ويحكي الأخير أن الإله بوسيدون رأى ميدوسا ذات يوم فانبهر بجمالها ورغب فيها وقرّر أنه، لكونه إلها، يحقّ له الحصول على جسدها، فقام باغتصابها في معبد مينيرفا. هنا تغضب مينيرفا، لا بسبب جرم الاغتصاب نفسه، وإنما لأن معبدها قد دُنّس، فتعاقب الضحية بدلاً من الجاني، وتُحوّل ميدوسا إلى وحش له شعر على هيئة أفاعٍ، وكلّ من ينظر اليها تُحوّله إلى حجر. وفي مرحلة تالية، تعطي مينيرفا درعها إلى بيرسيوس لمساعدته في قتل ميدوسا، فيقطع رأسها أثناء نومها ثم يحمله في حقيبة.
كانت ميدوسا قبل مقتلها قد عزلت نفسها في بقعة وعرة ونائية، الأمر الذي دفع بيرسيوس لأن يبذل جهدا كبيرا للعثور عليها. وعندما يصل إلى عرينها مع بعض رفاقه، يستخدم الدرع للنظر إلى انعكاسها بدلاً من النظر إليها مباشرة حتى لا يتحوّل إلى حجر. وفي النهاية، يتمكّن من قطع رأسها بسيفه السحري ويضع الرأس في كيس، ويستخدمه لإنقاذ وإثارة إعجاب فتاة تُدعى أندروميدا ، فتنبهر من شجاعته وقوّة بأسه.
هل كانت ميدوسا تستحقّ الموت؟! صحيح أنها عند النظر اليها كانت تحوّل البشر الى حجارة، أحيانا بلا سبب. لكن ما حدث لها في البداية كان أمرا فظيعا. فقد تعرّضت للاغتصاب، ثم حُوّلت إلى وحش بشع عقابا لها على شيء لم تفعله.
هذا كلّ ما في الأمر، قتلَ بيرسيوس ميدوسا، لا ليخلّص المجتمع من تهديد خطير أو شرس، بل ليعقد صفقة وليثير إعجاب فتاة. ولم يكن هذان السببان نبيلين تماما، لكن هذا ما حدث.
وهذه الأسطورة هي في نفس الوقت تحذير للبشر الذين لا يجب أن يفكّروا أنهم يمكن أن يتساووا مع الآلهة. من هي ميدوسا حتى ترفض تودّد بوسيدون لها؟! لا ينبغي للبشر أن يفعلوا هذا أبدا.
اسم "ميدوسا" في اليونانية القديمة مشتقّ من "الحراسة والحماية". ومن اللافت أن الناس كانوا في عصور متأخّرة ينقشون صورة ميدوسا على أبواب منازلهم درءا للشرّ والتماسا للحماية. ويعتقد علماء الأنثروبولوجيا أن الجنود الرومان كانوا يحملون صورة هذه المرأة معهم في حملاتهم للحماية.
وقد استخدم فرويد الأسطورة لشرح مفهومه عن قلق الإخصاء. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، كان تاريخ ميدوسا كضحيّة اغتصاب قد مُحي من الوعي الثقافي الجماعي الأوربّي. وأصبحت ببساطة امرأة تتمتّع بقوّة مرعبة لإخصاء الرجال. وبعض الباحثات النسويات في العصر الحديث أعدن قراءة أسطورة ميدوسا باعتبارها قطعا لرأس المجتمعات الأمومية المبكّرة على يد الثقافة اليونانية الرومانية. ووفقا لهذا التفسير، فإن انتهاك بوسيدون لميدوسا وقطع رأسها على يد بيرسيوس بعد ذلك، يمثّلان جهدا لإضفاء الشرعية على سعي الذكور لإسكات سلطة الإناث.
والواقع أن الأساطير القديمة مليئة بقصص الآلهة الذين ينتهكون النساء. وقد انعكس هذا التقليل من قيمة المرأة في معايير وقوانين ثقافات تتاجر بالنساء كسلعة بين الرجال وتسمح بالاغتصاب بموجب القانون.
وعندما تظهر ميدوسا في الثقافة الشعبية اليوم، يتمّ تجاهل أهميّتها العميقة الى حدّ كبير. مثلا، في فيلم مقتبس من رواية "صراع الجبابرة" عام 2010، يحشد بيرسيوس رجاله قبل مواجهة ميدوسا ويقول: أعلم أننا جميعا خائفون. لكن والدي أخبرني بقوله: ذات يوم، سيضطرّ شخص ما إلى اتخاذ موقف وقول كفى! قد يكون هذا هو اليوم. ثقوا في حواسّكم. ولا تنظروا في عيني تلك البغيّ!".
وفي الفيلم، يعرف بيرسيوس أن ميدوسا تعرّضت للاغتصاب، ومع ذلك تُعاملها الحبكة بلا مبالاة وتنظر إليها الشخصيات نظرة عداوة وازدراء . فميدوسا في النهاية هي مجرّد مخلوق يخصي الرجال ولا بدّ من إلحاق الهزيمة به.
