غادر الرسّام اوجين ديلاكروا فرنسا متوجّها إلى المغرب في يناير من عام 1832، أي بعد عامين من احتلال بلده للجزائر. كان قد أصبح فنّانا مشهورا بعد أن رسم "دانتي" و"موت ساردانابولوس" و"الحرّية تقود الشعب".
وقد سافر بمعيّة دبلوماسيّ يُدعى شارل دي مورناي الذي كان يرأس وفدا كلّفه الملك لوي فيليب بمقابلة سلطان المغرب مولاي عبدالرحمن الذي أدّى دعمه للمقاومة الجزائرية إلى تهديد استمرار التوسّع الفرنسيّ غرباً.
وأثناء توقّف ديلاكروا في الجزائر، استُجيب لرغبته في الدخول إلى جزء من بيت احد الأهالي، حيث تعيش النساء فيه في عزلة عن الرجال. وقد لاحظ الرسّام الحريم من مسافة عبر رواق يؤدّي إلى غرفتهن. وفي نهاية الغرفة رأى ثلاث نساء مع خادمتهن وهن يجلسن حول أرغيلة وفي جوّ يوحي بلحظات من الخصوصية.
في ذلك المكان، تشكّلت في ذهن ديلاكروا الملامح الأوليّة للوحته "نساء الجزائر" التي وصفها احد النقّاد في ما بعد بأنها انجازه الأكبر.
وهناك غموض يحيط بهويّة اثنتين من النساء، الأولى وتُدعى منى بنسلطان، وتظهر في أقصى يسار اللوحة متكئةً على أريكة وجالسةً في مواجهة الناظر. أما الثانية فتُدعى زهرة بنسلطان التي تجلس متربّعة في الوسط وهي تتحدّث بهدوء مع رفيقتها إلى اليمين.
قد تكون المرأتان شقيقتين أو ابنتي عمّ أو زوجتين لنفس الرجل. والاسمان العربيان ليسا دليلا كافيا على أنهما مسلمتان بالضرورة. كما أن لباسهما ليس ممّا ترتديه عادةً النساء اليهوديات في شمال أفريقيا.
النساء الثلاث يجلسن بين الظلّ والضوء، وأذرعهنّ وأقدامهنّ المشمّرة توحي بأن الوقت صيف. وهنّ يجلسن على سجّاد تركيّ الطراز مزيّن بموتيفات امازيغية، مع وسائد من مخمل. واللون الأرجوانيّ الغالب على اللوحة يخلق جوّا غامضا وحالماً.
الأشياء الظاهرة في الغرفة، كالباب الخشبيّ المذهّب والستارة والزخارف والنقوش على الجدار، كلّها عناصر تشي بالروابط الوثيقة بين الجزائر وموانئ الشرق في القرن التاسع عشر.
الاكسسوارات والأزياء والديكور والمجوهرات وطريقة الجلوس رُسمت أوليّا وبتفصيل كبير أثناء زيارة ديلاكروا للجزائر. وقد أضاف إليها ملحقات وموادّ أخرى عندما جلس ليرسم اللوحة في باريس.
المعروف أن الفنّان رسم نسختين من هذه اللوحة تفصل بينهما 15 عاما. لكن اللوحة فوق هي الأشهر. وقد اشتراها ملك فرنسا عام 1834 وقدّمها هديّة إلى متحف لوكسمبورغ. ثم انتقلت في ما بعد إلى متحف اللوفر حيث ظلّت فيه إلى اليوم.
الأسطورة الأوربّية عن فانتازيا الحريم تكرّست في القرن التاسع عشر بعد ترجمة انطوان غالان لكتاب "ألف ليلة وليلة" إلى الفرنسية عام 1717. ثم تعمّق المفهوم الأوربّي عن الشرق أكثر فأكثر من خلال صور ديلاكروا.
وقد كتب الرسّام في ما بعد إلى صديق له يقول: لم أرَ في حياتي اغرب مما رأيته في طنجة. فهذه المدينة هي حكاية خارجة من كتاب الليالي العربية. إنها مزيج مدهش من الأعراق والأزياء والألوان".
لوحة "نساء الجزائر" تُوازن بين الكلاسيكية والرومانسية. الإلهام الشرقيّ وثروة الألوان التعبيرية هي ملامح رومانسية. والنظام الإيقاعي للأشكال والشغف المحسوب هي ملامح كلاسيكية. الضوء والظلّ يلعبان هنا دورا مهمّا. والتلوين يخلق جوّا من الدفء قيل إن رسّاما لم يحقّقه من قبل باستثناء فيلاسكيز في لوحته "النسّاجات".
