يقال أنه قلَّ أن تمتّع كاتب بشهرة كبيرة في حياته بمثل ما تمتّع فولتير. روايته الفلسفية الساخرة "كانديد"، أو التفاؤل، كانت أشهر رواية ظهرت في القرن الثامن عشر. والغريب أنه كتبها في ثلاثة أيّام فقط من عام 1759.
وقتها كان فيلسوف عصر الأنوار الفرنسي في ذروة تشاؤمه وغضبه. فقد رأى أن العلم لم يؤدِّ إلى تحسين العالم، بل أعطى قوّة إضافية لقوى الاستبداد والفساد، وأن الفلسفة لم تنجح في تفسير مشكلة الشرّ في العالم، بل استُخدمت لإظهار مباهاة وغرور الإنسان.
كان فولتير يرى أيضا أن الحبّ وهم والبشر أشرار والمستقبل عدم. وفي تلك الظروف ألّف رواية "كانديد" ليقدّم من خلالها رؤيته عن حال المجتمع والأفكار والنظريات التي طرحها معاصروه.
"كانديد"، بطل الرواية، شابّ متفائل جدّا. وأستاذه الذي علّمه التفاؤل فيلسوف يُدعى بانغلوس. وشخصية الأخير يوظّفها فولتير للسخرية من أفكار الفيلسوف الألماني لايبنتز الذي كان يرى أن عالمنا هو أفضل العوالم لأن الله خلقه.
وكانديد وأستاذه يسافران في أرجاء العالم فتُحدِق بهما المصائب أينما حلّا. فيشهدان، مثلا، هزّة أرضية في البرتغال، ويطارَدان في الأرجنتين من قبل محاكم التفتيش، ويُسجنان كخادمين على متن سفينة فرنسية. لكنهما ينجوان من هذه الكوارث وغيرها ويظلان على الرغم من كلّ شيء متمسّكين برؤيتهما المتفائلة للعالم.
وبعد أشكال متعدّدة من المعاناة، يجد كانديد ومعلّمه نفسيهما في تركيا، وهو بلد كان فولتير معجبا به. ويعيش الإثنان هناك في حقل صغير في إحدى ضواحي اسطنبول.
وأثناء إقامتهما، سمعا ذات يوم خبرا عن بعض المتاعب في بلاط السلطان. فقد قُتل وزيران مع مفتي البلاد خنقاً، بينما لقي عدد آخر من زملائهم حتفهم على الخازوق.
وشعر كانديد وأستاذه بالهلع مما سمعاه. وعندما لمحا رجلا تركيّا مسنّاً يجلس بسلام وبلا اكتراث أمام باب بيته، بادره بانغلوس بسؤاله عن اسم المفتي القتيل. فقال: لا أعرف، بل إنني لم أعرف اسم أيّ مفتي أو وزير في حياتي. وليس لديّ أيّ فكرة عمّا تتحدّث.
وأضاف الشيخ المسنّ: إن من يتدخّل في السياسة كثيرا ما يلقى المتاعب، وأنا لا يشغلني أبدا ما يحدث في هذه المدينة. وأضاف: إن ما يهمنا حقّا هو أن نرسل محاصيل أرضنا إلى السوق لكي تباع هناك ونعيش على ما تدرّه من مال قليل".
وقتها كان فيلسوف عصر الأنوار الفرنسي في ذروة تشاؤمه وغضبه. فقد رأى أن العلم لم يؤدِّ إلى تحسين العالم، بل أعطى قوّة إضافية لقوى الاستبداد والفساد، وأن الفلسفة لم تنجح في تفسير مشكلة الشرّ في العالم، بل استُخدمت لإظهار مباهاة وغرور الإنسان.
كان فولتير يرى أيضا أن الحبّ وهم والبشر أشرار والمستقبل عدم. وفي تلك الظروف ألّف رواية "كانديد" ليقدّم من خلالها رؤيته عن حال المجتمع والأفكار والنظريات التي طرحها معاصروه.
