من أشهر قصائد الشعر الرومانسيّ قصيدة "قبلاي خان" التي كتبها الشاعر الانجليزي سامويل تيلر كولريدج عام 1816م. وفيها يصف "زانادو" مقرّ إقامة الإمبراطور المغولي قبلاي خان (1215-1294)، حفيد جنكيز خان.
تبدأ القصيدة بوصف قصر الإمبراطور الذي يسمّيه الشاعر "قصر الابتهاج". وهو يخبرنا عن نهر يجري عبر الأرض ثم يفيض من خلال بعض الكهوف إلى أن ينتهي به المطاف في البحر.
كما يتحدّث الشاعر عن الأرض الخصبة التي تحيط بالقصر والتي تغطّيها الجداول والأشجار العطرية والغابات الساحرة.
ثم ينتقل للحديث عن النهر ثانيةً وعن الوادي الجميل الذي يمرّ من خلاله. وهو يصوّر المكان بطريقة تبعث على الرهبة، حيث يمكنك أن تجد هناك امرأة تنتظر مقدم حبيبها الشيطان.
ثم يصف كيف أن النهر يتكسّر عبر الوادي مُحدثا ما يشبه النافورة قبل أن يتسرّب ماؤه إلى الكهوف الأرضية ومنها إلى المحيط البعيد.
ثم يتحدّث كولريدج عن قبلاي خان نفسه الذي يستمع إلى ضجيج النهر ويفكّر في الحرب.
بعد ذلك ينتقل الشاعر بعيدا عن هذه الطبيعة ليخبرنا عن رؤيا رآها، هي عبارة عن امرأة تعزف آلة موسيقية وتغنّي أغنية تثير ذكرياته وتملؤه شوقا وشغفا. وهو يوظّف هذه الأغنية ليتخيّل نفسه وهو يغنّي أغنيته الخاصّة ولكي يرسم من خلالها رؤياه عن "زانادو".
وقبل نهاية القصيدة، يرسم الشاعر صورة لشخص مرعب بعينين تقدحان الشرر. وهذا الشخص ليس سوى قبلاي خان نفسه الذي يصوّره كمخلوق قويّ جدّا وأقرب ما يكون لإله.
وأنت تقرأ هذه القصيدة، لا بدّ وأن تتخيّل أن كولريدج كان يلقيها في حشد من الناس محاولا دغدغة مشاعرهم. وهو يخصّص سطورا كثيرة من قصيدته لوصف الطبيعة، النهر والكهوف والبحر.
والقصيدة تبدو مثل سيمفونية تتضمّن جميع الأصوات والحركات والأنغام. مثلا عندما يتكسّر النهر عبر الكهوف الكامنة تحت الأرض فلا بدّ أن تتخيّل قوّة اندفاع وجيشان الماء.
والشاعر يجد عددا من الأشياء المثيرة في الطبيعة والتي يوظّفها لخلق جوّ القصيدة. كما انه واقع بالكامل في اسر القوى التي يراها في عالم الطبيعة. وهذه سمة معروفة عن شعر كولريدج وشعر الرومانسيين عامّة.
في هذه القصيدة لن تجد جنساً ولا أيّ نوع من الإثارة الحسّية، لكنها تتضمّن عددا من الصور المزعجة.
في السطور التالية، سنتناول هذه القصيدة مقطعاً مقطعاً بالتحليل والتعليق كي نكتشف بعض صورها وجمالياتها. علما بأن الترجمة العربية المعتمدة هنا للقصيدة هي ترجمة الدكتور بهجت عبّاس، بحكم كونها الأقرب إلى روح وجوّ القصيدة.
في زانادو أصدر قبلاي خان
قراراً ببناء قبّة ابتهاج فخمة
هذا استهلال مشهور. ولا بدّ أن هذا المقطع لزمه عمل كثير. وهو يقدّم القارئ إلى شخصية العنوان، أي قبلاي خان. العنوان نفسه بسيط وسهل، اسم عظيم وجميل فعلا، كما انه يبدو قويّا وغامضا.
ثم يبدأ الشاعر بوصف المكان المدهش الذي تجري فيه القصيدة، أي زانادو. "قبّة الابتهاج الفخمة" تعني أن الإمبراطور المغولي بنى قصرا رائعا وبديعا حقّا.
