوادي الفاخرة مع المشروبات الكحولية والموسيقى الجديدة المثيرة. وكان يعزف هذه الموسيقى غالبا موسيقيون سود، معظمهم جنود، وكانت لهم صديقات ألمانيات. كان الرجال الألمان على وجه الخصوص يستشيطون غضبا بمجرّد موافقة نساء ألمانيات على الدخول في علاقات حميمة مع جنود أمريكيين من أصل أفريقي.
وبعد الحرب، ساد خلل ديموغرافي كبير، حيث فاق عدد النساء عدد الرجال بشكل كبير، وارتفعت معدّلات الطلاق بشكل حاد. وفي مثل هذه البيئات، عانى الأطفال، لا سيّما عندما أهمل الآباء واجباتهم الأسرية، ما مهّد الطريق فيما بعد لصراع طويل بين الأجيال. م. كيتر

Credits
archive.org