"كانديد"، بطل الرواية، شابّ متفائل جدّا. وأستاذه الذي علّمه التفاؤل فيلسوف يُدعى بانغلوس. وشخصية الأخير يوظّفها فولتير للسخرية من أفكار الفيلسوف الألماني لايبنتز الذي كان يرى أن عالمنا هو أفضل العوالم لأن الله خلقه.
وكانديد وأستاذه يسافران في أرجاء العالم فتُحدِق بهما المصائب أينما حلّا. فيشهدان، مثلا، هزّة أرضية في البرتغال، ويطارَدان في الأرجنتين من قبل محاكم التفتيش، ويُسجنان كخادمين على متن سفينة فرنسية. لكنهما ينجوان من هذه الكوارث وغيرها ويظلان على الرغم من كلّ شيء متمسّكين برؤيتهما المتفائلة للعالم.
وبعد أشكال متعدّدة من المعاناة، يجد كانديد ومعلّمه نفسيهما في تركيا، وهو بلد كان فولتير معجبا به. ويعيش الإثنان هناك في حقل صغير في إحدى ضواحي اسطنبول.
وأثناء إقامتهما، سمعا ذات يوم خبرا عن بعض المتاعب في بلاط السلطان. فقد قُتل وزيران مع مفتي البلاد خنقاً، بينما لقي عدد آخر من زملائهم حتفهم على الخازوق.
وشعر كانديد وأستاذه بالهلع مما سمعاه. وعندما لمحا رجلا تركيّا مسنّاً يجلس بسلام وبلا اكتراث أمام باب بيته، بادره بانغلوس بسؤاله عن اسم المفتي القتيل. فقال: لا أعرف، بل إنني لم أعرف اسم أيّ مفتي أو وزير في حياتي. وليس لديّ أيّ فكرة عمّا تتحدّث.
وأضاف الشيخ المسنّ: إن من يتدخّل في السياسة كثيرا ما يلقى المتاعب، وأنا لا يشغلني أبدا ما يحدث في هذه المدينة. وأضاف: إن ما يهمنا حقّا هو أن نرسل محاصيل أرضنا إلى السوق لكي تباع هناك ونعيش على ما تدرّه من مال قليل".
في ما بعد، دعا الشيخ المسنّ كانديد ومعلّمه إلى بيته، وقدّم لهما ألوانا من المشروبات، مع برتقال وليمون وأناناس وتفّاح وفستق من إنتاج حديقتهم. ثم دخلت ابنتا الشيخ الصغيرتان ورشّتا عطرا على لحيتي الضيفين زيادةً في إكرامهما والاحتفاء بهما.
ثم سأل كانديد الشيخ قائلا: لا بدّ أن لديكم مزرعة واسعة هنا". فقال: لدينا فقط حديقة صغيرة، وأنا وأولادي نزرعها ونهتم بها، وعملُنا فيها يحمينا من شرور ثلاثة: الملل والزلل والعوز".
في طريق العودة إلى البيت، فكّر كانديد في كلام الشيخ وقال لأستاذه: هذا التركي الطيّب يبدو أنه أفضل حالا من كثير من الحكّام. ونحن أيضا يجب أن نزرع حديقتنا".
وقد تناقش النقّاد مطوّلا حول معنى ومغزى هذه العبارة الأخيرة.
قيل مثلا أن فولتير أراد بها أن ينصح البشر بأن يشغلوا أنفسهم بالأنشطة اليومية البسيطة عوضا عن التفكير في مسائل لا يفهمونها وغير ذات قيمة. وربّما كان المعنى أن الإنسان يجب أن يحتفظ بمسافة كافية من العالم، لأن اقترابنا من الهموم العامّة والقضايا الكبيرة قد يكون طريقا لا يؤدّي إلا إلى الأخطار والمتاعب.
قد يكون من الحكمة فعلا بالنسبة للإنسان أن يعيش في فضائه الصغير، وأن يشغل نفسه بأعمال بسيطة تبعده عن الفراغ والقلق، كالبدء في مشروع صغير أو تأليف كتاب أو زراعة المساحة الصغيرة أمام بيته.
