بعض محبّي الموسيقى الكلاسيكية كثيرا ما يثيرون في نقاشاتهم بعض الأسئلة والافتراضات والمقارنات التي تتناول حياة الموسيقيّين القدامى وأساليبهم وأثرهم في الأجيال التي أتت بعدهم.
وأحد الأسئلة المثارة عادةً هو التالي: أيّهما أعظم، موزارت أم بيتهوفن؟
- أولا المقارنة بين الاثنين تبدو تبسيطية ومخلّة، لأنهما مختلفان تماما في أسلوبيهما. والمقارنة بينهما مثل أن تقارن بين زهرتين مختلفتين في اللون والرائحة. كما أن المسألة لها علاقة بالذوق والتفضيل الشخصيّ.
لكن الإحصائيات قد توفّر أحيانا مؤشّرا عن أيّ من الاثنين يتمتّع بشعبيّة اكبر في مرحلة زمنيّة معيّنة.
موسيقى موزارت فيها دفء متأصّل وشفافية وإحكام. وموسيقى بيتهوفن فيها عمق ومواجهة وتتطلّب من السامع أن يعيرها كلّ اهتمامه.
ودفء موزارت واضح في العديد من مؤلّفاته الموسيقية. كما أن فيها إنسانية يمكن أن تلمسها خاصّة في أعماله الأوبرالية التي تكشف عن خبرة ومعرفة عميقة بالنفس الإنسانية.
بيتهوفن أيضا جرّب كتابة الأوبرا مع انه لم يتميّز فيها، وهو كتب أوبرا واحدة فقط هي فيدليو التي لا يرى فيها الكثيرون دليلا على عظمة تأليفه للأوبرا. كما أنها لا ترقى لمعايير موزارت في التأليف الأوبرالي . لكنّها ما تزال تُؤدّى إلى اليوم لأن بيتهوفن هو من ألّفها، وسيستمرّ الناس في سماعها لهذا السبب بالذات.
وموسيقى موزارت ناعمة ورقيقة في الغالب وليس فيها عصبيّة بيتهوفن ومزاجياته العنيفة.
وبعض خبراء الموسيقى يذهبون إلى أن موزارت "بسيط" في مؤلّفاته السيمفونية، في مقابل بيتهوفن الذي كان يكتب سيمفونياته بشكل مضنٍ ويراجعها كثيرا إلى أن يحصل على المزاج المطلوب لكلّ لحظة.
ويقال أن عبقرية موزارت اللحنية تكمن في ذكائه. كان مثلا يؤلّف موسيقاه في ذهنه ويرتّبها قبل أن يجلس ليدوّنها على الورق.
عندما تسمع موزارت تتخيّل أن الأنغام تتدفّق من أعلى لأسفل ثم إلى قلمه فالورق. وعندما تسمع بيتهوفن تشعر بجهده الجسديّ والذهنيّ الضخم مرتفعا من أسفل لأعلى، وهذا ينطبق حتى على موسيقاه التي ألّفها للغرفة.
الشيء الجيّد في موزارت هو أن موسيقاه تستحقّ أن تُسمع لا أن تُوصف. وهي لا تشبه الأشياء التي تبلى مع مرور الزمن. إنها تتجدّد مع كلّ أداء، وهي ممتعة دائما، كما أن مستوى نوعيّتها غير عاديّ.
ومع ذلك هناك من يأخذ على موزارت كثرة التكرار في موسيقاه. قال ناقد ذات مرّة: إختر أيّ قطعة لموزارت لا تتجاوز مدّتها الخمس دقائق. لو سمعتها من عازفين مهرة فستدرك أن التجربة ممتعة بصرف النظر عن خلفيّتك أو مكانك. لكن لو استمعت إليها لمدّة أطول فستشعر بالملل بعد أن تلاحظ التكرار فيها، ومن ثمّ ستفقد اهتمامك.
بيتهوفن كان جسرا بين الكلاسيكيّة والرومانسيّة. وقد اعتاد الناس على أن ينظروا إليه كإنسان معذّب ومناضل يضع روحه ومشاعره على الورق.
ذات مرّة فقد شخص ابنه في حادث وقال انه استطاع تجاوز الألم والحزن بفضل موسيقى موزارت. وعلّق احد الحضور بقوله: تخيّل لو انك كنت تستمع إلى بيتهوفن في مثل هذا الظرف، ما الذي كان يمكن أن يحدث لك؟ وأضاف: موسيقى بيتهوفن لا تورّث سوى اليأس والمشاعر المظلمة، وربّما تدفعك لأن تقتل نفسك.
