عندما تنظر إلى هذه اللوحة، لن تحتاج لكثير وقت كي تستنتج انك أمام شخصية ملوكية مهمّة. ملامح الوجه ونظرات العينين تنبئ عن فطنة ومهابة. ولباس الحرير المرصّع بالذهب والفضّة والمجوهرات الباذخة يكشف عن ثراء وترف.
المفارقة أن كلّ هذا المجد والهيلمان سيتلاشى بعد ثمان سنوات فقط من تاريخ رسم هذه الصورة، وسيصبح هذا الرجل واحدا من أكثر الشخصيات مأساوية في التاريخ. ومع انتهاء فترة حكمه، ستتحوّل أمجاد الإمبراطورية المغولية في الهند إلى مجرّد ذكرى غابرة.
الفنّان الذي رسم هذه اللوحة للسُّلطان بهادور شاه ظفر، آخر سلاطين الهند المغولية، اسمه اوغست شوافت المولود في المجر في عام 1809 لأبوين ألمانيين.
كان شوافت شخصا محبّا للأسفار والمغامرة. ومثل الكثير من الرسّامين الاستشراقيين في زمانه، قرّر أن يتخلّى عن حياته الهادئة في بودابست ويبدأ مغامرة كبرى ستأخذه إلى تركيا ومصر وبلاد فارس والعراق وسوريا.
في عام 1838، وصل شوافت إلى الهند وذهب إلى لاهور التي كانت آنذاك عاصمة لمملكة السيخ ويحكمها المهراجات.
وهناك تعرّف إلى عدد من رجالات البلاط الذين قرّبوه منهم بعد أن عرفوا عمله ثم كلّفوه برسم بورتريهات للمهراجات وعائلاتهم.
وعند عودته إلى دلهي، توقّف في امريتسار وزار المعبد الذهبيّ المشهور فيها كي يرسمه. لكن حرّاس المعبد الأشدّاء أوشكوا على أن يفتكوا به بعد أن ظنّوا انه ينوي تدنيس معبدهم.
وعندما وصل اوغست إلى دلهي، كُلّف برسم هذا البورتريه للسّلطان ظفر. كان ظفر نسيج وحده بين الحكّام، إذ لم يسبق له أن قاد جيشا ولم يشارك في معركة. لكنه أصبح، على غير رغبة منه ربّما، زعيما رمزيّا لثورة وحّدت المسلمين والهندوس معا لأوّل مرّة ضدّ الاستعمار البريطانيّ.
ولأكثر من مائة عام بعد وفاته، ظلّ ظفر منسيّا تماما تقريبا. لكن العثور على قبره بالصدفة عام 1991 ساعد على إعادة اكتشاف تراث رجل كان يُنظر إليه باحترام كمتصوّف مسلم وكأحد أفضل شعراء اللغة الأوردية.
عندما لفظ السّلطان بهادور ظفر أنفاسه الأخيرة في بيت خشبيّ رثّ في رانغون عاصمة بورما عام 1862، لم يكن هناك حوله سوى نفر قليل من أقاربه. وقد دفنه الانجليز في قبر بلا علامات في مجمّع قريب من معبد شويداغون البوذيّ المشهور.
وكان ظفر قبل وفاته قد أصبح شخصا مهزوما ومحبطا، وكانت تلك نهاية مؤلمة لرجل كان أسلافه من المغول قد حكموا، طوال ثلاثمائة عام، منطقة واسعة كانت تضمّ أراضي الهند وباكستان وأجزاءً كبيرة من أفغانستان وبنغلاديش.
ورغم انه لا يمكن مقارنته بأسلافه العِظام مثل اكبر وأورانغ زيب، إلا أن ظفر أصبح الرمز الذي اجتمعت حوله الانتفاضة الهندية الفاشلة عام 1857، عندما ثار جنود من الهند المقسّمة ضدّ شركة الهند الشرقية البريطانية. وبعد أن خسر المنتفضون معركتهم، حوكم السّلطان ظفر بتهمة الخيانة العظمى ثم نفاه الانجليز إلى بورما أو ما تُسمّى اليوم بميانمار.
المفارقة أن كلّ هذا المجد والهيلمان سيتلاشى بعد ثمان سنوات فقط من تاريخ رسم هذه الصورة، وسيصبح هذا الرجل واحدا من أكثر الشخصيات مأساوية في التاريخ. ومع انتهاء فترة حكمه، ستتحوّل أمجاد الإمبراطورية المغولية في الهند إلى مجرّد ذكرى غابرة.
الفنّان الذي رسم هذه اللوحة للسُّلطان بهادور شاه ظفر، آخر سلاطين الهند المغولية، اسمه اوغست شوافت المولود في المجر في عام 1809 لأبوين ألمانيين.
كان شوافت شخصا محبّا للأسفار والمغامرة. ومثل الكثير من الرسّامين الاستشراقيين في زمانه، قرّر أن يتخلّى عن حياته الهادئة في بودابست ويبدأ مغامرة كبرى ستأخذه إلى تركيا ومصر وبلاد فارس والعراق وسوريا.