لنتذكّر أن قبلاي خان كان يحكم امبراطورية شاسعة كانت حدودها تمتدّ من هنغاريا إلى كوريا. ولا بدّ وأنه كان بحاجة إلى مثل هذا القصر الصيفيّ الفخم في زانادو كي يوفّر له الراحة والحماية.
في ما بعد، زاره في ذلك القصر الرحّالة الايطالي ماركوبولو الذي كان لكتاباته دور مهمّ جدّا في الشهرة الأسطورية لذلك القصر.
طبعا وأنت تقرأ لا بدّ وأن تسأل نفسك: هل الشخص والمكان حقيقيّان أم أنهما يبدوان خياليّين تماما؟ ربّما الإجابة هي مزيج من نعم ولا، كما سنرى بعد قليل.
تبدأ القصيدة بوصف قصر الإمبراطور الذي يسمّيه الشاعر "قصر الابتهاج". وهو يخبرنا عن نهر يجري عبر الأرض ثم يفيض من خلال بعض الكهوف إلى أن ينتهي به المطاف في البحر.
كما يتحدّث الشاعر عن الأرض الخصبة التي تحيط بالقصر والتي تغطّيها الجداول والأشجار العطرية والغابات الساحرة.
ثم ينتقل للحديث عن النهر ثانيةً وعن الوادي الجميل الذي يمرّ من خلاله. وهو يصوّر المكان بطريقة تبعث على الرهبة، حيث يمكنك أن تجد هناك امرأة تنتظر مقدم حبيبها الشيطان.
ثم يصف كيف أن النهر يتكسّر عبر الوادي مُحدثا ما يشبه النافورة قبل أن يتسرّب ماؤه إلى الكهوف الأرضية ومنها إلى المحيط البعيد.
ثم يتحدّث كولريدج عن قبلاي خان نفسه الذي يستمع إلى ضجيج النهر ويفكّر في الحرب.
بعد ذلك ينتقل الشاعر بعيدا عن هذه الطبيعة ليخبرنا عن رؤيا رآها، هي عبارة عن امرأة تعزف آلة موسيقية وتغنّي أغنية تثير ذكرياته وتملؤه شوقا وشغفا. وهو يوظّف هذه الأغنية ليتخيّل نفسه وهو يغنّي أغنيته الخاصّة ولكي يرسم من خلالها رؤياه عن "زانادو".
وقبل نهاية القصيدة، يرسم الشاعر صورة لشخص مرعب بعينين تقدحان الشرر. وهذا الشخص ليس سوى قبلاي خان نفسه الذي يصوّره كمخلوق قويّ جدّا وأقرب ما يكون لإله.
وأنت تقرأ هذه القصيدة، لا بدّ وأن تتخيّل أن كولريدج كان يلقيها في حشد من الناس محاولا دغدغة مشاعرهم. وهو يخصّص سطورا كثيرة من قصيدته لوصف الطبيعة، النهر والكهوف والبحر.
والقصيدة تبدو مثل سيمفونية تتضمّن جميع الأصوات والحركات والأنغام. مثلا عندما يتكسّر النهر عبر الكهوف الكامنة تحت الأرض فلا بدّ أن تتخيّل قوّة اندفاع وجيشان الماء.
والشاعر يجد عددا من الأشياء المثيرة في الطبيعة والتي يوظّفها لخلق جوّ القصيدة. كما انه واقع بالكامل في اسر القوى التي يراها في عالم الطبيعة. وهذه سمة معروفة عن شعر كولريدج وشعر الرومانسيين عامّة.
في هذه القصيدة لن تجد جنساً ولا أيّ نوع من الإثارة الحسّية، لكنها تتضمّن عددا من الصور المزعجة.
في السطور التالية، سنتناول هذه القصيدة مقطعاً مقطعاً بالتحليل والتعليق كي نكتشف بعض صورها وجمالياتها. علما بأن الترجمة العربية المعتمدة هنا للقصيدة هي ترجمة الدكتور بهجت عبّاس، بحكم كونها الأقرب إلى روح وجوّ القصيدة.