وعندما تنظر إلى اللوحة سيُخيُّل لك أن الوقت فيها متوقّف. وليس فيها أيّ حبكة أو فعل أو قصّة. إنها صورة نقيّة، لكنها ساحرة وجذّابة بما لا يُوصف.
وقد سافر بمعيّة دبلوماسيّ يُدعى شارل دي مورناي الذي كان يرأس وفدا كلّفه الملك لوي فيليب بمقابلة سلطان المغرب مولاي عبدالرحمن الذي أدّى دعمه للمقاومة الجزائرية إلى تهديد استمرار التوسّع الفرنسيّ غرباً.
وأثناء توقّف ديلاكروا في الجزائر، استُجيب لرغبته في الدخول إلى جزء من بيت احد الأهالي، حيث تعيش النساء فيه في عزلة عن الرجال. وقد لاحظ الرسّام الحريم من مسافة عبر رواق يؤدّي إلى غرفتهن. وفي نهاية الغرفة رأى ثلاث نساء مع خادمتهن وهن يجلسن حول أرغيلة وفي جوّ يوحي بلحظات من الخصوصية.
في ذلك المكان، تشكّلت في ذهن ديلاكروا الملامح الأوليّة للوحته "نساء الجزائر" التي وصفها احد النقّاد في ما بعد بأنها انجازه الأكبر.
وهناك غموض يحيط بهويّة اثنتين من النساء، الأولى وتُدعى منى بنسلطان، وتظهر في أقصى يسار اللوحة متكئةً على أريكة وجالسةً في مواجهة الناظر. أما الثانية فتُدعى زهرة بنسلطان التي تجلس متربّعة في الوسط وهي تتحدّث بهدوء مع رفيقتها إلى اليمين.
قد تكون المرأتان شقيقتين أو ابنتي عمّ أو زوجتين لنفس الرجل. والاسمان العربيان ليسا دليلا كافيا على أنهما مسلمتان بالضرورة. كما أن لباسهما ليس ممّا ترتديه عادةً النساء اليهوديات في شمال أفريقيا.
النساء الثلاث يجلسن بين الظلّ والضوء، وأذرعهنّ وأقدامهنّ المشمّرة توحي بأن الوقت صيف. وهنّ يجلسن على سجّاد تركيّ الطراز مزيّن بموتيفات امازيغية، مع وسائد من مخمل. واللون الأرجوانيّ الغالب على اللوحة يخلق جوّا غامضا وحالماً.
الأشياء الظاهرة في الغرفة، كالباب الخشبيّ المذهّب والستارة والزخارف والنقوش على الجدار، كلّها عناصر تشي بالروابط الوثيقة بين الجزائر وموانئ الشرق في القرن التاسع عشر.
الاكسسوارات والأزياء والديكور والمجوهرات وطريقة الجلوس رُسمت أوليّا وبتفصيل كبير أثناء زيارة ديلاكروا للجزائر. وقد أضاف إليها ملحقات وموادّ أخرى عندما جلس ليرسم اللوحة في باريس.
المعروف أن الفنّان رسم نسختين من هذه اللوحة تفصل بينهما 15 عاما. لكن اللوحة فوق هي الأشهر. وقد اشتراها ملك فرنسا عام 1834 وقدّمها هديّة إلى متحف لوكسمبورغ. ثم انتقلت في ما بعد إلى متحف اللوفر حيث ظلّت فيه إلى اليوم.
الأسطورة الأوربّية عن فانتازيا الحريم تكرّست في القرن التاسع عشر بعد ترجمة انطوان غالان لكتاب "ألف ليلة وليلة" إلى الفرنسية عام 1717. ثم تعمّق المفهوم الأوربّي عن الشرق أكثر فأكثر من خلال صور ديلاكروا.
وقد كتب الرسّام في ما بعد إلى صديق له يقول: لم أرَ في حياتي اغرب مما رأيته في طنجة. فهذه المدينة هي حكاية خارجة من كتاب الليالي العربية. إنها مزيج مدهش من الأعراق والأزياء والألوان".
لوحة "نساء الجزائر" تُوازن بين الكلاسيكية والرومانسية. الإلهام الشرقيّ وثروة الألوان التعبيرية هي ملامح رومانسية. والنظام الإيقاعي للأشكال والشغف المحسوب هي ملامح كلاسيكية. الضوء والظلّ يلعبان هنا دورا مهمّا. والتلوين يخلق جوّا من الدفء قيل إن رسّاما لم يحقّقه من قبل باستثناء فيلاسكيز في لوحته "النسّاجات".
وعندما تنظر إلى اللوحة سيُخيُّل لك أن الوقت فيها متوقّف. وليس فيها أيّ حبكة أو فعل أو قصّة. إنها صورة نقيّة، لكنها ساحرة وجذّابة بما لا يُوصف.
