:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، أبريل 16، 2024

نهاية رجل خطير


كان قتل أرخميدس أحد أكبر الأخطاء التي ارتُكبت في تاريخ العلم. وكان هذا العالم اليونانيّ قد قُتل على يد جنديّ روماني عام 212 قبل الميلاد أثناء حصار الرومان لبلدة سيراكيوز في صقلّية، على الرغم من صدور أمر بعدم تعريضه للأذى.
عُرف أرخميدس باختراعاته الكثيرة مثل الأشعّة الحرارية والمدفع البخاري ومفهوم الصغر اللانهائي وغير ذلك من النظريات الهندسية والرياضية. وربّما لو عاش عامين أو ثلاثة أخرى لكان على الأرجح قد اكتشف حساب التفاضل والتكامل، أي قبل نيوتن أو لايبنتز بألفي عام.
الكلمات الأخيرة المنسوبة إلى أرخميدس قبيل مقتله كانت: أرجوك لا تخرّب دوائري!" كان يخاطب قاتله مشيراً إلى الرسم الرياضي الذي من المفترض أنه كان يدرسه.
أرخميدس يُعتبر أعظم عالم رياضيات في العالم القديم، وأحد أعظم الرياضيين في جميع العصور. وقد نشأ ليصبح عالما متفرّدا بتوجيه من اثنين من أكبر علماء الرياضيات في زمانه. وعُرف عنه أيضا دوره الاستراتيجي في الحروب القديمة وتطوير التقنيات العسكرية.
وإن كنت قد شاهدت شخصية كرتونية لرجل عجوز يركض عارياً في شوارع إحدى المدن، فمن المرجّح أن تكون تلك الصورة الكاريكاتورية لأرخميدس.
وأصل القصّة أن الملك هيرون الثاني تحدّى أرخميدس أن يعرف ما إذا كان تاج الملك مصنوعا من الذهب الخالص أو مخلوطا بالفضّة. وكان على أرخميدس أن يكتشف نقاء التاج من عدمه دون أن يضطرّ الى صهره، ما قد يؤدّي الى الإضرار به.
وكانت تلك المسألة تلحّ على ذهن ارخميدس في كلّ وقت. وأثناء استحمامه، اكتشف أن هناك علاقة مباشرة بين الماء المتدفّق من الحوض وجسمه المغمور. وفجأة قفز من حوض الاستحمام وأخذ يركض في الشوارع وهو يصرخ "يوريكا.. يوريكا" أو "وجدتها.. وجدتها". وتوصّل الى مبدأه القائل بأن أيّ جسم مغمور في سائل يندفع إلى أعلى بقوّة تساوي وزن السائل المزاح.
ثم أجرى ارخميدس الاختبارات على تاج الملك، وبالفعل اتّضح أن الملك كان على حقّ، فقد خُلطت الفضّة بالذهب في التاج. ومنذ ذلك اليوم أصبحت عبارته الشهيرة "يوريكا" تُستخدم للتعبير عن الفرح الكبير بأيّ اكتشاف جديد أو مفاجئ.
ويبدو أن العلم المفضّل عند أرخميدس لم يكن الهندسة بل الرياضيات. وربّما كان أحد أعظم إنجازاته في الرياضيات هو قياس الدائرة. وكانت قياساته لها دقيقة بشكل مثير للإعجاب.
ومن المؤسف حقّا أن مثل هذا الرجل اللامع والعبقري انتهى نهاية مفجعة. فقد كان الرومان بقيادة الجنرال ماركوس مارسيلوس يحاصرون مدينة سيراكيوز لمدّة عامين عندما تمكّنوا أخيرا من فتح أسوار المدينة.
وقيل إن مارسيلوس أمر بألا يَمسّ أحد أرخميدس وأنه سيكون ضيفه الشخصي. في ذلك اليوم، كان أرخميدس جالسا في منزله يحاول حلّ مسألة رياضية معقّدة عندما اندفع إلى داخل بيته جنديّ روماني فوجده يرسم دوائر على الأرض. وعندما أشهر الجندي سيفه في وجه العالِم قال له بهدوء: أرجوك قبل أن تقتلني، دعني أنتهي من دوائري". لكن الجنديّ لم يكترث بطلبه فهوى عليه بسيفه وقتله.
كان الغزاة الرومان على ما يبدو يثأرون من أرخميدس لأنهم اعتبروه رجلا خطيرا لابتكاره سلاحا جديدا استُخدم في الحرب ضدّهم. فعندما أبحر الأسطول الروماني لقتال جيش الملك هيرون، طلب الأخير من أرخميدس ابتكار طريقة فعّالة لمواجهة أسطول العدوّ الأكثر عددا وعدّة. وقد دُمّر معظم الأسطول المهاجم بواسطة المرايا المقعّرة، أو شعاع أرخميدس الحراري، الذي عكَسَ ضوء الشمس على السفن ما أدّى الى احتراق معظمها.
ويُعتقد أن أرخميدس ربّما استخدم مرايا كثيرة كعاكسات مكافئة. وقيل إنه عندما رأى جنود الجيش المهاجم ما حدث للسفن قالوا لملكهم: يجب أن نكفّ عن محاربة هذا الوحش الهندسي الذي تغلّب على مآثرنا بشعوذته الخارقة. لقد حوّل سفننا الى أكواب لغرف الماء من البحر!".
ويقول بعض المؤرّخين أن المينويين Minoans سبق أن استخدموا مرايا مزدوجة لهذا الغرض، وربّما كان أرخميدس يعرف هذا أو سمع به من قبل.
دُفن أرخميدس بالقرب من بوّابة سيراكيوز، ووُضعت على قبره كرة واسطوانة. وعلى الرغم من أنه لم يكن مشهورا كثيرا في زمانه، إلا أن مخطوطاته تُرجمت في العصور الوسطى الى لغات عديدة وجذبت اهتمام الكثيرين. وفي القرن التاسع عشر قال فولتير واصفا إيّاه: كان في رأس أرخميدس من الخيال أكثر بكثير ممّا كان في رأس هوميروس!"

Credits
archimedespalimpsest.org