قراراً ببناء قبّة ابتهاج فخمة
هذا استهلال مشهور. ولا بدّ أن هذا المقطع لزمه عمل كثير. وهو يقدّم القارئ إلى شخصية العنوان، أي قبلاي خان. العنوان نفسه بسيط وسهل، اسم عظيم وجميل فعلا، كما انه يبدو قويّا وغامضا.
ثم يبدأ الشاعر بوصف المكان المدهش الذي تجري فيه القصيدة، أي زانادو. "قبّة الابتهاج الفخمة" تعني أن الإمبراطور المغولي بنى قصرا رائعا وبديعا حقّا.
لنتذكّر أن قبلاي خان كان يحكم امبراطورية شاسعة كانت حدودها تمتدّ من هنغاريا إلى كوريا. ولا بدّ وأنه كان بحاجة إلى مثل هذا القصر الصيفيّ الفخم في زانادو كي يوفّر له الراحة والحماية.
في ما بعد، زاره في ذلك القصر الرحّالة الايطالي ماركوبولو الذي كان لكتاباته دور مهمّ جدّا في الشهرة الأسطورية لذلك القصر.
طبعا وأنت تقرأ لا بدّ وأن تسأل نفسك: هل الشخص والمكان حقيقيّان أم أنهما يبدوان خياليّين تماما؟ ربّما الإجابة هي مزيج من نعم ولا، كما سنرى بعد قليل.
خلالَ كهوفٍ لا يستطيع إنسان إدراك مداها
أسفل إلى بحرٍ لا تطلع عليه شمس
يتحوّل الشاعر الآن إلى وصف جغرافية زانادو ويقدّمنا إلى نهر ألف. بالتأكيد لا يوجد نهر بهذا الاسم في منغوليا لا الآن ولا في زمن قبلاي خان.
وبعض المؤرّخين يقولون إن هذه إشارة إلى نهر ألفيوس، وهو نهر في اليونان كان مشهورا في الأدب الكلاسيكيّ. لكن اسم "ألف" قد يدفعنا للتفكير في الحرف الإغريقيّ "ألفا" أوّل حروف الأبجدية الإغريقية ورمز البدايات.
هذه الارتباطات، بل وحتى حقيقة أن النهر له اسم، يجعل "ألف" اسما بارزا في بداية القصيدة. لاحظ كيف أن كولريدج يتحرّك بعيدا عن التاريخ وهو يحوّل هذا المكان وهذا الشخص وهذه القصّة إلى شيء من ابتكاره هو.
"قبلاي خان" هي بالتأكيد قصيدة بقدر ما هي رحلة خيالية، لأنها عن عالم حقيقيّ. وعندما يتحدّث الشاعر عن "كهوف لا يستطيع إنسان إدراك مداها"، يصبح لدينا شعور بأن هذه الطبيعة ضخمة وغير معروفة.
وهذا الشعور يلازمنا عندما نصل إلى "البحر الذي لا تطلع عليه الشمس"، وهي صورة كئيبة فعلا. فأن تجد بحرا لا تطلع عليه الشمس، هذا ليس مدعاة للبهجة أو السرور أو غيرها من المشاعر التي يعكسها منظر البحر عادة.
من الأرض الخصبة بحيطان وأبراجٍ
ووُجدت هناك حدائقُ زاهرة بجداولَ مُتعرِّجة
حيث أزهر كثير من شجر البخور
وهنا كانت غابات قديمة كالتِّلال
تحتضن بقعاً خضراءَ مشمسة
الآن أصبحت الأمور أكثر مدعاةً للارتياح. الشاعر يأخذنا بعيدا عن تلك الكهوف التي لا نهاية لها ويخبرنا قليلا عن الحدائق التي تحيط بالقصر. وربّما تكون قد لاحظت أن اللغة أصبحت جميلة هنا. كولريدج كان غالبا يستخدم لغة جميلة ليصف مفاهيم بسيطة وأساسية.
وهو هنا يقيم تباينا بين الكهوف المخيفة والغريبة والفراغ المريح والمألوف حول القصر. وهو يصف كيف أن القصر محاط بالأسوار والأبراج. وبينما الكهوف لا يمكن إدراكها، إلا أن هذا الفراغ يمكن إدراكه تماما وقياسه "عشرة أميال".