في عام 1838، وصل شوافت إلى الهند وذهب إلى لاهور التي كانت آنذاك عاصمة لمملكة السيخ ويحكمها المهراجات.
وهناك تعرّف إلى عدد من رجالات البلاط الذين قرّبوه منهم بعد أن عرفوا عمله ثم كلّفوه برسم بورتريهات للمهراجات وعائلاتهم.
وعند عودته إلى دلهي، توقّف في امريتسار وزار المعبد الذهبيّ المشهور فيها كي يرسمه. لكن حرّاس المعبد الأشدّاء أوشكوا على أن يفتكوا به بعد أن ظنّوا انه ينوي تدنيس معبدهم.
وعندما وصل اوغست إلى دلهي، كُلّف برسم هذا البورتريه للسّلطان ظفر. كان ظفر نسيج وحده بين الحكّام، إذ لم يسبق له أن قاد جيشا ولم يشارك في معركة. لكنه أصبح، على غير رغبة منه ربّما، زعيما رمزيّا لثورة وحّدت المسلمين والهندوس معا لأوّل مرّة ضدّ الاستعمار البريطانيّ.
ولأكثر من مائة عام بعد وفاته، ظلّ ظفر منسيّا تماما تقريبا. لكن العثور على قبره بالصدفة عام 1991 ساعد على إعادة اكتشاف تراث رجل كان يُنظر إليه باحترام كمتصوّف مسلم وكأحد أفضل شعراء اللغة الأوردية.
عندما لفظ السّلطان بهادور ظفر أنفاسه الأخيرة في بيت خشبيّ رثّ في رانغون عاصمة بورما عام 1862، لم يكن هناك حوله سوى نفر قليل من أقاربه. وقد دفنه الانجليز في قبر بلا علامات في مجمّع قريب من معبد شويداغون البوذيّ المشهور.
وكان ظفر قبل وفاته قد أصبح شخصا مهزوما ومحبطا، وكانت تلك نهاية مؤلمة لرجل كان أسلافه من المغول قد حكموا، طوال ثلاثمائة عام، منطقة واسعة كانت تضمّ أراضي الهند وباكستان وأجزاءً كبيرة من أفغانستان وبنغلاديش.
ورغم انه لا يمكن مقارنته بأسلافه العِظام مثل اكبر وأورانغ زيب، إلا أن ظفر أصبح الرمز الذي اجتمعت حوله الانتفاضة الهندية الفاشلة عام 1857، عندما ثار جنود من الهند المقسّمة ضدّ شركة الهند الشرقية البريطانية. وبعد أن خسر المنتفضون معركتهم، حوكم السّلطان ظفر بتهمة الخيانة العظمى ثم نفاه الانجليز إلى بورما أو ما تُسمّى اليوم بميانمار.
وقد توفّي السّلطان هناك وحيدا وبعيدا عن المدينة التي أحبّها عن عمر ناهز السابعة والثمانين. لكنْ بقيت أشعاره التي كان يكتبها باسم مستعار هو "ظفر" الذي يعني "انتصار". وكان معاصرا لعدد من شعراء الهند الكبار مثل ميرزا غالب ومؤمن خان وغيرهما.
كانت إمبراطورية المغول العظيمة قد فقدت معظم أراضيها ونفوذها في نهاية عام 1700. ومثل سلاطين المغول الآخرين، يقال أن ظفر متحدّر من نسل حكّام المغول الكبار من أمثال جنكيز خان وتيمورلنك.
وعندما أتى إلى العرش عام 1737، كانت سلطته لا تتعدّى حدود دلهي وضواحيها. لكن بالنسبة لرعيّته فقد ظلّ دائما هو "البادشاه" أو الملك.
أثناء الانتفاضة، اتُّهِم الطرفان بارتكاب عمليات قتل بلا تمييز، وقام الثوّار بقتل نساء وأطفال من الانجليز، بينما نفّذ الانجليز عمليات إعدام جماعية لآلاف الثوّار مع أنصارهم.
وقد انتهت الانتفاضة رسميّا في يوليو من عام 1858. وفي نفس تلك السنة، تمّ إلغاء شركة الهند الشرقية وأصبحت الهند تُدار مباشرةً من قبل الحكومة البريطانية.
عندما توفّي ظفر، عمد الانجليز إلى دفنه في قبر مجهول لكي يبعدوا عنه أتباعه. وقد استغرق وصول خبر وفاته إلى الهند أسبوعين، ومرّ الخبر دون أن يلاحظه احد تقريبا. ولأكثر من قرن كامل، تلاشت صورة هذا الرجل من الذاكرة تماما.
لكن في العقود الأخيرة، تجدّد الاهتمام به وبإرثه. وبحسب المؤرّخ الانجليزيّ وليام دالريمبل مؤلّف كتاب "المغوليّ الأخير"، كان ظفر خطّاطا وشاعرا بارزا ومعلّما روحانيّا، وكان يقدّر عاليا قيمة التعايش بين أتباع الأديان المختلفة.