والسمات العديدة فيها، كالنظرات المتلصّصة والظلال المنوّمة والألوان اللامعة والهدوء المهيمن، كلّها عناصر عن الطبيعة المتناقضة للوحة كثمرة للمزاوجة بين الواقع والخيال.
مزيج الألوان ووضعيات الأيدي وطيّات الملابس والضوء غير المتوقّع والتباين بين الشخصيات دفعت احد النقّاد للقول إن اللوحة مليئة بالأفكار والرؤى.
وقال ناقد آخر: إن هذه اللوحة تعكس الحياة المملّة لهؤلاء النساء اللاتي يفتقرن للأفكار الجادّة والعمل المفيد الذي يمكن أن يمنع عنهن الشعور بالسأم في هذا السجن الذي يقبعن وراء جدرانه".
ألهمت لوحة "نساء الجزائر" أجيالا متعاقبة من الرسّامين، مثل فان غوخ وغوغان وسيزان. كما كانت مصدر إلهام لبيكاسو وماتيس والانطباعيين الذين أتوا في ما بعد.
كان بيكاسو مهجوسا كثيرا بـ "نساء الجزائر". وفي عام 1954، أي بعد مرور 120 عاما على رسم ديلاكروا للوحة، رسم بيكاسو 15 لوحة، بالإضافة إلى مئات الاسكتشات. وكانت كلّها عبارة عن تنويعات على لوحة ديلاكروا.
وإحدى تلك اللوحات أصبحت أغلى لوحة في العالم، عندما بيعت قبل خمس سنوات بـ 180 مليون دولار. ونُقل عن بيكاسو وقتها قوله: لو رأى ديلاكروا لوحتي لأحبّها وقدّرها. لقد رسم لوحته وفي ذهنه روبنز. ورسمتها أنا وفي ذهني ديلاكروا. لكني فعلتها بشكل مختلف".
كان ديلاكروا أوّل رسّام فرنسي يعبر البحر المتوسّط. وقد تأثّر في استشراقه بنموذج اللورد بايرون الذي شارك في حرب الاستقلال التي خاضها اليونانيون ضد الأتراك العثمانيين.
وكان عمر ديلاكروا عندما زار الجزائر والمغرب 34 عاما. وقد مكث فيهما ستّة أشهر فُتن خلالها بهذا الشرق الجديد وبألوانه الساطعة وبالعرب ونسائهم وخيولهم الساحرة، وهي العناصر التي ظلّ يرسمها طوال حياته.
وفي الجزائر والمغرب رأى نسخة من الشرق الأسطوريّ والرائع الذي طالما تخيّله. ولم توفّر له تلك الرحلة الفرصة ليرسم ما رآه فحسب، وإنّما أتاحت له فرصة للتأمّل الفلسفيّ. وقد كتب في مذكّراته يقول: عشت في الجزائر والمغرب ستّة أشهر فقط. ومع ذلك أحسست أنني عشت هناك أكثر ممّا عشت في باريس بعشرين مرّة".
كان ديلاكروا يعتقد بأن أسلوب حياة الأقدمين يوشك على الانتهاء، وهو انطباع ظلّ معه حتى مماته. كما كان يؤمن بأن الحلقات المفقودة من الحضارة موجودة في الشرق، وأن حجم الإرث الحضاري للشرق يكفي لإلهام عشرين جيلا من الرسّامين.
لكن لأن ديلاكروا سافر إلى شمال أفريقيا كجزء من بعثة دبلوماسية فرنسية بعد عامين من غزو فرنسا للجزائر، فقد ظنّ البعض بأن اللوحة كانت شكلا من أشكال الدعاية لطموحات فرنسا الاستعمارية. غير أن النظر إلى اللوحة عن قرب يثبت أنها بعيدة عن رسم الآخر الغرائبي، أي نموذج اللوحات الاستشراقية السائد آنذاك.
كان ديلاكروا يؤمن بأن حضارة الجزائر، رغم كونها اقلّ تطوّرا من فرنسا، إلا أنها اقرب إلى الطبيعة، كما أن فيها بعضا من قيم روما القديمة التي كانت تتآكل في الغرب. صحيح أن الرسّام كان متأثّرا بفكرة التفوّق الأوربّي، لكنه فوجئ بنبل الناس في الشرق مقارنةً بما كان يعتبره "فساد الفرنسيين".
كان ديلاكروا جزءا من حركة فلسفية وفنّية تتضمّن الفنون الفكرية والبصرية والأدبية. وهو نفسه كان شاعرا ومؤلّفا وعاشقا للتاريخ والأدب. وقد تضمّنت تجربته في شمال أفريقيا لوحات أخرى مثل "متعصبّو طنجة" و"زواج يهودي" وغيرهما.
