:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، نوفمبر 07، 2024

خواطر في الأدب والفن


  • في سالف الزمان، كانت هناك قبيلتان، إحداهما تعيش في أرضٍ سهلية والأخرى تعيش في أعالي الجبال. وفي أحد الأيّام، غزا سكّان الجبال سكّان السهول. وكجزء من نهبهم لجيرانهم، اختطفوا طفلاً رضيعا من إحدى عائلات السهول وأخذوه معهم إلى الجبال.
    ولم يكن سكّان السهول يعرفون كيفية تسلّق الجبال. ولم يكونوا على علم بأيّ من المسارات التي يستخدمها سكّان الجبال، ولم يكونوا يعرفون أين يمكن أن يجدوهم أو كيف يتعقبّونهم في التضاريس الشديدة الانحدار.
    ومع ذلك، أرسلوا أفضل مقاتليهم لتسلّق الجبال والبحث عن الطفل وإعادته إلى أهله. حاول الرجال أوّلاً استخدام طريقة واحدة للتسلّق، ثم طريقة أخرى. وحاولوا تجربة مسار واحد ثم مسار آخر. لكن بعد عدّة أيّام من الجهد المُضني، لم يتمكّنوا من تسلّق أكثر من عدّة مئات من الأقدام.
    لذا شعر رجال السهول باليأس والعجز واقتنعوا بأن قضيّتهم خاسرة واستعدّوا للعودة إلى قريتهم في الأسفل. وبينما كانوا يتأهبّون للنزول، رأوا والدة الطفل تنزل من الجبال وتمشي وراءهم، فأدركوا أنها آتية من الجبل الذي شقّ عليهم تسلّقه.
    ثم رأوا أنها تحمل الطفل المخطوف على ظهرها، وتساءلوا كيف يمكن أن يحدث هذا. وعندما اقتربت منهم سألها أحدهم: لم نستطع تسلّق هذا الجبل، فكيف فعلتِ هذا بينما عجز عنه أقوى وأقدر رجال القرية؟"
    فهزّت المرأة كتفيها وقالت: لم يكن الطفل ابن أحد منكم".
  • ❉ ❉ ❉