وطبعا هذا رأي، لكن لا يُعتدّ به كثيرا لأن بيتهوفن كتب الكثير من الموسيقى الهادئة والجميلة والمتأمّلة .
وموزارت وبيتهوفن، كلاهما، ما يزالان مهمّين بسبب المشاعر التي تعبّر عنها موسيقاهما، فهي تتحدّث إلى الناس مباشرة، وتعبّر عن طيف واسع ومتنوّع من العواطف الإنسانية بطريقة مبدعة.
ترى لو أن باخ عاش لفترة أطول وسمع موسيقى موزارت، ماذا سيكون رأيه فيها؟
- ربّما لو عاش باخ وسمع موزارت لأدرك مدى تأثّر الأخير بموسيقى ابنه يوهان كريستيان باخ الذي كان موزارت يعرفه شخصيّا. وبلا شكّ كان باخ سيقدّر موهبة موزارت وأناقة وجمال أنغامه. ولو عاش أطول لأثّر في موسيقى موزارت بشكل أو بآخر.
عندما كان موزارت حيّا، كان متأثّرا كثيرا بموسيقى يوهان كريستيان . وكان أسلوب باخ الابن مختلفا عن أسلوب والده، لأن الأب توفّي عندما كان عمر كريستيان خمسة عشر عاما. ولهذا أصبح الابن متحرّرا من نفوذ والده أكثر من إخوته الآخرين الأكبر سنّا.
ماذا لو لم يمت موزارت عام 1791؟
- قال احد أساتذة الموسيقى: لو قُيّض لموزارت أن يعيش عشر سنوات أخرى لما كانت هناك حاجة لبيتهوفن. وطبعا هذا الكلام مبالغ فيه أيضا وبعيد عن الواقع.
- أولا المقارنة بين الاثنين تبدو تبسيطية ومخلّة، لأنهما مختلفان تماما في أسلوبيهما. والمقارنة بينهما مثل أن تقارن بين زهرتين مختلفتين في اللون والرائحة. كما أن المسألة لها علاقة بالذوق والتفضيل الشخصيّ.
لكن الإحصائيات قد توفّر أحيانا مؤشّرا عن أيّ من الاثنين يتمتّع بشعبيّة اكبر في مرحلة زمنيّة معيّنة.
موسيقى موزارت فيها دفء متأصّل وشفافية وإحكام. وموسيقى بيتهوفن فيها عمق ومواجهة وتتطلّب من السامع أن يعيرها كلّ اهتمامه.
ودفء موزارت واضح في العديد من مؤلّفاته الموسيقية. كما أن فيها إنسانية يمكن أن تلمسها خاصّة في أعماله الأوبرالية التي تكشف عن خبرة ومعرفة عميقة بالنفس الإنسانية.
بيتهوفن أيضا جرّب كتابة الأوبرا مع انه لم يتميّز فيها، وهو كتب أوبرا واحدة فقط هي فيدليو التي لا يرى فيها الكثيرون دليلا على عظمة تأليفه للأوبرا. كما أنها لا ترقى لمعايير موزارت في التأليف الأوبرالي . لكنّها ما تزال تُؤدّى إلى اليوم لأن بيتهوفن هو من ألّفها، وسيستمرّ الناس في سماعها لهذا السبب بالذات.
وموسيقى موزارت ناعمة ورقيقة في الغالب وليس فيها عصبيّة بيتهوفن ومزاجياته العنيفة.
وبعض خبراء الموسيقى يذهبون إلى أن موزارت "بسيط" في مؤلّفاته السيمفونية، في مقابل بيتهوفن الذي كان يكتب سيمفونياته بشكل مضنٍ ويراجعها كثيرا إلى أن يحصل على المزاج المطلوب لكلّ لحظة.
ويقال أن عبقرية موزارت اللحنية تكمن في ذكائه. كان مثلا يؤلّف موسيقاه في ذهنه ويرتّبها قبل أن يجلس ليدوّنها على الورق.
عندما تسمع موزارت تتخيّل أن الأنغام تتدفّق من أعلى لأسفل ثم إلى قلمه فالورق. وعندما تسمع بيتهوفن تشعر بجهده الجسديّ والذهنيّ الضخم مرتفعا من أسفل لأعلى، وهذا ينطبق حتى على موسيقاه التي ألّفها للغرفة.