ورغم انه لم يكن زعيما ثوريّا أو "بطلا" بالمعنى التقليديّ، إلا انه ظلّ رمزا جذّابا للحضارة الإسلامية في ذروة تسامحها وانفتاحها. والبعض يعزو انفتاحه وتسامحه إلى حقيقة أن والده كان مسلما، بينما كانت أمّه أميرة هندوسية من ولاية راجبوت.
ضريح السّلطان ظفر الكائن في شارع هادئ في رانغون هو تذكير صامت ومزعج بنفس الوقت بواحدة من أكثر الفترات اضطرابا في تاريخ الهند. والضريح متواضع البناء، والطابق الأرضيّ منه يُؤوي رفات زوجته "زينات محلّ" وابنته الكبرى "رونق زماني". وقد أصبح الضريح مزارا لسكّان رانغون من المسلمين الذين يعتبرون ظفر من الأولياء ويأتون إلى قبره للتأمّل والصلاة.
والناس اليوم يتذكّرون السّلطان بسبب كتاباته الشعرية. وكثيرا ما تُحوّل غزليّاته عن الحبّ والحياة إلى أغانٍ، أو تُتلى على الملأ في المناسبات الاجتماعية والأدبية.
ربّما يكون السلطان بهادور شاه ظفر قد فقد حكمه وحكم عائلته. لكنه نجح في كسب عقول وقلوب الكثيرين بتسامحه الذي ما يزال ذا صلة بعالم اليوم الذي يعاني من شرور القوميات والأصوليات المتطرّفة.
كانت إمبراطورية المغول العظيمة قد فقدت معظم أراضيها ونفوذها في نهاية عام 1700. ومثل سلاطين المغول الآخرين، يقال أن ظفر متحدّر من نسل حكّام المغول الكبار من أمثال جنكيز خان وتيمورلنك.
وعندما أتى إلى العرش عام 1737، كانت سلطته لا تتعدّى حدود دلهي وضواحيها. لكن بالنسبة لرعيّته فقد ظلّ دائما هو "البادشاه" أو الملك.
أثناء الانتفاضة، اتُّهِم الطرفان بارتكاب عمليات قتل بلا تمييز، وقام الثوّار بقتل نساء وأطفال من الانجليز، بينما نفّذ الانجليز عمليات إعدام جماعية لآلاف الثوّار مع أنصارهم.
وقد انتهت الانتفاضة رسميّا في يوليو من عام 1858. وفي نفس تلك السنة، تمّ إلغاء شركة الهند الشرقية وأصبحت الهند تُدار مباشرةً من قبل الحكومة البريطانية.
عندما توفّي ظفر، عمد الانجليز إلى دفنه في قبر مجهول لكي يبعدوا عنه أتباعه. وقد استغرق وصول خبر وفاته إلى الهند أسبوعين، ومرّ الخبر دون أن يلاحظه احد تقريبا. ولأكثر من قرن كامل، تلاشت صورة هذا الرجل من الذاكرة تماما.
لكن في العقود الأخيرة، تجدّد الاهتمام به وبإرثه. وبحسب المؤرّخ الانجليزيّ وليام دالريمبل مؤلّف كتاب "المغوليّ الأخير"، كان ظفر خطّاطا وشاعرا بارزا ومعلّما روحانيّا، وكان يقدّر عاليا قيمة التعايش بين أتباع الأديان المختلفة.
ورغم انه لم يكن زعيما ثوريّا أو "بطلا" بالمعنى التقليديّ، إلا انه ظلّ رمزا جذّابا للحضارة الإسلامية في ذروة تسامحها وانفتاحها. والبعض يعزو انفتاحه وتسامحه إلى حقيقة أن والده كان مسلما، بينما كانت أمّه أميرة هندوسية من ولاية راجبوت.
ضريح السّلطان ظفر الكائن في شارع هادئ في رانغون هو تذكير صامت ومزعج بنفس الوقت بواحدة من أكثر الفترات اضطرابا في تاريخ الهند. والضريح متواضع البناء، والطابق الأرضيّ منه يُؤوي رفات زوجته "زينات محلّ" وابنته الكبرى "رونق زماني". وقد أصبح الضريح مزارا لسكّان رانغون من المسلمين الذين يعتبرون ظفر من الأولياء ويأتون إلى قبره للتأمّل والصلاة.
والناس اليوم يتذكّرون السّلطان بسبب كتاباته الشعرية. وكثيرا ما تُحوّل غزليّاته عن الحبّ والحياة إلى أغانٍ، أو تُتلى على الملأ في المناسبات الاجتماعية والأدبية.
ربّما يكون السلطان بهادور شاه ظفر قد فقد حكمه وحكم عائلته. لكنه نجح في كسب عقول وقلوب الكثيرين بتسامحه الذي ما يزال ذا صلة بعالم اليوم الذي يعاني من شرور القوميات والأصوليات المتطرّفة.
Credits
ancient-origins.net
ancient-origins.net