  • اللوحة التي فوق مشهورة بسبب قصّتها. وقد رسم فيها فنّان عصر النهضة الإيطالي پييرو ديلا فرانسيسكا كلّا من فيديريكو دا مونتيفيلترو وزوجته باتيستا سفورزا. وهما يظهران في وضع جانبيّ يذكّرنا بنقوش الميداليات التي تبدو الشخصيات فيها بكامل هيبتها وزخرفها.
    كان دا مونتيفيلترو (1422-1482)، أمير حرب إيطاليّا ومستبدّا مستنيرا ودوقا لمدينة أوربينو خلال عصر النهضة. كما كان مصدر إلهام لرافائيل ومكياڤيللي ولعدد لا يُحصى من المبدعين الآخرين. وقد نشأ رافائيل، أحد أعظم الرسّامين في التاريخ، في أوربينو تحت حكم فيديريكو الذي ساعده على تنمية موهبته كفنّان. وما كاد الرسّام يبلغ الخامسة والعشرين من عمره حتى رسم لوحته الأشهر "مدرسة أثينا" التي تضمّنت رؤية فيديريكو الخاصّة عن مدينته.
    المعروف أن فيديريكو جمع ثروته كجنرال مأجور في بدايات حياته. لكن بعد أن حقّق ثروته، اتجه إلى الفنون بحماسة لا تقلّ عن حماسه للحرب، واستثمر كلّ أمواله في مسقط رأسه واشترى مخطوطات يونانية ولاتينية، وحوّل مدينته إلى أحد المراكز الثقافية الرئيسية لعصر النهضة. وقد مرّت كلّ الأسماء العظيمة تقريبا في القرن الرابع عشر بقصره، وكانت مكتبته تُعدّ من بين أكبر المكتبات في أوروبّا.
    وبسبب حبّ فيديريكو للفنون ومساهماته في الثقافة المستنيرة، وخاصّة التاريخ والفلسفة، أصبحت أوربينو مدينة حاضنة للأدباء والفنّانين وصار هو يلقّب بـ "نور إيطاليا".
    وقد فرض العدل والاستقرار على دولته الصغيرة من خلال مبادئ تعليمه الإنساني. وقيل إنه كان يتجوّل في شوارع أوربينو مستفسرا عن أحوال الأهالي بدون سلاح أو حراسة. وكان كلّ المواطنين عنده متساوين أمام القانون بغضّ النظر عن رتبهم أو طبقاتهم.
    مثال فيديريكو اكتسب إعجابا واسعا في جميع أنحاء أوروبّا. وهو أحد الأشخاص الذين استلهمهم مكياڤيللي في كتابه "الأمير" بعدما لاحظ دهائه العسكري والسياسي والفكري.
    في عام 1450، شارك فيديريكو في منازلة أُصيب على إثرها بحربة أفقدته عينه اليمنى. في ذلك الوقت، كان من الممكن أن تكون مثل هذه الإصابة قاتلة. لكن الرجل استجمع قواه بسرعة وقّرر قطع الجزء العلوي من غضروف أنفه حتى يتمكّن من الإبصار بشكل أفضل بعينه اليسرى. وخضع لجراحة لإزالة أنسجة من جسر أنفه من أجل توسيع مجاله البصري في محاولة للتعويض عن العين المفقودة.
    وربّما يكون أنف مونتيفيلترو واحدا من أشهر الأنوف في التاريخ بسبب الفراغ الذي نراه في الصورة. وقد تكون هذه أوّل عملية تجميل أنف معروفة في العالم. لكن لا يمكن تخيّل مدى المعاناة والألم الذي عانى منه الرجل أثناء الجراحة، حيث لم يكن التخدير معروفا بعد. ومع ذلك، لا يمكن إثبات ما إذا كان الدوق قد خضع بالفعل لعملية جراحية أم لا. لكن، وفقا لرأي العلم الحديث، يبدو من المشكوك فيه أن تكون تلك العملية، فيما لو تمّت، قد أدّت إلى تحسّن كبير في وظيفته البصرية، باستثناء تأثير الدواء الوهمي.
    صورة دا مونتيفيلترو الأكثر شهرة هي هذه التي يظهر فيها مع زوجته باتيستا التي توفّيت بسبب الالتهاب الرئوي بعد ولادة طفلهما السابع وهي في سنّ الخامسة والعشرين. وبموتها فقد الدوق رفيقته التي وصفها بأنها "متعة ساعاتي العامّة والخاصّة". أحد المعاصرين لهما وصف علاقتهما بأنهما كانا "روحين في جسد".
    وبعد وفاة فيديريكو دا مونتيفيلترو في عام 1482، خلفه في الحكم ابنه المريض غيدوبالدو. وأثناء حكم الابن، ألّف بالدازار كاستيليوني كتابه الشهير "رجال البلاط"، الذي تناول فيه، بصفته أحد أفراد الحاشية، المثل العليا لرجل الدولة في عصر النهضة.
  • ❉ ❉ ❉



    ❉ ❉ ❉

  • قال أنطون تشيكوڤ مرّة: لا ينبغي لأحد أن يضع مسدّسا محشوّا على المسرح إذا لم يُستخدم في العمل المسرحي. ومن الخطأ أن تقطع وعودا لا تنوي الوفاء بها". ومن ذلك الوقت أصبحت هذه الفكرة تُعرف في عالم الأدب بـ "مسدّس تشيكوڤ".
    والفكرة التي أراد الكاتب الروسي إيصالها هي إسداء نصيحة لكلّ كاتب بأن يحذف من كتابته كلّ ما لا علاقة له بالعمل الذي يكتبه. فمثلا، إذا قلت في الصفحات الأولى من قصّتك أن هناك مسدّسا محشوّا معلّقا على الحائط، فيجب أن يطلق المسدّس الرصاص في الصفحات التالية. وإذا لم يكن من المفترض أن تُطلق النار، فلا ينبغي أن يكون هناك إشارة للمسدّس من الأساس.
    كلام تشيكوڤ بألا يضع الكاتب أيّ شيء في عمله ما لم يكن هناك سبب أو غرض لذلك ينطبق على كلّ عمل إبداعي. وقد سخر إرنست همنغواي من هذه الفكرة مشيرا الى انه، هو نفسه، ذكر بشكل عابر في مطلع إحدى قصصه القصيرة شخصيتين، ولم يذكرهما ثانيةً في تلك القصّة. لكنه لم يقلّل من أهميّة الاشارات والتفاصيل الصغيرة والرموز في أيّ قصّة.
  • ❉ ❉ ❉

