في فيلم "ميتريكس" (1999) الشهير، تُستخدم الأجساد النائمة كبطاريّات ومصادر طاقة للآلات التي سيطرت على البشر. وربّما تكون هذه هي الرغبة الأبرز في الرأسمالية المعاصرة التي تسعى الآن للاستحواذ على انتباهنا وحركتنا ووظائف أدمغتنا اليقِظة بالكامل، أي تشغيل كلّ شيء وتحقيق الربح حتى من النوم.
الفيلسوف جوناثان كريري يذكر في كتابه "الرأسمالية المتأخّرة ونهاية النوم" أن الرأسمالية تهتمّ بالنوم كتجربة جوهرية للسلبية والعزلة وانعدام التواصل وقلّة الإنتاجية. والنوم يُعدّ عائقا طبيعيا أمام القيم البراغماتية التي ترسّخت في المجتمعات الرأسمالية الحديثة على مرّ القرون، وهي مبادئ الإنتاجية والكفاءة والعقلانية.
وهذا الكتاب يجدّد بعمق مفهومنا للنوم ويستكشف أسباب تآكله وارتباطه بديناميكيات الرأسمالية الحديثة. كما يتطرّق إلى التهديدات الرئيسية لعالم اليوم والعواقب الإنسانية المحتملة. ويشير الى بعض العواقب الوخيمة لتوسّع العمليات المتواصلة لرأسمالية القرن الحادي والعشرين. فالسوق اليوم يعمل على مدار الساعة ويدفعنا إلى نشاط مستمر ويؤدّي إلى تناقص أشكال التعبير المجتمعي والسياسي ويدمّر نسيج الحياة اليومية.
ويؤكّد الكاتب طوال الوقت أننا، في ظلّ الرأسمالية الحديثة، لسنا سوى وحدات قابلة للاستغناء عنها في نهاية المطاف للحفاظ على استمرار الاقتصادات. وفي مواجهة تيّار الإنتاج والاستهلاك المستمر، يقترح أن نستعيد النوم كوسيلة لمقاومة الحسابات العقلانية للسوق.
مسألة النوم في الرأسمالية تُلقي بعض الضوء على المنطق العام لنظام الإنتاج المتواصل والمستمرّ بلا نوم والعمليات المعرفية والتواصل والمراقبة. وفي هذه المنطقة الجديدة من اللامبالاة بين العمل والحياة، يتمتّع النوم بمكانة خاصّة، فهو الوقت الوحيد غير المخصّص للعمل. وهذا ما يجعله متناقضا، فمن وجهة نظر رأس المال يُعتبر سلبيّا، ومن وجهة نظر العامل المعاصر الذي يعمل طوال حياته، يُعتبر إيجابيّا.
هذا الاهتمام الجديد بالنوم بدأ بالظهور في وسائل الإعلام والمجال العام، بالإضافة إلى الرغبة في توظيف النوم كنوع من "رأس المال" البيولوجي الطبيعي، وكمورد يمكن إدارته وحسابه بشكل فردي. وانتشار المؤسّسات التي تدرس النوم اليوم، بالإضافة إلى كتب المساعدة الذاتية الشائعة حول "كيفية النوم بشكل أفضل"، هي أيضا نتاج لهذا الوضع، وكذلك النوادي الليلية والإنترنت والخدمات المتاحة على مدار الساعة، وما إلى ذلك.
من المهم فهم كيفية النظر إلى ظاهرة النوم عبر تاريخ الفكر الفلسفي والسياسي. يمكن للمرء أن يتتبّع عدّة نماذج للتفكير في النوم. بعضها سلبي للغاية، كما هو الحال في مشروع أفلاطون للدولة المثالية. فنظام هذه الدولة المتصوّرة يُلغي النوم بشكل عام لأنه، بحسب منطق أفلاطون، عندما يكون مواطنو هذه الدولة نائمين فإنهم يفقدون الاتصال بالمنطق والعقلانية والجسم السياسي للمجتمع. كما يرى أنه "من العار ومن غير اللائق أن يكرّس رجل عاقل ليلةً بأكملها للنوم".