الشيء الجيّد في موزارت هو أن موسيقاه تستحقّ أن تُسمع لا أن تُوصف. وهي لا تشبه الأشياء التي تبلى مع مرور الزمن. إنها تتجدّد مع كلّ أداء، وهي ممتعة دائما، كما أن مستوى نوعيّتها غير عاديّ.
ومع ذلك هناك من يأخذ على موزارت كثرة التكرار في موسيقاه. قال ناقد ذات مرّة: إختر أيّ قطعة لموزارت لا تتجاوز مدّتها الخمس دقائق. لو سمعتها من عازفين مهرة فستدرك أن التجربة ممتعة بصرف النظر عن خلفيّتك أو مكانك. لكن لو استمعت إليها لمدّة أطول فستشعر بالملل بعد أن تلاحظ التكرار فيها، ومن ثمّ ستفقد اهتمامك.
بيتهوفن كان جسرا بين الكلاسيكيّة والرومانسيّة. وقد اعتاد الناس على أن ينظروا إليه كإنسان معذّب ومناضل يضع روحه ومشاعره على الورق.
ذات مرّة فقد شخص ابنه في حادث وقال انه استطاع تجاوز الألم والحزن بفضل موسيقى موزارت. وعلّق احد الحضور بقوله: تخيّل لو انك كنت تستمع إلى بيتهوفن في مثل هذا الظرف، ما الذي كان يمكن أن يحدث لك؟ وأضاف: موسيقى بيتهوفن لا تورّث سوى اليأس والمشاعر المظلمة، وربّما تدفعك لأن تقتل نفسك.
وطبعا هذا رأي، لكن لا يُعتدّ به كثيرا لأن بيتهوفن كتب الكثير من الموسيقى الهادئة والجميلة والمتأمّلة .
وموزارت وبيتهوفن، كلاهما، ما يزالان مهمّين بسبب المشاعر التي تعبّر عنها موسيقاهما، فهي تتحدّث إلى الناس مباشرة، وتعبّر عن طيف واسع ومتنوّع من العواطف الإنسانية بطريقة مبدعة.
- ربّما لو عاش باخ وسمع موزارت لأدرك مدى تأثّر الأخير بموسيقى ابنه يوهان كريستيان باخ الذي كان موزارت يعرفه شخصيّا. وبلا شكّ كان باخ سيقدّر موهبة موزارت وأناقة وجمال أنغامه. ولو عاش أطول لأثّر في موسيقى موزارت بشكل أو بآخر.
عندما كان موزارت حيّا، كان متأثّرا كثيرا بموسيقى يوهان كريستيان . وكان أسلوب باخ الابن مختلفا عن أسلوب والده، لأن الأب توفّي عندما كان عمر كريستيان خمسة عشر عاما. ولهذا أصبح الابن متحرّرا من نفوذ والده أكثر من إخوته الآخرين الأكبر سنّا.
- قال احد أساتذة الموسيقى: لو قُيّض لموزارت أن يعيش عشر سنوات أخرى لما كانت هناك حاجة لبيتهوفن. وطبعا هذا الكلام مبالغ فيه أيضا وبعيد عن الواقع.
- أحد الأسباب المهمّة هو انه كان في زمن موزارت قواعد محدّدة وراسخة لكتابة الموسيقى. وكان موزارت يحترم تلك القواعد رغم انه أحيانا كان يغيّر ويعدّل فيها.
ولو اخترنا مقطوعة من موسيقى القرن العشرين وأعطيناها إلى موزارت ليسمعها في زمانه فسيندهش كثيرا، لأنها لا تتّبع القواعد الموسيقية التي كانت سائدة في عصره والتي كانت تساعد المؤلّفين على كتابة الموسيقى بوتيرة سريعة.
أيضا من أسباب غزارة إنتاج موزارت انه تعلّم مهارات التأليف في سنّ مبكرة، رغم انه لم يبلور أسلوبه الشخصيّ إلا خلال العشرية الثانية من عمره. وفي ذلك الوقت لم يكن هناك مُلهيات تصرفه عن التأليف الموسيقيّ كألعاب الفيديو والكمبيوتر وخلافه.
وفي زمن موزارت لم يكن هناك أساليب موسيقية كثيرة كما هو الحال هذه الأيّام. ولهذا السبب كان من السهل عليه التركيز على أسلوب موسيقيّ واحد.
