تُعرّف عقلية القطيع على أنها ميل الأغلبية لأن يَتْبعوا، دون تفكير أو تساؤل أو مقاومة، رأي مجموعة صغيرة من الناس.
والدراسات العلمية التي تناولت هذه الظاهرة تشير إلى أن الانقياد للحشد أو الجماعة هو سمة إنسانية غريزية.
وطوال تاريخ الإنسان، كانت هناك مؤسّسات وأعراف راسخة تغذّي هذه العقلية وتكرّسها. تأمّل، مثلا، كيف أن شعوبا بأكملها انقادت لزعماء غامضين لسبب ما، جيّدا كان أم سيّئا. هتلر، مثلا، لم يكن محبوبا من جميع الألمان ولم يكن الألمان كلّهم أعضاءً في حزبه النازيّ. لكنه استطاع التأثير في أغلبيّتهم الذين تبعوه عندما حاول إخضاع أوربّا وخاض من اجل ذلك حروبا كارثية تسبّبت في موت عشرات الملايين من البشر ودمّرت أوطانا بأكملها.
في الجيوش يُعلَّم الجند أن يكونوا منصاعين ومتماثلين، يلبسون نفس اللباس ويتّخذون نفس المظهر وحتى نفس طريقة المشي. كما أن على كلّ جنديّ أن يفعل ما يُطلب منه بشكل أعمى وألا يشكّك في رأي قادته. ولهذا السبب يوصف الجنود بالأبطال ويُعطََون البنادق والرصاص ويُشجَّعون على أن يقتلوا الآخرين.
في الحرب العالمية الثانية، سُئل بعض الجنود عن أسباب إيغالهم في القتل، فقالوا إنهم تصرّفوا على ذلك النحو وهم لا يتصوّرون أبدا أنهم يمكن أن يمارسوا ذلك المستوى من التوحّش والساديّة في الظروف العاديّة.
والحقيقة انه لا توجد نظريات علمية مؤكّدة تشرح لماذا يتصرّف البشر بأساليب تتناقض مع أخلاقياتهم ومعتقداتهم الأساسية. لكن هناك رأيا رائجا يقول إن الأفراد عندما يكونون جزءا من جماعة، فإنهم يمكن أن يتجرّدوا من سِماتهم الفردية ويفقدوا وعيهم بذواتهم الخاصّة، فيسيطر عليهم الحماس الانفعاليّ ويتورّطون في سلوكيات لا يمكن أن يفعلوها لو كانوا بمفردهم.
هل هذا يعني أن البشر محكومون بأن يتصرّفوا كالسفّاحين أو كالحيوانات المتوحّشة والعنيفة؟
ألا يستطيع الإنسان أن يفكّر لنفسه ولا يتبع الحشد أو الجماعة أو القطيع؟ الجواب: نعم يستطيع. وإدراك هذا الأمر كافٍ لوحده بأن يُحدِث التغيير المطلوب. لكن المشكلة أنك عندما ترفض الانصياع أو التماثل فإن دماغك سينبّهك إلى أن هذا خطأ، بل ويستحثّك على أن تُعدّل هذا سريعا.
كيف؟
بعض العلماء الذين تناولوا هذه الجزئية بالدراسة يعزونها إلى ما يُسمّى بدماغ الزواحف، أي ذلك الجزء من دماغ الإنسان الذي يختزن غرائزنا البرّيّة والذي ورثناه عن أسلافنا البدائيين وتطوّر منذ ملايين السنين، أي منذ كان انسجام الإنسان مع قبيلته مسألة حياة أو موت. وهذا الجزء مسئول عن أنماط السلوك الغريزيّ الذي يضمن للفرد البقاء وحفظ النفس ودوافع الإعجاب والحبّ والاهتمام والتصرّفات الاجتماعية المرغوبة ومواجهة التهديدات والأوضاع الخطيرة.
عقلية القطيع تتخلّل العديد من مناحي الحياة المعاصرة. خذ مثلا الموضة. عندما نتذكّر الآن ماذا كان الناس يلبسون وكيف كانوا يبدون قبل ثلاثين عاما مثلا، فإننا نسخر من ذلك. لكن الموضة هذه الأيّام ليست بأفضل حالا، ولا يمكن لأحد أن يقرّر ما هو جذّاب اليوم من عدمه. هل أشكال اللباس وقصّات الشعر التي نراها هذه الأيّام جذّابة حقّا؟ ومع ذلك هناك اليوم الملايين من الناس الذين يرتدون ملابس وهيئات غريبة ويوصفون بأنهم عصريّون، فقط لأنهم يتبعون رغبات الآخرين.