مزيج الألوان ووضعيات الأيدي وطيّات الملابس والضوء غير المتوقّع والتباين بين الشخصيات دفعت احد النقّاد للقول إن اللوحة مليئة بالأفكار والرؤى.
وقال ناقد آخر: إن هذه اللوحة تعكس الحياة المملّة لهؤلاء النساء اللاتي يفتقرن للأفكار الجادّة والعمل المفيد الذي يمكن أن يمنع عنهن الشعور بالسأم في هذا السجن الذي يقبعن وراء جدرانه".
ألهمت لوحة "نساء الجزائر" أجيالا متعاقبة من الرسّامين، مثل فان غوخ وغوغان وسيزان. كما كانت مصدر إلهام لبيكاسو وماتيس والانطباعيين الذين أتوا في ما بعد.
كان بيكاسو مهجوسا كثيرا بـ "نساء الجزائر". وفي عام 1954، أي بعد مرور 120 عاما على رسم ديلاكروا للوحة، رسم بيكاسو 15 لوحة، بالإضافة إلى مئات الاسكتشات. وكانت كلّها عبارة عن تنويعات على لوحة ديلاكروا.
وإحدى تلك اللوحات أصبحت أغلى لوحة في العالم، عندما بيعت قبل خمس سنوات بـ 180 مليون دولار. ونُقل عن بيكاسو وقتها قوله: لو رأى ديلاكروا لوحتي لأحبّها وقدّرها. لقد رسم لوحته وفي ذهنه روبنز. ورسمتها أنا وفي ذهني ديلاكروا. لكني فعلتها بشكل مختلف".
كان ديلاكروا أوّل رسّام فرنسي يعبر البحر المتوسّط. وقد تأثّر في استشراقه بنموذج اللورد بايرون الذي شارك في حرب الاستقلال التي خاضها اليونانيون ضد الأتراك العثمانيين.
وكان عمر ديلاكروا عندما زار الجزائر والمغرب 34 عاما. وقد مكث فيهما ستّة أشهر فُتن خلالها بهذا الشرق الجديد وبألوانه الساطعة وبالعرب ونسائهم وخيولهم الساحرة، وهي العناصر التي ظلّ يرسمها طوال حياته.
وفي الجزائر والمغرب رأى نسخة من الشرق الأسطوريّ والرائع الذي طالما تخيّله. ولم توفّر له تلك الرحلة الفرصة ليرسم ما رآه فحسب، وإنّما أتاحت له فرصة للتأمّل الفلسفيّ. وقد كتب في مذكّراته يقول: عشت في الجزائر والمغرب ستّة أشهر فقط. ومع ذلك أحسست أنني عشت هناك أكثر ممّا عشت في باريس بعشرين مرّة".
كان ديلاكروا يعتقد بأن أسلوب حياة الأقدمين يوشك على الانتهاء، وهو انطباع ظلّ معه حتى مماته. كما كان يؤمن بأن الحلقات المفقودة من الحضارة موجودة في الشرق، وأن حجم الإرث الحضاري للشرق يكفي لإلهام عشرين جيلا من الرسّامين.
لكن لأن ديلاكروا سافر إلى شمال أفريقيا كجزء من بعثة دبلوماسية فرنسية بعد عامين من غزو فرنسا للجزائر، فقد ظنّ البعض بأن اللوحة كانت شكلا من أشكال الدعاية لطموحات فرنسا الاستعمارية. غير أن النظر إلى اللوحة عن قرب يثبت أنها بعيدة عن رسم الآخر الغرائبي، أي نموذج اللوحات الاستشراقية السائد آنذاك.
كان ديلاكروا يؤمن بأن حضارة الجزائر، رغم كونها اقلّ تطوّرا من فرنسا، إلا أنها اقرب إلى الطبيعة، كما أن فيها بعضا من قيم روما القديمة التي كانت تتآكل في الغرب. صحيح أن الرسّام كان متأثّرا بفكرة التفوّق الأوربّي، لكنه فوجئ بنبل الناس في الشرق مقارنةً بما كان يعتبره "فساد الفرنسيين".
كان ديلاكروا جزءا من حركة فلسفية وفنّية تتضمّن الفنون الفكرية والبصرية والأدبية. وهو نفسه كان شاعرا ومؤلّفا وعاشقا للتاريخ والأدب. وقد تضمّنت تجربته في شمال أفريقيا لوحات أخرى مثل "متعصبّو طنجة" و"زواج يهودي" وغيرهما.
Credits
louvre.fr
eugenedelacroix.net
louvre.fr
eugenedelacroix.net