  • يقول بعض الحكماء ان الحياة لا تأتي معها بأيّ ضمانات ولا تدوم إلى الأبد وليس فيها وقت مستقطع ولا فرص ثانية. وعلى الرغم من أنه لا يمكن لأحد أن يعود بحياته إلى الوراء ويبدأ بداية جديدة، إلا أن أيّ شخص يمكنه أن يبدأ من الآن فيعيش حياته على أكمل وجه ويصنع نهاية جديدة.
    وقد سُئل بعض الكتّاب عمّا سيفعلونه لو أتيحت لهم فرصة الحياة مرّة ثانية. كانت إجابة برتراند راسل مختصرة:
    لقد عشت الحياة التي وجدتها جديرة بالعيش. ولو توفّرت لي فرصة لحياة ثانية فسأعيشها بكلّ سرور".
    وأجابت الكاتبة إيرما بومبيك عن السؤال بقولها:
    لو كان لي أن أعيش حياتي مرّة أخرى، كنت سأدعو الأصدقاء لتناول العشاء حتى لو كانت السجّادة ملطخة والأريكة باهتة. وبدلاً من تمنّي زوال تسعة أشهر من الحمل والشكوى من الظلّ فوق قدمي، كنت سأستمتع بكلّ دقيقة منها لأدرك أن الأعجوبة التي تنمو بداخلي هي فرصتي الوحيدة في الحياة لمساعدة الله في إتمام المعجزة.
    ولو عشت حياتي مرّة أخرى، لما أصررت على رفع نوافذ السيارة في أيّام الصيف لأن شعري مرتّب للتوّ، ولخصّصت وقتا كافيا للاستماع إلى جدّي وهو يهذي عن شبابه، ولأحرقت الشمعة المنحوتة على هيئة وردة قبل أن تذوب أثناء تخزينها، ولجلست القرفصاء على العشب مع أطفالي دون أن أقلق أبدا بشأن اللطخات أو البقع.
    ولو كُتبت لي حياة اخرى، لما ذهبت إلى الفراش في كلّ مرّة أكون مريضة، بدلاً من التظاهر بأن الأرض ستدخل في حالة انتظار إذا لم أكن حاضرة ليوم واحد. ولكنت استخدمت المزيد من عبارات "أحبّك" و"أنا آسف" و"أنا أسمعك"، ولما قلت لطفلي بتهوّر كلّما حاول تقبيلي: فيما بعد، إذهب الآن واغسل ملابسك لتناول العشاء".
    وأجاب بورخيس على السؤال بقوله:
    لو كان بإمكاني أن أعيش حياتي مرّة أخرى، سأحاول أن أرتكب المزيد من الأخطاء، ولن أحاول أن أكون مثاليّا كثيرا. وسأكون أكثر استرخاءً وأكثر اكتمالا ممّا أنا عليه الآن، وسآخذ عددا أقلّ من الأشياء على محمل الجدّ. وسأخاطر أكثر، وأقوم برحلات أكثر. سأشاهد غروب شمس أكثر، وأتسلّق جبالا أكثر، وأسبح في أنهار أكثر. سأذهب إلى المزيد من الأماكن التي لم أذهب إليها من قبل. سأتناول آيس كريم أكثر وفاصوليا أقل، وسأهتمّ بالمشاكل الحقيقية وأتجاهل المشاكل الهامشية.
    وأضاف: لقد كنت واحدا من أولئك الأشخاص الذين يعيشون حياة حكيمة ومثمرة في كلّ دقيقة من حياتهم. بالطبع كانت لديّ لحظات من الفرح، لكن لو عشت ثانية سيكون عندي المزيد منها. وكنت من الذين لا يذهبون إلى أيّ مكان دون ميزان حرارة وزجاجة ماء ومظلّة! ولو عشت مرّة أخرى، سأسافر خفيفا، وسأعمل حافي القدمين من بداية الربيع حتى نهاية الخريف، وسأركب المزيد من العربات، وأشاهد شروق الشمس أكثر وألعب مع أطفال أكثر.
    هذا لو كانت لديّ حياة أخرى لأعيشها! لكنّني الآن في الخامسة والثمانين وأعلم أنني سأموت قريبا".
    كلّ لحظة في حياتك هي فرصة ثانية، يقول أحد الكتّاب. ويقول آخر: لا أقتنع بفكرة الفرصة الثانية، فمع الأمل نصنع الكثير من الفرص". ويقول ثالث: إذا كنت لا تزال تتنفّس، فلديك فرصة ثانية". ويختم جوناثان ساكس بنصيحة ثمينة يقدّمها لكلّ انسان: أفسح المجال في حياتك للأشياء المهمّة، للعائلة والأصدقاء والحبّ والكرم والمرح والبهجة. وبدون هذا، ستحترق في منتصف حياتك المهنية وتتساءل أين ذهبت حياتك".

  • Credits
    uffizi.it
    borges.pitt.edu