ذات زمن في الصين، كانت النساء ينتعلن أحذية ضيّقة من اجل تصغير أقدامهنّ، ويعانين كثيرا جرّاء ذلك. وبعضهنّ كنّ يُصَبنَ بالشّلل بقيّة حياتهنّ، لا لسبب وإنّما لأن مثل تلك الممارسات كانت تُعتبَر من ضروريات الجمال. لكن هل أفكارنا اليوم عن الجمال اقلّ غرابةً؟
النساء اللاتي يظهرن في الإعلام هذه الأيّام وهنّ على وشك الموت جوعا لأنهنّ يحلمن بالنحافة، والأثداء الضخمة المحشوّة بالسالاين، والشفاه المكتنزة بالكولاجين، هل هي أكثر جمالا من أقدام الصينيات المشوّهة؟!
هذه السلوكيات القاسية من تشويه وتجويع للأجساد بحثا عن معايير الجمال الغريبة، وأحيانا الشاذّة، دافعها هو عقلية القطيع ورغبة الناس وحاجتهم لأن يكونوا مقبولين اجتماعيّا.
ويشبه هذا موقف بعض الناس الذين يسارعون لشراء أسهم شركة ما لمجرّد أن شخصا ما قال لهم إنهم سيكسبون، أو لأن بعضا ممّن حولهم فعلوا ذلك، متجاهلين مشاعرهم وتقييمهم الخاصّ للأمور.
ذات مرّة، ظهر على التلفزيون قطيع كبير من الخراف وهي تتقافز واحدا تلو الآخر من أعلى جرف شاهق لتستقرّ في البحر تحتها. ولم ينجُ منها سوى اثنين، ليس لأنهما كانا ذكيّين، وإنما لأن الراعي انتبه متأخّرا للكارثة وأمسك بهما وهما مندفعان بسرعة باتّجاه حافّة الهاوية.
إن الإنسان الحكيم لا يطمح لأن يكون خروفا، فالخراف ليست ذكيّة، وهي تفعل فقط ما يفعله أقرانها في القطيع.
صحيح أن الإنسان كائن اجتماعيّ ويحبّ أن يُقدَّر وأن يقبله المجتمع، لكن لا يجب أن يكون ثمن توافقنا مع الآخرين التضحية بحاجاتنا ورغباتنا وآرائنا الشخصية والمشي مع التيّار في كلّ حين. وليس دليل صحّة، كما يقول كريشنامورتي، أن ترى نفسك متكيّفا مع جماعة معتلّة أو غير سويّة.
في المرّة القادمة، عندما تتفرّج على مباراة لا تعتبرها جديرة أو مشوّقة، بينما الناس من حولك يتقافزون ويصفّقون بحماس، فاركد والزم مكانك واحتفظ بهدوئك حتى وإن حدّق فيك بعضهم بعيون متسائلة ومستنكرة. وتذكّر دائما أن القطيع يحتاج دائما إلى راعٍ. وإذا كان ولا بدّ، فحاول أن تكون أنت الراعي لا الخروف.
وطوال تاريخ الإنسان، كانت هناك مؤسّسات وأعراف راسخة تغذّي هذه العقلية وتكرّسها. تأمّل، مثلا، كيف أن شعوبا بأكملها انقادت لزعماء غامضين لسبب ما، جيّدا كان أم سيّئا. هتلر، مثلا، لم يكن محبوبا من جميع الألمان ولم يكن الألمان كلّهم أعضاءً في حزبه النازيّ. لكنه استطاع التأثير في أغلبيّتهم الذين تبعوه عندما حاول إخضاع أوربّا وخاض من اجل ذلك حروبا كارثية تسبّبت في موت عشرات الملايين من البشر ودمّرت أوطانا بأكملها.
في الجيوش يُعلَّم الجند أن يكونوا منصاعين ومتماثلين، يلبسون نفس اللباس ويتّخذون نفس المظهر وحتى نفس طريقة المشي. كما أن على كلّ جنديّ أن يفعل ما يُطلب منه بشكل أعمى وألا يشكّك في رأي قادته. ولهذا السبب يوصف الجنود بالأبطال ويُعطََون البنادق والرصاص ويُشجَّعون على أن يقتلوا الآخرين.
في الحرب العالمية الثانية، سُئل بعض الجنود عن أسباب إيغالهم في القتل، فقالوا إنهم تصرّفوا على ذلك النحو وهم لا يتصوّرون أبدا أنهم يمكن أن يمارسوا ذلك المستوى من التوحّش والساديّة في الظروف العاديّة.
والحقيقة انه لا توجد نظريات علمية مؤكّدة تشرح لماذا يتصرّف البشر بأساليب تتناقض مع أخلاقياتهم ومعتقداتهم الأساسية. لكن هناك رأيا رائجا يقول إن الأفراد عندما يكونون جزءا من جماعة، فإنهم يمكن أن يتجرّدوا من سِماتهم الفردية ويفقدوا وعيهم بذواتهم الخاصّة، فيسيطر عليهم الحماس الانفعاليّ ويتورّطون في سلوكيات لا يمكن أن يفعلوها لو كانوا بمفردهم.