وعندما يكون الرجال والنساء نائمين، فإنهم يصبحون عديمي الفائدة ولا يمكن السيطرة عليهم وغير معقولين. بل إن أفلاطون يقول "إن النائم ليس بأفضل حالا من الإنسان الميّت"!
الفيلسوف جوناثان كريري يذكر في كتابه "الرأسمالية المتأخّرة ونهاية النوم" أن الرأسمالية تهتمّ بالنوم كتجربة جوهرية للسلبية والعزلة وانعدام التواصل وقلّة الإنتاجية. والنوم يُعدّ عائقا طبيعيا أمام القيم البراغماتية التي ترسّخت في المجتمعات الرأسمالية الحديثة على مرّ القرون، وهي مبادئ الإنتاجية والكفاءة والعقلانية.
وهذا الكتاب يجدّد بعمق مفهومنا للنوم ويستكشف أسباب تآكله وارتباطه بديناميكيات الرأسمالية الحديثة. كما يتطرّق إلى التهديدات الرئيسية لعالم اليوم والعواقب الإنسانية المحتملة. ويشير الى بعض العواقب الوخيمة لتوسّع العمليات المتواصلة لرأسمالية القرن الحادي والعشرين. فالسوق اليوم يعمل على مدار الساعة ويدفعنا إلى نشاط مستمر ويؤدّي إلى تناقص أشكال التعبير المجتمعي والسياسي ويدمّر نسيج الحياة اليومية.
ويؤكّد الكاتب طوال الوقت أننا، في ظلّ الرأسمالية الحديثة، لسنا سوى وحدات قابلة للاستغناء عنها في نهاية المطاف للحفاظ على استمرار الاقتصادات. وفي مواجهة تيّار الإنتاج والاستهلاك المستمر، يقترح أن نستعيد النوم كوسيلة لمقاومة الحسابات العقلانية للسوق.
مسألة النوم في الرأسمالية تُلقي بعض الضوء على المنطق العام لنظام الإنتاج المتواصل والمستمرّ بلا نوم والعمليات المعرفية والتواصل والمراقبة. وفي هذه المنطقة الجديدة من اللامبالاة بين العمل والحياة، يتمتّع النوم بمكانة خاصّة، فهو الوقت الوحيد غير المخصّص للعمل. وهذا ما يجعله متناقضا، فمن وجهة نظر رأس المال يُعتبر سلبيّا، ومن وجهة نظر العامل المعاصر الذي يعمل طوال حياته، يُعتبر إيجابيّا.
هذا الاهتمام الجديد بالنوم بدأ بالظهور في وسائل الإعلام والمجال العام، بالإضافة إلى الرغبة في توظيف النوم كنوع من "رأس المال" البيولوجي الطبيعي، وكمورد يمكن إدارته وحسابه بشكل فردي. وانتشار المؤسّسات التي تدرس النوم اليوم، بالإضافة إلى كتب المساعدة الذاتية الشائعة حول "كيفية النوم بشكل أفضل"، هي أيضا نتاج لهذا الوضع، وكذلك النوادي الليلية والإنترنت والخدمات المتاحة على مدار الساعة، وما إلى ذلك.
من المهم فهم كيفية النظر إلى ظاهرة النوم عبر تاريخ الفكر الفلسفي والسياسي. يمكن للمرء أن يتتبّع عدّة نماذج للتفكير في النوم. بعضها سلبي للغاية، كما هو الحال في مشروع أفلاطون للدولة المثالية. فنظام هذه الدولة المتصوّرة يُلغي النوم بشكل عام لأنه، بحسب منطق أفلاطون، عندما يكون مواطنو هذه الدولة نائمين فإنهم يفقدون الاتصال بالمنطق والعقلانية والجسم السياسي للمجتمع. كما يرى أنه "من العار ومن غير اللائق أن يكرّس رجل عاقل ليلةً بأكملها للنوم".
وعندما يكون الرجال والنساء نائمين، فإنهم يصبحون عديمي الفائدة ولا يمكن السيطرة عليهم وغير معقولين. بل إن أفلاطون يقول "إن النائم ليس بأفضل حالا من الإنسان الميّت"!