كانت موسيقاه غزيرة جدّا رغم قصر عمره، كما أن نوعيّتها مذهلة . وكانت تجمع بين صفاء المفهوم وجمال التنفيذ بحيث لم يكن بمقدور احد من معاصريه أن ينافسه. وخلافا لما تزعمه هوليوود، لم تكن الموسيقى تأتي من رأسه مباشرة ودون جهد، بل كان يضع اسكتشات ويصحّح أعماله ويهتمّ بالتوليف كثيرا.
ثم لا ينبغي أن ننسى أن موزارت، وعلى العكس من معظم مجايليه، تدرّب منذ سنّ مبكّرة جدّا كي تكون الموسيقى مهنته الأولى والوحيدة.
من سمات موسيقى موزارت أيضا أن لا شيء فيها فائض أو زائد عن الحاجة. بمعنى انه كان يستخدم العدد الصحيح من النوتات والذي يحقّق اكبر تأثير. كان يجلس إلى مكتبه ويفكّر في أيّ النوتات يمكن الاستغناء عنها، في حين أن غالبية الموسيقيين يركّزون على النوتات التي يمكنهم إضافتها.
وموسيقى موزارت، وأكثر من أيّ مؤلّف موسيقيّ آخر، مؤثّرة بعمق في الثقافة المعاصرة. إذ لا يمكن تخيّل عدد المرّات التي عُزفت فيها أعماله في عروض الأزياء وفي الأفلام والإعلانات.
- اغلب الظن أنهم لن ينظروا إليها بارتياح لأن آذانهم لم تألفها، وقد يجدون في نشازها الهارموني وفي القواعد المكسورة والإيقاعات المتكرّرة والأصوات الالكترونية أشياء لا تنتمي إلى عالمهم. لكن قد يُظهِرون بعض الاهتمام ببعض نماذج موسيقى البوب والجاز التي ظهرت قبل ثلاثين أو أربعين عاما.
باخ الذي كتب بعض أفضل موسيقى عصر الباروك ، كان ينظر بازدراء للأساليب الموسيقية المبسّطة التي كانت رائجة في زمانه. وقد اخبر احد أولاده مرّة بأنها موضة عابرة ولن تدوم طويلا.
وموزارت أيضا كان دائم الانتقاد لبعض معاصريه من الموسيقيين، وكان يعتبر هايدن فقط مكافئا له. وعندما سمع بعض موسيقى باخ قال: أخيرا هذا شخص يمكنني أن أتعلّم منه".
- أوّلا لنتذكّر أن معظم الكلاسيكيين، بمن فيهم باخ وبيتهوفن وموزارت، لم يُعترف بهم أثناء حياتهم كمعلّمين عظام، ولم يعرفهم الناس إلا بعد موتهم بزمن طويل.
وربّما بعد مائتي عام من الآن سيعرف الناس أعمال بعض الموسيقيين المعاصرين بعد أن تكون موسيقاهم قد صمدت أمام امتحان الزمن.
ثم انه في أيّام موزارت، كانت معظم الموسيقى تُكتب كي تكون خلفية لحدث أو حفل. فالملوك والنبلاء الذين يدعون الناس للمآدب كانوا بحاجة لموسيقى ترافق الطعام. وباستثناء الأوبرا التي كانت الشكل الموسيقيّ المفضّل عند موزارت، كانت الموسيقى تعامَل مثل ورق الحيطان.
وهذه الأيّام لا يكاد الناس يسمعون في قاعات الموسيقى أيّا من أعمال كوبلاند أو إلغار أو اينسكو أو فوريه أو غيرشوين أو غيرهم من الموسيقيين المعاصرين. وعادة إذا كانت قاعات الموسيقى الكبيرة تريد أن تبيع تذاكر كثيرة، فإنها تركّز على موسيقى موزارت أو باخ مثلا. وإذا كان احد لا يسمع شيئا من موسيقى هذه الأيّام ذات النفَس الكلاسيكيّ، فقد يكون السبب أن معظم ما يُكتب غير مبهج ولا يلفت انتباه احد.
لكن الأكيد أن الفنّ يتغيّر باستمرار وكذلك أذواق الجمهور. ويبدو انه لم يعد هناك من يكتب للأوبرا، بل أصبح الموسيقيون هذه الأيّام يركّزون على تأليف موسيقى للأفلام. ومعظم موسيقى الأفلام اليوم رديئة، والقليل منها يستحقّ السماع مثل موسيقى جون وليامز وغابرييل ياريد وألان سيلفستري وجون باري وجيمس هورنر وغيرهم.
Credits
classicalarchives.com
classicalarchives.com