هل هذا يعني أن البشر محكومون بأن يتصرّفوا كالسفّاحين أو كالحيوانات المتوحّشة والعنيفة؟
ألا يستطيع الإنسان أن يفكّر لنفسه ولا يتبع الحشد أو الجماعة أو القطيع؟ الجواب: نعم يستطيع. وإدراك هذا الأمر كافٍ لوحده بأن يُحدِث التغيير المطلوب. لكن المشكلة أنك عندما ترفض الانصياع أو التماثل فإن دماغك سينبّهك إلى أن هذا خطأ، بل ويستحثّك على أن تُعدّل هذا سريعا.
كيف؟
بعض العلماء الذين تناولوا هذه الجزئية بالدراسة يعزونها إلى ما يُسمّى بدماغ الزواحف، أي ذلك الجزء من دماغ الإنسان الذي يختزن غرائزنا البرّيّة والذي ورثناه عن أسلافنا البدائيين وتطوّر منذ ملايين السنين، أي منذ كان انسجام الإنسان مع قبيلته مسألة حياة أو موت. وهذا الجزء مسئول عن أنماط السلوك الغريزيّ الذي يضمن للفرد البقاء وحفظ النفس ودوافع الإعجاب والحبّ والاهتمام والتصرّفات الاجتماعية المرغوبة ومواجهة التهديدات والأوضاع الخطيرة.
عقلية القطيع تتخلّل العديد من مناحي الحياة المعاصرة. خذ مثلا الموضة. عندما نتذكّر الآن ماذا كان الناس يلبسون وكيف كانوا يبدون قبل ثلاثين عاما مثلا، فإننا نسخر من ذلك. لكن الموضة هذه الأيّام ليست بأفضل حالا، ولا يمكن لأحد أن يقرّر ما هو جذّاب اليوم من عدمه. هل أشكال اللباس وقصّات الشعر التي نراها هذه الأيّام جذّابة حقّا؟ ومع ذلك هناك اليوم الملايين من الناس الذين يرتدون ملابس وهيئات غريبة ويوصفون بأنهم عصريّون، فقط لأنهم يتبعون رغبات الآخرين.
ذات زمن في الصين، كانت النساء ينتعلن أحذية ضيّقة من اجل تصغير أقدامهنّ، ويعانين كثيرا جرّاء ذلك. وبعضهنّ كنّ يُصَبنَ بالشّلل بقيّة حياتهنّ، لا لسبب وإنّما لأن مثل تلك الممارسات كانت تُعتبَر من ضروريات الجمال. لكن هل أفكارنا اليوم عن الجمال اقلّ غرابةً؟
النساء اللاتي يظهرن في الإعلام هذه الأيّام وهنّ على وشك الموت جوعا لأنهنّ يحلمن بالنحافة، والأثداء الضخمة المحشوّة بالسالاين، والشفاه المكتنزة بالكولاجين، هل هي أكثر جمالا من أقدام الصينيات المشوّهة؟!
هذه السلوكيات القاسية من تشويه وتجويع للأجساد بحثا عن معايير الجمال الغريبة، وأحيانا الشاذّة، دافعها هو عقلية القطيع ورغبة الناس وحاجتهم لأن يكونوا مقبولين اجتماعيّا.
ويشبه هذا موقف بعض الناس الذين يسارعون لشراء أسهم شركة ما لمجرّد أن شخصا ما قال لهم إنهم سيكسبون، أو لأن بعضا ممّن حولهم فعلوا ذلك، متجاهلين مشاعرهم وتقييمهم الخاصّ للأمور.
ذات مرّة، ظهر على التلفزيون قطيع كبير من الخراف وهي تتقافز واحدا تلو الآخر من أعلى جرف شاهق لتستقرّ في البحر تحتها. ولم ينجُ منها سوى اثنين، ليس لأنهما كانا ذكيّين، وإنما لأن الراعي انتبه متأخّرا للكارثة وأمسك بهما وهما مندفعان بسرعة باتّجاه حافّة الهاوية.
إن الإنسان الحكيم لا يطمح لأن يكون خروفا، فالخراف ليست ذكيّة، وهي تفعل فقط ما يفعله أقرانها في القطيع.
صحيح أن الإنسان كائن اجتماعيّ ويحبّ أن يُقدَّر وأن يقبله المجتمع، لكن لا يجب أن يكون ثمن توافقنا مع الآخرين التضحية بحاجاتنا ورغباتنا وآرائنا الشخصية والمشي مع التيّار في كلّ حين. وليس دليل صحّة، كما يقول كريشنامورتي، أن ترى نفسك متكيّفا مع جماعة معتلّة أو غير سويّة.
في المرّة القادمة، عندما تتفرّج على مباراة لا تعتبرها جديرة أو مشوّقة، بينما الناس من حولك يتقافزون ويصفّقون بحماس، فاركد والزم مكانك واحتفظ بهدوئك حتى وإن حدّق فيك بعضهم بعيون متسائلة ومستنكرة. وتذكّر دائما أن القطيع يحتاج دائما إلى راعٍ. وإذا كان ولا بدّ، فحاول أن تكون أنت الراعي لا الخروف.
Credits
meaningfullife.com
meaningfullife.com