ومن هذا المنظور، ظهرت لاحقا شخصية "الملك الوَسْنان"، أي الذي يغلبه النوم، في الفكر اللاهوتي في العصور الوسطى. وفي العديد من الثقافات، وليس فقط في أوروبّا، ترتبط طقوس السلطة ارتباطا وثيقا بممارسة اليقظة. مثلا، يصوِّر قانون الحكّام النبلاء في الصين الحاكم النموذجي كشخص يسهر ليله بلا انقطاع ويقضي لياليه في التأمّل في رفاهية رعيّته وتحسين حكمه. كما أن السلطة الحديثة، بحسب فوكو ودولوز، ترتبط بشكل وثيق بمجموعة من أجهزة المراقبة والتحكّم والتتبّع التي لا تتوقّف عن العمل، ونتيجة لذلك فهي "لا تنام". وهذا الأداء المتواصل، أو يقظة السلطة، يغطّي جسد المجتمع بأكمله.
النظام الرأسمالي يعطي الأولوية للوقت اليقظ والنشط، مفضّلا إيّاه على السلبية وعدم الإنتاجية. والفلسفة الكلاسيكية والحديثة تقومان على نموذج الذات اليقظة التي لا تنام. وهدف الفلسفة في ممارساتها العامّة هو إيقاظ الناس. وقد وصف سقراط نفسه "بالذباب الذي يعضّ الناس لإيقاظهم".
الفيلسوف المعاصر آلان باديو يكرّر هذه الاستعارات عن "عقدة اليقظة"، فيكتب في إحدى مقالاته أن الفيلسوف هو "حارس الحقيقة" الذي يحافظ على يقظته حتى في الليل "لأن علينا حماية الفكرة الجديدة الهشّة. فعندما يحلّ الليل لا ننام، لأننا يجب أن نحمل أفكارنا طوال الليل. فالفيلسوف ليس سوى حارس ليليّ بائس في المجال الفكري".
ما نشهده إذن هو استعمار الرأسمالية التدريجي لكلّ ركن من حياتنا، بحيث نعمل أو نستهلك طوال ساعات يقظتنا. والوقت الوحيد الذي نتحرّر فيه من هذا القيد المزدوج بأن نكون إمّا نعمل أو نستهلك باستمرار هو عندما ننام. ولكن حتى هذا الملاذ الأخير يتعرّض للهجوم، فليس من قبيل الصدفة أن يُطلق على النوم لقب "آخر حدود الرأسمالية".
ظاهرة قلّة النوم عادة ما تُعزى إلى التكنولوجيا، وخاصّة الهواتف الذكيّة وغيرها من التقنيات المعتمدة على الشاشات. لكن ما نشهده ليس مجرّد تكنولوجيا بل أكثر، إنه وظيفة استيلاء الرأسمالية على حياتنا الداخلية واستعمارها وتكييفها.
والرأسمالية المتأخّرة تنظر إلى النوم غالبا من منظور الإنتاجية. لذا يُتوقّع من العامل المثالي أن يحقّق أقصى إنتاجية، ما يؤدّي إلى ثقافة تقلّل من قيمة الراحة. وغالبا ما تمجّد الروايات المجتمعية ثقافة العمل الجاد، حيث يرتبط الأرق بالطموح والنجاح "من طلب العلا سهر الليالي" و"لا تحبّ النوم لكيلا تصبح فقيرا" و"ابقَ مستيقظا وسيكون لديك طعام فائض". الخ. وهكذا يمكن أن يصبح إعطاء الأولوية للنوم ضرباً من العيب.
ويلاحظ المؤلّف أن الجزء الضخم من حياتنا الذي نقضيه نائمين متحرّرين من مستنقع الاحتياجات المصطنعة تعتبره الرأسمالية المعاصرة والشَّرِهة إهانة كبرى لها لأنه يربك استراتيجياتها لاستغلاله أو إعادة تشكيله.