كلّ شيء عن هذا المكان يُشعر الإنسان بالأمان والسعادة. فهو محميّ بالأسوار، وهو خصب، والحدائق "مزهرة"، وحتى الأشجار رائحتها شذيّة بسبب شجر البخور. ورغم أن الغابات "قديمة"، إلا أن الشاعر يتمكّن من جعلها تبدو مريحة أيضا، فهو يخبرنا أنها "تحتضن بقعاً خضراء مشمسة".
والغابة تلتفّ حول تلك الأماكن المشمسة الصغيرة وتجعلها آمنة، مثلما أن الأسوار تلتفّ حول القصر وتجعله بمأمن. عالم الطبيعة في الخارج فطريّ وغريب. لكن داخل أسوار القصر تبدو الأشياء جميلة ومحميّة.
ومن الواضح أن الشاعر لا يبدو منجذبا إلى الطبيعة المستبدّة لقبلاي خان، وهو ما كان يتوقّعه منه قرّاؤه. خان كولريدج اقرب ما يكون إلى الفنّان الذي يهوى المعمار وزراعة الحدائق المليئة بالروائح الشذيّة والجداول الرقراقة، المعزولة عن العالم الخارجيّ بأسوار وأبراج حصينة.
أسفل التلّ الأخضر عبر غابة من شجر الأرز!
مكان موحش قاسٍ! تحت قمرٍ آخذٍ في المحاق، كمكان مقدَّس
وفتّان دوماً، مسحور بامرأةٍ نادبةٍ حبيبها الشيطان!
هنا يعيدنا الشاعر إلى العالم الفطريّ المخيف قليلا، من خلال العودة إلى نهر ألف الذي يبدو ذا شخصية وكيان مستقلّ بذاته في القصيدة. زانادو تقع في وادٍ محاط بالتلال، والنهر يتدفّق على أطراف أحد تلك التلال حافرا عبره واديا جبليّا عميقا.
التلّ بأكمله مغطّى بأشجار الأرز. والنهر عنيف ولا يمكن التحكّم فيه، كما انه لا يشبه تلك الجداول الصغيرة التي مررنا بها في الأسطر القليلة السابقة. والشاعر يبدو منجذبا إلى هذا النهر كما لو انه مغناطيس.
كان بمقدور كولريدج أن يتخيّل نفسه جالسا في تلك الحدائق مع شخص يقدّم له العنب. لكن هذه "الفجوة الرومانسية" تروق له وتمنح القصيدة حياتها. هل تشعر بمدى حماس الشاعر وهو يصف النهر؟ إحدى الطرق التي أراد من خلالها أن يلفت انتباهنا إلى وصفه المتحمّس هي علامات التعجّب التي ملأ بها هذا الجزء من القصيدة.
انظر فقط إلى هذين المثالين: "غابة من شجر الأرز" و"مكان موحش وقاسٍ". علامات التعجّب التي تعقبهما تجعل تلك الصور تتقافز إلى الذهن مباشرة. لكن ماذا عن المرأة "عاشقة الشيطان"، وذلك "القمر الآخذ في المحاق"؟! الشاعر يستخدم هذه الصور ليجعلك تعرف كيف تبدو تلك الفجوة "أو الفراغ" رومانسية.
وهو أيضا يريد منّا أن نتخيّل امرأة أو ربّما شبح امرأة تسكن روحها المكان. يمكن أن تكون هذه المرأة قد تعرّضت للعنة أو ألقيت عليها تعويذة أو وقعت في حبّ روح شرّيرة.
ولو أرادت هذه المرأة أن تصرخ عن مصيرها الرهيب أو أن تُفصح عن حزنها وغضبها وأشواقها، فأين يمكنها أن تذهب؟ ستذهب إلى مكان مثل هذا بالضبط: وادٍ جبليّ منعزل ومهجور حيث لا احد يستطيع سماعها باستثناء القمر الآخذ في المحاق. هذه الصورة مكثّفة فعلا وهي تعطينا لمحة عن القصّة الجديدة التي ستتكّشف ملامحها في الجزء الثاني.