لكن بمعايير العقل الحديث، بيرسيوس هو المعتدي. وهو ليس بطلا، بل قاتل يقف على جسد ضحيّته ويُمسك برأسها الملطّخ بالدماء. والأسطورة تتحدّث عن تاريخ اضطهاد المرأة عبر العصور. وكما يوضّح التاريخ اليوناني-الروماني، عندما تقلّل الآلهة من قيمة المرأة، فإن الناس يفعلون ذلك أيضا.
في الأسطورة، بعد أن تحوّلت ميدوسا إلى ذلك الشيء البشع، غادرت إلى أرض بعيدة لتتجنّب البشر. وكانت لها قدرة على تحويل ايّ انسان الى حجر، فأصبحت وحشا أسطوريا بين الأبطال. وقد أتاها في أرضها الكثيرون لهزمها، ولم يعد أحد من عندها أبدا. لذا رأى كثيرون في مطاردتها انتحارا وبدأت محاولات قتلها تتضاءل.
وفجأة ظهر بيرسيوس، وذهب لقتالها، وقتلَها فعلا وهي نائمة، ثم هرب.
ومنذ ذلك الحين ولفترة طويلة، أصبحت ميدوسا الوحش الذي نعرفه اليوم، والشخصيةَ المفضّلة عند الذين يسعون إلى شيطنة السلطة الأنثوية. وكثيرا ما تتجسّد ميدوسا للرجال كلّما شعرت السلطة الذكورية بتهديد من النساء أو بتجاوزهنّ على مجالات الرجال. والردّ الوحيد على النساء اللاتي تشبه صورتهن ميدوسا هو إسكاتهن بقطع رؤوسهنّ.
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
ومن أهم سمات "تحوّل النموذج" الابتعاد عن المعايير القديمة أو الأطر المستقرّة، واستحداث طرق جديدة للتفكير في المشكلات أو القضايا، وأيضا تأثير التحوّل على مجالات متعدّدة، كالمجالات الاجتماعية والعلمية والتكنولوجية. ومن أمثلة التحوّل النموذجي الانتقال من فيزياء نيوتن إلى نظرية النسبية لآينشتاين، والتحوّل من التكنولوجيا التناظرية إلى التكنولوجيا الرقمية في مجال الاتصالات، وما الى ذلك.
❉ ❉ ❉
قبل كريستوفر كولومبوس بوقت طويل، سافر "تشنغ هي" عبر الطرق البحرية جنوبا وغربا في المحيط الهندي وأقام علاقات مع أكثر من ثلاثين دولة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
عند ولادة تشنغ، كان اسمه "ما هي"، وهو النسخة الصينية من اسم "محمّد". وكانت عائلته تنتمي إلى أقليّة عرقية مسلمة في منطقة كانت لا تزال تحت سيطرة المغول من سلالة يوان. وكان والده وجدّه يحظيان باحترام كبير في مجتمعهما. وقد تلقّى "تشنغ هي" تعليما في صغره واطّلع على كتب كونفوشيوس ومنسيوس.
وفي عام ١٣٨١، عندما كان تشنغ في الحادية عشرة من عمره، هاجم جنود من جيش مينغ مقاطعة يونان واجتاحوها، وأُسر تشنغ كغيره من الأطفال وجُلب ليخدم في بلاط مينغ.
وبعد سنوات وأثناء خدمته في البلاط الملكي، لاحظ الإمبراطور أن "تشنغ هي" متميّز عن بقيّة أقرانه، فعيّنه مساعدا ومستشارا موثوقا له. ثم تعلّم المزيد عن الأسلحة وأصبح أكثر درايةً ببناء السفن. وفي عام 1403، أمر الامبراطور ببناء أسطول سفن الكنز المشهورة التي كان مقرّرا أن تجوب بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي. واختار الإمبراطور "تشنغ هي" لقيادة الأسطول كما عيّنه سفيرا متجوّلا للبلاط لدى عدد من الدول الأجنبية.
وهكذا بدأت مسيرة "تشنغ هي" البحرية، وشهد بعضا من أهمّ رحلات الاستكشاف في التاريخ. كان حجم السفن التي أبحر بها مذهلا. وكتب كلّ من ماركو بولو والمستكشف المغربي ابن بطّوطة عن رؤيتهما سفنا بحرية ضخمة في زياراتهما للشرق. ويُعتقد أن ما رأياه وبحّارتهما كان جزءا من سفن أسطول الكنز التي أبحر بها "تشنغ هي"، والتي كانت أطول وأكبر بكثير من سفن كولومبوس.
وقد وسّعت رحلات "تشنغ هي" البحرية علاقات الصين مع دول أخرى وطوّرت فرص التجارة بين الشرق والغرب. وما يزال إرثه حاضرا، من الشطآن السواحلية إلى اليمن، ومن كولكاتا إلى هونغ كونغ. وقبل فترة، أمضى مصوّر وكاتب في مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" يُدعى مايكل ياماشيتا عدّة سنوات في تأليف كتاب وإنتاج فيلم وثائقي متعدّد الأجزاء عن البحّار الصيني. ويصفه ياماشيتا في كتابه بأنه "أعظم مستكشف جغرافي لم يسمع به العالم من قبل".
Credits
artic.edu
explorersweb.com
artic.edu
explorersweb.com