هذا الكتاب مكتوب بأسلوب رائع. ويتناول مواضيع تتراوح من التكنولوجيا إلى الأدب، ومن المسرح إلى النظرية الاجتماعية، ومن السينما إلى الاقتصاد. ومؤلّفه جوناثان كريري يذكّرنا أن النوم ليس ضروريا لنا فقط لاستئناف العمل والحفاظ على سلامتنا العقلية، بل إنه أحد المعاقل الحاسمة والأخيرة المتبقية ضدّ هيمنة الرأسمالية الجامحة.
النظام الرأسمالي يعطي الأولوية للوقت اليقظ والنشط، مفضّلا إيّاه على السلبية وعدم الإنتاجية. والفلسفة الكلاسيكية والحديثة تقومان على نموذج الذات اليقظة التي لا تنام. وهدف الفلسفة في ممارساتها العامّة هو إيقاظ الناس. وقد وصف سقراط نفسه "بالذباب الذي يعضّ الناس لإيقاظهم".
الفيلسوف المعاصر آلان باديو يكرّر هذه الاستعارات عن "عقدة اليقظة"، فيكتب في إحدى مقالاته أن الفيلسوف هو "حارس الحقيقة" الذي يحافظ على يقظته حتى في الليل "لأن علينا حماية الفكرة الجديدة الهشّة. فعندما يحلّ الليل لا ننام، لأننا يجب أن نحمل أفكارنا طوال الليل. فالفيلسوف ليس سوى حارس ليليّ بائس في المجال الفكري".
ما نشهده إذن هو استعمار الرأسمالية التدريجي لكلّ ركن من حياتنا، بحيث نعمل أو نستهلك طوال ساعات يقظتنا. والوقت الوحيد الذي نتحرّر فيه من هذا القيد المزدوج بأن نكون إمّا نعمل أو نستهلك باستمرار هو عندما ننام. ولكن حتى هذا الملاذ الأخير يتعرّض للهجوم، فليس من قبيل الصدفة أن يُطلق على النوم لقب "آخر حدود الرأسمالية".
ظاهرة قلّة النوم عادة ما تُعزى إلى التكنولوجيا، وخاصّة الهواتف الذكيّة وغيرها من التقنيات المعتمدة على الشاشات. لكن ما نشهده ليس مجرّد تكنولوجيا بل أكثر، إنه وظيفة استيلاء الرأسمالية على حياتنا الداخلية واستعمارها وتكييفها.
والرأسمالية المتأخّرة تنظر إلى النوم غالبا من منظور الإنتاجية. لذا يُتوقّع من العامل المثالي أن يحقّق أقصى إنتاجية، ما يؤدّي إلى ثقافة تقلّل من قيمة الراحة. وغالبا ما تمجّد الروايات المجتمعية ثقافة العمل الجاد، حيث يرتبط الأرق بالطموح والنجاح "من طلب العلا سهر الليالي" و"لا تحبّ النوم لكيلا تصبح فقيرا" و"ابقَ مستيقظا وسيكون لديك طعام فائض". الخ. وهكذا يمكن أن يصبح إعطاء الأولوية للنوم ضرباً من العيب.
ويلاحظ المؤلّف أن الجزء الضخم من حياتنا الذي نقضيه نائمين متحرّرين من مستنقع الاحتياجات المصطنعة تعتبره الرأسمالية المعاصرة والشَّرِهة إهانة كبرى لها لأنه يربك استراتيجياتها لاستغلاله أو إعادة تشكيله.
هذا الكتاب مكتوب بأسلوب رائع. ويتناول مواضيع تتراوح من التكنولوجيا إلى الأدب، ومن المسرح إلى النظرية الاجتماعية، ومن السينما إلى الاقتصاد. ومؤلّفه جوناثان كريري يذكّرنا أن النوم ليس ضروريا لنا فقط لاستئناف العمل والحفاظ على سلامتنا العقلية، بل إنه أحد المعاقل الحاسمة والأخيرة المتبقية ضدّ هيمنة الرأسمالية الجامحة.
Credits
xenopraxis.net
xenopraxis.net