أن تنشغل بزراعة حديقتك يعني أن تعيش مثل ذلك الشيخ التركي، وأن تستمتع بالشمس في فناء بيتك، وتراعي احتياجاتك الخاصّة قبل رعاية الآخرين. إننا يجب أن نتوقّف عن محاولة تعليق الآمال على الإنسانية إن أردنا أن تحقّق لأنفسنا السلام الداخلي وراحة البال.
هذا هو الدرس المستفاد من هذه الرواية: اهتمّ بنفسك وسيهتمّ العالم بنفسه.
والحقيقة أن تعمّد فولتير وضع تلك الكلمات عن زراعة الحديقة على لسان شخص مسلم لم يكن مصادفة. فقد درس الكثير عن تاريخ الإسلام وثقافة المسلمين. وكان يدرك أن الزراعة ليست مجرّد مهنة لإزجاء الوقت، بل طريقة مهمّة لحماية أنفسنا من تأثير العالم الخطير والفوضويّ من حولنا. وهي تتيح لنا أن نركّز قوانا وطاقاتنا على شيء يمكن أن يحقّق لنا بعضا من الخير والاكتفاء الذي نتطلّع إليه.
ثم سأل كانديد الشيخ قائلا: لا بدّ أن لديكم مزرعة واسعة هنا". فقال: لدينا فقط حديقة صغيرة، وأنا وأولادي نزرعها ونهتم بها، وعملُنا فيها يحمينا من شرور ثلاثة: الملل والزلل والعوز".
في طريق العودة إلى البيت، فكّر كانديد في كلام الشيخ وقال لأستاذه: هذا التركي الطيّب يبدو أنه أفضل حالا من كثير من الحكّام. ونحن أيضا يجب أن نزرع حديقتنا".
وقد تناقش النقّاد مطوّلا حول معنى ومغزى هذه العبارة الأخيرة.
قيل مثلا أن فولتير أراد بها أن ينصح البشر بأن يشغلوا أنفسهم بالأنشطة اليومية البسيطة عوضا عن التفكير في مسائل لا يفهمونها وغير ذات قيمة. وربّما كان المعنى أن الإنسان يجب أن يحتفظ بمسافة كافية من العالم، لأن اقترابنا من الهموم العامّة والقضايا الكبيرة قد يكون طريقا لا يؤدّي إلا إلى الأخطار والمتاعب.
قد يكون من الحكمة فعلا بالنسبة للإنسان أن يعيش في فضائه الصغير، وأن يشغل نفسه بأعمال بسيطة تبعده عن الفراغ والقلق، كالبدء في مشروع صغير أو تأليف كتاب أو زراعة المساحة الصغيرة أمام بيته.
أن تنشغل بزراعة حديقتك يعني أن تعيش مثل ذلك الشيخ التركي، وأن تستمتع بالشمس في فناء بيتك، وتراعي احتياجاتك الخاصّة قبل رعاية الآخرين. إننا يجب أن نتوقّف عن محاولة تعليق الآمال على الإنسانية إن أردنا أن تحقّق لأنفسنا السلام الداخلي وراحة البال.
هذا هو الدرس المستفاد من هذه الرواية: اهتمّ بنفسك وسيهتمّ العالم بنفسه.
والحقيقة أن تعمّد فولتير وضع تلك الكلمات عن زراعة الحديقة على لسان شخص مسلم لم يكن مصادفة. فقد درس الكثير عن تاريخ الإسلام وثقافة المسلمين. وكان يدرك أن الزراعة ليست مجرّد مهنة لإزجاء الوقت، بل طريقة مهمّة لحماية أنفسنا من تأثير العالم الخطير والفوضويّ من حولنا. وهي تتيح لنا أن نركّز قوانا وطاقاتنا على شيء يمكن أن يحقّق لنا بعضا من الخير والاكتفاء الذي نتطلّع إليه.
Credits
newyorker.com
newyorker.com